Alef Logo
مقالات ألف
              

" الإعلام والسلطة والوعي الجمعي " الثورة المصرية نموذجا

محمد علاء الدين

خاص ألف

2013-12-18

" الإعلام والسلطة والوعي الجمعي " الثورة المصرية نموذجا


كثيراً ما نسمع في وسائل الإعلام " كلمة حيادية" والتي يراد بها بشكل مباشر ان يقف الإعلامي على نفس المسافة من الأشخاص والتوجهات والقضايا المثارة. بمعنى أن لا ينحاذ بأي حال من الأحوال لأي طرف من الأطراف، هذا بالإضافة إلى الموضوعية والمهنية في الطرح والتناول وهو ما لم نلمسه في إعلامنا الخاص والعام في فترة التحول العميق التي تمر بها بلادنا الآن الأمر الذي أدى إلى أن يصبح الإعلام مجرد وسيلة للإستقطاب والإنقسام والقهر بدلاً من ان يكون وسيلة للتنوير والنهضة والوحدة .


قبل أن اتحدث في تفاصيل الموضوع علي أن أشير إلى نقطتين في غاية الأهمية الأولى تتمثل في السؤالين التاليين هل يمكن أن يوجد شخص محايد بالمعنى الحقيقي للكلمة ؟ وهل وجد بالفعل ؟ أعتقد أن الحيادية وهم كبير فالحيادية يجب ان تكون لدى الباحث والقاضي والطبيب لكنها من المستحيل بل ولا يجب أن تكون لدى الإعلامي نظراً للقضايا التي يتناولها والتي تمس بشكل مباشر أوضاع الناس السياسية والإقتصادية والإجتماعية مما يجعل تنحية وجهة النظر الشخصية أمر بالغ الصعوبة هذا بالإضافة إلى أن دور الإعلام الأساسي ليس فقط إظهار الحقائق للناس لأن هذه النقطة ما هي إلا وسيلة للسعي إلى إحداث تنوير حقيقي الأمر الذي يتطلب من الإعلامي أن يكون ذا توجه واضح مبني على أسس واقعية لا تنفصل عن هوية المجتمع ومتطلبات العصر إلا انه في كل الأحوال يجب ان يكون موضوعياً ومهنياً والفرق شاسع بين المعنيين فالموضوعية لا تعني ان يقف الإعلامي على الحياد ولكن تعني أن يظهر الحقائق كما هي حتى وأن كانت ضد التيار الذي يقف بجانبه .


أما النقطة الثانية فتتمثل في دور الإعلام الخطير في التأثير على الجماهير وهنا يجب ان اشير أيضاً إلى مسألة غاية في الأهمية فنحن نرى من يصف الشعب بانه المعلم والملهم وهناك من يصفه بالجهل والسطحية والتخلف. واعتقد ان الشعب لا يتصف بأي من الصفتين فالمشكلة الكبرى للوعي الجمعي تكمن في انه قادر على ان يرى الحقيقة دون أن يدرك أبعادها وان يعي المشكلات دون يعي ما وراءها أيضاً، فالشعوب قادرة على أن تعي بشكل مباشر أن الحاكم ظالم ومستبد وانها فقيرة ومهمشة ومقهورة لكنها غير قادرة على أن تعي بشكل سليم الأسباب التي أدت إلى تلك النتائج والسبيل إلى حل المشكلة للوصول إلى تغيير حقيقي وهنا ياتي دور الإعلام والتعليم والنخبة التي ان لم تكن صادقة وموضوعية ستضلل الوعي الجمعي وتشتته الأمر الذي سيؤدي إلى حتمية الوقوع في دوائر لا متناهية من الصراع والإنقسام والتدهور بدلاً من ان يكون دورها الأساسي في تنمية وعي جمعي ناقد قادر على النقد والتحليل وبالتبعية تغيير الأوضاع إلى الأفضل .


من يقتل من ؟.. أو لنقل من يملك التفسير ؟.. هكذا كان الشعب يتساءل دائماً فمنذ بداية الثورة والإعلام يتأرجح بين القمة والقاع على منحى بياني فغياب الموضوعية والمهنية جعل الإعلام مجرد وسيلة لتحقيق مكاسب سياسية في دائرة الصراع السياسي التي لم تحسم بعد لأي من الأطراف المتصارعة والمدهش في الأمر هو التحولات العميقة من ـ إلى، فأعداء الأمس أصبحوا أصدقاء اليوم والعكس صحيح. فقبل سقوط مبارك كان الإعلام الخاص كله يسير في إتجاه عكسي للنظام الحاكم وأستمر الأمر حتى إستفتاء مارس حين بدأ التحالف بصورة علنية بين العسكريين والقوى الإسلامية المختلفة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين مما ترتب عليه وقوف جبهتين متضادتين وجهاً لوجه الأولى تتمثل في القنوات الدينية والإعلام الحكومي والثانية تتمثل في الإعلام الخاص الأمر الذي أدى إلى إحداث حالة من الإستقطاب والإنقسام الواضح داخل المجتمع وأستمر الوضع هكذا حتى قبيل الموجة الثالثة من الثورة في الثلاثين من يونيو – والتي تم الإنقلاب عليها بالطبع من قبل العسكريين – حيث بدا الإعلام الحكومي متأرجحاً بين التأييد والمعارضة مما جعله يظهر – وهو مظهر مخادع بالطبع – بشكل فيه قدر ولو ضئيل من الموضوعية والمهنية وبعد الموجة الثالثة من الثورة وإغلاق القنوات الدينية والقنوات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين تحالف كل من الإعلام الحكومي والخاص ضد الجماعة وانصارها إلى ان الخطير في هذه المرحلة هو أن الإعلام أصبح أحادي التوجه بل وفاشياً أيضاً فتم إقصاء بعض المذيعين والوجوه النخبوية المعروفة وإلغاء بعض البرامج – كبرنامج باسم يوسف – هذا بالإضافة إلى وصف الثوار بالطابور الخامس وإلصاق تهمة الإخوانية بهم لتضليل الوعي الجمعي عما يحدث بشكل فعلي على أرض الواقع واعتقد ان هذا الأمر يرجع إلى سببين رئيسيين الأول يتمثل في التأييد الشعبي الجارف للعسكريين وكراهية الأخوان مما يجعل إنتقاد السلطة أمر بالغ الصعوبة والثاني يتمثل في الخوف من قهر السلطة خاصة وانها تتمتع بهذا الظهير الشعبي المؤيد والمساند بل والتواطؤ معها لإحراز مكاسب عدة وفق صفقة جديدة لتيارات سياسية مختلفة وبطبيعة الحال يرجع الأمر كله إلى أن الإعلام والمؤسسات التعليمية والنخبة لم يقوموا بدورهم الحقيقي في تنمية الوعي الناقد لدى الجماهيير بدلاً من الإنكفاء على مواجهة الخصم حتى وأن كانت مواجهته أمر ضروري ومشروع .


هنا قلب الثورة.. وصوتها اللامسموع.. هكذا يمكن أن يوصف الإعلام الموازي المتمثل في مواقع التواصل الإجتماعي من فيس بوك وتويتر ويتيوب لذا يظن البعض أنها ثورة ما بعد حداثية بإمتياز وهنا يجب أن نميز ما بين ما بعد الحداثة والثورة التكنولوجية فقيم ما بعد الحداثة الرافضة للقضايا الكبرى والمتمثلة في أن يكون لكل فرد عاداته وتقاليده ومعتقداته الخاصة لم تكن موجودة في مجتمعاتنا العربية في يوم من الأيام ليس لأنها مجتمعات متخلفة حضارياً ولكن لأنها مجتمعات متدينة بإمتياز فحتمية التطور التاريخي على النسق الغربي أمر وهمي لإختلاف الثقافة وظروف الزمان والمكان كما أن الغرب نفسه لم يتخل يوماً عن مبادىء وقواعد عامة يؤمن بها الجميع ولا يخرجون عنها بأي حال من الأحوال كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وهي قضايا كبرى ذات أسس أيدولوجية بإمتيازهذا بالإضافة إلى ان الغرب نفسه بما فيه أوروبا وهي المثال الأكبر لمن ينظرون لما بعد الحداثة يعود اليوم إلى القضايا الكبرى بصورة واضحة ومباشرة ولو بشكل تدريجي فالحياة بلا قضايا كبرى يساوي الحياة بلا هوية ومن يحيا بلا هوية فهو خارج عن الزمان أي يساوي العدم أو اللاشيء لأنه ببساطة ليس له ماض ومن ليس له ماض ليس له حاضر أو مستقبل .


يمكن وصفها أذن بالثورة التكنولوجية.. نعم فحقيقة الأمر كان للتكنولوجيا دور مهم في الثورة المصرية وفي الحراك الثوري الذي يرج أرجاء المعمورة الآن ليس بوصفها أداة للتواصل ولكن لكونها طريقة حياة فتلك الأداة إستطاعت أن تبني وعيا جمعيا عالميا مغايرا بكسرها لحواجز المكان الأمر الذي أدى إلى إيجاد صيغ للتفاهم الإنساني المشترك على قواعد إنسانية ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان والدين والثقافة واللغة مع إحترام خصوصية الاخر وما هو متغير بين الشعوب وبطبيعة الحال تحول هذا الوعي إلى طريقة حياة لدى الأفراد والجماعات المنتمية لهذا الفضاء التكنولوحي الأمر الذي ترتب عليه دخول هؤلاء الأفراد وتلك الجماعات في علاقة دينامية مع الواقع المعاش ويمكن ان نجد ذلك جلياً في الدور القوي للتكنولوجيا في قيام ثورات الربيع العربي والتضامن والتواصل ما بين شبابه والحركات الإحتجاجية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية كحركة "غاضبون الإسبانية" وحركة "أحتلوا وول ستريت الأمريكية" وما بين بعضهم البعض الأمر الذي قد يؤدي إلى ثورة عالمية أولى وبروز نظام عالمي جديد وهو أيضاً قضية كبرى بإمتياز كما ان المدقق في الأعلام التي ترفع في المظاهرات الأوروبية والعربية يجدها لتيارات تحمل أيدولوجيات كبرى مما يجعلها لا تنتمي لأفكار ما بعد الحداثة من قريب أو بعيد .


ساحة للجدل والصراع.. والحفاظ على الثورة.. هكذا أيضاً يمكن ان توصف مواقع التواصل الإجتماعي فهذا العالم شبه الواقعي – لأن التواصل في حد ذاته يجعله ليس إفتراضياً – كان ولازال ساحة للصراعات السياسية خاصة في فترات الإستقطاب الحادة التي مرت بها الثورة هذا بالإضافة إلى إستغلاله من قبل وسائل الإعلام في بعض الأوقات بإستخدام هذه الطاقات الشبابية بصورة او باخرى في جدلية الإعلام والإعلام المضاد وتنحيته جانباً في أحيان اخرى إلا انه بالرغم من ذلك يظل المحافظ الأكبر على الثورة نظراً لأن المنتمون إليه من الثوار يمتلكون عقولاً شابة – مهما اختلفت اعمارهم – أي عقول تنتمي إلى العصر الحالي لا العصور السالفة وبالرغم من ذلك تظل مواقع التواصل الإجتماعي تمثل مجتمعاً نخبوياً بعض الشيء وغير قادر على التاثير في العالم الخارجي مما يجعل تاثير الإعلام بالغ الأهمية لما لهو من قوة وسطوة ونفوذ على عقول الجماهير التي كان ولازال يتلاعب بها كيف يشاء لتحقيق مكاسب سياسية آنية ومخادعة وغير قابلة للإستمرار بأي حال من الأحوال فإنسان القرن الواحد والعشرين يختلف جذرياً عن إنسان القرن العشرين لذا يجب على السلطة الحاكمة والإعلام أن يعوا هذا جيداً وأن يوفروا مزيداً من الدماء والفوضى لأن التغيير قادم لا محالة .



















تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

" خارج الصندوق"

14-تشرين الثاني-2020

زحام أسئلة في ذكرى الانفصال وخمسينية عبد الناصر

14-تشرين الثاني-2020

حكم الأسد وأسئلة النهاية .. عشرينية بشار وخمسينية العائلة

01-آب-2020

حكم الأسد وأسئلة النهاية .. عشرينية بشار وخمسينية العائلة

25-تموز-2020

" البحر يقول شيئا ما"

22-شباط-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow