Alef Logo
ضفـاف
              

أن يعيشا الثنائيّة الجنسيّة... وينجذبا إلى كلا الجنسين!/ الدكتور بيارو كرم

ألف

2014-04-30

أمنذ لحظة ولادته، يحمل الإنسان في تكوينه ميولاً ونزعات أنثويّة وذكوريّة في الوقت نفسه... وفي سياق تطوره النفسي والجسدي يقوم بتغليب الواحدة أو الأخرى بطريقة تتوافق بشكل كامل مع هويته الجنسية الجسدية، أي مع جنسه
هذه الحقيقة الطبيعية تقودنا مباشرة إلى إعتبار وفهم أهمية البعد النفسي لمراحل تطور حياتنا الجنسيّة.
في الماضي، كانت الثنائية الجنسيّة تعتبر إنحرافاً عن مبدأ الهوية الجنسيّة الغيريّة (Heterosexuality). وقد برز هذا المنطق في منتصف القرن التاسع عشر وساد طيلة قرن من الزمن. رغم طرح بعض الباحثين العديد من التساؤلات عن أجزاء الجسد التي يمكن أن تكون مسؤولة عن هذا "الإنحراف" كالجينات أو الدماغ أو الكروموزمات أو الهورمونات وغيرها، وقد أخضعت كل هذه العناصر إلى دراسات طويلة وشاملة. ولكن هذا الإصرار على العثور على خطأ بنيوي ومحاولة تصحيحه لدى الأشخاص ذوي التوجهات غير الغيرية، عدا كونه قد قاد دوماً إلى طريق مسدود، فهو غالباً ما عزز الإحراج أو الوصمة الاجتماعية التي طالت الثنائيّة الجنسيّة والمثليّة الجنسيّة (Bisexuality & Homosexuality).
تجدر الإشارة إلى أنه منذ عام 1973، لم تعد المثليّة الجنسيّة والثنائيّة الجنسيّة تعتبران أمراضاً عقلية أو جسدية وفقاً لمنظمة الصحة العالمية (OMS) والمعترف التحليلي والإحصائي للأمراض العقلية (DSM IV).
منذ ذلك الحين، تحوّل المحلّلون النفسيّون إلى دراسة ومراجعة سيناريوات النمط العائلي القابل لتمهيد الطريق لهذا "الإنقلاب"، أعني الإختلاف الجنسي. من هنا، بدأ الحديث عن الأب الغائب أو الضعيف والأم الساحقة (Castatrice) أو الحاضنة للإبن الخاضع والمنصاع، ومدى "البعد النفسي" في مراحل التطور الأولى.
أن نكون مختلفين
نحن نشعر بالخوف من الإختلاف لأنه يرمي بنا في المجهول ويدعونا إلى الخروج من ذاتنا وبذل جهود غالباً ما تكون موجعة لمراجعة الذات. غير أن هذا الأمر بمثابة التحدي الذي يجدر بنا أن نقبله، وخصوصاً إذا كنا ندّعي أننا نسعى إلى تحقيق التطور الذاتي.
مع كل ذلك، أن نكون مختلفين لا يعني أبداً أن نكون أعلى أو دون الآخرين. يعني ذلك بكل بساطة أننا مختلفون. نحن جميعاً مختلفون وهذا الإختلاف هو الذي يجب أن نكون قادرين على تقبّله والتعايش معه.
في غير حالة إرادة الإنجاب، يبحث الإنسان في الفعل الجنسي عن اللذة لأنها توفر له متعة عشقيّة إيروتيكيّة شديدة. والهدف من السلوك الجنسي ليس مجرد القيام بجماع، بل هو سعي وراء المتعة الإيروتيكيّة من جراء تحفيز جميع أعضاء الجسد. لهذه الأسباب، يلاحظ لدى جميع الكائنات الرئيسيات (الأعلى رتبة بين الثدييات) أنشطة ثنائية جنسياً، والإنسان من بينها يتمتع بميل قوي ومعبر إلى الثنائية الجنسية.
في الواقع جميعنا يروّج أيضاً بشكل كبير، عن وعي تام أو في اللاوعي، لمعتقدات معادية للرجال والنساء القادرين على الوقوع في حب شخص من جنسهم، أكان رجلاً أو إمرأة.
يشغل الشخص ثنائي الجنس مكانة غير مريحة داخل المجتمع. فمن جهة، غالباً ما يعتبره المثليّون شخصاً يرفض أن يعيش مثليّته بشكل تام، ويقوم نوعاً ما بخيانة المثليين الآخرين. وعندما يظهرون أنهم يتقبّلونه، يكونون في الواقع يتقبّلونه إعتقاداً منهم بإمكان نجاحهم في تحويله إلى معسكرهم.
أما من جهة أخرى، يجد فيه ذوي التوجهات الجنسيّة الغيرية في غالبية الأحيان شخصاً يخفي توجهه الجنسي الحقيقي، لذا لا يتصرفون معه وكأنه متناقض أو غير متّزن أو فاسق.
ولا يسعنا هنا إلاّ أن نقرّ ونعترف بأن عدداً لا يستهان به، يراوح بين ثلث ونصف الأشخاص، قد مروا على الأقل ولو لمرة واحدة بتجربة جنسيّة ثنائيّة. ولكن معظم الأشخاص - وبسبب كل الصعوبات والضغوط الاجتماعية - يمتثلون ويخضعون للممارسات والأعراف والقيم الضاغطة القائمة.
صعوبة العيش... والتعايش
قد يجد العديد من الأشخاص صعوبة في التعايش مع مثليتهم الجنسية، ويعانون الكثير بسبب هذا الأمر. يمكننا أن نتفهمهم لأن تأكيد الإختلاف يمكن أن يكون مصدراً للنبذ في المجتمع. وإذا أجيز لي، أستطيع الجزم أن بإمكانهم ومن خلال العلاج النفسي الدقيق، التوجه نحو إحساس أفضل بالراحة النفسية والعيش مع إختلافهم بطريقة مرضية والمحافظة في الوقت عينه على مكانتهم الإجتماعية، وتقبل الآخرين لهم ولأفضلياتهم وتوجهاتهم الجنسية "المختلفة".
من هنا، يقوم الأشخاص ذوي التوجهات الجنسيّة المثليّة بإعتماد صفة "ثنائيّة التوجه الجنسي" بشكل يحافظون فيه على إمتيازات الهويّة الجنسيّة ذات التوجهات الغيريّة. ومن هنا أيضاً، يأتي المعتقد أن جميع من يصفون أنفسهم بثنائيي التوجه هم في الواقع مثليين أو مثليات يشعرون بالخوف من الإعتراف بالأمر. لذا، نسمع بالمثل الفرنسي القائل: ثنائي التوجه الآن... مثلي في ما بعد.
خارج قواعد المجتمع
عندما نصبح ثنائيي الجنس، نكون قد عبرنا بمسيرة تطلبت منا التخلي عن القواعد التي فرضها علينا المجتمع في ما يتعلّق بالدور الذي يجب أن نؤديه وتحمله كرجل أو إمرأة على حد سواء. وبما أن الثنائية الجنسية تعني تخطي الممنوعات، يعتبرها بعض الباحثين نوعاً من الإخفاق في المسيرة التي يقطعها الفرد في مراحل تطوره النفسي وتعلم دوره ومكانته الإجتماعية ضمن الأعراف الجنسية الصارمة للغاية.
للمجتمع الذي يعيش فيه المرء قواعد وأعراف، كان على المرء أن يحترمها؛ من هنا ينشأ نوع من الضغط الذي يجب أخذه في الإعتبار على أساس يومي. وعندما يصبح الفرد "النعجة السوداء" أو "العنزة الجربانة" وفقاً للعبارة المتداولة شعبياً، يتعرض لخطر اللوم والنبذ من بيئته، مما يمكن أن يترك آثاراً سلبية على حياته المهنية والإجتماعية وعلى وضعه النفسي. من جهتي، لقد توصلت إلى خلاصة مفادها أنه وفي حال كنا مستعدين على جمع العناصر "الذكورية" والأنثوية" التي توجد في داخلنا، وكان في إستطاعتنا التعايش جيداً معها بحيث نحافظ على أعلى درجات الثقة بالنفس، ويمكننا أن ننجذب جنسياً نحو الجنسين.
الإنتماء... والعائلة
تؤدي العائلة غالباً دوراً مهماً للغاية في حياة الفرد. إذ يتعرف من خلالها إلى جذوره الأساسية. وفي حال إنحرف المرء عن بعض مبادئ الغالبية، سيشعر بالخوف من أن ينبذ، كما يمكن أن يراوده إحساس بالذنب من عدم مشاركته القيم نفسها. نحن جميعنا بحاجة إلى الشعور بالإنتماء إلى الوسط الذي نعيش فيه.
يملك الإنسان غريزة إجتماعية، مما يدفعه إلى البحث عن أمثاله كي يهرب من الوحدة والإنعزال الذين يبعثان فيه شعوراً بالخوف. نحن نخاف إذاً أن نشعر بأننا مختلفين، لأن ذلك يمكن أن يعني النبذ والتخلي. إلا أن العديد من الرجال والنساء المدركين لهويتهم الذكورية والأنثوية، لا يتبعون أبداً سلوكاً ثنائي الجنسيّة ظاهراً للعيان. فهم يعوضون عن وضعهم هذا من خلال اللجوء إلى الأحلام والخيال. وتسمح النساء خصوصاً لأنفسهن ببعض التصرفات الأكثر عطفاً وحناناً مع بعض المقرّبين من الجنس نفسه.
وكاختصاصي في الصحة الجنسية، أعتبر أن الرجل الذي يعتبر نفسه ثنائي الجنسي، غالباً ما يكون غير قادر على تقبّل مثليته.
المعتقدات المسبقة
يعتقد اولئك الذين يعادون الثنائيّة الجنسيّة، أنها بكل بساطة غير موجودة ولديهم الكثير من الأفكار المسبقة. بكلمات أخرى، يعتقدون أنه لا يمكن شخصاً إلاّ أن يكون غيري، كما لديهم كليشيهات سلبية عن الثنائية الجنسيّة والمثليّة الجنسيّة. كليشيهات راسخة ومن الصعب جداً تغييرها أو عكسها؛ لذلك يكافح كلاين وهيت وكينسي وغيرهم من الإختصاصيين في المسائل الجنسيّة، من أجل محاربة هذه الكليشيهات والمعتقدات المسبقة. أشير هنا إلى أن مجموعة "أمبيفالانس" Ambivalence لدعم ثنائيي التوجّه الجنسي ومكافحة العداء للثنائيّة الجنسيّة، أنشئت في عام 2007. كذلك ألفت إلى أن "اليوم العالمي للثنائية الجنسية" انطلق عام 1999 ويتم الإحتفاء به في 23 ايلول من كل سنة، من ثنائيي الجنس في جميع أنحاء العالم.
ختاماً، يتساءل كثيرون عمّا إذا كان مرورهم بتجربة جنسيّة مع شخص من الجنس نفسه، يجعل منهم في الواقع ثنائيي الجنسي. لذا، أعود لأؤكد: نحن جميعنا ثنائيو الجنس بمعنى أننا نملك جميعاً هوية جنسيّة مزدوجة - ذكر وأنثى - يمكن أن تقودنا أو لا تقودنا إلى الشعور بإنجذاب مصدره شخص من الجنس نفسه أو من الجنس الآخر.
وأعتقد أيضاً أن الأشخاص ذوي الشخصية القويّة هم فقط القادرون على تقبّل نمط حياة مخالف للأفكار والرسائل المتلقاة والمعتقدات السائدة. وأولئك الذين لا يندرجون في هذا السياق، فهم يقمعون حاجاتهم ويمتثلون للمعايير المتعارف عليها.
نظرة أكثر شمولاً عن المثليّة الجنسيّة
يزداد أخيراً عدد النساء ذات التوجهات الجنسية الغيرية التي تزيد أعمارهن عن 40 عاماً، اللواتي يخترن على المدى الطويل، علاقة عاطفية وجنسية مع إمرأة أخرى؛ كما يجدر ذكر هؤلاء الرجال الذين يقررون بعد عشر أو عشرين سنة من الإرتباط غيري التوجه، ترك الزوجة والأطفال لخوض علاقة مثليّة، وفي هذا السياق لا يمكننا أن نغفل عن النساء اللواتي يعانين جراء هذا الأمر. وماذا يمكننا أن نقول عن الشباب والشابات الذين تتزايد أعدادهم والذين يعتبرون أنفسهم متناقضين في حياتهم الجنسية؟ وهل من الممكن أن تتمكن النساء من خوض حياة جنسية ثنائية أكثر "إتزاناً" من تلك التي يمكن أن يخوضها الرجال؟ كي نتمكن من الإجابة عن هذه الأسئلة: يجدر بنا أن نلقي نظرة أكثر موضوعية على الثنائية الجنسيّة، والأخذ في الإعتبار أن الهدف من السلوك الإيروتيكي يكمن في البحث عن متع جنسية جديدة، مختلفة بغض النظر عن جنس أو التوجه الجنسي للشريك(ة) أو الشركاء (الشريكات).
الهرمونات
لقد أثبت العلم أن الغدد لدى الرجال والنساء على حد سواء، تفرز "الأستروجين" (الهرمونات الأنثوية) و"الأندروجينات" (الهرمونات الذكورية ومن ضمنها "التستوستيرون"). هذه الحقيقة تؤكد أن الثنائية الجنسيّة من الناحية البيولوجية، على الأقل، أساسية في تكوين كل فرد منا. لذا، يمكن أن تؤدي الغدد الصماء دوراً في هذا المجال. ولكنني لا أوافق على ما تقدم به بعض الباحثين المعاصرين بأن السلوك النفسي الجنسي يعتمد على هورموناتنا. إذ يوجد فرق واضح بين الهوية الجنسية لشخص ما وتوجهه الجنسي وسلوكه وتفضيلاته الجنسية. الهوية الجنسية تعني التوافق والإنسجام بين الهوية الحميمية والشخصية الإجتماعية لشخص ما مع بنيته الجنسية الجسدية أي مع جنسه. بينما الثنائية الجنسية تنسب وتعني رغبات الشخص ومفهومه للذات وليس بالضرورة إلى سلوكه.
تاريخ المثليّة الجنسيّة
للثنائيّة الجنسيّة تاريخ عالمي وفقاً لمعظم الموارد والمعطيات التاريخية والأدبية. إذ أظهر الأفراد في معظم المجتمعات التي نعرف، درجات مختلفة من الثنائيّة الجنسيّة؛ من دون أن يعتبر هذا السلوك غير طبيعي. لكن، منذ ظهور الديانات الحالية والتي لا تتلائم ولا تستحسن مسألة الجنس، نشهد أكبر تقدير ثقافي ممكن للثنائي ذي التوجهات الجنسيّة الغيريّة، وتركيز قوي جداً على أهمية الأحادية الجنسية في العلاقات الحميمة. مما يشجع الهوموفوبية ((Homophobia أي الرفض القاسي والشديد للمثلية الجنسية.
هذا ما يفسر الوضع القائم بأن الأشخاص ذوي التوجهات الجنسية الثنائية يواجهون غالباً رفضاً مماثلاً على حد سواء من الأشخاص ذوي التوجهات الجنسيّة الغيريّة ومن ذوي التوجهات المثلية أيضاً.
ومن الصعب تقديم لمحة تاريخية عن الثنائية الجنسية عند الإناث لأن معظم المجتمعات التي نعرف هي بشكل عام ذكورية تطغى عليها السلطة الأبوية، ولأن المصادر المؤرخة المختلفة تعطينا معلومات عن العلاقات بين الرجال ولا تأتي على تفصيل أو ذكر العلاقات بين النساء . في معظم الأحيان كان للرجال سلوك غيري التوجه ومن وقت الى آخر مثلي وثنائي. ترتبطت المثليّة الجنسيّة أولاً بفترة المراهقة، تليها مرحلة الثنائية الجنسية التي تتصف بعلاقات لواطية بين ذكر أكبر سناً وذكر أصغر، ينتقل الرجل بعدها إلى الزواج والإنجاب ويعتمد سلوك غيري التوجه بشكل أساسي. وأعود لأذكر هنا إلى الثنائية الجنسية غير موثقة عبر التاريخ.
تقرير Hite
الرغبات المثلية كما الثنائية أيضاً منتشرة بشكل أكبر مما نعتقد لدى الإنسان. وأشير في هذا الإطار وعلى سبيل المثال، إلى تقرير "هيت" Hite الذي كشف في مطلع الثمانينات من القرن الماضي عن الأرقام التالية:
كان لـ 43 في المئة من بين 7 آلاف رجل تم إستجوابهم، علاقات جنسية مع فتى في فترة الطفولة أو المراهقة.
وأقر نحو 20 في المئة من الرجال الذين يعتبرون أنفسهم ذوي توجهات غيرية بأنه كان لهم على الأقل علاقة جنسية واحدة مع رجل في يوم من الأيام. في الوقت الذي أعرب 20 في المئة منهم بأنهم قد فكروا بالأمر من دون القيام بالفعل.
لم يقدم تقرير "هيت" Hite أي رقم عن نسبة النساء اللواتي أعربن عن رغبات في إقامة علاقة جنسية مع إمرأة أخرى.
مقياس Kinsey
قام ألفرد كينسي (Kinsey)في عام 1978 بوضع مقياس لا يزال يعتبر مرجعاً في هذا المجال. إذ قام بتصنيف السلوك الجنسي إلى 7 فئات تراوح بين التوجه الجنسي المغاير حصرياً = درجة صفر، وصولاً إلى المثلية الحصرية = درجة 6
0 = غيري/ة الجنس تماماً
1 = غيري/ة الجنس في الغالب ، ومثلي/مثلية في ظروف معينة فقط
2 = غيري/ة الجنس في الغالب ، ولكن له/لها ميول مثلية الجنس
3 = الميول الجنسية للجنسين على قدم المساواة أي ثنائيي الجنس
4 = مثلي/ة الجنس في الغالب ، ولكن له/لها ميول جنسية تجاه الجنس الآخر
5 = مثلي/ة الجنس في الغالب ، وغيري/ة الجنس في ظروف معينة فقط
6= مثلي/ة الجنس تماماً
في عام 1978 نفسه، طرح مقياس التوجه الجنسي الذي وضعه كلاين (Klein) أسئلة على الأشخاص عن حياتهم الجنسية. إذ لم يكتف بالأخذ في الإعتبار الممارسات الجنسية فقط، وإنما أيضاً مشاعر الشخص وخياله والتفريق بين الحياة السابقة للشخص وحياته الحالية ومثله الأعلى في الحياة. بحيث يمكن الشخص أن يختار كإجابة عن كل سؤال بأرقام تراوح بين 1 = لجنس واحد فقط و7 = للجنس الآخر فقط. وأخذ في الإعتبار إذن الممارسات والحياة ومشاعر الأشخاص الذين توجه إليهم الأسئلة بطريقة ذات إيحاء أوسع، ما يوصلنا في نهاية الأمر إلى توجه جنسي مؤلف من 21 معياراً مختلفاً.
لقد أقر ما يراوح 4 في المئة من الأشخاص الذين وجهت إليهم الأسئلة، أنهم ذوي توجهات جنسية ثنائية، تزيد هذه النسبة قليلاً عند الرجال، وينطبق الأمر نفسه على الأشخاص دون سن الخمسين. في المقابل لم يظهر أي إختلاف بين ثنائيي الجنس والغيريين والمثليين في ما يتعلق بالتوزع الجغرافي أو الوسط الإجتماعي. وتبين أيضا أن ثنائيي الجنس أكثر بقليل من المثليين من جهة الحياة في إطار ثنائي: 55 في المئة مقابل 46 في المئة. وكان عدد الذين لديهم أطفال أكثر قليلاً: 24 في المئة مقابل 14 في المئة. جميع هذه الإحصاءات والأرقام تثبت أن الأشخاص الذين قاموا بعلاقات جنسية مع أشخاص من الجنسين، أكثر بكثير مما هو معترف عليه.
بين الفتاة... والشاب
يعيش الأشخاص ذوي التوجهات الجنسية الثنائية تناقضاً في توجههم الجنسي، مما يدفعهم إلى إعتماد سلوك يضمن لهم الحصول على الأفضل في العالمين. لا أتشارك الرأي مع أولئك الذين يقولون أن ثنائيي الجنس غير مستقرين وأنهم متناقضين ولا يشعرون بالإنجذاب الذي لا يتعارض مع المعايير القائمة. أنني لا أجد فيهم أشخاص يعيشون في حالة مراهقة دائمة وقد عاشوا طفولة معذبة، وإنما أشخاص يتمتعون بقوة شخصية حقيقية، تمكنوا من تحدي بعض القواعد والقوانين التي وضعها المجتمع الذي يعيشون فيه. في الواقع أن يقوم رجل يعيش في بيئة مثل بيئتنا بالتوجه نحو ثنائية جنسية متوازنة مثل تلك التي تعيشها النساء، يتطلب الكثير من النضوج.
منذ ولادتها، تعيش الفتاة إلتحاماً مع والدتها، الشخص الذي يجسد أول موضوع حب لها وهي من جنسها. تكبر ويتم معاملتها بشكل أقل صرامة بما يخص التصرفات والسلوك الذي تعتمده مع النساء الأخريات. لن تتم معاملتها في حال تأبطت ذراع صديقة لها في الشارع بأنها مثليّة. في الوقت الذي سيتم إعتبار أي شابين يقومان بالأمر نفسه، بأنهما مثليان.
عكس الفتيات، ينشأ الفتى ويتم تربيته على يد شخص من غير جنسه. وكي يصل إلى مرحلة "الإفتراد والتكامل" (Individuation) حيث يجب أن يتوقف عن التماثل بوالدته ويتحوّل نحو الذكورية. لذا فهو يتأثر بشكل أكبر في هويته الجنسية مما تفعله الفتيات. إذ يشعر بالحاجة إلى أن يثبت لنفسه أنه قادر على أن يصبح رجلاً، مما يدفعه إلى تفعيل رمز رجولته، الرمز الأبرز لما يفرقه على الأكثر عن والدته وبالتالي عن المرأة. يصبح إذن أمر صعب للغاية أن "يؤنث" نفسه. ولا يوجد أمر أكثر "تأنيثاً" بالنسبة إليه من أن يحمل وصمة المثلية.
على الرجل أن يتمتع بشخصية قوية جداً كي يتمكن من تحدي بعض القواعد الراسخة التي وضعها المجتمع ويتمكن من إعتماد بعض السلوكيات التي توصف بالهامشية وغير الطبيعية، والتي تقوده إلى أنوثة كان يجب عليه أن يتخلى عنها كي يتمكن من أن يصبح ذكورياً بشكل كامل. وهذا ما يدعوني إلى الإعتقاد بأن بعض الرجال يفضلون غالباً أن يتم إعتبارهم ثنائيي الجنس لإخفاء مثليتهم غير مستعدين لتقبلها. وهنا أنا لا أؤكد أن جميع الرجال الذين يعتبرون أنفسهم ثنائيي الجنس، لديهم هذه الملامح بالمطلق.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow