Alef Logo
ابداعات
              

نقد / دعونا نحتفي بالسياب ونرفع قبعاتنا لزمنه الشعري

2006-04-09

ماذا يفعل الأبناء بمعطف السياب؟
عندما نمارس التحديق جيدا في جلد الأرض، نبصر ما تبقى عالقا فوق اديمها ضاجا بالغبار، محتشدا بالمراثي، وجوها مكشوفة للريح، أبوبا مشرعة للعبور الأزلي، قبورا تلبس المقدس،
موتى يخرجون كل ليلة إلى يومياتنا ليمارسوا حاكمية الرواة الماكثين، أصحاب الوصايا والرسائل !! الأحياء والمكررون يخرجون دون عصيان من معاطف هؤلاء الموتى. لذا نجد الشعراء يتحدثون بمرارة وبـ(بنوة) متمردة ونافرة عن النص/ المعطف، وعن قداسات (جمعيات الشعراء الموتى) !!!....
بدر شاكر السياب الشاعر والمحدّق والاحتجاجي وصاحب اكثر المعاطف دفئا في حاضرنا الشعري !! وربما هو اكثر شعراء زماننا الشعري تمردا على كتابة المرآة، التي ورطتنا دائما بنصوص تشبهنا، وتبادلنا وهم لذتها، وتمنحنا اصابعها البلاغية دونما اسئلة أو قلق!! يهبط الليلة ليرشّ على رؤوسنا ماء الورد وتعاويذ الأب المبارك !! وكأنه يقول أن معطفي لا يشبه معطف غوغول، خذوه إلى مواسمكم واصنعوا منه علامات مرورية للقادمين من كواكب الغبار.....
السياب الشاعر الميت والحي، مازال يطلق عصافيره في سمائنا عند كل موسم من مواسم الحداثة وتجديد ثياب الجسد الشعري، يدعونا إلى طقوس معطفه لنخرج منه السكاكر والدخان وأصابع الديناميت!
الحداثيون من الشعراء والعرافون في مواسمه وفصوله، لا يخرجون عن هذه الطقوس لأنها التابو ولأنها الأيقونة التي تركها المقدس الثقافي والأخلاقي عند وسائدنا وعن رأس كل حكاية يتلوها الآباء عن (روح القدس ) في شعريتنا المعاصرة ....
لا أظن أن أحدا يختلف في أن السياب قد مارس العصيان الشعري على (تابوات) الأمة المشغولة بحروب التحرير واليسار المؤدلج حدّ العظم وصراع الطبقات المنزوعة الأظافر!! ولا أحد يغمط هذا الحق الأبوي حين يكون الحديث عن الأصول والمرجعيات وبسالة الروح في اجتراح كيمياء المغامرة، إلا أننا بحاجة إلى هامش وجودي وزمني لنلامس جلودنا الشخصية في مرايانا وحسب شروطنا، وأن نقرأ قلقنا المهيب الذي تشكّل في زمانات عصيبة بحروبها وخياناتها وأحزانها، ينبغي للشعراء الخارجين من جمعيات الشعراء الموتى أن يمارسوا حيواتهم ولذاتهم وتجريبهم وأن لا يقولوا مع (سان جون بيرس) عندما سأله احدهم: من هو اعظم شاعر في فرنسا الآن؟ قال له بيرس: إنه (فيكتور هيجو) مع الأسف!
لا شك أن السياب هو اكثر أصحاب المغامرات في شعريتنا المعاصرة توهجا وأكثرهم تخريبا لأنساق التقليد، وأعمقهم توغلا في أعصاب الشعر وصناعة حساسيته التي تفترض استحضار ما تحت الطين الحري للغة ... لكنه ينبغي أن يكون أيضا الأكثر تحريضا على إثارة الأسئلة أمام الأجيال الجديدة التي تركض كالخيول المرعوبة في صحراء لا حدود لها ولا أفق يرسم لها أوان الخطوات. ربما هو العقل الثقافي العصابي العربي الذي ينتج قداساته دائما، ويمنح أوسمة خلوده للفرسان النبلاء الذين يرمون الحجر على حائط العائلة!! السياب في هذا الإطار كان مغامرا قلقا ومتمردا وباحثا لجوجا عن مقابلات لازماته الوجودية والحسية، السياب وتحت نوبات قلقه العارمة كان يمارس لعبة تحرير استثنائية لقصائده ولغته، حدّق في كونه الأرضي المباح للأحزان والفقر والحرمانات والمرايا التي تصنع وجوها متشابهة، لم يتلمس الطريق إليه وكأنه يعبر ساقية في (جيكور) ولم يقرأ نصه تحت لذة الحشد الذي يقترح دائما شعراء صواتين، هم أشبه بالمنادين في أسواق الجمعة، أراد أن يتخلص من ورطة الشاعر الخطيب والقصيدة الهتاف واللغة المتراكمة كأعمدة البيوت! انحاز إلى أوهامه الخالصة، وأيقن أن تفكيك اللغة /العمود والقصيدة/الهتاف لا يتم إلاّ عبر التورط المعرفي في البحث، والإنصات إلى أصوات الجنيات، والوقوف عند لزوجة لغوية أخرى، لذا ترك دراسة العربية في دار المعلمين إلى دراسة الإنكليزية وتنازل عن سنوات دراسية لهذا النداء الغريب...وبحث في أساطير المكان، وتلمّس عبر مرآته الشاحبة، أن يرى سيولة وجهه وهو ينزّ نداء وبوحا...
كان دخوله فضاء الثقافة الإنكليزية دخول الباحث عن الذهول، ذهول العالم الذي يركض حوله دون أدنى التفاتة إلى ما تصنعه العربات والحوذيون....
لم يعد يألف الشارع كثيرا، ولم يعد يملك حيازة للاطمئنان في زواياه، كل ما فيه اصبح شاردا، الجسد، اللغة، القراءة، الأصدقاء، الأيديولوجيا، المكان ...
ولعل هذا الشرود تلبس تهويمات مرعبة، أخذت بتلابيبه على طريقة الجنيات، انصرف إلى قراءة الفضاء الأسطوري العراقي، أسطورة الخلق والانبعاث، أسطورة الحزن والموت. اكتشف أن الكثير من مرجعياته الشخصية تعود إلى أسطورة المكان العراقي، تلبسه القلق التموزي، قلق الموت والانبعاث، الذي هو قلق الإنسان الباحث عن الحرية واللذة والقوة، ظلت هذه الأفكار اللجوجة تلاحقه بشراهة، إذ هو العليل المحروم الكليل القميء الضاج بنداء الروح والجسد !!
إن فرادة التكوين الشعري للسياب كانت فرادة المتمرد على نسقه، فهو لم يمارس ترف الإشباع الحسي في المكان، إذ ظلت أمكنته الأثيرة هي القرية الشاحبة والمدينة الملتبسة بأوهام النفط والغربة في المدينة الكبيرة، ثم السجن والغربة والمنفى وأخيرا المرض الذي يعدّ اكثر المحابس التي هتكت جسده الأرضي ...كما انه لم يمارس ترف الإشباع الثقافي الذي كانت تنتجه المدن الأخرى التي تبلبلت باللغات والفتوحات ...
إن قراءة الخطاب الحداثوي في شعرية السياب هو ضرورة منهجية وموضوعية في قراءة روح المغامرة الشعرية العراقية والعربية، وأحسب أن هذا الموضوع لا يحتاج إلى مزاودة أو إلى إعادة حسابات (الحقل والبيدر) إذ يعمد البعض من شعرائنا العرب أو موظفي النقد العربي إلى البحث عن أراض مجهولة ومرجعيات غائمة في صناعة (الثورة الشعرية) التي أطلقها السياب كآليات اشتغال في التعاطي مع الشعرية في ضوء متغيرات ثقافية ومعرفية عاشتها الحاضنة العربية.
ان هذه الأصوات التي باتت تؤسس طروحاتها في ظل انزياحات سسيو ثقافية حادة انعكست عبر تعمية الكثير من الوقائع ومحاولة تغليب الخطاب البراغماتي في قراءة تشكلات الظاهر الثقافية خلال النصف الثاني من القرن العشرين ..
ورغم عدم أهمية وجدية هذه الطروحات التي تسعى إلى تأليه الخطاب التاريخي بعيدا عن شروط تحقيقه الفاعلة، ومن يقرأ الطروحات الأخيرة للشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي في قراءته التي تشكك بمؤثرات الشعرية العراقية في الخطاب الثقافي الشعري العراقي، يتلمس حجم الحساسية التي يعانيها البعض من تاريخ مازالت بعض شواهده تمشي بيننا على قدمين!! فضلا عن قصورها في التعاطي مع الشعر كحياة وفضاء ومعرفة، وهذه المكونات تجعل من الشعرية جسدا قابلا للحراك والوجود والانزياح والتناسل.
دعونا نحتفي بالسياب شاعرا رائدا دون عقد أو حساسيات، نحتفي بحياته التي تواصل قلقها ورعشاتها في جلودنا وأصابعنا، وتحرضنا نحن الأبناء على أن نمارس حقوقنا الأنطولوجية في التسلل جيدا إلى كوننا الأرضي لنشيّد عمرانا في اللغة والوعي والمعرفة، مثلما نواصل صناعة أحلامنا للقادمين لكي لا يشتموننا ويقولوا عنا ما قاله أحد الشعراء في تونس (إن أبا القاسم الشابي قد وضع حجرا في طريق الشعراء)
كما أننا نسعى إلى أن نضع ثقافتنا الشعرية العراقية و العربية في سياقاتها الصحيحة دونما حساسيات أو أوهام صنعتها الحروب وسياسات الحكومات التي أخذت بطفولتنا وكتبنا المدرسية وأحيانا ذاكرتنا إلى اسطبل العائلة المقدسة.......
دعونا نحتفي بالسياب ونرفع قبعاتنا لزمنه الشعري الذي علّمنا أن الأشياء العظيمة تبدأ بمغامرة عظيمة، وأن لا نقف أمام أسئلة أبنائنا القادمين وهم يقولون، ماذا فعلتم بمعطف السياب الجميل؟!.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow