Alef Logo
كشاف الوراقين
              

رسالة الطيف المؤلف : بهاء الدين الإربلي /ج 3

ألف

خاص ألف

2015-11-14


إن تم ما جاء رسولي به ... غفرت ما أسلفه الدهر
وإن وفا الحب بميعاده ... وبات عندي ولي الأمر
سمحت بالنفس جزاء له ... إذ لا يؤدي حقه الشكر
وإنا في أثناء ذلك على مثل حر النار، من طول الترقب والانتظار، استنشق ريا الوصل من جهته، وأتطلع إلى قدومه وأوبته، فإذا به قد عاد تاعسا، جده خائبا، قصده مغلولا حده، كابيا زنده، باديا وجومه، زائدة همومه، متجهمة أسرته، نائية مسرته، قد عبس وجهه، واتجه عبوسه، وشمس غائبه، وغابت شموسه، وخبت نار نشاطه، وانقبض بعد انبساطه: من الطويل
وأدمعه تجري على صحن خده ... ونار الأسى تذكي بأضلعه جمرا
وقد صعدت أنفاسه عبراته ... فمقلته عبرى ومهجته حرى

فقلت إيه ما الخبر؟ وأين النجوم والقمر؟ وما فعل الشموس المشرقة الأنوار، ومتى يحصل اللقاء ويدنو المزار، وما هذا الوجوم الذي اعتراك، والهم الذي أراك به على ما إدراك، فقال: خرجت من عندك جازما بالتوفيق، متحققا أني أراهن في الطريق، فوصلت المكان ولا خبر، ولا عيان فنشدتهن والباغي يحب الوجدان فلم اطلع لهن على حقيقة أمر، ولا أخبرت عنهن بحلو ولا مر، فوقفت وقوف الشحيح أضاع خاتمه، وألفيت محلهم قفرا، فكنت حاتمه، فبينا إنا مفكر في الأمر الفادح والخطب الذي هو لنار الأسى قادح، إذ اجتاز علي صبي حين بقل عذاره، وكاد يصوح ورده وجلناره، فقال مالي أراك بادي الأسف، مشيفا على التلف فقلت أني أضللت هنا شيئا وجئت انشده، وتركت معهودا فحال عما كنت أعهده، فتبسم الغلام تبسم ذي عجب، وقال قد عرفت الحال فدع الطلب، فأنا جهينة الخبر، عجب، ولن يخبرك عمن غاب إلا من حضر، فحين سمعت قوله لزمته ملازمة الغريم، وقلت: اهدني هديت إلى الصراط المستقيم، فقال إني حين رأيت تلك الشموس المضيئة والأقمار الأرضية، تبعتهن متفرجا على جمالهن الباهر، وحسنهن الزاهي الزاهر، فلما جلسن في هذا الموضع، وقفت بمرأى منهن ومسمع، فتفاوضن فيما أرسلنك فيه. وأطمعنك في الأمر الذي نبتغيه، ودعونك فسمعت وحدثنك فرجعت فقلت من هذا السعيد الذي يقصدنه، وطوبى لمريض يعدنه، فلما غبت قمن مسرعات إلى العبور، وقلن لا بأس بالسفن مع تعذر الجسور، ودعون ملاحا، فركبن معه لجة الغمار، واقدمن بعد تأخرهن على تقتحم الأخطار، وقلن يا فتى إذا عاد هنا شخص من صفته كيت وكيت، فانشده عنا هذين البيتين برب البيت: من الرمل
أيها القانص ما أحسنت صيد الظبيات
فاتك السرب وما زودت غير الحسرات
وقل له إن تعرفونا، وتوهمتم أن تخدعونا، فكايلناكم صاعا بصاع وجزيناكم عن خداع بخداع، والبادي اظلم، كما يقال، وان كنا نساء، فما نحب أن يقهرنا الرجال، ومثلنا لا يسمح كذا عاجلا بالوصال: من السريع
لابد قبل الوصل من جفوة ... تذكى غليل الشوق والوجد
من لم يذق طعم الجفا لم يكد ... يفرق بين الوصل والصد
وليس يدري لذة القرب من ... لم يشك يوما ألم البعد
معادنا ميعادنا، وعلى الله اعتمادنا، ثم امرن الملاح بالجدف، وصرن في الجانب الشرقي أسرع من رجع الطرف، وقد عرفنك انك مخدوع، والأمر إليك في الرجوع، فلما وقفت على الجملة والتفصيل، وتحققت أنها سوفت بالأباطيل، عدت إليك بقلب كئيب، وصبر سليب، فحين فهمت مقالة عدمت الجلد والاصطبار، واستنجدت الدموع الغزار، وعدت قلقا إلى الدار، وطل علي الليل فهو سنة، وما ألم بعيني نوم ولا سنة: من الطويل
وطال علي الليل حتى كأنه ... من الطول موصول به الهر اجمع
وشرعت في مسامرة القمر، وقلت هل من عون على السهر، وأنشدت عند تراكم الهموم والفكر: من الخفيف
أيها النائمون حولي أعينو ... ني على الليل حسبة وائتجارا
حدثوني عن النهار حديثا ... وصفوه فقد نسيت النهارا
وخاطبت الليل الطويل، وقلت وقد لازمت العويل: من الرجز
يا ليل طل أو لا تطل ... لابد لي أن أسهرك
لو بات عندي قمري ... ما بت أرعى قمرك
ولهم في طول الليل وقصره، وبعد ما بين عشائه وسحره، معان رائعة، وأوصاف ناصعة، وأولهم صفا، وأغربهم وصفا، امرؤ القيس حيث يقول: من الطويل
فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف إعجازا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح فيك بأمثل
فيالك من ليل كان نجومه ... بكل مغار الفتل شدت بيذبل
كأن الثريا علقت في مصامها ... بأمراس كتان إلى صم جندل
فإنه أتى بالمعنى المبدع، وكان مخترعا فاحسن فيما اخترع، وقال النابغة: - من الطويل
كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطئ الكواكب
وقال سويد بن أبي كاهل: - من الرمل
كلما قلت ظلام قد مضى ... عطف الأول منه ورجع
وقال بشار بن برد: من الطويل
خليلي ما بال الدجى لا يزحزح ... وما بال ضوء الصبح لا يتوضح
أضل النهار المستنير طريقه ... أم الدهر ليل كله ليس يبرح
وقال جحظة: من الوافر

وليل في كواكبه حران ... فليس لطول مدته انقضاء
عدمت محاسن الإصباح فيه ... كان الصبح جود أو وفاء
وقال أبو هلال العسكري: من مخلع البسيط
عابوا فلم ادر ما ألاقي ... مس من الوجد أو جنون
ليلي لا يبتغي حراكا ... كأنه أدهم حرون
وقال سيدوك: من البسيط
عهدي به ورداء الوصل يجمعنا ... والليل أطوله كاللمح بالبصر
فالان ليلي مذ بانوا فديتهم ... ليل الضرير فصبحي غير منتظر
الرصافي: من السريع
يا ليلة طالت على عاشق ... منتظر للصبح ميعاد
كادت تكون الحول في طولها ... إذا مضى أولها عادا
وفي ليلة مطيرة طويلة: من مخلع البسيط
أقول والليل في امتداد ... وادمع الغيث في انسفاح
أظن ليلي بغير شك ... قد بات يبكي على الصباح
فأما ما قالوه في قصر الليل وسرعة انصرافه، وقرب ما بين أطرافه. فهو من أوصاف ليالي الوصل، وعند اجتماع الشمل، واتصال الحبل، فان سمحت هذه الحبيبة بالتداني، ودنت ثمار وصلها من يد الجاني، وصفت الليل بقدر ما أجده في ليلة وصالها، وأما الآن، فأنا قانع إن نمت بخيالها، وكيف يزور الطيف ساهرا، أم كيف يقر من يكابد وجدا ثائر، وقد أتى الشعراء في الطيف بالأوابد والفوائد، وجاءوا منه بما هو احسن من در القلائد في أجياد الخرائد، وأبو تمام والبحتري، وان أجادا في هذا المضما، وكان لهما مزية الاختراع والابتكار، فشعرهما يدل على طول نوم، واستغراق يوصل يوما بيوم، والبحتري أشدهما نوما، وأنا أكثر لوما، قال أبو تمام: من البسيط
زار الخيال لها لا بل أزاركه ... فكر إذا نام فكر الخلق لم ينم
ضبي تقنصته لما نصبت له ... في آخر الليل إشراكا من الحلم
وقال: من الخفيف
عادك الزور ليلة الرمل من رم ... لة بين الحمى وبين المطالي
نم، فما زارك الخيال ولكنك بالفكر زرت طيف الخيال وقال: من الخفيف
الليالي أخفى بقلبي إذا ما ... جرحته النوى من الأيام
يالها ليلة تنزهت الأرواح ... فيها ممراً من الأجسام
مجلس لم يكن لنا فيه عيب ... غير إنا في دعوة الأحلام
فهذا السيد قد ذكر انه قطع الليلة بالنوم، وأين هذا من مذهب القوم، وقال البحتري: من الطويل
وإني وان ضنت علي بودها ... لارتاح منها للخيال المؤرق
يعز على الواشين لو يعلمونها ... ليال لنا نزدار فيها ونلتفي
فكم غلة للشوق أطفأت حرها ... بطيف متى يطرق دجى الليل يطرق
أضم عليه جفن عيني تعلقا ... به عند إجلاء النعاس المرنق
وقال: من الطويل
بلى وخيال من أثيلة كلما ... تأوهت من وجد تعرض يطمع
إذا زورة فيه تقضت مع الكرى ... تنبهت من وجد له أتفزع
ترى مقلتي ما لا ترى في لقائه ... وتسمع أذني رجع ما ليس تسمع
وقال:
ألمت بنا الهدو فسامت ... بوصل متى تطلبه في الجد تمنع
وما برحت حتى مضى الليل وانقضى ... وأعجلها داعي الصباح الملمع
ورب لقاء لم يؤمل وفرقة ... لأسماء لم تحذر ولم تتوقع
أراني لا انفك في كل ليلة ... تعاود فيها المالكية مضجعي
اسر بقرب من ملم مسلم ... وأشجى بين من حبيب مودع
من الطويل
إذا ما الكرى أهدى إلى خياله ... شفى قربه التبريح أو نقع الصدأ
إذا انتزعته من يدي انتباهه ... عددت حبيبا راح مني أو غدا
ولم أر مثلينا ولا مثل شاننا ... نعذب أيقاظا وننعم هجدا
وقال من الطويل
وليلة هومنا مع العيس أرسلت ... بطيف خيال يشبه الحق باطله
فلولا بياض الصبح طال تشبني ... بعطفي غزال بت وهنا أغازله
فانظر إلى تناسب ألفاظه، وحسن معانيها، واعتبر شدة النوم المودع فيها، وقال مهيار: من الخفيف
في الظباء الغادين أمس غزال ... قال عنه ما لا يقول الخيال
لم يزل يخدع البصيرة حتى ... سرني ما يقول وهو محال
لأعدمت الأحلام كم نولتني ... من عزيز صعب عليه النوال
ولقد أبان عن نوم شديد من قال: من الطويل
وما ليلة في الهر ألا يزورني ... خيالك إلا ليلة لا أنامها

وقد سلم مهيار مما وقعوا فيه حيث قال: من الطويل
وابعثوا أشباحكم لي في الكرى ... إن أذنتم لجفوني أن تناما
ولابن التعاويذي مزية على الأوائل والأواخر حيث قال: من الكامل
قالت أتقنع أن أزورك في الكرى ... وتبيت في حلم المنام ضجيعي
وابيك ما سمحت بطيف خيالها ... الا وقد ملكت علي هجوعي
أخذهما ابن التعاويذي من الغزال، شاعر من المغاربة قديم في قوله: من مجزوء الرمل
وسليمى ذات زهد ... في زهيد من وصال
كلما قلت صليني ... حاسبتني بالخيال
والكرى قد منعته ... مقلتي أخرى الليالي
وهي أدرى فلماذا ... عللتني بمحال
وقال آخر: من المجتث
رجوت طيف خيال ... وكيف لي بهجوع
فالذاريات جفوني ... والمرسلات دموعي
وقد ظرف القائل: من الرجز
طيف خيال هاجري ... ألم بي وما وقف
عاتبني على الكرى ... ثم نفاه وانصرف
وأنشدني شمس الدين الواعظ الكوفي: من الخفيف
قل لمن نال حظه من رقاد ... جاعلا حجة لطيف الخيال
لو تيقظت جئت نحوك لكني ... أرسلت حين نمت مثالي
لو صدقت الهوى صدقت ولكن ... ما جزاء المحال غير المحال
وأجاد مجد الدين محمد بن الظهير الحنفي الاربلي حيث قال: من الطويل
أحبابنا ان فرق الدهر بيننا ... وحازكم من بعد قربكم البعد
فلا تبعثوا طيف الخيال مسلما ... فما لجفوني بالكرى بعدكم عهد
وقد ظرف القائل في خلاف ما قالوه: من الكامل
أتظن أنك عاشق ... وتبيت بالمحبوب حالم
الطيف أعشق منك ... إذ يسري إليه وأنت نائم
وما زلت أعاني القلق، وأكابد الأرق، حتى برق عمود الصباح، وأعلن الداعي بحي على الفلاح، وظهرت تباشر النهار، وأن أذكر ما قيل في ذلك من الأشعار: قال علي بن الجهم من الكامل
كم قد تجهمني السرى وأزالني ... ليل ينوء بصدره متطاول
وهززت أعناق المطي أسومها ... قصدا ويحجبها السواد الشامل
حتى تولى الليل ثاني عطفه ... وكان آخره خضاب ناصل
وخرجت من أعجازه وكأنما ... يهتز في بردي رمح ذابل
وقال آخر: من الخفيف
رب ليل كالبحر هولا ... وكالدهر امتدادا وكالمداد سوادا
خضته والنجوم يوقدان حتى ... أطفأ الصبح ذلك الإيقاد
وقال آخر: من البسيط
كان بين هزيعيه نوى قذفا ... أو بعدما بين قلب الصب والجلد
كأنما فرقداه في ائتلاقهما ... ياقوتتا ملك أو ناظر أسد
حتى تنبه فجر في خلال دجى ... كلنه مقلة زرقاء في رمد
وقال السيد ابن طباطبا العلوي: من الكامل
يا ليلة حليت بزهر نجومها ... وسهرتها حتى بدت لي عاطلا
لم يرض ليلى إذ تجلى بدره ... حتى أراني فيه منك مخائلا
وطفقت ارمق منه بدرا طالعا ... وطفقت اذكر منك بدرا أفلا
وقال ابن النبيه من البسيط
والليل تبدو الدراري في مجرته ... كالماء تطفو على روض أزاهره
وكوكب الصبح نجاب على يده ... مخلق تملأ الدنيا بشائره
فلما متع ضوء النهار، وقفت في الانتظار، كلما أحسست نباة توجست، وكلما تذكرت الحبيبة تنفست: من الطويل
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والليل بالهم جامع
وقد ظرف القائل: من الرجز
طيف خيال هاجري ... ألم بي وما وقف
عاتبني على الكرى ... ثم نفاه وانصرف
وأنشدني شمس الدين الواعظ الكوفي: من الخفيف
قل لمن نال حظه من رقاد ... جاعلا حجة لطيف الخيال
لو تيقظت جئت نحوك لكني ... أرسلت حين نمت مثالي
لو صدقت الهوى صدقت ولكن ... ما جزاء المحال غير المحال
وأجاد مجد الدين محمد بن الظهير الحنفي الاربلي حيث قال: من الطويل
أحبابنا ان فرق الدهر بيننا ... وحازكم من بعد قربكم البعد
فلا تبعثوا طيف الخيال مسلما ... فما لجفوني بالكرى بعدكم عهد
وقد ظرف القائل في خلاف ما قالوه: من الكامل
أتظن أنك عاشق ... وتبيت بالمحبوب حالم
الطيف أعشق منك ... إذ يسري إليه وأنت نائم

وما زلت أعاني القلق، وأكابد الأرق، حتى برق عمود الصباح، وأعلن الداعي بحي على الفلاح، وظهرت تباشر النهار، وان اذكر ما قيل في ذلك من الأشعار: قال علي بن الجهم من الكامل
كم قد تجهمني السرى وأزالني ... ليل ينوء بصدره متطاول
وهززت أعناق المطي أسومها ... قصدا ويحجبها السواد الشامل
حتى تولى الليل ثاني عطفه ... وكان آخره خضاب ناصل
وخرجت من أعجازه وكأنما ... يهتز في بردي رمح ذابل
وقال آخر: من الخفيف
رب ليل كالبحر هولا ... وكالدهر امتدادا وكالمداد سوادا
خضته والنجوم يوقدان حتى ... أطفأ الصبح ذلك الإيقاد
وقال آخر: من البسيط
كان بين هزيعيه نوى قذفا ... أو بعدما بين قلب الصب والجلد
كأنما فرقداه في ائتلاقهما ... ياقوتتا ملك أو ناظر أسد
حتى تنبه فجر في خلال دجى ... كلنه مقلة زرقاء في رمد
وقال السيد ابن طباطبا العلوي: من الكامل
يا ليلة حليت بزهر نجومها ... وسهرتها حتى بدت لي عاطلا
لم يرض ليلى إذ تجلى بدره ... حتى أراني فيه منك مخائلا
وطفقت ارمق منه بدرا طالعا ... وطفقت اذكر منك بدرا أفلا
وقال ابن النبيه من البسيط
والليل تبدو الدراري في مجرته ... كالماء تطفو على روض أزاهره
وكوكب الصبح نجاب على يده ... مخلق تملأ الدنيا بشائره
فلما متع ضوء النهار، وقفت في الانتظار، كلما أحسست نباة توجست، وكلما تذكرت الحبيبة تنفست: من الطويل
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والليل بالهم جامع
نهاري نهار الناس حتى إذا بدا ... لي الليل هزتني إليك المضاجع
فأخذت أعلل نفسي بالمنى وأتوهمها كلما رأيت حسنا، وأنا أراها بعين الشمس والقمر وأتشاغل عن لماها بالمدام، وأين الحجول من الغرر، مهيار: من الطويل
أراك بعين الشمس والبعد بيننا ... فاقنع تشبيها بها وتمثلا
وأذكر عذبا رضابك سائغا ... فما اشرب الصهباء إلا تعللا
وقال جحظة البرمكي: من المتقارب
إذا ما ظمئت إلى ريقها ... جعلت المدامة منه بديلا
وأين المدامة من ريقها ... ولكن أعلل قلبا عليلا
ولهم في نعت ريق الحبيب، اوصاف تنذر بالطيب، مع اعترافهم انهم لم يذوقوا له طعما، ولا عرفوه إلا وهما، قال مهيار: من الرجز
وفي الحمول سمحة ضنينة ... تبذل وجها وتصون ملمسا
سلسالها إن لم أكن أعرفه ... رشفا فقد وصفته تفرسا
وهو مأخوذ من قول شاعر الحماسة: من الطويل
بأطيب من فيها وما ذقت طعمه ... ولكنني فيما ترى العين فارس
وقد أحسن القائل ما شاء: من الطويل
كان على أنيابها الخمر شجه ... بماء الندى من آخر الليل غابق
وما ذقته إلا بعيني تفرسا ... كما شيم من أعلى السحابة بارق
وأجاد زهير في قوله: من الطويل
وقد شهد المسواك عندي بطيبه ... ولم أر عدلا وهو سكران يطفح
وقال الفقيه عمارة اليمني: من الطويل
شهدت يقينا أن مرآك جنة ... وقالوا وما ادري وريقك كوثر
وقال ابن هاني المغربي: من الطويل
وما عذب المسواك إلا لأنه ... يقبلها دوني وإني لراغم
وقلت له صف لي جنا رشفاتها ... فالثمني فاها بما هو زاعم
وقال آخر من السريع:
من آل هارون تعشقته ... يقتلني بالصد والتيه
قد أنزل السلوى على قلبه ... أقول والمن على فيه
وقال كمال الدين بن العديم: من الطويل
فواعجبا من ريقها وهو طاهر ... حلال وقد أمسى علي محرما
هو الخمر لكن أين للخمر طعمه ... ولذته مع أنني لم أذقهما
وقال التهامي: من البسيط
لو لم يكن أقحوانا ثغر مبسمها ... ما كان يزداد طيبا ساعة السحر
وأخذت منه فقلت: من الوافر
يزيد رضابه في الصبح طيبا ... لان الثغر منه جنى الأقاحي
وقال بعض العرب: من البسيط
يا أطيب الناس ريقا بعد هجعتها ... وأحسن الناس عينا حين تنتقب
وأصل هذا من قول امرئ القيس: من المتقارب
كان المدام وصوب الغمام ... ونشر الخزامى وريح القطر

يبل به برد أنيابها ... إذا غرد الطائر المستحر
فهذه معان تشحذ ظباة الخواطر، وتنبه على الوجد كل فاتر، وتخجل الرياض جادها صوب السحاب الماطر، وما زلت على مثل هذه الحال، من الحرق والبلبال، وقطع مسافة الأيام والليالي، وأنا على مثل حر المقالي، إلى أن وقت الميعاد، وأطل يومه أو كاد، فبت في الليلة التي تسفر عن صباحه، وتتجلى بغرزه وأوضاحه، أراقب النجوم وهي أنضاء أسفار، وأشاهد الفلك وقد عطل المدار، وكأن النجوم مقل اعتراها السهاد، وجفاها الرقاد، فما تطرف لها جفون، ولا تطرق لها عيون، بل كأنها زهر روضة لا يصوح نباتها، أو كأنها ثابتة مجتمعة فلا يتغير ثباتها، ولا يرجى شتاتها، أيها نظرت إليه وجدته مقيما لا يرحل، ومستقرا لا يتحلحل، كان سواد الليل حيرها فما تهتدي إلى مغربها، ولا تعرف وجه مذهبها، أضلها الظلام وأنضاها ليل التمام فلم يحتج إلى أفول، ولا حدثت نفسها بقفول، كأنما فلكها قد أعيا أواخذه البرطعيا، فتغير نظام دوراته، وكلما ظن انه استقل عاد إلى مكانه، فبعدا لها من ليلة طال أمد عمرها، وأربت على حولها وشهرها، وشكرا لها إذ كان يومها موعدا للوصل، وسلما إلى بلوغ الآمال، فلم أزل احييها وجدا وغراما وتميتني تذكرا وهياما: من المنسرح
أحييتها والدموع تنجدني ... شؤونها والظلام ينجدها
إلى أن كاد الظلام يشف لونه، ويحمر جونه، وبدت أعلام الصباح منشورة، وطلعت رايات النهار منصورة، وولي زنجي الليل وهو هزيم، وركض هاربا، وعقبه كليم، وذر حاجب الغزالة مشرق الأنوار، وأجرت موج سيل الذهب الذاب على الأقطار، وأسفرت ذكاء عن وجهها المنير، وألقت خمار الظلام عن عارضها المستدير، وقد ذكرت بهذا الفصل شعرا مرموقا، يفوق درا منظوما، فمنه فائية ابن هاني الجامعة لهذه المعاني التي أولها: من الطويل
أليلتنا إذ أرسلت واردا وحفا ... وبتنا نرى الجوزاء في أذنها شنفا
وهي مشهورة بقائلها، فلا أتعب بإثباتها يد ناقلها، فمن أرادها فقد دللته، ومن أنكرها فقد عرفته، وقال مجد الدين محمد بن الظهير الحنفي: شاعر من بلدتنا الغراء، ومجيد من أعيان الشعراء، شعره، أجرى من الماء تحدر من صبب،وأفعل في النفوس من ابن غمام زوج بابنه عنب، يمدح السعيد الشهيد تاج الدين أبا المعالي محمد بن نصر بن الصلايا العلوي الحسيني سقى الله عهده سبل العهاد وروى ثراه بكل ملث الودق ذي إبراق وإرعاد.
من الطويل
ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر
فلقد كانت أيامه مواسم المسرة، وأوقاته وقفا على المبرة فمضى محمود السجايا، طلاع الثنايا، شريف الخلايا والمآثر والمزايا، إذا اقتسمت غنائم الشرف، فله المرباع منها والصفايا، إلى منقطع القرين، وفاق عرابة الأوسي في تلقى راية المجد باليمين.
من الطويل
أيا قبر معن كيف واريت جوده ... وقد كان منه البر والبحر مترعا
وأنفذ هذه الأبيات إليه من الشام على يد أخيه وأولها: من الخفيف
لو وجدنا إلى اللقاء سبيلا ... لشفينا بالقرب منكم عليلا
وسعينا على الرؤوس سراعا ... ورأيناه في هواكم قليلا
قد سألنا القبول حمل التحيات، فيا ليتها أصابت قبولا. ويقول فيها:
وفلاة فليتها بأمون ... ملت البيد وخدها والذميلا
مثل ظهر المج لا يجد الخريت فيها إلى سبيل سبيلا
جبتها والظلام راهب ليل ... جاعل كل كوكب قنديلا
أو عظيم للزنج يقدم جيشا ... قد أعدوا أسنة ونصولا
وكأن السماء روض أريض ... نوره بات بالندى مطولا
وكأن النجوم در عقود ... عاد معقود سلكها محلولا
ليلة كالغداف لو لم يرعها ... باز فجر ما أوشكت أن تزولا
رق جلباب جنحها وبدا شقاه ... كما شارف الخضاب النصولا
وتولت وأشهب الصبح يتلو ... أدهم الليل وانيا مشكولا
وكان الصباح ميل لجين ... كاحل للظلام طرفا كحيلا
ما انتهت والسهاد حتى انتهى الصبر ورحنا من خمرة السهد ميلا
وثنى النجم عن سراه عنانا ... مطلقا وانبرى النسيم عليلا
واجتلينا وجه النهار كوجه الصاحب الصدر مرتجى مأمولا
وتبعته أنا فقلت من أبيات في الخدوم الصاحب شمس الدين صاحب الديوان أعز الله نصره:

من الطويل
وليل غدافي الإهاب ارتديته ... وصحبي نشاوى من نعاس ومن لغب
كأن السماء اللازوردي مطرف ... وأنجمه فيه دنانير من ذهب
كأن سواد الليل زنج بدا لهم ... من الصبح ترك فاستكانوا إلى الهرب
كان ضياء الشمس وجه محمد ... إذا أمه الراجي فأعطاه ما طلب
فنهضت أسابق رجع الطرف، مسارعا إلى متن الطرف، واستصحبت ذلك الغلام إلى موضع ميعاد بدر التمام، فحين رأيت مسارح تلك الغادة المكسال وشممت من تلك التربة ارج مساحب الأذيال، أنشدت ودموع العين أخذة في الانهمال: من الطويل
وحقك أن الجزع أضحى ترابه ... عبيرا وكافورا وعيدانه رندا
وما ذاك إلا أن مشت بجنابه ... أميمة في سرب وجرت به بردا
وقريب منه قول النميري: من الطويل
تضوع مسكا بطن نعمان إن مشت ... به زينب في نسوة عطرات
يخمرن أطراف البنان من التقى ... ويخرجن جنح الليل معتجرات
وجادت العين بما هو أغزر من نوء العين، كفكفته تجلدا فوكف، وسمته وقوفا فما وقف، وأردت الإنكار فاعترف، وصاب فكأنه من لجة البحر اغترف.


نهاية الجزء الثالث

خاص ألف

يتبع ...














تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow