Alef Logo
المرصد الصحفي
              

ما بعد «داعش»

سمير العيطة

2014-11-26

يقرّ الجميع اليوم بأنّ «داعش» لن تزول وخلافتها لن تأفل إلاّ عندما ترتسم ملامح «ما بعد داعش». ليس بمعنى القوى البريّة التي تحرّر الأرض والناس منها فحسب، بل أيضاً وأساساً الفكر الذي تحمله وتنضوي تحت رايته قوى التحرير. بديهيّ أنّ تنظيمات متطرّفة من نمط «داعش» لا تبرز وتتمدّد بهذا الشكل، إلاّ لأنّها تملأ فراغاً وتؤدّي دوراً على الأصعدة الإيديولوجيّة والمحليّة والجيوستراتيجيّة كافة.
هناك فراغٌ فكريّ في منطقتنا بعد انتكاس العروبة وتناسي فلسطين ومحنة أهلها، وكنتيجة بعيدة لإغلاق باب الاجتهاد في الدين الإسلاميّ المهيمن على المعتقد والهويّة سويّة، وبعد أن بات الإحباط يدفع نـحو العـودة إلى صـورة سلفيّة أسطـوريّة مغلـقة مـن الدين. هذا الفراغ يتعدّى في الحقيقة منطـقتنا مع تراجعٍ عامٍّ وكونيّ لرمزيّة «الديموقراطـيّة» بسبب تخلّيها عن أسس المساواة الفرديّة والاجتماعيّة، أي المواطنة المتساوية والعدالة في التوزيع، وحتّى عن بعض أسس الإنسانيّة الشاملة كما نشهده في حساسيّة، كي لا نقول سلبيّة، مواقف بعض البلدان الديموقراطيّة من الإسلام كدين أو من المهاجرين كبشر. وفي ظلّ مثل هذا الفراغ يُمكن تفسير ظاهرة «داعش» أنّها نتاج إحساس مذهبٍ إسلاميّ بالغبن والتسلّط من قبل مذهبٍ إسلاميّ آخر، أي بالتحديد السنّة بكلّ مشاربهم من الشيعة وتفرّعاتهم. ذلك ضمن إسقاط جغرافيّ يتخطّى حدود الدول القائمة من منظور أغلبيّة وأقليّة. وكما حصل بالدقّة عندما تفكّكت يوغوسلافيا السابقة، ولكن بين قوميّات وليس بين مذاهب. والإشارة إلى أنّ هناك نوعاً من التماهي بين المجموعات اللغويّة والمذاهب في أوروبا.
فما هو الممكن فكريّاً لـ«ما بعد داعش» بالنسبة للمسلمين السنّة؟ وهل «داعش» أصلاً من أهل السنّة كما انتشر هذا المذهب فكريّاً وإنسانيّاً عبر التاريخ؟ وهل يختلف التساؤل عمّا «بعد داعش» عن «ما بعد الوهابيّة» و«ما بعد ولاية الفقيه»، أو حتّى عن «ما بعد الإخوان المسلمين» الذين لا يقبلون بـ«الدين لله والوطن للجميع»، المقولة التي قبلت بها حركة «النهضة» في تونس؟ وماذا بعد «الخلافة» في ليبيا أو «القاعدة» في المغرب العربي، حيث لا شيعة ولا «اضطهاد شيعيّا» هناك؟ الإجابة على هذه التساؤلات تكمُن في صميمها في الدور والوظيفة اللذين يقوم بهما هذا الاصطفاف السنيّ - الشيعيّ في خلق بديل عن... مطالب الحريّة والمساواة.
وهذه التساؤلات كلّها لها ارتداداتها على الصعيد المحلّي في كلّ دولة معنيّة، حيث يسود فراغٌ في تصوّر عقد اجتماعيّ يصون التعدديّة المذهبيّة والقوميّة القائمة منذ القدم ويقيم التوازن بين الأقاليم والمناطق، وكذلك يبتكر نظام حكم ليس استبداداً ولا ديموقراطيّة صوريّة تتقاذفها الدول الخارجيّة. الاستبداد وضع الأسس كي تكون لـ«داعش» بيئة حاضنة. وفوضى الديموقراطيّة المعبّرة عن مصالح ضيّقة والمسيّرة من القوى الخارجيّة، المتنازعة أصلاً، هي التي سمحت لها بالنموّ. ضمن هذا الفراغ أتت «الخلافة» بـ«نظام حكمها» الخاصّ، وبمشروع يفتّت الدول القائمة ويكسر الحدود. لن يزيل الاستبدادُ «الخلافةَ» لأنّ بيئته الشعبيّة ضعُفَت. ولن تقوى عليها الديموقراطيّة الهشّة لأنّ مشروعها غير مكتمل كي يصنع نسيج «شعبٍ» متوحّد.
«داعش» تؤدّي دوراً. وهي التحدّي الأكبر اليوم للإسراع في إنتاج عقدٍ اجتماعيّ جديد ورؤية منظومة حكمٍ قابلة للاستقرار من خلال الممارسة، برغم الفوضى حتّى قبل طرحهما فكريّاً.
على الصعيد الجيوستراتيجيّ، تشكّل «داعش» عنواناً لإعادة تشكيل المنطقة مع صعود تركيا وإيران والخليج وإسرائيل، وصراعات الكل للهيمنة على الإقليم، كلٌّ عبر ومع حلفاء له. ودور «داعش» هو تفكيك دول ما كان يُدعى «بسايكس-بيكو»، بسبب تغيير خطوط القوّة في السياسة وقبلها في الاقتصاد والمال.
البديل لذلك كلّه هو مشروع آخر في العراق وسوريا لما بعد «داعش» و«الوهابيّة» و«ولاية الفقيه»، وكذلك لما بعد «الأسد إلى الأبد». وفي لبنان لما بعد التقاسم
الطائفيّ العقيم. المهمّ هو أن يصاغ المشروع الحرّ، وتتمّ المحاولة لصنعه، من أجل الإنسان الذي يعيش هذا المخاض.... حتّى لو هزمه الواقع


جريدة السفير


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

كفى حرباً!

23-شباط-2016

سوريا: الوطنيّة أوّلاً

25-كانون الثاني-2016

سوريا ولعبة الأمم

03-كانون الأول-2015

ما بعد التدخّل الروسيّ

21-تشرين الأول-2015

المفاوضات السورية: الجوهر والتفاصيل

31-آب-2015

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow