Alef Logo
يوميات
              

عندما تتحوّل إلى لاجئ

ناديا خلوف

خاص ألف

2014-05-13

المنزل الأوّل، الحبّ الأوّل، الهجرة الأولى. تتذوّقهم كلّ يوم مع وجبات الطّعام، ومع هواجس ماقبل النوم. البيت الترابي الذي نشأت به لايفارقني، أتمنى أن يكون لي بيت مثله بتفاصيل طبق الأصل، لكنّ العالم يتغيّر، نركض للّحاق به، نهاجر، يبقى لدينا الذّكريات والحنين.

الفرق كبير بين الهجرة، واللجوء

الهجرة تعني البحث عن الأفضل، واللجوء انكسار.

أتذكر كلام والدي لي عندما جلست بين أشجار حقلنا أداعب ابنتي، شعرت حينها لسبب ما بالاغتراب، مرّ من قربي عدّة مرّات، ثمّ نفض يديه قائلاً:" لماذا تجلسين كاللجيّة، لا تخافي على الخبز طالما كنتُ حيّاً" أعادت كلماته توازني.

استمرّ اغترابي طويلاً، كنت أشعر بالغربة حتى وأنا مع أقرب النّاس لي.

قد يكون شعورالإنسان الطبيعي عندما يريد فرصة بحجمه الحقيقي، اكتشفت بعدها أن هذا الاغتراب يشعر به أغلب من لديهم مشاعر وقيم من أبناء" الوطن العربي"

اقتنعت أنّ طبقاً من الذّل ينتظر المميزين من أبناء هذه" الأمّة"

إن كنت عربياً فأنت عبد في وطنك

وأجير في وطن الضّاد الذي يمنحك القليل مقابل عملك

قد تأخذ فرصتك في أماكن أخرى من العالم إن كنت تنتمي إلى العقول المهاجرة، وفيما بعد تأخذ فرصتك، أو على الأقل يأخذ أولادك فرصهم.

يختلف الأمر عندما تتحوّل إلى لاجئ، اللجوء يعني حالة من الاستسلام والهرب من الواقع إلى واقع أفضل، حيث يمتزج الأمل بالألم، والانكسار

أنت مضطر إلى طلب النجدة، أو تحتاج أن تحمي نفسك من الموت

أنت سوري لا تملك المال. بإمكانك أن تلجأ مشياً على الأقدام إلى مكان قريب من بلدتك، ومن ثمّ تقتل قنصاً أو دعساً.

وقد تسير بك قدماك إلى دولة عربية مجاورة، وهذا هو الأسوأ، لأنّك قد تموت جوعاً، أو برداً، وبينما تلفظ أنفاسك الأخيرة، تأتي قافلة المساعدات العربية التي رأيتها على الشّاشات مليئة بجملة "تبرعوا من أجل الشعب السّوري" القافلة نفسها أتت فارغة إلا من رجال لمّعوا وجوههم، واستبدلوا عقالاتهم القديمة، يأخذون الصّور التّذكاريّة معك، وتنصرف القافلة، وأنت تركض خلفها لكنّ عصي الشّرطة كفيلة بإعادتك إلى التراب الذي خلقت منه.

قد يكون لديك بعض المال إن كنت موظفاً مرتشياً ، أو عملت في تهريب الآثار، أو البترول، أو المواشي، أو شاركت النّظام في كشك جرائد، يمكنك اللجوء إلى الغرب عن طريق رحلات الموت من مصر أو ليبيا، حيث السّرقة والاغتصاب.

إذا كنت من نفس مركب السّلطة تستقلّ الطائرة، وتعلن انشقاقك

مع بعض الحالات المختلفة، والتي تستعمل كلّ جني العمر من هذه الرّحلة إلى المجهول.

تجيد بعض الدّول الغربية استقبال اللاجئين، ينقذون المهاجرين على مراكب الموت في إيطاليا مثلاً، ويقدمون لهم الدّعم النفسي، وكل مايحتاجونه.

إذا لم تمت في البحر، أو البرّ، تطلب اللجوء

بعد أن تنسى الرّحلة الشّاقة، تفكّر في المستقبل

وقد تكون التّجربة القاتلة لم تزد البعض سوى البحث عن المال، كأنّ تربيتهم الآولى في ظلّ أفكار "القائد" جعلتهم ينتمون لنفس الفكر النفعي

، يبدؤون رحلة البحث عن المال في أولى مهامهم.

تهريب البشر مثلاً كفرصة أوّلية، كون بعضهم عمل به قبل وصوله، وجلب معه ثروة منه.

العمل بالأسود، وتبييض أموال الآباء الروحيين المقيمين في الدّاخل

الاحتيال، وله طرق مختلفة

من أتحدّث عنهم ليسوا قلّة بين من طلبوا اللجوء، وهم يحتجّون على قوانين الغرب التي تفتقر إلى الحريّة، بل إنّ بعضهم يصف الأوربيين بالأنعام لأنهم ليسوا مسلمين.

يمشي الرجال الذين يمارسون هذه الأعمال كالدّيك الرّومي، يباعدون مابين أرجلهم ، ويرجعون أكتافهم إلى الوراء متباهين بحسبهم، ونسبهم، وإمكاناتهم المادّية، يتذمرون، وبدلاً من الامتنان إلى البلد الذي استقبلهم كالسّويد مثلاً يقولون: ماذا تفعل ألف دولار للشخص؟ لن نبقى في هذا البلد، فوجئنا به ،لازالت أعمالنا في سوريّة قائمة، وقد تحسنت.

يكونون ثلاثة أشخاص بالغين من العائلة مثلاً، وبينما يتذمرون لايبحثون عن منزل بحجة أن الأماكن التي رأوها لا تناسبهم، يأكلون ويشربون ويكدسون المال،وربما الطّعام،معتقدين أنّهم استغلوا غفلة السّلطات، وكون طريقتهم واضحة للعيان تصدر السلطات قوانين جديدة:

لن تستفيد من المدرسة، ومن الدّخل طالما تعيش على حساب الهجرة.

إذن البعض ذهب بجريرة البعض.

القلّة من السّوريين الذين تمكنوا من الهرب،ويشعرون بحالة اللجوء، هؤلاء الذين كانوا مهمشين في سورية، وعملوا بصمت، جمعوا بعض المال،وباعوا بيوتهم، وأكثر أشياءهم الجميلة لأنّهم لايريدون لأولادهم أن يموتوا،هؤلاء فقط يأكلون على استحياء، يدرسون بجد كي لايعيشون عالة على المجتمع، يطورون أنفسهم، ويجدون العناية اللازمة مثل المواطن الأصيل، وهذه القلّة لم يكن لها شأن في سوريّة.

أحياناً يساورني الشّك بأن بعض هؤلاء الذين أراهم هم السّوريين، أغلب الذين أعرفهم في سوريّة، ولم يغادروا أماكنهم- ولا أعتقد أنهم سيغادرونها- هم الأنقى والآقرب إلى الحقيقة، يحمل أكثرهم قيماً حقيقيّة.

أمّا القيم بين اللاجئين الذين أراهم، فهي الحدث الصادم. الانفلات هو العنوان، اعتقدت لزمن طويل بأنّنا شعب محافظ، لكن الانفلات الذي رأيته يعجز عنه الوصف. صحيح أنه ليس سمة عامة لكنه كالبصّمة العالقة باسمنا حتى لو كان يشملّ القلّة، ورغم المظهر الملتزم بالشّرع فإنّ الفوضى في القيم واضحة للعيان، هم نموذجاً صارخاً للرّوايات التي قرأناها، والتي تصف أحياء اللجوء،وأمراض تلك الأحياء الاجتماعيّة. الاندماج بالمجتمع هو شرط لاستعادة الصّحة النّفسية، ومن يندمج هم قلّة، هؤلاء الذين يحاولون العيش من عملهم ويحترمهم المجتمع ويقدرهم.

خلال رحلتي الطّويلة بين الهجرة واللجوء. تعلمت درساً جديداً في الحياة مفاده: أنّ القيم تبنى مع الانسان منذ ولادته، وخلال نشأته، لذا نجد في داخلنا أحياناً دكتاتوراً، أو بلطجياً، أو حرامياً لأنّنا تلقينا قيم الرفيق القائد في المدارس والجامعات، وفي معاهد الشّريعة،يحاول الكثير منّا تنظيف نفسه. الموضوع ليس بتلك السّهولة، قد يحتاج لجهد كبير، ومحاولة بناء إنسان سوري جديد.




































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

04-تموز-2020

"الفظائع الآشورية التي تجعل داعش باهتة أمامها"

19-كانون الثاني-2019

هذا العالم ضيّق، وليس له أبواب

10-كانون الأول-2015

السّوريون ظاهرة صوتيّة تقف على منّصة ليس أمامها جمهور

19-تشرين الثاني-2015

الزّلزلة

05-تشرين الأول-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow