Alef Logo
ضفـاف
              

بين المازني والجاحظ ومارك توين 1

2014-09-16

لماذا هذا المقال وما قبله وما سيليه إن شاء الله؟ لأن الإبحار في عالم الأدب واللغة لا يعني أبداً مجرد الترفيه، وإنما عوالم من الخبرة وذاكرة الأمة وروحها المطبوعة في كلمات الجاحظ والمازني وما ستولده المقارنة بين المازني ومارك تواين من فوائد.

في مقال بمجلة المقتطف نوفمبر 1932 صفحة 491 و 493 كتب العلامة محمود شاكر يناقش كتاب:"أدب الجاحظ" لحسن السندوبي حيث بدأ شاكر يعدد مزايا أدب الجاحظ وما ناله الجاحظ من شهرة وعناية لم ينلها عالم أو أديب آخر من علماء العرب وأدبائهم. وقارن شاكر بين هذا الكتاب وكتاب شفيق جبري. فالأول تاريخ خارجي

للجاحظ (يعني سيرته وآراءه) والثاني داخلي يعنى بدراسة وتحقيق ونقد أدب الجاحظ. فكلاهما مكمل للآخر. ومن شيوخ الجاحظ الأصمعي والأخفش والمبرد والنَّظَّام وغيرهم من عمالقة اللغة والأدب وهذا كفيل أن يرينا قيمة الجاحظ.

في كتاب "جولة في أدب الجاحظ" للدكتور عادل الزواتي (بحثه لنيل درجة الأستاذية) يطوف بنا الزواتي في حياة الجاحظ وتحقيق نسبه وعدد مؤلفاته ونسبتها إليه لكن هذا لا يعنيني وإنما الذي يهمني هو ما يلي مما أورده الزواتي:

عد الزواتي للجاحظ 285 كتاباً اتبع في ذلك ما أورده كارل بروكلمان وما طبعته جامعة لايدن وهذا رقم عجيب لم يورد المؤلف عليه أدلة كثيرة، وإنما اكتفى بما رآه في الفهارس. لكنه ما لبث أن فصل القول بعد هذا ليثبت أنه هناك من المنحول الكثير سيما وأن ظاهرة تعدد الأسماء للمؤلف الواحد كانت منتشرة في ذلك الوقت. والمثال على هذا هو كتاب ياقوت:" إرشاد الأريب بمعرفة الأديب" فله اسم آخر وهو:" معجم الأدباء". وقد أورد المؤلف أمثلة عظيمة الفائدة لكتب الجاحظ.

وبالطبع هناك من المنحول الكثير، وأشهرها الحنين إلى الأوطان كما أكد السندوبي، والمحاسن والأضداد وقد رأيته مترجما ومعه الأصل في طبعة جامعة لايدن.

ومن أشهر كتبته التي لم تطبع كاملة "الحيوان" الذي مدحه الجُرجاني في "أساس البلاغة" بعدم تكلف أسلوبه، وهاجمه البغدادي في "الفرق بين الفرق" واتهمه بنسخ معاني أرسطو، وما ذكره المدائني من حكم العرب وأشعارها في "منافع الحيوان". وأفضل من كتب عنه تحليلا ونقدا في رأي المؤلف هو الأستاذ مصطفى الشهابي في مجلة المجمع العلمي بدمشق صفحة 501 سنة 1931.

هذا وللعلامة الكبير أستاذنا الدكتور إبراهيم عوض دراسة عظيمة لرسالة الجاحظ في الرد على النصارى فليرجع إليها. ولها مخطوطة وحيدة في المتحف البريطاني تحت رقم: 1129/28.

أسلوب الجاحظ:

تخيل أيها القاريء الكريم كيف أن دكاكين الوراقين كانت زادا عظيما بعد المسجد نهل منه الجاحظ فتنوع أسلوبه وصار هكذا موسوعياً. يؤكد الجاحظ بأسلوبه السهل الممتنع غير المتكلف أن الكاتب ينبغي له أن يحذر من القاريء:" لأن عقل المنشيء مشغول وعقل المتصفح فارغ"

وأسلوب الجاحظ يجمع بين التلخيص (الفرق بين الاختصار والتلخيص كالفرق بين ذكر الشيء ناقصاً وذكر أجزائه متباعدة ثم جمعها في قصير) والتكرار لترسيخ الفكرة، والاستطراد للتنويع (وأجمله استطراداته اللغوية المفيدة) لدرجة الأدب المكشوف. ويؤخذ عليه تندره على علماء الدين أحياناً. الجميل في طريقة الجاحظ في التأليف توضيحه الغرض من الكتاب ووضع فهرس له. ثم إنه يعطي وعودا للقاريء للتشويق ويسائل قارئه ليبقيه يقظاً، وكان يقلل من إيراد آرائه الشخصية في كتبه. ومن سمات أسلوبه الثنائية يعني هو دائم المقارنة بين الأشخاص والأشياء والآراء.

ولأن العصر العباسي كان أزهى عصور الأدب العربي على الإطلاق فقد أثرت مدرسة الجاحظ في أسلوب من جاء بعده وأقرانه مثل المقريزي في عجائب المخلوقات، والدميري في حياة الحيوان الكبرى، والمرزباني في الموشح، والأبشيهي في المستظرف، والبيهقي في المحاسن والمساويء.

ألفاظ الجاحظ رشيقة ومترادفة وقليلة المحسنات، وجمله قصيرة سريعة في الغالب...نعم في الغالب، لأن بعض ألفاظه شديدة الوعورة لأنه خالط الأعراب، وسمع العلماء، وقرأ مختلف الكتب بمختلف اللغات.

يقول المسعودي في مروجه:"لقد نظم الجاحظ كتبه أحسن نظم، ورصفها أحسن رصف، وكساها من كلامه أجزل لفظ." وأما عن السجع فكان موقف الجاحظ بين بين.

ولا شك أن مفردات الجاحظ قد تأثرت بالمتكلمين والفلاسفة سيما وأنه كان من رؤوس المعتزلة، فكان يرى مثلاً أن القرآن مخلوق وجعل العقل مدار كل تفسير للقرآن وانتصر للتأويل. والحقيقة أني قرأت لشيخنا الكبير وإمامنا محمد أبي زهرة تأييدا لقول المعتزلة في مسألة خلق القرآن، وسأحتفظ هنا برأيي الشخصي.

تكلم المؤلف عن معرفة الجاحظ للعلوم لكني لم أقتنع ألبتة بأن الجاحظ كان عالما بالمعنى المعروف اليوم.

وفي كتاب "أصالة الجاحظ" لشارل بيلا (أستاذ الأدب العربي في السوربون) – طبعة دار أكدال- الرباط) وهو مستشرق قدم أطروحته للجامعة بعنوان:" البيئة البصرية وتكوين الجاحظ" ركز الرجل على البصرة باعتبارها كانت (أسأل الله أن يكشف الضر عن العراق) مركز إشعاع يموج بالعلوم والآداب في زمان الجاحظ، وما كان لهذا من تأثير عميق على الجاحظ وأدبه والأدب العربي بصفة عامة. اعتمد المؤلف هنا على كارل بروكلمان لكني (الكلام لمحمود الفقي) أؤكد أن كارل بروكلمان أصلا لم يأت بجديد إلا ترتيب مؤلفات الجاحظ حسب ترتيب ياقوت الحموي ومعنى هذا أن كلام كارل بروكلمان ليس بالدقة التي يحاول المؤلفان أن يثبتاها.

الجميل هو ربط شارل بيلا الجاحظ بمن سبقوه من أئمة النثر في الأدب العربي مثل ابن المقفع وعبد الحميد الكاتب وسهل بن هارون لكن الجاحظ كان مختلفا ومبدعاً ومتنوعا وعظيم الثقافة. فأسلوبه نسيج وحده ويستدل شارل على ذلك برسالته البديعة: التربيع والتدوير.

وعن القدرة النقدية والبلاغية عند الجاحظ فإني لم أقرأ أفضل من كتاب:" نظرية الجاحظ في النقد الأدبي" لمحمد عبد الغني المصري وهو تقريباً مؤلف أردني فليرجع إليه، فهو كتاب في رأيي عظيم الفائدة في هذا الباب. وحتى نلتقي في الجزء الثاني للمقارنة بين المازني (الذي هو امتداد للجاحظ في الأدب العربي الحديث) والكاتب الأمريكي الساخر مارك تواين ألقاكم على خير بإذن الله يا حبايبي.


عن مجلة أقلام .




















تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow