Alef Logo
ضفـاف
              

أطوار صورة الله في توراة من التعددية إلى عتبة التوحيد 2 / 2

فراس الســواح

خاص ألف

2014-02-10

نشوء الديانة التوراتية:

لقد جاء سبي أهل يهوذا في سياق عمليات تهجير واسعة النطاق قام بها ملوك الإمبراطورية الآشورية، وتابعها على نطاق أضيق ملوك الإمبراطورية البابلية الجديدة. وقد طالت سياسة التهجير هذه عشرات الشعوب المغلوبة التي أزيحت من مواطنها وجيء بأخلاط إثنية شتى لتحل محلها، وذلك من أجل خلخلة البنية الإثنية في المناطق المتمردة وكبح الروح القومية. وعندما ورث الفرس أملاك الإمبراطورية البابلية لم يمارسوا حق المنتصر على أراضي المقهورين وثرواتهم، لأن هؤلاء الورثة كانوا يتعاملون مع شعوب قد تم قهرها وترويضها، وإنما مارسوا حق الوارث، وتركزت سياستهم على كسب الدعم للحاكم الجديد من خلال سماحهم للشعوب المسبية بالعودة إلى مواطنها واسترداد هويتها الإثنية والدينية، والمشاركة في مشروع شامل للإنعاش الاقتصادي العام في الإمبراطورية. وعلى عكس البابليين والآشوريين من قبلهم، فقد اتبعوا نظام اللامركزية السياسية الذي يعطي للشعوب أكبر قدر من الحرية في إدارة شؤونهم المدنية، مع اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة من أجل منع نمو النزعات القومية الانفصالية.

وعندما دخل قورش إلى بابل عام 539 ق.م، أعلن بيانه السياسي في نص طويل يتهم فيه الحكام السابقين بالظلم والاستبداد وتسخير الرعية وتهجيرهم والإساءة إلى الآلهة، مدعياً أن إله بابل مردوخ الذي هجرها مع بقية الآلهة، قد دعاه لينقد الشعب ويعيد الأمور إلى نصابها، وأنه أسلمه بابل التي فتحت ذراعيها لاستقباله دون قتال. ولذا فإنه يعلن من بابل التي قصدها ملوك الجهات الأربعة لتقديم ولائهم، عم سياسته في إعادة بناء المدن المقدسة ومعابدها التي سُلبت منها تماثيل الآلهة، وإعادة المهجرين مع آلهتهم إلى تلك المدن التي جعلها سابقوه خراباً. وعلى حد قول النص في خاتمته: "لقد أرجعت إلى المدن المقدسة على الجهة الأخرى من الدجلة معابدها التي كان خراباً لمدة طويلة، كما أعدت إليها صور الآلهة التي كانت تعيش فيها، وجمعت سكانها المنفيين وسقتهم إلى أوطانهم. وتنفيذاً لأمر مردوخ العظيم، فقد أعدت صور آلهة سومر وأكاد، التي جلبها الملك نابونيد إلى بابل، سليمة إلى محاريبها السابقة، الأماكن التي تسر فؤادها."

على الرغم من الأسلوب الدعائي لهذا البيان السياسي الموجه إلى شعوب الإمبراطورية لكسب ولائها، إلا أن تطبيقه قد بدأ بالفعل، وسارت عملية إعادة الشعوب والآلهة إلى مواطنها على قدم وساق خلال فترة حكم الملك قورش وخلفائه من بعده، وذلك تحت شعارات "التجديد" و"إعادة البناء"، وفي ظل نظام إداري لا مركزي يساعد على حكم المناطق الشاسعة للإمبراطورية بكفاءة عالية ونفقات أقل، كما يساعد على فرض القوانين الفارسية إلى خلق هذه الكيانات الإقليمية التابعة، التي تستقبل عن طيب خاطر القوانين والشرائع والفارسية التي توحدها مع جسد الإمبراطورية، فقد عملت الإدارة الفارسية على مطابقة الآلهة المحلية في المجتمعات الجديدة، التي تم خلقها أو أحياؤها، مع إله السماء الفارسي أهورا مزدا، الإله الواحد الحق الذي بشر به زرادشت. وبهذه الطريقة سيتم توحيد أقاليم الإمبراطورية من خلال نظام قانوني تشريعي واحد، وإله واحد تتنوع أسماؤه وتجلياته من إقليم إلى آخر، ولكنها تتحد في النهاية تحت مفهوم الإله الواحد للإمبراطورية جمعاء.

في هذا السياق التاريخي والمناخ الفكري، نستطيع فيهم الأخبار التوراتية في سفري عزرا ونحميا بخصوص عودة سبي يهوذا وإعادة بناء هيكل الرب في أورشليم.

على الرغم من أننا لا نملك وثيقة فارسية تخبر عن السماع لسبي يهوذا بالعودة إلى موطنهم، إلا أنه لا يوجد لدينا من الأسباب ما يدعو إلى الشك في الخطوط العامة لهذه القصة، لأنها تتفق مع الإطار العام للسياسة الفارسية. وبشكل خاص فإن المرسوم القاضي بعودة سبي يهوذا والذي يعزوه المحرر التوراتي إلى الملك قورش، يتفق مع روح البيان السياسي التاريخي الذي أعلنه قورش عشية دخوله إلى بابل. نقرأ في مطلع الإصحاح الأول من سفر عزرا: "في السنة الأولى لكورش ملك بابل، عند تمام كلمته الرب بفم إرميا، نبه الرب روح كورش ملك فارس فأطلق نداءً في كل مملكته وبالكتابة أيضاً قائلاً هذكا قال كورس ملك فارس: جميع ممالك الأرض دفعها إلي الرب إله السماء، وهو أوصاني أن أبني له بيتاً في أورشليم التي في يهوذا.. الخ." نلاحظ في هذا النص المطابقة بين إله قورش وإله المجتمع الجديد في أورشليم، واستخدام المحرر التوراتي للمرة الأولى لقب "إله السماء" في معرض الإشارة إلى الإله القديم يهوه، الذي لبس الآن لبوساً جديداً باعتباره صورة محلية عن الإله الشمولي للإمبراطورية الفارسية. كما تظهر بين الإلهين من إطلاق محرر سفر إشعيا الثاني على قورش لقب "مسيح الرب": "هكذا يقول الرب لمسيحه كورش، الذي أمسكتُ بيمينه لأدوس أمامه أمماً..الخ." (2إشعيا: 1-6). بهذه الطريقة التقت تصورات اللاهوتيين التوراتيين في المنفى عن إله واحد لشعب إسرائيل بالأفكار الزرادشتية عن إله كوني شمولي. وعاد المسبيون ومعهم إله لا يربطه بالإله القديم كمملكة يهوذا سوى الاسم فقط.

جاءت عودة المسبيين إلى أورشليم على ثلاث دفعات تفصل بينها فترات متباعدة، وهنالك من قرر البقاء في الأراضي البابلية ولم يرجع إلى موطنه أبداً، وجلهم من الجيل الثاني الذي ولد في المنفى ولم يعرف الوطن قط. ويبدو أن الموجة الأولى من العائدين قد توجهت إلى أورشليم خلال العام الذي دخل فيه قورش إلى بابل وأعلن عم سماحه لكل المنفيين بالعودة. وكان على رأس هذه الموجة التي لم تكن كثيرة العدد أمير من النسل الملكي يدعى شيشبصر عينته الإدارة الفارسية والياً لها على مقاطعة أورشليم التي شغلت في التنظيم الإداري الفارسي الجديد المقسم الشمالي فقط من مملكة يهوذا القديمة، ودعيت بالاسم الفارسي "يهود" المشتق من الاسم القديم للملكة. ولمساعدة شيشبصر على الإقلاع في مشروع إحياء أورشليم وبناء هيكلها، فقد أعاد إليه قورش كنوز الهيكل التي نهبها البابليون، كما أن الأغنياء من سبي يهوذا المتكاسلين عن العودة، تبرعوا لأخوتهم العائدين بذهب وفضة ومواشٍ (عزرا1: 17-11). وعلى الرغم من أن الهدف الأول لمشروع العودة كان إعادة بناء بيت الرب، إلا أن شيشبصر وجماعته قد انشغلوا على ما يبدو بالمهام الآنية التي واجهتهم، والمتعلقة بتأمين مساكن لهم وتحصيل لقمة العيش. لذلك نجد محرر سفر عزرا ينتقل في الإصحاح الثاني إلى الحديث عن الموجة الثانية من العائدين بعد مرور سبع عشرة سنة على انطلاق الموجة الأولى، ويختفي شيشبصر من مسرح الأحداث دون سبب واضح.

جاءت الموجة الثانية في مطلع فترة حكم الملك داريوس حفيد قورش (522-486 ق.م) بقيادة الوالي الجديد على أورشليم المدعو زرُبابل، وهو من الجيل الثاني المولود في المنفى على ما يدل عليه اسمه الذي يعني "المولد في بابل". وقد رافقه هذه المرة عدد كبير من الأُسر تعدادهم نحو أربعين ألفاً (عزرا: 2)، وهو رقم يشكك معظم الباحثين اليوم بدقته، كما رافقه كاهن مرموق يدعى يشوع. وقد أعاد داريوس إلى زربابل ما تبقى من كنوز الهيكل المسلوبة، وأعطى أوامره إلى عامله على مناطق غربي الفرات بتسهيل مهمة زربابل وتزويده من خراج تلك المناطق بما يلزمه من مال لإعادة بناء الهيكل. وقد شرع زربابل بعملية إعادة البناء فور وصوله إلى أورشليم وأنهاه في السنة السادس لحكم الملك داريوس (عزرا: 3-6)، ولكن محرر سفر عزرا يتوقف عن ذكره دون سبب واضح ثلما توقف عن ذكر شيشبصر.

بعد الانتهاء من بناء بيت الرب نحو عام 516 ق.م، تصمت الرواية التوراتية عما كان يجري في أورشليم قرابة خمسين عاماً، لتلتقط خيط الأحداث مع صعود الملك أرتحشتا (أركزاكسيس الأول) عرش فارس (465-424 ق.م). ففي السنة السابعة لحكم الملك أرتحشتا، أي نحو عام 458 ق.م، انطلقت موجة ثالثة من العائدين إلى أورشليم، لم يذكر النص تعدادها، بقيادة المدعو عزرا بن سرايا، الكاهن المتفقه بشريعة الرب على ما يصفه النص. وعزرا هذا لم يأت إلى أورشليم كوال جديد على مقاطعة يهود، وإنما تركزت مهامه على مسائل التنظيم الديني والاجتماعي للمجتمع الجديد في أورشليم، وكان عليه الاهتمام بتعزيز طقوس الهيكل وأدائها على الشكل الصحيح، وتنظيم شؤون القضاء استناداً إلى شريعة حملها معه من موطنه يدعوها النص بشريعة الملك وشريعة الرب. وعلى ما نقرأ في سفر عزرا:

"عزرا هذا صعد من بابل، وهو كاتب ماهر في شريعة موسى التي أعطاها الرب إله إسرائيل... وهذه صورة الرسالة التي أعطاها الملك أرتحشتا لعزرا الكاهن: من أرتحشتا ملك الملوك إلى عزرا الكاهن كاتب شريعة إله السماء الكامل. قد صدر مني أمرٌ أن كل من أراد في ملكي من شعب إسرائيل أن يرجع إلى أورشليم فليرجع معك. من أجل أنك مرسل من قبل الملك ومشيريه السبعة، لأجل السؤال عن يهوذا وأورشليم، حسب شريعة إلهك التي بيدك، ولحمل فضة وذهب تبرع به الملك ومشيروه لإله إسرائيل الذي في أورشليم مسكنه، مع تبرعات الشعب والكهنة، والمتبرعين لبيت إلهك الذي في أورشليم. لكي تشتري بهذه الفضة ثيراناً وكباشاً وخرافاً، وتقدماتها وسكائبها، وتُقربها على المذبح. ومهما حسُن عندك وعند إخوتك أن تعملوه بباقي الذهب والفضة فحسب إرادة إلهكم تعملونه... أم أنت يا عزرا فحسب حكمة إلهك التي بيدك (=شريعة موسى) ضع حكاماً وقضاة يقضون لجميع الشعب الذي في عبر النهر (=نهر الأردن)، من جميع من يعرف شرائع إلهك، أما الذين لا يعرفون فعلموه. وكل من لا يعمل شريعة إلهك وشريعة الملك فليقض عليه عاجلاً إما بالموت أو بالنفي أو بغرامة المال أو بالحبس." (عزرا 7: 6-26).

نلاحظ من هذا النص أن عزرا قد جاء معه من بابل بشريعتين، الأولى تدعى شريعة الملك والثانية شريعة الرب. فأما شريعة الملك فهي القوانين الفارسية التي كانت الإدارة الفارسية تسعى من خلالها إلى تنميط العلاقات الخارجية للولايات ذات الاستقلال الذاتي، بطريقة تضمن ولاءها للإمبراطور الفارسي. وأما شريعة الرب فهي نموذج عن الشرائع التي كانت المجتمعات الجديدة في الإمبراطورية تصوغها من أجل إدارة شؤونها الداخلية، وذلك بعد أخذ موافقة الإدارة الفارسية عليها من أجل التأكد من عدم تعارضها من شريعة الملك.

ومن المرجح أن شريعة الرب التي جاء بها عزرا من بابل هي شريعة موسى التي وضعت نواتها الأولى جماعة عبادة يهوه وحده خلال الإصلاح الديني الكبير الذي قاده الملك يوشيا قبل بضعة عقود من دمار مملكة يهوذا، والتي ادعى كبير كهنة الهيكل أنه وجدها مدفونة تحت أحد جدران الهيكل، وهي التي دورت الإصلاحيين بالقاعدة الإيديولوجية التي قامت عليها حركتهم. وقد حُملت هذه الوثيقة التي يدعوها محرر سفر الملوك الثاني بسفر الشريعة مع ما تم حمله من وثائق إلى بابل، وهناك عكف اللاهوتيون على تطويرها بما يتلاءم والصورة الجديدة للإله يهوه، وظهرت الأسفار الخمسة الأولى من كتاب التوراة بشكلها الجنيني، الذي تم تطويره بعد ذلك في أورشليم على يد خلفاء عزرا.

وبما أن شريعة الرب هذه قد وضعت لتكون بمثابة اللحمة التي تجمع أهل المجتمع الجديد في أورشليم، وتؤكد تميزهم عن مجتمع يهوذا القديم العاصي على الرب، مثلما تؤكد تميزهم عن المجتمعات الوثنية المحيطة بهم، فقد كان لا بد من قراءة هذه الشريعة على مسامع الشعب بما فيهم الكهنة، وإفهامهم إياها، وأخذ العهد منهم على الالتزام بها. وعلى ما نقرأ في نحميا:

"ولما استهل الشهر السابع وبنو إسرائيل في مدنهم، اجتمع كل الشعب كرجل واحد إلى الساحة التي أمام باب الماء، وقالوا لعزرا الكاتب أن يأتي بسفر شريعة موسى التي أمر بها الرب إله إسرائيل. فأتى عزرا الكاتب بالشريعة أمام الجماعة من الرجال والنساء، وكلَّ فاهمٍ ما يُسمع. في اليوم الأول من الشهر السابع، وقرأ فيها أمام الساحة التي عند باب الماء من الصباح إلى نصف النهار أمام الرجال والنساء والفاهمين، وكانت آذان كل الشعب نحو سفر الشريعة. ووقف عزرا الكاتب على منبر الخشب الذي عملوه لهذا الأمر، ووقف بجانبه متَّثيا، وشمعُ، وعنايا.. الخ (تعداد لأسماء بطانة عزرا من لاهوتيي المنفى). وفتح عزرا السفر أمام كل الشعب لأنه كان فوق كل الشعب. وعندما فتحه وقف كل الشعب، وبارك عزر الربَّ الإله العظيم، وأجاب جميع الشعب آمين آمين، رافعين أيديهم وخروا وسجدوا للرب على وجوههم إلى الأرض, ويشوع، وباني، وشربيا... الخ، أفهماو الشعب الشريعة والشعب في أماكنهم، وقرؤوا في، في شريعة الله، ببيان وفسروا المعنى وأفهموهم القراءة... وفي اليوم الثاني اجتمع رؤوس آباء الشعب والكهنة واللاويون إلى عزرا الكاتب ليُفهمهم كلام الشريعة." (نحميا8: 1-13).

ونلاحظ من قول محرر سفر نحميا في آخر المقطع الذي اقتبسناه أعلاه، أن الكهنة عموماً والكهنة من سبط اللاويين الذي من المفترض أنهم كانوا قيمين على طقوس بهوه من أيام هرون الذين ينتمون إليه، لم يكونوا يعرفون شيئاً عن شريعة موسى التي كانت تُقرأ على أسماعهم، شأنهم في ذلك شأن بقية الشعب.

ونفهم من بقية فقرات الإصحاح الثامن من سفر نحميا، أن قراءة سفر الشريعة استمرت أياماً طوالاً. وفي اليوم الرابع والعشرين من الشهر اجتمع الشعب بالصوم وعليهم مسوح وتراب، ووقفوا واعترفوا بخطاياهم وذنوب آبائهم، وقُرئت أمامهم للمرة الأولى، كما هو واضح، قصة بني إسرائيل منذ أيام إبراهيم إلى زوال مملكتي إسرائيل ويهوذا، وكيف أخطأوا إلى الرب كل تلك الأيام. وينتهي هذا الاعتراف الكامل بالذنب بالاستغفار وقطع عهد مع الرب على عبادته وحده والعمل بكل وصاياه:

"والآن يا إلهنا العظيم الجبار، حافظ العهد والرحمة، لا تصغُر لديك كل المشقات التي أصابتنا... ملوكنا وآباؤنا وكهنتنا ورؤساؤنا لما يعلموا شريعتك ولا أصغوا إلى وصاياك، وهم لم يعبدوك في مملكتهم وفي خيرك الكثير الذي أعطيتهم، ولم يرجعوا عن خطاياهم. ها نحن اليوم عبيد والأرض التي أعطيتَ لآبائنا نحن عبيد فيها، وغلاتها كثيرة للملوك الذين جَعلتهم حكاماً علينا لأجل خطايانا. ومن أجل ذلك نحن نقطع ميثاقاً ونكتبه، ورؤساؤنا ولاويّونا وكهنتنا يختمون." (نحميا9). "والذين ختموا هم نحميا ابن حكليا، وصوفيا، وسرايا، وعزرا... الخ. وباقي الشعب والكهنة واللاويون... لصقوا بإخوتهم وعظائمهم ودخلوا في قَسم وحَلف أن يسيروا في شريعة الله التي أُعطيت عن يد موسى بن عبد الله، وأن يحفظوا ويعملوا جميع وصايا الرب سيدنا أحكامه وفرائضه." (نحميا10: 1-29).

هذا العهد الذي قطعته البقية التائبة أمام عزرا الكاهن بقبول شريعة الرب، هو في الحقيقة العد الأول مع الرب إله إسرائيل الجديدة، وهو الذي عكسه المحررون التوراتيون على بدايات القصة التي كانوا عاكفين على تدبيجها عن أصول إسرائيل. فلقد عقد الرب عهده الأول مع إبراهيم، ثم جدد العهد مع كل من إسحاق ويعقوب، وعندما أنزل الشريعة على جبل سيناء أخذ موسى عهد الرب على شعبه أن يعبدوه وحده ويعملوا بشريعته. أما باقي القصة التوراتية فليست سوى تاريخ للخطيئة انتهت بإسرائيل العاصية إلى الدمار.

وهكذا تظهر إسرائيل التوراتية إلى الوجود باعتبارها ناتجاً فكرياً من نواتج الوضع الخاص للمجتمع الأورشليمي في العصر الفارسي. من هنا فإن هذه الإسرائيل لا تتمتع بوجود موضوعي خاضع لعملية التقصي التاريخي، لأن العملية التحريرية التي قادت إلى إنتاج إسرائيل التوراتية، لم تكن تهدف إلى إنشاء خطاب أمين عهد الماضي، بقدر ما هدفت إلى صياغة خطاب يعطي معنى للحاضر. والمضمون الذي يتكشف لنا عبر أسفار الكتاب ليس موجهاً نحو الكشف عن الماضي إلا بمقدار ما يقدمه هذا الماضي من دعم وتثبيت للمؤسسة الدينية والدنيوية القائمة. وبمعنى آخر، فإن ما يبدو في هذه الأسفار على أنه تأمل تاريخي، ليس في حقيقة الأمر إلا تأملاً في حاضر المجتمع الجديد باعتباره وريثاً لمجتمع قديم آل إلى اللعنة والتحلل والدمار. هذه الصورة عن إسرائيل هي تحكمت بنوع الأحداث التي تم جمعها وتذكّرها باعتبارها تاريخاً. وسارت عملية ابتكار الهوية الدينية يداً بيد مع ابتكار الهوية الإثنية.


­­­­­­­­­­­­الهوامش:


(1): الإصحاحات من 1إلى 39 من سفر إشعيا هي التي يمكن أن نعزوها إلى إشعيا التاريخي. ولكن علينا الانتباه إلى أن يد المحررين المتأخرين قد لعبت في صياغتها التي وصلت إلينا لجعلها في انسجام مع اللاهوت اليهوي المتأخر. وهؤلاء هم المسؤولون عن كتابة بقية الإصحاحات من 40إلى 60، وهي المنسوبة إلى إشعيا الثاني.


(2): بما أن الإصحاحات من 40-66 في سفر إشعيا تتحدث عن أمور متأخرة وقعت بعد وفاة النبي التاريخي إشعيا، فإن الباحثين يطلقون على هذا القسم الثاني من السفر عنوان "إشعيا الثاني"



























تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

دراسات في علم الأديان المقارن: تاريخ المصحف الشريف

22-أيار-2021

هل كان موسى مصرياً

08-أيار-2021

هل كان موسى مصرياً

01-أيار-2021

الديانة الزرادشتية وميلاد الشيطان

24-نيسان-2021

في رمزية حجر الكعبة الأسود

13-شباط-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow