Alef Logo
يوميات
              

درج الورد مدخل بيتنا

غريب الرجب

2008-06-02


الورد جميل، غنّاها سيّد مكاوي يوماً، بعد أن صدحت بها كوكب الشرق، لكنّه ما كان سبباً، بأن صار لذلك الجميل سوق، وصارت له مناسبات، ارتبطت به فالحب أحمر، والصفاء أبيض، والغيرة صفراء تلهب القلوب العاشقة.
حين يكون عمك بائعاً للورد، لا تبخس حالة كهذه بالسؤال عن السعر، بل أي الطرق ستركب حاملاً وردك وعشقك، وأيّ ألوانه تلبيك لسحر من فتنك، وإذا أصرّ على الصدود، قدم له وردة وامض، ولا تنظر إلى الخلف، لأن الوردة ستحكي له قلبك، ثق بفصاحة الورد.
ربما لم يكن بائع الكاسيتات في سوق معرة النعمان قد قصد كلّ ذلك:
عـمي يــا بياع الــورد... كلي الورد بيش كلي
بالك تدوس على الورد... وتسـوي خـلّه خـلّي.
مع الورد كن زبوناً، لا بائعاً لأنك ستكون أكثر إشراقاً مع كلّ لون جديد.
في شارع الكورنيش في معرة النعمان، يقف كلّ يوم سبت، وأمامه تشكيلة واسعة من الورود ـ عن غير قصد ـ وقف بجانب الست فضة المزهوة بخطوطها البيضاء وبورقها الأخضر، وإلى جانب الست وقفت أم كلثوم.
ـ هل عرفت سيدة الغناء العربي يوماً، بوجود وردة تحمل ذات الاسم مع كلّ ذلك الجمال المتعدد الألوان، أحمر وأصفر، وليلكي.
ـ وهل سهر بجانبها أبو النواس يوماً برفقة عمر الخيّام؟
هَلَّ في لَيلَتي خَيَالُ النّدامَى
والنُّواسِيُّ عَانق الخَيّامَا
وَتسَاقَوا مِن خَاطِرِي الأحلامَا
وَأَحَبُّوا وَأسكرُوا الأيُّامَا)
ربما غنت لتلك المعرفة، وربما لغنائها سميت الزهرة باسمها
أليس لفيروز سحر أيضاً يجيء صوتها على الصباح ندى، فتشرق الروح محبة، لتبدل حتى مفردات الشعر، فيصحح بشار بن برد، الأذن هنا معنية بالعشق قبل العين، حين يصدح الصباح بفيروز:
درج الورد
درج الورد مدخل بيتنا
درج الورد جنة حمانا
و بين الورد طاير بيتنا
هل سمع أبو العبد تلك الكلمات؟
فجاء ليبيع الناس الورد، كي يجملوا مداخل بيوتهم، أهو معني بتجميل الحياة، فيصبح كالفنان الذي حكى عنه يوماً موندريان (إنّ الفن لن يزول حتى يتحقق مزيد من التوازن في هذا العالم) أليس في تجميل العالم بالورود إعادة للتوازن المفقود؟
أم إنّ أبا العبد غير معني... (الأولاد يريدون دفاتر وأقلاماً وملابس والشتاء قادم، زوجتي تريد أن أعاملها كما يعامل جارنا أبو حسين زوجته قلت لها اتركيني من الحديث عن لصوص المال أنا رجل أبحث عن سترة الحال)، (ومتل مو شايف الحياة صعبة بس بدها حركة والحمد لله مستورة).
هذه واقعية والورد يجمّل الواقع على الرأي القائل: (كن جميلاً ترى الوجود ورداً(
لكن ذلك لن يؤمن أقلاماً ودفاتر وطعاماً، فالأولاد في المدرسة والمصروف (بيهد الحيل(
الجمال على رأي أبي العبد لا يراه إلا من كان (جيبه مليان ويتابع أبو العبد بس الورد بيريّح النفس، وبيهدئ الأعصاب، وهو أفضل صديق للفقير) هذه الجملة خلاصة فكر، وفلسفة هي عصارة حياة، ولا يمكن أن تقال دون معايشة حقيقية وشعور وقاد بها.
هل للورد دور في جعل أبي العبد اجتماعيا يحب الناس والحديث معهم وخاصة (الرايقين) ويحب أن يقال عنه: (أبو العبد بياع الورد)
ـ هنا (تنكة) النرجس الغض الذي يقف شاخصاً، وهناك (تنكة) الريحان النمّام. المنظر يعيد للذاكرة صورة العاشق الهارب من أعين الحاسدين النمامين:
وأقول وطرف النرجس الغضّ شاخص
إلـــيّ ولـلـنمام حـولي إلــمام
أيا رب حتى في الحدائق أعين
علينا وحتى في الرياحين نمام-
ويعيدك أبو العبد لزوجته النمامة (النسوان ما بينعطو وجه) يناول تنكة وردة الجوري لأحد الزبائن، أحد المجانين بالعشق قال يوماً في حضرة وردة أبي العبد الجورية، حين مرّ بسوق بازار معرة النعمان:
ما الورد أحسن منظراً من وجنة
حمراء جاد بها عليك حبيب
ربما طلب منه أبو العبد وقتها، أن يمشي بأدبه، قبل أن ينال نصيبه من الشتائم (لا نفس لأبي العبد تسمح له بسماع هيك حكي). (في ضوء القمر الفزاعات ليست غير أناس بؤساء) لكنها لا تبيع ورداً، ولا يجيء حديثها بهذا الشجن الإنساني (أولاد، وزوجة، وتنك، وكومة الزبل المتكدس في الحاكورة، وكل سبت بازار والناس في البازارات يزدحمون) أبو العبد يحمل كلّ (تنكات الزريعة) بسيارة عابرة ويأتي على أمل التوفيق.
هذه جمرة النار لها أزهار حمراء كالنار وتلك مالونياـ أعرفها جيداًـ المالونيا صديقة بابلو نيرودا، وهذه خليلة الليل يسمونها (عطر الليل)
شجرة السيكا يطلبها (الأكابر) للزينة، وهم بازدياد، سعرها يبدأ بأربعة آلاف ليرة.
وهذه شجرة الزنزلخت ذات الظلّ الكثيف.
ولكل خليفة مرّ يوماً كانت له مرجانة جارية، وكانت من جميلات قصره، وكانت تجيد الرقص والغناء، ولها جسد غض كهذه النبتة المرجانة، التي لها ورد أحمر كخدّها، لكنّ هذه النبتة لا تجيد الحديث كجارية الملك رومزان في ألف ليلة وليلة، بل توشوشك في عينيك كي تحكي أنت.
(يكفي خمس ليرات).
الناس هنا يعشقون الحبق كلّ (البرندات) هنا تتباهى به (أقسم أبو العبد أنّ كلفتها أكثر من ست ليرات، اليمين وسيلة للإقناع فالمسلمون يجلّون القسم لكنّ التجار يكثرون منه وهذا معيب: (ما بدها يمين يا رجل) قالها الزبون، ثمّ اشترى ومضى.
(كلهم يقولون ما بدها يمين ويساومونك على الليرة إلعمى) ويرتب أبو العبد أوعية الحبق، والكاردينيا وبجانبها الختمية ذات الأشكال المختلفة.
الختمية مفيدة لأوجاع الصدر وضيق التنفس جربها إذا كنت لا سمح الله تعاني من ذلك- وأنت مدخن والمدخنون يعانون من ضيق التنفس- الله يلعن السيكارةـ أكتر شي بتعنّ على بالي في الصيام.
ـ هذه صديقة دمشق وحبيبة نزار قباني (شجرة الياسمين) تذكرت في دمشق حملة، لغرس مليون من شجيرات الياسمين الدمشقي، لمَ لا تنفذ كلّ مدينة حملة مشابهة، فيتم توزيع نوع من أنواع الورود والأزهار، لتتميز به تلك المدينة وتسمى باسمها (كمدينة الياسمين) و(مدينة الزنابق) و(مدينة النرجس) أليس هذا أفضل بكثير من الطلبات التي تحضّ على النظافة ـ حافظوا على نظافة مدينتكم- لا ترم الأوساخ هناـ النظافة عنوان الحضارةـ هذه العبارات توحي بأن الناس في هذه المدن، كتلاميذ مدرسة ابتدائية على رأي صديق حرضته إحدى تلك العبارات على قول ذلك، وتابع يقول: الشارع يغريك برمي الأوساخ فيه، حين يكون وسخاً وتخجل من ذلك حين يكون نظيفاً.
بكم هذه الفلة؟
بخمسين- (راعينا أبو العبد)ـ هات أربعين-
نحن لا نريد أن تُخلع الفزاعات من بين المزروعات، أو نطفىء ضوء القمر بل يجب إعادة صياغة الناس ليتم القضاء على الشبه بين الياسمين والشوك.
أهي دعوة؟
لتكن.
هلوسات - سورية - مجتمع - ثقافة - منتديات

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow