خاص ألف

-1-

لنا
يا حبيبي
زمان مضى
والذي سوف يأتي
غدا.. أجملُ

لنا شجر السيسبان
على حافة الغور يغفو
هو الشجر الأولُ

ولي من يديكِ
ورودٌ
أقبلها
منذ عشرين عاماً
ولا.. تذبلُ

ولناديا
لعشرين عاماً
من الزهر
والقهر
أفتح نهر القصيد
لماء الحياة
و.. أرتجلُ

-2-

على حجر الحب
طُفنا يداً بيدٍ
وغرقنا دماً بدمٍ
في بحيراته
وطفونا على سطحها
جسدا بجسدْ

جنّتي هي كانت
وجنّتها كنتُ
آنست ضوءاً
على باب قلبيَ
واستأنست هي
في القلب ضوءاً

مشينا زماناً من الطرقاتِ
قطعنا شوارع من زمن
ليس ندري إلى أين
لكن مشينا
وكانت هناك بلاد
تشع كما النجمُ
تخرج من نفقٍ غامقٍ
و.. تسير إلينا
نسير إليها
على جسدين
وروحين نافرتينْ

بروحين حائرتين
وطائرتين
نطير إليها
ويحبسنا الدرك الملكيّ
تطير إلينا
ويمنعها عسكر الاحتلالْ

تشردت في ظلها زمنا
وتسرب منها إليّ
زمان الندى والظلالْ

وكنا
وكان المدى واسعاً
في زمان الجبالْ

تقول:
أحبُّ يديك المشاغبتينِ
أقول:
أحبُّ دم الوردتينِ
على صدرك المستفزِّ
بمائي الزلالْ

وكنا على حافة الغور
نسكر حباً
وعشباً
تراباً وماء على حافة النهر
كنا نجوس المقدس
نكرز بالحب والبندقية

كنا
تراباً وعشباً وماءً وحباً و.. حرباً

نقدس أسماءنا
ونكدس أسمالنا
ونكرس أسماعنا
لمياه بلا زرقة
وسماء بدون نجومْ

كانت القدس تطلع
من بحرنا الميّت
المستريح على حافة الموز

كانت أريحا
ملاعب أحلامنا
وخيالاتنا
والخليلُ
ويافا
وغزة
والماء
والخيل والليلُ
تمتدّ فينا
كحلم يعالج وهج التخومْ

-3-

في ظلال الحصار التقينا
كان وهج الهزيمة
ينبض فينا
وكنا نعيد إلى القلب
نبض الأملْ

دارت الأرضُ
دارت بنا
ومشينا معاً
بين بارٍ وزنزانةٍ

بين نخل عريقٍ
وزيتونة ألَّفتْ

بين بيت صغير
وبيت جديد

تظل تدور بنا ارضنا
وندور بأشجارها
بين منفى ومنفى
وسجنٍ حديد

نحاول مُلكاً
ولسنا نموتُ
ولا نعذرا

كم صعدتُ
إلى ليلها
في المخيم
كم صعدتْ
في زواريب روحيَ
بالفوكس فاجن

من يذكر الآن مركب كنعان
من يذكر الأصدقاء الصعاليك
في ليل عمان؟؟


عشرين عاماً
نحاول أن نرسم الكون
من حولنا
في حقول الجنازات
في سهر الورد

نرسم
في ليل عمان
نهراً بأجنحة
ونوارس من وهمنا

لم يكن ليل عمان نهرا
وما كان في مائها شجر
أو نوارس

عمان قاحلة

وفلسطين تبتعدُ

وأنا
قمر أفسدته الكحولْ

-4-

في مسائك
عطر القرى والربيع
مسائي خليج
خريفٌ
يصيح به الشاعر الهامشيُّ

يصيح به
يا خليج الردى
كيف تسرق أجملنا
وهو يكتب أنشودة للمطرْ

-5-

كم غيابك
يا امرأة الريف
يفتح باب الهشاشة

كم أنت حاضرة
في غيابكْ


لا تغيب ابنة الريف

صمتها أغنيات
وموّالها من أساطير كنعان
أو من جبال الخليلْ


-7-

هل أتاك حديث العساكر
عن ليل زنزانتي
عن سياط العبيد
وهم يجلدون دفاتر حريتي

هل أتاك حديث البلاد التي..

لا أقول بلادي
لأني بلا وطن

وأقول البلاد التي شردتني

.. أتاك حديث الجنود
وهم يخرجون الفدائي بالطائرات

.. حديث الفدائي بين المنافي

.. الفدائي في خندق
والفدائي في فندق

الفدائي بين المنافي
وربع الوطنْ

-8-

أنا
في عراء الرمال
أواخي نجوماً
أصاحب ذئبا وقطّاً
أقرِّب نورسةً
أو حمامةْ

وفي غربتي
سأصاحب ورد الطبيعة
أحنو على شجرة
حرة في الطريق
أداعب شتلة شوك
عسى أن تصاحبني
في ارتحالي
من البيت نحو العملْ

وفي البحر آخيت هامورة
صحبتني إلى سمك القرش
حتى يصاحبني
في ارتحالي إلى القاع
بحثاً عن الأخوة الدافئينْ


وفي غربتي أتعلم
من شجر البر والبحر
من طائر أو غزالٍ

من النهر
أو من خليج الردى
أتعلم:

ما حاجتي للبشرْ


-9-

ومن عزلتي أتعلم
أن الزهور ستذبل يوماً

وأن الأغاني ستفقد إيقاعها

عزلتي حصن قلبي الأخيرُ
وأسوار قدسي
وبوابتي لأسير إلى داخلي
لأراني قريبا

ومن عزلتي سأراكِ
تطلين وحدك
كالورد والماء والظبي تأتين
لست أرى غير وجهك

كالحب تأتين
كالحزن
والأغنيات العتيقة
في زمن البهلوانات

تأتين من زمن الحب
والقهر

وجهك زادي
وقلبك زوادتي
ويداك من الزيزفونْ

زهرتي أنت
في صحراء الجنونْ

بعد أزهار صدرك
ما احتضنتني زهورٌ

وما بعد روحك
أمشي بلا أي نجم
بلا أي روح حنونْ


-10-

أغني وحيداً
لأني معكْ

لأنك تستيقظين صباحاً
وتُزْجين لي بالأغاني القديمة

بالبحر والهيلا هيلا
بـ.. قهوة أمي
بفيروز تصدح للقدس
بالشيخ يشدو بـ.. رجعوا التلامزة
يا عمي حمزة

أغني
لأنك وحدك تأتين
في عزلتي

ولأنك
وحدك لا تكذبينْ

أغني لأيامنا
للرفاق القدامى

لليلٍ طويل مضى
بين رقص وخوف

لمن صمدوا في السجون
ومن سقطوا في الميادين

للعمر يمضي
وينثر في الرأس
زهر البياض

أغني
لأرثي
وأهجو
وأمدحْ

وإني أغني
لأرثي زماناً

وأهجو زماناً

وأمدح يأسي

أغني لرأسي
الذي ظل
في الحرب.. رأسي

لبأسي الذي ما يزال

وكأسي الذي سيظلُّ..

وأرثي الذي سوف يأتي
وأهجو الذي سوف يأتي
وأمدح ما سوف يأتي

ما الذي سوف يأتي؟

زمان يكرر أنفاسه
في زمان سيلفظ أنفاسه

وستأتي عصافير غودو
وأشجاره في الخريف البعيدْ

سيجيء ابن حزم
وتأتي حمامته دون طوق
ولكن بلا أي ريشْ
( مختارات أرسلها الشاعر من مجموعة "الطفل إذ يمضي" الصادرة حديثا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت)