الكتابة تعيد رسم خرائط العالم / عثمان حسين
2014-11-25
وصف باولو كويلو العرب يوماً بأنهم "حكواتيون مدهشون"، كما اعتبر أن "ألف ليلة وليلة" تركت أثراً شخصياً فيه، أثراً لا يمحى . العرب حكواتيون، وهذا يعني أنهم روائيون، وهم شعراء بالفطرة، رغم مناكفاتهم الأدبية الراهنة، التي تحاول أن تثبت الولاية لهذا الجنس أو ذاك .
على أي حال، وسواء كان الحديث عن الرواية أو الشعر، فإنهما بالضرورة يعبران عن تلك اللحظة الجمالية التي تقع في منطقة الخيال، بالنسبة للكاتب للمبدع، والرواية كما الشعر، وسيلتان لفهم العالم من خلال الكتابة، التي هي الطريقة الأسلس، والأرشق، لكي يتجنب البشر العراك بالأيدي، لكي لا نقول الصدام بالشتائم، وعبر التاريخ سجلت الكتابة في شكليها السابقين، ما يمكن وصفه بالمحاولة الجريئة التي حملت الإنسان بعيداً إلى حالة وسطية، تقع ما بين الجنوح السافر واللامبالاة، وما بين الصخب العارم، والهدوء الرزين الكاشف والمتأمل الباحث عن الحقيقة، ولو في شكلها الفطري والصوفي، الذي هو بالضرورة، شكل ضد الحرب والكارثة والدمار المهلك الذي لا يبقي ولا يذر .
فالحديث عن الشعر مثلاً، هو حديث عن تلك المصادفة، التي تقع في منطقة متخيلة بين الوعي بالعالم أو الانفصال عنه، وهي لحظة بحسب التنظيرات النقدية غريبة من نوعها، أو تجسد حالة غريبة، يعيد فيها الشعر صياغة خرائط العالم وفق منظور جدلي، يقارب بين الأنا والآخر من جهة، والمتخيل والعالم من جهة أخرى .
الرواية كذلك، فن يخضع لمنطق الحكاية، والحكاية ضرورة، ونحن نحكي الحياة لنضيف إليها، كما يعبر عن ذلك الروائي الإيطالي أنطونيو تابوكي، والذي يعتقد أن جميع البشر يحكون، وعندما نذهب إلى النوم نحكي لأنفسنا، نحكي حياتنا لكي نفهمها، والرواية شكل للفهم، وأنه لاشيء مثل الفنانين الذين ينجزون تماثيل صغيرة ويتأملونها، وهو يقول "أنا أتأمل، وأحب أن أعيش لحظتي أكثر من أي شيء" .
اللحظة التي يتحدث عنها "تابوكي" هي لحظة جميلة، وتستحق أن يعيشها الإنسان، وهي ذات اللحظة التي يتحدث عنها الشعراء، بوصفها "مخيلة للتعايش" هي لحظة وروح حقيقية بمثابة الخلاص التطهري الذي يسافر فيه العقل وكذلك الوجدان إلى لحظة مفارقة من التأمل والتركيز كما يصفها أحمد المطروشي، وهي أيضاً نوع من الجنون، لكنه الجنون الذي يلامس العبقرية التي تبحث عن الدهشة، وهي لحظة غائمة بين منطقتي الشعور واللاشعور، والعقلين الواعي واللاواعي، كما يعبر عن ذلك عبدالله الهدية، وهي حالة مباغتة وصوفية كما يفسرها أحمد العسم، وهي لحظة حرة تهطل شعراً مدراراً بحسب عبدالله السبب، وهي كذلك أشبه بعملية اشتباك تأخذ معها كلاً من العقل الباطن والواعي، فتنتج شعراً جديداً، كما يؤكد جمال علي، وهي أيضاً لحظة صعبة يستغرق فيها الشاعر ويوجه دفتها إلى ما يريد من القول بتعبير إبراهيم الهاشمي .
عن منطق الحكاية في الرواية، لنا أن نتخيل حجم الدهشة التي ترافق القارىء، وهو يطالع رواية جديدة، هي بحق سجلت كثافة من حيث عدد الإصدارات على مستوى العالم في السنوات العشر الأخيرة، وهذا المنتج تصدرته فرنسا وتلتها ألمانيا، مروراً ببريطانيا والنمسا، وأمريكا وغيرها، وقد برزت عدة أسماء كمارك دوغان وروايته "أرق النجوم" التي تدور في فضاء الفلسفة القديمة، وميشال هولبيك ودانيال غلاتاور، وحائز نوبل لهذا العام باتريك موديانو الذي حققت روايته "الأفق" قبل حصوله على نوبل تقديراً نقدياً كبيراً، ذلك أنها شكلت حدثاً ثقافياً فرنسياً بارزاً في حينه، بسبب جرعة العاطفة في الرواية، التي تتحدث عن قصة حب قوية بين رجل وامرأة افترقا بعد عشق عاصف، ليلتقيا بعد أربعين عاماً حين قرر هو البحث عنها من جديد، وقد باع موديانو من هذا الكتاب ما لم يكن متوقعاً له .
نجاح الرواية هنا، هو في جرأتها على استثمار القصص الواقعية وتوظيفها في الأدب، كرواية "حتى الصمت له نهايته" لإنغريد بتانكور، وهي عبارة عن سرد مشوق عن امرأة قوية، تمّ اختطافها من قبل قوات عسكرية في كولومبيا وتحكي تجربتها التي أذهلت النقّاد .
وتميزت "طعم بذور التفّاح" للألمانية كاترينا هاغينا بقوة وجمالية نصها الذي يروي سيرة ثلاثة أجيال من النساء في عائلة واحدة . وتجمع "محيط من الخشخاش" للهندي أميتا غوش شخصيات متفاوتة الانتماءات في باخرة واحدة تتجه نحو جزيرة موريس . وتتسم "التحقيق" للفرنسي فيليب كلوديل بالغرابة، فبطلها يدخل مدينة لا اسم لها، ولا لشوارعها وناسها، وهناك يجري تحقيقه لمعرفة سبب انتحار عدد كبير من سكانها .
"الإعصار" رواية للكاتب الفرنسي رولان غوديه يصف فيها الإعصار الذي ضرب نيو أورليانز، والكتاب مشوّق ربط فيه الأحداث الواقعية التي يصفها بنظرة فلسفية .
"الفيلسوف العاري" لألكسندر جوليان تحمل بعداً فلسفياً في إطار مذكرات خاصة تحكي كيفية الصراع ضد المشاعر الشغوفة التي تعيق منطق العقل.
08-أيار-2021
22-أيار-2021 | |
15-أيار-2021 | |
08-أيار-2021 | |
24-نيسان-2021 | |
17-نيسان-2021 |