Alef Logo
المرصد الصحفي
              

نتنياهو الفاشل والأسد الناجح

عمر قدور

2014-08-02

ربما يجد نتنياهو نفسه في موقع المظلوم، بالمقارنة مع نظيره الأسد، فالهجوم الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة أخذ حيزاً كبيراً من الاهتمام الدولي، على العكس من مجازر النظام، التي بقيت قيد الإهمال من قبل الإعلام العالمي، ولم توضع في صدارة الأخبار سوى في حالة الهجوم الكيماوي على الغوطة وما تلاه من تهديدات أميركية. وربما أيضاً يحسد نتنياهو نظيره الأسد على الحظوة الدولية، التي طالما رأى العرب أنها وقفٌ على إسرائيل وحكامها، ولم يكتشفوا إلا مؤخراً الحظوة الكبرى التي ساندت النظام السوري ومنعت سقوطه قبل سنتين. ترافق هذا كله مع ما عُدّ خطاباً للنصر ألقاه الأسد في مستهل ولايته الجديدة، متعهداً باستمرار المجازر حتى النهاية، أي فناء وتشريد ما يقارب نصف السوريين.
تظاهرات كبيرة، لئلا نقول حاشدة، في مدن غربية كبرى تخرج للتضامن مع الشعب الفلسطيني؛ تلك المدن نفسها لم تشهد سوى وقفات خجولة لأشخاص قلائل في أيام عالمية خُصصت للتضامن مع السوريين. البعض أحال هذا الفارق إلى قدم القضية الفلسطينية، والخبرة التي اكتسبها فلسطينيو الشتات في عرض قضيتهم على الرأي العام العالمي، ولا ننسى بالطبع قدم القضية الفلسطينية التي أنهت ستة وستين عاماً من عمرها. لكن هذه الإحالة تتغاضى عن المتغيرات الدولية خلال تلك المدة، والتي يُفترض أنها عززت ثقافة حقوق الإنسان في المركز الغربي، والتي يُفترض أيضاً أنها جعلت من العالم قرية كونية أكثر معرفة بأحوالها. افتراض من هذا القبيل قد يوجب على السوريين الانتظار طويلاً كي يتمرسوا في مخاطبة الرأي العام الغربي، وكي يحظوا بقدر من التعاطف الدولي لا يكفي على أية حال لحل قضيتهم.
إلى وقت قريب، كان يُعتقد أيضاً أن العراق جزء عزيز من الإستراتيجية الأميركية، لكن التطورات الأخيرة وسيطرة داعش على أجزاء كبيرة منه ورد الفعل الأميركي الضعيف حيالها أثبتا عدم اكتراث الغرب بما يحدث في العراق، حتى تهجير المسيحيين من الموصل لم يحظَ باهتمام غربي على النحو الذي كان متوقعاً. الحق أن الهجوم الإسرائيلي على غزة نال الاهتمام الأكبر. بالطبع، الفلسطينيون يستحقون أكثر منه، ولم يستخدم الغرب الأحداث الإقليمية الكبرى المحايثة له من أجل صرف الأنظار عن القضية الفلسطينية كما كان يُتهم من قبل. هذا السلوك بقي مقتصراً على جماعة الممانعة الذين وجدوا في الهجوم الإسرائيلي فرصتهم للتغطية على المجازر في سوريا، وعلى النظام الطائفي في العراق، وعلى مجمل الأزمات الداخلية في المنطقة التي يُراد القول إنها باقية ببقاء إسرائيل.
لا الأسد ولا المالكي أسعفا نتنياهو للظهور بمظهر المجرم الصغير، فظهر عالمياً كما هو؛ نتنياهو الذي لا يطيقه الغرب بمعظمه، ويتمنى خروجه سريعاً من حلبة السياسة الإسرائيلية وعدم عودته ثالثة. نتنياهو، بخلاف إصرار العرب على عدم وجود فوارق بين القادة الإسرائيليين، لم يكن يوماً الوجه المحبب للإدارة الأميركية سواء كانت ديموقراطية أو جمهورية، ولم يكن أيضاً الوجه المقبول في عموم الغرب منذ توليه رئاسة الحكومة أول مرة عام 1996. آنذاك ركز الإعلام الغربي على تطرفه، رغم محاولته وضع حرب إسرائيل على الفلسطينيين ضمن اهتمام الغرب بمكافحة الإرهاب، يُذكر أن لنتنياهو كتابين عن الإرهاب، أولهما بعنوان «الإرهاب: كيف يحقق الغرب الانتصار» وثانيهما «الإرهاب العالمي: التحدي والرد»، إلا أن أفكاره عن الإرهاب لم تلقَ اهتماماً واسعاً، وهي بالتأكيد لا ترقى إلى مستوى الفعل والتعاون المخابراتي الواسع، الذي أبداه النظام السوري، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية.
إذاً، منذ البداية لم يُقدّم نتنياهو كوجه دولي مقبول، بخلاف بشار الأسد الذي رُوّج له كوجه حداثي شاب، بل كان مجرد وجوده القصير في الغرب للدراسة مجالاً للحديث عن تشربه بالثقافة الغربية! بالطبع لا معنى هنا للحديث عن غربية نتنياهو، لأن نسبة لا يُستهان بها من الإسرائيليين تنحدر من أوروبا، أي أن إقامة الأخير لسنوات في الولايات المتحدة لا تعني شيئاً في معيار غربية إسرائيل وفق هذا المفهوم. الغرب الذي يستسهل إطلاق الأحكام فيما يخص الحكام والبلدان العربية لا يتصرف على الشاكلة ذاتها فيما يخص ما يعدّه جزءاً منه؛ إسرائيل ليست مجالاً لإطلاق أحكام اعتباطية بل هي موضع انتباه وحرص يقتضيان التفكر الجدي في شؤونها؛ إسرائيل ليست موضوعاً للتساهل أو الاستهانة.
لا بد أن نشير في هذا السياق إلى أن فترة صعود نتنياهو تزامنت مع الرغبة الدولية في حل القضية الفلسطينية، أو تصفيتها، سلمياً. فالمشروع الإسرائيلي، بتعالقه مع المخططات الغربية، كان قد بلغ مداه، وأصبحت وظيفة إسرائيل كحاجة غربية داخلية من الماضي، وبدأت بالظهور تيارات في الغرب وإسرائيل تدعو إلى توطينها في المنطقة بدل انتمائها الكلي إلى الغرب. العدوان الإسرائيلي لم يعد مقبولاً، لا لأسباب أخلاقية بحتة، وإنما لأنه لم يعد يحقق أهدافاً سياسية كبرى تتعلق بمصالح دولية أو بوجود إسرائيل، حتى إن عدوانياً متمرساً مثل شارون وعى الدرس وصار يُصنف معتدلاً بالقياس إلى نتنياهو الصاعد.
مكانة إسرائيل الخاصة في الوجدان الغربي تحمّلها تبعات لا نجدها في أي بلد من البلدان المحيطة بها، هنا ينبغي فهم الشراكة الإسرائيلية الغربية جيداً، فالغرب معني إلى أقصى حد بالحفاظ على أمن إسرائيل، وفي هذه الحالة يتساهل معها فيما يعتقد أنه حقها في الردع. لكن الشراكة متعددة الأوجه لا تقف عند هذا الحد، الأمر يشبه مثلاً المستويات والمعايير التي يجب تحققها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أو مستويات الكفاءة اللازمة للانضمام إلى حلف الناتو. بناء على ذلك، وفيما عدا ما يُعتقد أنها تهديدات أساسية، يُنظر إلى الانتهاكات الإسرائيلية من منطلق المنظومة الغربية لحقوق الإنسان، بينما يُنظر إلى مثيلاتها في الجوار العربي على أنها جزء من الثقافة السائدة فيه. سنكون مبالغين جداً إذا رأينا في الانتقادات الغربية لإسرائيل نجاحاً فلسطينياً في تسويق القضية الفلسطينية، ومن دون أن نبخس تلك الجهود حقها لا بد من النظر إلى الانتقادات بكونها مبنية على الأساس النظري الذي يضع إسرائيل في مرتبة الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة، والتي ينبغي أن تلبي معايير تلك المكانة.
وأن ينجح الأسد فيما يفشل فيه نتنياهو فذلك ليس دلالة على براعة الأول، ولا على حظوة أو مباركة دوليتين لدوره في المنطقة؛ هو نجاح مبني في الدرجة الأولى على غياب الاهتمام العالمي بسوريا، على العكس من الاهتمام الذي لم يتراجع بإسرائيل. ما هو مسموح لبشار الأسد فعله بالسوريين ليس مسموحاً لنتنياهو أو غيره فعله بالفلسطينيين، لا لأن العالم حريص جداً عليهم بل لأن العالم لا يقبل أيضاً بأن تتحول إسرائيل إلى وحش أعمى على منوال أنظمة الاستبداد. هذا أيضاً الثمن الذي تدفعه إسرائيل لقاء انتمائها للمنظومة الغربية، بحيث يبدو الغرب في كثير من الأحيان أحرص من القادة الإسرائيليين على صورتها، وعندما يقوم قادتها بخدش هذه الصورة الراسخة في الوجدان الغربي، فإن جزءاً من التعاطف الشعبي المعلن مع الفلسطينيين آتٍ لأنهم ضحايا إسرائيل، التي لا ينبغي لها أن تكون هكذا، لا ينبغي أن تكون بوحشية جيرانها المتوحشين أصلاً. ينجح الأسد لأنه يفعل ما يُعتقد أنه اعتيادي في أنظمة الاستبداد، ويفشل نتنياهو لأن وحشيته منافية لصورة إسرائيل في العقل الغربي. ينجح الأسد لأن حصتنا الفعلية من الاهتمام العالمي هي الإهمال.
عن جريدة المستقبل

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

ندمٌ وضيع على الثورة

20-آذار-2021

"تجحيش" المعارضة السورية

19-كانون الأول-2020

الأسديزم

15-شباط-2020

الطقم الضئيل لبشار الأسد

18-كانون الثاني-2020

غضب عابر من أجل إدلب

21-كانون الأول-2019

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow