Alef Logo
مقالات ألف
              

عن القيمة الاستعمالية لإسرائيل

عمر قدور

2014-02-19

لم يأخذ الحدث التونسي حظاً من الاهتمام المشرقي كالذي ناله الحدث المصري قبل ثلاث سنوات، فعند الأخير تلاقت لمرة أخيرة ربما أهواء أولئك الذين يتطلعون إلى الحرية مع أهواء جماعة الممانعة المعادين لنظام حسني مبارك، لأسباب لا تتعلق باستبداده وفساده. الحدثان الليبي واليمني بدورهما لم يُحدثا انشقاقاً ملموساً بين الطرفين، إلا بعد انطلاق الثورة السورية وبروز تخوفات الممانعين من تدخل عسكري خارجي على غرار ليبيا؛ وحده النظام السوري سيشدّ عصب الممانعة ضد موجة التغيير برمّتها، وبمفعول رجعي يجعل جماعة الممانعة تلتقي مع ممثلي نظام مبارك وفلوله، أو مع ممثلي الثورة المضادة على الصعيد الفكري عموماً.
ما كشفه الحدث السوري لا يتعين فقط في وحشية النظام، أو حتى في ركاكة مجتمعات شرق المتوسط فحسب، وإنما في الخطر الذي ينذر به التغيير بالنسبة إلى النظام الإقليمي ككل، والذي تشكل فيه إسرائيل مكانة محورية. هذا الخطر يمس تحديداً القيمة الاستعمالية لإسرائيل لدى النخبة السياسية، ولدى الشريحة العريضة التي كانت إلى وقت قريب خزّانَها الثقافي والتعبوي، الشريحة التي خرجت غالبيتها السورية على النظام وعلى قواعد اللعبة.
المفاجأة التي لم تكن مفاجأة بحق، أتت بالاصطفاف التام والأصم مع النظام السوري لمن كانـــــوا يظهرون راديكالية إزاء إسرائيل، على رغم إحالتهم سابقاً الهزيمة العربية إلى أداء الأنظمة المتهافت أو المتواطئ. لم يقلل من حماستهم صـــمتُ النظام السوري عن الاعتداءات الإسرائيلية خلال الـــسنوات الثلاث الأخيرة وتسليمه السلاح الكيماوي بلا أدنى مقاومة، بل ازدادت شراستهم في الدفاع عنه، وهذا أقرب إلى المنطق كلما اتسعت دائرة الخطـــر الداخلية المحيقة بالنظام. الشراسة التي ينطلق بها العتاد الثقافي للممانعة ليست مفارِقة فحسب للتراجع على جبهات القتال والسياسة، على نحو مــــا يشير إليه حازم صاغيّة في مقاله «الطريق إلـــى فلســطين تمر بـ...» («الحياة» 28/1/2014)، وإنما تكــمل هذا التراجع من باب التعويض عنه. بهـــذا المعنى؛ لا بأس في التفــــريط على الصــــعيد الســـياسي أو الميداني، لأن الهزائم هناك معـــتادة، أما التــــفريط بثقافة العداء الأعمى فيؤـدي إلى انهيار منـــظومة المـــمانعة ككل؛ المصادفة وحدها لا تبـــرر انتـعاش الخطاب ذاته مع كل هزيمة، بل تصــــوير الهزيمة نصراً مؤزّراً في كثير من الأحيان.
استطراداً، التعويض عن عجز المنظومة السياسية والعسكرية ليس مهمة طارئة يتصدى لها الممانعون. هي مهمة في صلب العجز، وفي صلب المنظومة السياسية والعسكرية، أي أنها مركّبة أساساً على تبرير العجز المتعمد ودعمه، وعلى عدم اقتراح آليات صراع بديلة، أو مجرد السماح بالتفكير فيها. معاداة التغيير هنا سمة أصيلة تلتصق بأنظمة الاستبداد ودوامها، وتلتصق أيضاً بالمحاور الإقليمية وتقسيمها بين راديكالي ومعتدل لاستعمال الأخير مبرراً إضافياً للهزيمة التي هي انتصار على كل حال! والتقسيم السابق، الذي كان الغرب أول من روّجه، جرى تلقفه بلهفة لأنه يعفي من المسؤولية المباشرة لأنظمة ما يسمى بدول الطوق ويلقي بها على الآخر العربي «المتخاذل»، والذي لا يتوقف السعي الى ابـــتزازه مالياً ومعنوياً.
الصراع الفكري الذي استأنفت جماعة الممانعة خوضه، بدلالة الثورة السورية وبسببها هذه المرة، هو صراع من أجل الحفاظ على القيمة الاستعمالية لإسرائيل، العدّة الفكرية لأصحابه قديمة قدم الانقلابات العسكرية التي أتت بـ «البعث» والناصرية، بينما كان الاستبداد البورقيبي يبني على أسس مغايرة عموماً، ومغايرة في رؤيته للمسألة الفلسطينية بخاصة. عموماً، وحيث انتفت الحاجة إلى القيمة الاستعمالية لإسرائيل، تنتفي الحاجة الاستعمالية إلى الفلسطينيين أيضاً، فتونس هي البلد الوحيد الذي استضاف منظمة التحرير ضمن شروط الضيافة المجردة من الاستغلال السياسي.
ليس من دور للعدّة الفكرية التي يستخدمها خطاب الممانعة وأنظمته سوى التعمية على القيمة الاستعمالية المباشرة من جهة، والتعمية على المفهوم الأشمل للصراع من جهة أخرى. على سبيل المثال، الذين «يستخدمون» ادوارد سعيد في كتابيه «الاستشراق» و «الثقافة والإمبريالية» يتعامون عن كتابيه «أوسلو: سلام بلا أرض» و«أوسلو وما بعدها»، لأن سعيد من خلال كتابيه الأخيرين وكثير من مقالاته اللاحقة يتجاوز الأطــــر التقليدية لثقافة المقاومة والممانعة من خلال نـــقد الذات، ونقد العجز العام في تطوير الأدوات الحقــيقية للصراع. على النحو ذاته يُستعمل نقد الغــرب لذاته، وصولاً الى نقد الإسرائيليين لــــنظامهم، للقول: «انظروا ها هو الغرب يعترف بأخطائه، ها هم الإسرائيليون أيضاً يعترفون بأخــــطائهم وعدوانهم». مع ذلك، يبقى الغرب في نظرهم غرباً ككتلة صمّاء واحدة، ويبقى الإسرائيليون أعداء بلا أدنى تمييز، لكن أهم ما يحدث تجاهله هو القيمة النقدية الحقيقية لأولئك الغربيين أو الإسرائيليين، القيمة التي تنطلق من نقد الذات والآخر على حد سواء.
لمدة طويلة كان سائداً ذلك التململ الشعبي من استعمال إسرائيل من جانب الأنظمة ومثقفيها، والمفاجأة أن خطاب الممانعة بقي مهيمناً بقوة السلطة تارة، وبترهيب خصومه تارة أخرى. غير أن العامل الأهم في استتبابه هو عدم وجود قطيعة معه من جانب الشرائح غير الراضية عن ريائه، تلك الشرائح التي لم تقدم رؤية نقدية مختلفة للصراع، وأوّلت الهزائم المتكررة بإلقاء تبعاتها على الأنظمة المستبدة، من دون أن تكلف نفسها في السابق عناء العمل لتغييرها. الفئات الأخيرة تمتلك مقاربة نقدية لاستعمال الفئة الأولى لإسرائيل، وقسم لا بأس به منها شارك في الحراك ضد الأنظمة، من دون أن يعني ذلك امتلاك مقاربة أعمق للصراع مع إسرائيل.
إن ما كان مستغرباً مع مستهل الثورة السورية يبدو بديهياً الآن، فاصطفاف مثقفي الممانعة مع النظام لم يعد يثير القلق الأخلاقي أو المعرفي الذي أثاره لدى كثيرين حينئذ، ومحاولة بعض الممانعين تمييز أنفسهم عن الأنظمة اصطدمت بعدم قدرتهم هم سوى على الإخلاص للوعاء الذي يحتويهم مع الأنظـــمة. الخبر الجيد الوحيد هو خسران إسرائيل قيمتهــــا الاستعمالية، وفقدان الطفيليات التي تتعــــيش عليها لموارد سلطتها المعنوية. أما الصراع العربي- الإسرائيلي فأغلب الظن أنه سيستمر بشكله الحالي حتى يستنزف الطرفان أساليبهما وأدواتهما التقليدية. من قال إن النخبة السياسية والثقافية الإسرائيلية لا تخشى رياح التغيير أيضاً؟
عن جريدة الحياة
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

ندمٌ وضيع على الثورة

20-آذار-2021

"تجحيش" المعارضة السورية

19-كانون الأول-2020

الأسديزم

15-شباط-2020

الطقم الضئيل لبشار الأسد

18-كانون الثاني-2020

غضب عابر من أجل إدلب

21-كانون الأول-2019

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow