من المقدس الى الفاني - محطات من رحلة الجسد الانثوي على القماشة./ د. فائز الحمداني
2015-03-12
( يروي جان لوي ماري في كتابة الانطباعية الذي ترجمه جبرا ابراهيم جبرا، حادثة لوحة (دعوة الى غداء) للفنان مانيه، حيث ان الامبراطور نابليون الثالث استهجنها بسبب وقاحتها, رغم انها تمثل النسخة الانطباعية للوحة -حفل ريفي او كونسرت رعوي- للفنان تيتيان). يمكن اعتبار هذه الحادثة مثالا بارزا للثنائية التي تعامل من خلالها الذوق الفني مع الجسد الانثوي.
احتل الجسد الانثوي العاري منطقة واسعة على قماشة الفن، وقد مثلت رحلة هذا الجسد مسارا فنيا ملفتا للنظر، وهو الامر الذي دفعني الى ان اتتبع هذه الرحلة من خلال هذه المتابعة النقدية التاريخية لكي اؤشر ابرز مراحلها وربما اجد الاجابة عن بعض التساؤلات التي قد تثيرها هذه المتابعة. تنطلق هذه المتابعة عبر مستويين، المستوى الاول يتناول ثنائية الجمال الغريزة في الذوق الفني، اما المستوى الثاني فيتمثل في المعايير الجمالية التي حكمت هذا التعامل .
المستوى الاول
من الممكن القول ان تعامل الفن بشكل عام مع الجسد الانثوي من ناحية الموضوع لم يخرج من ثنائية الجمالالغريزة عبر مراحل فنية متعددة. ربما يبدو من الصعب ان ينظر الى الجسد الانثوي بهذا الشكل المتعسف بالنسبة للبعض, ولايضاح هذه الثنائية نبدا الرحلة مع الفنان بوتشيلي، في لوحة ميلاد فينوس المرسومة في عام 1486 او البرايمافيرا. ان طريقة تصوير بوتشيلي للالهة فينوس تضعنا امام تصور اننا امام جسد عذراء نقية وبالتالي فان مقاربة ساندرو بوتشيلي تصور الجسد الانثوي بوجهه الجمالي البعيد عن الغريزة،. وهذه هي المنطقة التي استطاع الفنان من خلال توضيفها ان يبعد الجسد الانثوي عن منطقة الغريزة في تصويره لالهة الاساطير اليونانية والحوريات، وهذه المنطقة هي منطقة الايحاء. ان جسد المراة لا يمنح مفاتيح تاويله مجردا، بل ان الايحاء الذي يمارسه وضع الجسد يلعب دوره الاساسي في هذا الامر.
يمكن اعتبار الايحاء الثيمة الابرز في طريقة تعامل الفن الغربي مع الجسد بشكل عام والجسد الانثوي بشكل خاص. ومن خلال ادراكنا لذلك نستطيع ان نفهم كيف كان ينظر الفنان الى المراة المرسومة، وهنا نستطيع العودة الى لوحة ميلاد فينوس . ان فينوس المرسومة في اللوحة كما صورت في بعض النصوص النقدية(1) قد تثير في البداية للمتلقي الحس الغريزي ولكنها التصور الذي تمنحه بوصفها الصورة المثلى للحب المقدس، او الصورة المثالية للحب هو الابلغ. ان الوضع الخجول لفينوس، كما اعتقد, يلعب دورا مهما. انه يلجم تصوراتنا البعيدة عن القدسية , ورغم ان جسد فينوس في اللوحة يمثل مركز ثقلها، لكن انحناءة الخجل تكاد تمثل مركز ثقل مواز لعين المتلقي. وايا كان تاويل المتلقي تجاه جسد فينوس فان عينه لن تغفل تلك الانحناءة والنظرة الساهمة لها. ان تعامل بوتشيلي مع جسد فينوس في هذه اللوحة يمثل مصداقا للتصور الجمالي الذي يتبناه الفن في تعامله مع جسد المراة.
هناك امر مهم اخر يلعب دورا في هذا التصور الذي سار عليه العديد من الفنانين من عصر النهضة وحتى الكلاسيكية الجديدة، وهو ان النساء لا يصورن عاريات الا في تصوير الالهة، والحوريات، ولكون ان هذا الوجود بمجمله علوي ومقدس فانه دائما ما يصور بشكل يبعده عن متناول التصور الغريزي للمتلقي، فالالهة او الحوريات لا يمثلون وجودا بشريا او فانيا وبالتالي تصور وكانها تسبح في فضاء القماشة وهي بعيدة عنا كل البعد، لا توجد هنالك اية ايحاءات توصلها هذه الاجساد لعين المتلقي يمكن ان تخلق علاقة ما، انها ببساطة كائنات بعيدة عنا، غير معنية بنا، تمارس طقوسها بحرية غير معنية بتصوراتنا عنها. حتى في لوحة الفنان الفرنسي باوجر وهي من لوحات فن الركوكو، وهي تصور جسد امراة عادية، فانها نائمة وليست تمارس اي ايحاء واع ان صح التعبير، وبالتالي فالرسالة الغريزية التي يمكن ان تمنحها رسالة غير كاملة، تجعلنا نبحث عما وراء وضع الجسد وليس الجسد بحد ذاته، تجعلنا نبحث وراء قصة هذه الانثى. ونبتعد ان جسدها العاري.
بشكل عام لقد تجنب الفنانون وهم يتعاملون مع الجسد الانثوي من خلال تجنب الايحاءات الغريزية التي يمارسها صاحب الجسد ، ان يعالجوا الجانب الغريزي فيه، ويمكن ان نتعامل مع هذه الحقيقة كقاعدة، ولكن لكل قاعدة استثناء.
يمكن اعتبار لوحة فينوس امام المراة للفنان روبنز، واحدا من هذه الاستثناءات. لا يمكن ان ننظر الى هذه اللوحة بوصفها استثناءا صارخا ولكنها تمثل خطوة امام محاولة الجمع بين ماهو جمالي وغريزي في لوحة واحدة، وهنا نعود الى الايحاء مرة اخرى. ان فينوس في هذه اللوحة تتامل نفسها في المراة وبالتالي فهي تمارس طقسا بشريا، طقسا فانيا، وهذا هو الايحاء الاول، الايحاء الثاني يتمثل في انها تنظر للمتلقي من خلال المراة، وهي بالتالي تخلق علاقة مع المتلقي الفاني، ولكن هذه النظرة تبدو وكانها ليست مقصودة، واللوحة ككل لا تضعنا امام تصور ان فينوس معنية بنا للدرجة التي يمكن ان يكتمل معها الايحاء الغريزي. نحن امام نظرة فينوس لحظة عابرة ليس الا. نظرنا الى ثنائية الجمال والغريزة وكانهما وجهان لعملة واحدة، فما فعله روبنز يمكن ان نتصوره محاولة لاستراق النظر نحو الوجه الغريزي للجسد... ولو لوهلة.
الاستثناء الثاني يمكن ان نراه في لوحة زوجة الفنان لنفس الرسام، تروي المصادر التاريخية ان روبنز تزوجة وهو في الخمسين فتاة في مقتبل العمر وقد رسمها روبنز وكان عمرها 25 عاما. رغم ان الفنان عمد الى تغطية المناطق الحساسة من جسد زوجته لكي يكرس الحس الجمالي فيها، لكنه ايقاعها الحركي وهي تنظر له المتلقي وتاثر الحركة على وضع الاثداء، يستدعي الوجه الغريزي للوحة، وكانه اراد ان يخلق التوازن في رسمه هذا للجمالي الصرف والحسي، بشكل لا يجعل اي تصور يطغى على الاخر.
يمكن ملاحظة ان معيار الجمال للجسد الانثوي في لوحات النهضة وما بعدها ، الاسلوب المتكلف، الباروك والركوكو يتمثل في الجسد المكتنز ، ورغم ان الكلاسيكية المحدثة سعت الى العودة الى الاصول الكلاسيكية والتخلص من الترهل الذي شهده فن الركوكو الذي ظل امينا للمفهوم الجمالي (المكتنز) لجسد المراة، لكن الفن النيو كلاسيكي ومن خلال اعمال انغرز على سبيل المثال تبرز الانزياح الحسي في التعامل مع الجسد . تشير Wikipedia (1) الى ان الفنان انغرز كان مولعا باناقة اعمال رافاييل وانسابية اجساده، مما جعل الاكتناز الجسدي ياخذ طابعا اكثر انسيابية, وربما يشكل هذا احد اسباب اقتران اجساد انغرز بهذه المواصفات الجمالية.
فهل يحق لنا ان نؤشر النيوكلاسيكية من خلال بعض اعمال انغرز بوصفها منطقة التحول الابرز الذي شهده التعامل مع الجسد الانثوي وهل كان لزيارة انغرز للشرق اثر في هذا الشان؟ ربما ارتبط الشرق بوعي الفنان الغربي عبر الوجود الانثوي المكرس للمتعة في ليالي الف ليلة وليلة وفي قصور الحريم بذلك الايحاء الحسي الذي نرى اثره في ليس لوحات انغرز وحسب ولكن في لوحات العديد من المستشرقين. يجب الاشارة هنا ان الفنان المستشرق وهو يرسم النسوه الشرقيات قد اسقط معاييره الجمالية عليهن. وهنا يبرز سؤالان : هل ان الاجواء الشرقية ابرزت في الفنان الغربي مثل هذا التوجه الحسي في تصوير المراة، وهل يشكل هذا الانزياح الحسي في تصوير جسد المراة احد اسباب اشارة بعض النقاد الى ان انغرز نفسه كان يمثل احد بذور الفن الرومانسي الذي كان يقف بالضد منه؟ربما. وبالاشارة الى الفن الرومانسي، لا بد من الاشارة الى لوحة ديلاكروا ، الحرية تقود الشعب، والتي يمثل فيها جسد المراة العارية الصدر وهي تقود الجموع رمزا للحرية التي تدوس كل شيء. تمثل هذه اللوحة الرومانسية المثال الابرز في تعاملها مع الوجه الغريزي للجسد الانثوي، وما يمثل الانقياد باتجاه هذا الايحاء(2).
وللاجابة على السؤال الثاني: يبدو ان نظرة الشرق ركزت في تعاملها مع جسد المراة على الوجه الغريزي، والذي اقترن مع ذهنية التحريم فيه مع الكبت، الامر الذي تصوره بوضوح جلي اعمال الفنان ماهود احمد، على سبيل المثال لا الحصر، الذي كرس العديد من اعماله لهذا التصور، ولكنه احاط هذا الوجود الانثوي المفرط في حسيته بما يعانيه من كبت وتغييب، فالجسد الانثوية ليس ملكا لصاحبته لكي تعيش احساسها به كما تريد ولكنها مجبره لان تكرسه لطقوس المجتمع القاهرة. نرى ان مفهوم القهر يتكرر في لوحات ليلى العطار، والتي غالبا ما تزرع نساءها في مناخ موح بالقسوه والقهر ، ان اجسادها تقطع رحلة مجهولة ومظلمة تنعكس قسوتها في معاناة الجسد وهو يقطع هذه الرحلة. وقد يؤكد ذلك معاناة المراة في المجتمع الشرقي حيث تكون اسيرة جسدها ، هذا الارتباط الذي يجعلها تعيش معه رحلة قاسية ومظلمة. ارتبط جسد المراة في الفن العراقي - ويمكن ملاحظة نماذج النحت السومري كمثال على ذلك- بالخصب ويبرز ذلك في ضخامة تصوير الارداف والاثداء بوصفها الدلالة المباشرة لهذا التصور، وقد وظف ماهود احمد هذا التصور في لوحاته، فكان ان بالغ في تصوير الارداف في اجساد نسائه بما يوحي بوصفه امتدادا للتصور السومري.
ولكن و بعيدا عن القهر الذي يعيشه الجسد الانثوي في الشرق، كيف نظرت المراة الى جسدها عبر القماشة؟
يمكن ان تعطينا اعمال الفنانة الانكليزية ستيفاني روو الجواب على ذلك: تتمحور اعمال ستيفاني روو حول جسد المراة، بل ان الجسد الانثوي بكل تمظهراته هو الموضوع الوحيد لهذه الفنانة. ان ثيمتها الاثيرة هو ذلك الحوار الازلي الصامت بين المراة وجسدها و لوحاتها بلا استثناء تظهر نساء يعشن حالة من التوحد الصوفي مع اجسادهن. من خلال هذا التصوير تحاول ستيفاني روو ان تنقل قدسية اجساد الالهات في لوحات الفن الكلاسي الى اجساد فانية من خلال اقتناص نساء يعشن حالة حوار دافي مع وجودهن المادي . ان لوحاتها تريد القول بانه لا يمكن ان ننظر الى روح المراة بمعزل عن جسدها كما لا يمكن ان تفهم لغة الجسد الانثوي بمعزل عن روح المراة ان ستيفاني روو مؤمنة بقدرة هذا الجسد المقتصد في ايماءاته والمتحفظ في ظهوره على ان يؤكد توحده مع امتداده الروحي واذا كانت رسالة الفنان في ان يكشف عن روح الاشياء وكوامن وجودها فان افضل اظهار لروح المراة هو الجسد كما هو. كما ترى ستيفاني روو(3).
يبقى السؤال, هل يحمل الجسد الانثوي معنى الحسية في جماليته، هل يمكن ان نفصل بين جمال الجسد الانثوي وبين الغريزة التي تجعله مرغوبا، وهل هذا الذي جعل وصف الجسد الجميل باللغة الانكليزية الشائعة حاليا بعد ان كان يشير الى الجاذبية ، يشير الى الجنسية، (sexy (x) attractive) هل كان الايمان بامكانية الفصل بين الجمال والحسية هو الذي جعل الذوق الغربي ابان هيمنة الكنيسة يتعامل يؤمن بهذه الثنائية بحيث اصبح جزءا من الذوق العام؟
اتصور ان الثنائية التي سيطرت على تاريخ التعامل الفني مع الجسد، هي ابتكار فني في المقام الاول، وقد يعود ذلك الى تقاليد ثقافية ودينية في المقام الاول، هذه القيود جعلت الفنان يدخل الجسد الانثوي العاري على قماشته من باب المقدس، باب الالهة اليونانية والحوريات، هذا الوجود الخيالي الذي حاول الفنان ان يوظفه, معنى, ويوظف معه ايحاءات الجسد الانثوي المقتصد والمتعالي، شكلا، لكي يتجنب خدش التقاليد. استمرت هذه المحاكات عبر عصور فن النهضة والفن المتكلف (Mannerism) والباروك والركوكو، ومن ثم جاءت لوحات المستشرقين لتدخل الفاني من خلال تصوير بيئة الشرق، وربما لم ينتقد احد هذا التوجه بشكل واضح لانه يعبر عن واقع اخر، وبالتالي فهو لا يخدش التصور السائد، ولكنه يمكن ان يؤشر نقطة تحول استمرت باتجاه اظهار الصورة الحسية مع محاولة الحركة الرومانسية كسر التقاليد الفنية، ومع استمرار الحركات الفنية التي تلت في كسر الحواجز، و تاصلت هذه الممارسة مع الانطباعية في لوحات رينوار بوصفه المثال الابرز. ان سياق التغيير الذي سار عليه المجتمع الغربي مع ضعف هيمنة الفكر الديني، مع التوجه العلماني جعل الفن يستغني عن التعامل مع هذه الثنائية مع غياب المبرر القيمي.
المستوى الثاني
يدور المستوى الثاني في فلك المعايير الجمالية التي نظر من خلالها الفنان الى هذا الجسد، وهل تغيرت معايير الجمال في الوقت الحاضر، فلم يعد الجسد الانثوي المكتنز يمثل هذه النظرة من خلال الاحتفاء الواضح بالجسد الرشيق، او الاحرى النحيف بمعنى اصح في الوقت الحاضر؟ انا اعتقد ان التوجه المفرط في ابراز الجسد النحيل بوصفه المعيار المعاصر للجمال، له طابع تسويقي متجاوب مع متطلبات المجتمع الغربي. من المعلوم ان المجتمعات الغربية تعاني من نسبة عالية في السمنة لشيوع الاغذيه الجاهزة، ولكون ظاهرة السمنة ظاهرة غير صحية والاهم من هذا بالنسبة للمجتمع الراسمالي مكلفة ماديا ومكلفة على صعيد القوى العاملة ، فقد التقت توجهات اصحاب مستحضرات التجميل والترشيق وخبراء التغذية ، واخرين في توجه مكثف ويصعب مقاومته الى تسويق الجسد النحيف بوصفه الجسد المثالي الى درجة انهم نجحوا في ان تنظر المراة المكتنزة الى نفسها نظرة استهجان لانهم اخرجوها بواسطة ماكنة اعلامية جبارة خارج دائرة الضوء، الى حد بدات تظهر حالات نفسية مرضية مثل مرض فقدان الشهية العصابي (anorexia nervosa) ، والذي سببه هوس الشابات بالرشاقة المثالية والذي اوصل بعض الفتيات الى حافة موت محقق!
لقد توسعت دائرة التسويق الاعلامي والفني بهذا الاتجاه، فهناك برامج تبثها القنوات البريطانية على سبيل المثال لا الحصر تناقش هذه الظاهرة، فلقد جعل التركيز الاعلامي بشان الرشاقة بعض النساء يحسون بالحراجة لكون اجسامهم مكتنزة وبالتالي محرجة، فكان ان ظهر برنامج (كيف ابدو جميلة وانا عارية) وهو يحاول ان يواسي هؤلاء النسوة وهن بمراحل عمرية مختلفة من خلال اختيار الازياء التي تقلل قدر الامكان الايحاء بهذا الاكتناز في مناطق الصدر والارداف. ويحيلني هذا الامر الى ملاحظة ابداها النحات محمد غني حكمت حول جسد المراة في برنامج بث من تلفزيون العراق قبل سنين عده. حين اجاب عن رؤيته لجسد المراة فقال حينها انه يعتبر جسد الرجل اكثر جمالا وتناسقا لغياب البروزات الغير جمالية في جسده.
قد يجعلنا ذلك نعتقد ان الرشاقة ليست معيارا فنيا بقدر ما هو معيار تسويقي تفرضه طبيعة المجتمعات الغربية. ولكن لا يجب ان ننسى حركة المساواة بين الرجل والمراة والتي اتخذت في هذه المجتمعات طابعا جديدا وهو ظاهرة الفتاة الولد، وهو توجه تتبناه بعض فتيات هذه المجتمعات للتشبه بالفتيان مظهرا وسلوكا، وقد يكون لهذا دور مساهم في تكريس المظهر الانثوي الرشيق. مع ذلك لايمكن ان ننظر الى معيار الرشاقة في المجتمع الغربي المعاصرة من خلال الجسد المفضل لدى مصممي الازياء، لان هذا لا يعكس كل الصورة، لان من غير المستبعد ان يكون القصد في عروض الازياء ان يكون التركيز على نعومة واناقة المظهر الانثوي مع تقليل الايحاء الحسي قدر الامكان. يتوازى ذلك مع تغير فلسفة تصميم الازياء من اكساء الجسد الانثوي بما يليق الى كشف الجسد الانثوي بما يليق.
هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فان هناك توجه يكاد يمثل صرعة لدى بعض النساء في المجتمع الغربي لحقن مادة البوتوكس لغرض تكبير حجم الثدي باعتباره من ابرز عناصر الجمال الحسي لدى المراة، كما ان هناك توجها اقل نحو حقن منطقة الارداف لنفس الغرض. وهناك توجه مواز لمواجهة تلك النظرة السلبية للجسد الممتليء من خلال تخصيص محلات خاصة للازياء النسائية يكتب على لافتاتها مثلا عبارة (كبيرة وجميله).
من خلال هذا كله لا يمكن ان ننظر الى فكرة الرشاقة في المجتمع الغربي نظرة موازية لنظرة الاكتناز في الكثير من الحضارات وتجلياتها الفنية، لان الغرب مجتمع متغير بطبعه ولا نستبعد ان تتغير معايير الجمال بتغير متطلبات الحياة المتسارعة الوتيرة التي تعيشها هذه المجتمعات. والتصور الحالي نحو الجسد المكتنز يتركز في كونه ظاهرة غير اقتصادية ومرشحة لان تكون ذات عواقب صحية، لها عواقبها المادية والانتاجية لدى هذه المجتمعات.
لقد ركزت متابعتي النقدية هذه على المستوى الاول في التعامل مع الجسد الانثوي في القماشة من عصر النهضة حتى بداية القرن العشرين، ولا يمكن الادعاء بان هذه المتابعة قصدت التغطية على مجمل عناصر الموضوع ولكنها حاولت ان تؤشر ابرز المراحل كما ارى، وحاولت السعي وراء معرفة سر الثنائية التي برزت في تعامل الفن مع الجسد الانثوي. اما المستوى الثاني فاعتقد بان هناك جوانب غير فنية ، وهي
تسويقية على الاغلب تحاول ان توظف الاعلام باتجاه جمالي مربح ان صح القول، والذي قد يمثل صرعة
لا تستمر مع معطيات التغيير المستمر الذي تشهده المجتمعات الغربية.