لماذا أسمع تلك الأصوات؟

أعيش هنا. إذن أنا لست هناك، وأمي ليست هنا. لا أشعر أن تساقط أوراق الخريف ينذر بالفناء، فقط الأشجار تخجل من التعريّ في موسم التزاوج. يهمس حفيفها في أذن الرّيح، يشارك في موسيقا الفرح، تختلط بها النغمات الجنائزيّة، ويكون الصراع الأزليّ بين البدء، والانتهاء، تنتصر الحياة مستمرّة في فصولها الجميلة. ولكلّ فصل جماله الأخّاذ.

أضع عيني في عين الشّمس

أعاتب أشّعتها

تتوارى خجلاً. يأتي صوت من بعيد:

آسفة! كنت مشغولة. لم أرحّب بكِ كما يجب. . . .

لاعليكِ. لولاكِ لما اشتعل داخلي بالحنين، ولما جلست قبالتك أمارس توحدي على ذلك المقعد الخشبيّ حيث تمطر تلك الشّجرة العجوز بدموعها، وبعضاً من العقيق .. .

قد يكون هذا المكان موطن عائلتي منذ الجد ما قبل العربيّ المتفاخر بقطع الرؤوس!

أشمّ رائحة أمّي بخبلط برائحة الأرض، حذائي يجري أمامي يبحث عن موطئ له. يتأمل الغابة.يطرب بصوت لهاث الكلاب، ونقيق الضفادع.

يستمرّ الصوت في التأنيب. أستيقظ من إغماءتي. أستعيد أحاسيسي.

أشعر بالحبّ، بالحياة.

لا. الأمر مختلف. أشعر بالغضب، وأكثر من ذلك، ربما هو شعور بخيانة الماضي اللئيم!

عندما وضعت أحاسيسي في ثلاجة منذ نصف قرن، كي لا أسير بعكس التّيار. شارفت روحي على الاحتضار، في صحوة موتي اتّخذت القرار:

من الجميل أن يكون لنا مدينة فاضلة! قد تكون قريتي الشّرقية هناك هي المكان الأمثل، وتكون بمثابة اعتذار منها عمّا كنت أنعتها به، فطالما أسميتها بالسّيءة الصيت، فقط لأنها كانت نشعرني بالملل!

للآمكنة مذاقات.فعندما حدّثونا عن أماكن الياسمين. ذهبت إليه. كان مذاقه بطعم العلقم.

وللمكان هنا طعم العسل. فقط لو لم أفقد حاسة ذوقي بين التصفيق لرجال أتوا من المجاهل، وشهراء تناسوا التّاريخ، وبينما كنت أزيّف اسم الوطن. شلّ لساني، وفقدت طعم كلّ المذاقات!

في داخلي فريق من متطوعين يرغبون في البناء. يعمل على إعادة الحواس التي فقدتها. يحرّضني على محاولة البحث عن الحقيقة داخل رغيف خبز، ثمّ يحاول تحييد قسم من ملائكة الرّحمن، كي ينحازوا إلى صفّ المظلومين. أخبرت الفريق أن يبلّغ الملائكة بأن شعوري تجاههم مليء بالخزي، والعار.

الصوت يعود. يؤنب:

الشّمس تسطع

والبكاء لا يعرف لغة

والزمن يغوص في ندب عميق

الجروح تزيد

الموت لغة تلاحقنا

فيختبئ العمرفي أقبية التّهديد!