تعلّقت بهذا المكان، أعطيته من روحي جمالاً، لا أستطيع المغادرة.

هذه الأرض الصغيرة هي مملكتي، وتلك الحيوانات هم سكان المملكة، فلولا القطّ والكلب، والدجاجات، كنت سأكون وحيدة، الوحدة هي أن تعيش وأنت تعرف أنّ لا أحداً يفهم ما تقول، كان الكلب يفهم حديثي.

عندما تفقد كلباً عاشرته تفكّرّ مليّاً في هذه الحياة. لماذا يقتل صيّاد غريب كلباً كان ينبض بالحياة؟

لا جواب حول القتل. لا جواب حول الحياة أيضاً .

الكلب الذي فقدته كان جزءاً من حياتي، كان صديقاً.

ودّعني بصوت خفيض. وضعته في حضني، وأنا أبكيه إلى أن فارق الحياة.

هل يقتلني غريب في داري كما قتله؟

من هم هؤلاء الغرباء الذين يقتلون، ويغادرون؟

قلبي يرتجف من الخوف، ولا خوف. تساوى الموت مع الحياة.

آه يا زينب. لو عرفت من أنت لهربت، لا يليق بك ذلك الهوان.

أحسد شمسة. رغم معاناتها. لا زالت تؤمن أنّها ستلاقي فرضة، تؤمن بكلّ الشّائعات، تتحدّث بأوهام، قلبها يشبه الثّلج، ولا تتخلى عن الأصدقاء.

أين أنت يا أمي؟

ليس لديّ أم. لم أرها. كانت موجودة، وقبل أن تموت بعشرين عاماً اتخذت القرار بالموت، انتظرت تنفيذه. لم أرها، ولا أعرف بماذا كانت تفكر. قد أكون مثلها. أمي عودي. أرغب أن أسألك: لماذا الوأد حرام؟ أنا موءودة حقيقة.

ما دمت اتخذت قرار الموت. لماذا أنجبت كلّ هؤلاء المشرّدين؟

أمشي غائبة عن العالم. لا أستنشق الهواء، ولا أرى النّجوم والسماء. أستعمل ذهني فقط ليذكرني بالموت. هل هذه هي الحياة؟

. . .

يبدو أنّ الأمر يروق له . يقوم بحركات يستفزّني من خلالها، أسأله عن الأمر. يقول لي أنني مريضة في عمقي أفسّر الأمور وفق مزاجي.

ما هذا يا مروان؟ هل أنت مراهق؟

نحن بالغان. تستطيع أن نقول وداعاً. أم أنّ الإيذاء لغة بحد ذاته.

لا أرغب أن يقول وداعاً، ولا أريد أن يبقى. لا يضيف إلى حياتي سوى الألم.

يرغب بالإيذاء ، ويفعله عامداً متعمّداً. إلى متى؟

هل سأستطيع المحافظة على ضبط نفسي؟ وما حاجتي إليه؟

هل يستحق العمر أن نقضيه في الصّد والرّد؟

ما أضيق تفكيرك يا مروان!

أليس من الأفضل أن تمسك بيدي، ونتحدّث معاً كي نعيش في مأمن من النّكد.

بالطبع لا أستطيع تغييرك حتى لو قبّلت رجليك. ستزيد عنجهيّة.

أعدك أنّني لن أسعى لهذا، فأنت من يجني على نفسه، الحياة لا ترحم، وهي تدور مثل كلّ شيء في الطبيعة

لازلت أحتاج إلى الغزل. أحدّث نفسي عن نفسي:

تبدين جميلة أيّتها السّيدة، ولا أحد يلمّح لك بذلك، حتى زوجك مروان لم يقلّها مرّة واحدة على الأقلّ. أعتني بمظهري كثيراً ، نكون أنّا وزينب، ولا أحد يرفعني من مكاني. الأنظار تتّجه لزينب، وكلمات الإطراء تطالها، مع أنّها لم تبرز جمالها بل تلفلفت بالثّياب كأنّها غجريّة، هي تلبس لباس القرية الطويل. تقول لي هذا النوع من اللباس نعمة. يستر الفقر، لكنّني لا أستطيع أن ألبس مثلها. فأنا أعيش في المدينة. ألبس سروالاً ضيّقاً، وفوقه سترة، أرتدي حجاباً من طاقين. الداخلي سماوي، والخارجي أبيض. أنظر إلى المرآة، وأعجبني.

سألت زينب عن السّر. أجابت:

عليك إما أن تمشي سافرة، أو تلبسي عباءة فهذا النّوع من التستّر ليس مثيراً، لو لبست العباءة، ومكمّلاتها، لأعطتك إثارة، فهي فضفاضة تحيط الجسد بعلامات استفهام، أما أنت فتحيطين جسدك بتفاصيل قد لا تكون مثيرة، ليس من الضروري أن يظهر عرض وركك على سبيل المثال.

لو كنت أستطيع لصفعت زينب. أعطتني ملخّصاً عن نفسي، لا أعرف من أين أتت لها هذه الرؤيا. رغم ذلك أشعر أن عليّ أن أراهق بعض الشيء قبل توديع الشّباب, ما المانع؟

. .. .

لا أعرف كيف أنام يا شمسة. وسادتي تنزل من تحت رأسي، الأصوات تتعالى في في خيالي. بدأت أخاف الموت، فقد أنجزت أوّل أمر في حياتي: أصبحت أتمتّع ببعض الأمور. أرغم نفسي على التّمتع.

-لا تخف يا سليم. يقولون أن في الموت لذّة، وأن هرمون الموت يعطيك إشارة كي تتبعه، عندما تراه تطارده، وتسعى إليه.

-البارحة تعلّمت كيف أشاهد فيلماً على النت. شدّني إليه، نمت دون أن أدري، وفي الصّباح فكّرت لو يهملني الموت بضعة أيّام كي أكمل مشاهدة بعض الأفلام.

-ما اسم الفيلم الذي رأيته؟

-لا أدري.

-ما اسم الممثلين؟

-لا أدري.

-هل هو عربي أم أجنبي؟

-يمكنك القول أنّه يجمع بين العربي، والأجنبي، هناك لغة لم أفهمها في الفيلم، لكن كان بشكل عام جيداً، يتحدّث عن قصّة حبّ لفتاة شابّة مع شاب طبيب، وقصة حبّ أمّها مع شاب يشبهه، المشكلة الوحيدة في الفيلم أنّني لم أعرف أن أميّز بين الأمّ وابنتها، ولا بين الشّاب الطبيب، وصديقه عشيق الأمّ.

-دعني أرى.

أوه. هو فيلم "العاصفة" القائم على صفّ الكلام. هو فيلم عربي يتحدّث بالعامية المبتكرة لدولة شقيقة.

أبحث لك عن برنامج تلفزيوني وثائقي.

وجدّته!

فيلم "أرض الوطن" موثّق بالصّوت والصورة.

نشاهده معاً.

سليم. هل نمت؟

انتهى الفيلم دون أن أراه أنا أيضاً. كأنّهم وضعوا لنا تنويماً مغناطيسياً.

سأفتح التّلفاز. اليوم ستتمّ مناقشة "القضية" من قبل شخصيّة هامة، الموعد الآن.

-لم أفتح التلفاز منذ كنت شاباً. كنت أحاول أن أشاهد الأخبار، وتأتي النشرة الجوية، أغفو ولا أرى شيئاً، أغلقه وأكمل نومي.

-تتحدث عن الماضي. تطوّر العالم. اللون يجذب، والموسيقا.

نشاهد النّقاش حول "القضيّة":

نقدم لكم أيّها السّيدات والسّادة حواراً ساخناً حول ما يكون، وما لا يكون ، وما هو جائز، وغير جائز. ضيفي في الاستديو تاجر كبير في المنتجات الحيوانيّة، ومموّل للقضية، المشرف على النضال السّلمي ضد الامبرياليّة، ورئيس منظمة " طعام بلا حدود" الدّوليّة، رئيس قسم الإغاثة في الأمم المتّحدة، سفير الوطن في الأدب، له مئة قصّة طويلة، وأربعون ديوان شعر.

هل لك أن تقدّم نفسك أستاذ عبد المؤتمن؟

-بكلّ سرور.

قبل أن أتحدّث عن مهمّاتي الصعبة، والمعقدة، وتضحياتي من أجلكم.

أشكر الضّبع، ومجموعته الإنسانية التي جعلتنا نتجاوز الواقع ونصنع من الشمس خيوطاً نكتب باسمها كلمة" وطن"

أشكر أيضاً زوجتي، وابني، لأنّهما كانا داعمان لمسيرة حياتي.

كما أشكر التلفزيون الذي أتاح لي الفرصة أن أعبر عن رأيي بحرّية. هذه الكلمة أعشقها، تربينا عليها. أجد نفسي حرّاً عندما أسبح بالمايوه. تصوروا أنّنا كنا نسبح بسراويلنا الداخليّة . هههههه

تصفيق وضحك على الدّعابة.

نشكر لك حديثك الشّيق، ونعتذر لضيق الوقت.

-تعالي قربي يا شمسة.

-ماذا تريد يا سليم؟

-اجلبي لي القدّوم .

-توقف. لماذا تكسر التّلفاز؟

- لم يعد يلزم ، نفس الموسيقى، نفس الدّعاية، نفس صبغة الشّوارب، ونفس الأشخاص. اقتربي مني.

-أي. هل تعضّني؟

-اعتقدّت أنّك فعلاً على مستوى من الإنسانيّة. أنت يا شمسّة مغفلّة، لولا دعم زينب لك لمتِّ من الجوع. رغم أنّ مروان ظالم ومراوغ لكنّه يفهم ما يجري، أما أنت فإنّك مثلهم جميعاً، فقط هم يصلون إلى ما يريدون وأنت تتحدثين عنهم.

أنت يا شمسه هاوية نكد. عندما ترين الأجواء تساعد على الفرح تبتكرين قضيّة من بنات أفكارك كي ينقلب الجّوّ إلى حزن، فيأتي مروان، ويمارس هوايته في ضربك، يدير ظهره وقد أشبع شهوته في السّلطة التي يرغب فيها في أعماقه.

. ..

أسير في اتجاه خاطئ ، أظنّ أنّني أتقدّم بينما تعود قدماي إلى لخلف.

لو عدت إلى بداية الطريق كي أعرف الطريق. لا أظنّ أنّني قادرة على التّقدّم ، أو الرّجوع .

عالقة قرب النّفق، أرغب أن أستريح ، وأنام وعندما أستيقظ ينبلج الصّبح

أين أنا؟

لا أعرف إن كنت في أوّل النّفق أم نهايته.

الضوء بعيد ، وحكايتي وهم جديد.

سأعود إلى النوم. قد يتهدّم النّفق الذي رأيته، ويستمرّ نومي مثل أهل الكهف. قصّتهم مثيرة، لو كنت مكانهم لعدت إلى موتي.

سمعت خبراً للتوّ.

يقال أنّ الضّبع أعطى رخصة لأحدهم كي ينشئ مصنعا ًللتفريخ.

-هل ينقصنا مفارخ يا شمسة؟

-فهمت خطأ يا عزيزتي.

عنيت من أجل تفريخ البشر.

-وهل يمكن ذلك؟

-نعم. نجحت التّجربة: أخذوا بيضة الأميرة أم أربع وأربعين، وحيوان منوي من الأمير أبو مقصّ. نجحت التّجربة. أنجبوا مئة طفل في الدّفعة الأولى.

هذه الدّفعة من البشر مخصّصة للعمل في الدّفاع الأرضي، سحب منهم عمل المخيخ.

الدّفعة الثّانية سيتبرّع بها نساء البلدة، ورجالها، وستكون من أجل الإطعام. الإفتاء موجود في الدّيوان. لا نصّ شرعي يحرّم ذلك. سيكون الّذبح حلالاً.

لقد كان كابوساً وليس حلماً.

عندما تأتيني الكوابيس، وأنا بين النوم واليقظة لا يرحل الأشرار من على صدري حتى لو بسملت ألف مرة، ولا يمضي سوى أيام حتى يصيبني مكروه، وكأن المكروه هو إعاقة يزداد عمقها على الدّوام .

علي أن أقوم ببعض التّمارين الرياضية كي أستطيع المشي. أشعر بحالة من التيبس من رأسي حتى أسفل قدميّ، قد يكون الكابوس بدأ يتحقّق.

لن أقوم بأيّة تمارين. الرّياضة هي للمترفين، الذين يأكلون طعاماً لذيذاً، وليس لي.

يبدو أن زينب أكسبتني روح الاحتجاج على كلّ شيء.

هل أنا هاوية نكد كما قال سليم؟

نظرة رجل ، سليم في النهاية هو رجل، لكنّ ما قاله صحيح، فأنا لا أتمتّع باللحظة الجميلة، والسبب أنني أهيء نفسي لاستقبال صفعة ما. نعم هو النّكد الذي لا يرحل إلا إذا امتلأت جيوبي بالمال، عندها سيكون مروان على ما يرام، ويغير لهجته معي، وحتى سليم سينظر لي بعين أخرى، وربما تتركني زينب. فقط هي من يفهم الحياة.

.. .

حتى لو بقيت وحيدة هنا، لن أغادر المكان، إلى أين أغادر؟

يرحلون ثم يعودون، تكون ثيابهم أنظف، وجيوبهم أدفأ، لا يبدو أن شيء تغيّر فيهم. مغلقون على أنفسهم ، مريضون في أفكارهم..

رحلوا ، بقيت وحيدة هنا في تلك البقعة من الأرض.

سميتها: أرض الضّياع

أقابل السّماء.

أفتح صدري أمام القمر

هكذا كانت تدعو أمي الله عندما كانت تذكر أبي بالسّوء، هو لم يكن سيئاً بقدر ما كان رجلاً يمارس حرّيته، على الرّجل أن يتحرّر من العائلة، والزوجة ، فوظيفته في الحياة هي ممارسة حريته في الصّراع مع عائلته.

على نفس خطوات أمّي أسير، أحرد من النّسيم، لا أحد يرغمني على الهدوء، هادئة في هيئتي، ثائرة في عمقي، أتجدّد عندما يكتمل القمر.

أتعرى

أنشر ثيابي على خيط الوهم

أنتظر لكّ. لهم. لي.

ولا أحد يأتي سوى صوت الخوف، والمستحيل.

ما هذا الذي كنت أردّده في حلمي؟

يبدو أن فقد كائن عزيز عليك يجعلك تهلوس ، في حلمي: كنت أركض مع المهزومين جهة بوّابة النّجاة، يغلقها جمع منّا، ويقطع أعناقنا. يصبح الجمع منتصراً، ونهزم مرّة أخرى. " قدر الله وما شاء فعل"

مادامت مشيئة الله أن نكون دائماً في ركب المقتولين . لا بأس أن نسّلم رقابنا بإذن منه إلى المؤمنين الذين أودعهم سرّه، وإلى الجلاّدين الظالمين.

مادام الأمر كذلك. سنأتي بأبنائنا نقدّمهم قرباناً للرّب على كلّ الحواجز المباح فيها تقديم القرابين.

زاد عدد المؤمنين بالله، بالقتل، وبإفناء الآخر من أيّ عرق أو دين .

هي القيامة حلّت في ديارنا.

مكتوب علينا أن نموت .

النّار مفتوحة لكلّ المقتولين.

والجنّة وعد للقاتلين.

نقف على بوابات القتل. ننتقّل بينها كي نرى مهرباً من النّار.

كان ملحمة ، وليس حلماً، لا أؤمن بالأحلام، لو كانت شمسه معي لفسّرته على أنّ الحياة تولد من جديد!

. . .

أين أنت يا شمسة؟ تخليتِ عني في أصعب الظروف.

أجد صعوبة في الرّحيل

في كلّ يوم يأتي الملاكان إلى كتفيّ

أقوم مذعوراً. أهشّ عليهما بعصاي.

يمازحانني ويمضيان.

البارحة فهمت معنى الحياة. أرغب أن أجرّب بعض العيش
مشغول بهما، لا يدعانني أهنأ بلحظاتي الأخيرة.

ماذا تقول يا سليم؟

لم أغب عنك سوى أسبوع.

كنت مشغولة بأمر الحياة، أطارد الوحوش.

هل فهمتَ معنى الحياة؟

لا داع أن أشغل نفسي.

يمكنك أن تشرح لي.

ألا يكفي أن تغيبي مدّة أسبوع؟ هذا الكون الجميل شيّد في أسبوع، ومن ثم أردنا تغييره. هدّمناه دون أن يكون لدينا فكرة كيف نبنيه.

-كنت أحلل لقمة عيشي. أرسلت خلفي عبير كي أحضر ندوة المؤتمر الاقتصادي المقام من أجل تنشيط الاقتصاد الوطني.

-هي عبير التي حدّثتني عنها سابقاً؟

-نعم. هي ذاتها. سبحان من يغيّر، ولا يتغيّر. أصبحت شخصّية عامّة يغفّ عليها الاقتصاديون كالذباب. موّلت حضوري، وقفت خلفها وهي تتحدّث عن المرأة ألقّنها ما كان يفوتها.

جلبت لك هذه المسبحة كي تتأمل في الحياة من خلالها وتذكر اسم الله، وزعت عبير السّبحات على كلّ الحضور، جلبتها معها من رحلة العمرة. بكت من الإيمان عندما تحدّثت عن ذلك.

-الله. كم أنت رومانسيّة !

لا أجيد التّعبد يا شمسة. فاتني القطار.

يبدو أن عبير هذه فلته من فلتات الزّمان. يمكنك أن تحتفظي بالمسبحة، وتحضري لي طبقاً من البيض المقلي، لم أتناول الطّعام منذ البارحة.

-شكراً يا شمسة على الطّعام. الآن يمكنني أن أفكّر. ماذا جرى في النّدوة؟

-لو قلت لك أنّني كدت أطير من النّشوة لما صدّقت. أوّل مرّة أرى أن أبناء بلدي كرماء. كانت الموائد عامرة. تصّور أنّني لم أقرب جهة الخبز، صدق من قال:" ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان " بالنّسبة لي جرّبت كلّ أنواع اللحوم المصفوفة على الطّاولة، وشبعت. شعور رائع انتابني بعد الشّبع. كدّت أقول لهم : يحيا العدل.

أدخل في المهم. لا خوف على الوطن بعد اليوم. تبرّع الحضور بالملايين، وزادت أسعار الأسهم في نفس اللحظة. هناك يا سليم تنافس على العمل في بلادنا. لن نخاف الفقر بعد الأن.

-هل رأيت الملايين بأمّ عينيك؟

-لا . لكن بعضها سيودع في البنك المركزي، وبعضها سينشأ مشاريع به، وبعضها سيذهب من أجل الطّفولة، وبعضها سيكون احتياطاً.

-انظري إليّ جيّداً يا شمسة. أعرف الاقتصاديين الذين ذكرتيهم. هم البّواب، والواوي، وعبد ربّة، وإلى آخر القائمة. هم من أجيالي، لكنّهم يصبغون شعورهم، ويأكلون الكافيار، ويعملون عمليات تجميل. وأنت مغفّلة كبيرة .لو لم أكن أحتاج خدماتك لطرّدتك.

-بإمكاني التّخلي عنكَ. أنتَ وزينب من طينة واحدة، كلاكما لا يكفّ عن تقريعي على ما أفكّر به. لن أسمح لكما بعد الأن بمصادرة رأيي.

سليم. اصفعني. أنا مغفلة كبيرة تسعى من أجل رغيف.

أكاد أنا وأنت نصبح في عمر واحد، ولم أشبع. دلّني على طريق يجعل قلبي يهدأ، ويتوقف عن الصّفير.

-كم الحياة قصيرة يا عزيزتي!

أنت تبذلين جهداً كي تستمرّين، لا أعرف كيف مضت أعوامي الثمانين. في الليل كنت أطارد النهار، وفي النّهار أطارد العيش، لم أعش يا شمسة. إن استطعت عيشي الحياة. . . .