Alef Logo
يوميات
              

وداعاً يا حبيبتي...م د . علي حافظ

ألف

خاص ألف

2016-04-09

وداعاً يا حبيبتي...

طالت الظِّلالُ بينَنا وبَعُدتِ المسافات، لكنَّ صوتكِ ما زال يأتيني من أعماق الصَّدى، من أعماق عَتمةٍ لا حدودَ لأغوار ظلمتها.. يأتيني حزيناً مبحوحاً مخنوقاً بالدُّموع والآهات والحسرات...

لقد أرسلتُكِ إلى هناك، إلى خارج الحدود، بسبب الحرب الشّرِسَة التي تدور رَحاها الدَّامية على أرض بلدنا، وخوفاً عليكِ وعلى مَن تحمِلين في بطنك.. اضطررتُ لإرسالكِ بعدما أصبح وضعُنا لا يُطاق، وتعرَّضتْ منطقة سَكَنِنَا لعدة براميلَ وصواريخ وقذائف حاقدة، كان آخرَها صاروخٌ فراغيٌّ دمَّر البنايةَ الواقفةَ أمامَ بنايتنا تدميراً كاملاً، ولم يَعُدْ بيتُنا صالحاً للعيش بأيِّ شكلٍ من الأشكال.. كنَّا قابَ قوسَين أو أدنى من الموت؛ لكنَّ القدَرَ كان إلى جانبنا للمرَّة العاشرة!

مِنَ المُحتمل أنَّ حياتنا كانت عاديَّةً وبسيطة جداً، لكنَّها حُلوة، جميلة، لطيفة، رائعة... من المُحتمل أنها كانت خَطِرةً ومُمِيتة، لكنها ذاتُ طعمٍ ولونٍ ورائحة.. حَميميَّة ورومانسيَّة إلى أبعد الحدود: عناقٌ وقُبَلٌ وحُبٌّ تحتَ سقفٍ قد يسقط عليكِ في أيِّ لحظةٍ ويقتلنا معاً!

وداعاً يا حبيبتي...

في البداية قرَّرتُ البقاء هنا، لأنَّ جُذوري مزروعةٌ في هذه الأرض؛ وروحي متعلقةٌ بجاذبيةِ أجساد أصدقائي المُتعَبة من الشّظايا النازفة حتى الموت.. اعتقدتُ يوماً أنني سأموت في بلدي، وستخرُجُ روحي على أنغامِ زقزقةِ العصافير التي بَنتْ أعشاشَها على أغصان الدَّالية المُمتدّة لتعانقَ نافذة غرفتي بكل حُبٍّ وحنان؛ وأنَّ التكبيراتِ والصَّلواتِ ستداعب موسيقى الرّيح في مسيرة نعشي نحو المقبرة؛ وأنَّ الأعْيرَةَ الناريةَ الكثيفة ستُطلَقُ تكريماً لرحيلي، وأنا أغتسلُ بدموع أهلي وأقربائي وأصدقائي المودِّعين...

وداعاً يا حبيبتي...

كنتُ أتمنَّى أن تذهبي أنتِ لوحدكِ وتتركيني هنا كي تتشبَّعَ أنفاسي برائحة التُّراب المغسول بالدِّماء الطاهرة والأمطار البريئة؛ فأنا تمنّيتُ الموتَ في يومٍ ماطرٍ أو ثلجيّ، حتى أُدفَنَ بأرضٍ طريَّةٍ غارقةٍ بالماء، وأشعرَ أنّني أسكنُ أرضاً حيَّةً لها روحٌ وجسدٌ وعقلٌ وذكرياتٌ وأحلام...

وداعاً يا حبيبتي...

لقد تركَ غيابُكِ فراغاً هائلاً في حياتي، وأنا محاصَرٌ هنا من جميع الجهات وليس أمامي سِوى السَّماء؛ لا أعرفُ هل سأصمُدُ أم أتراجع؟ هل سأُقاومُ حتى آخر رمقٍ أم أستسلم في النهاية؟ هل سأتعبُ وأغادر يوماً ما؟ هل سأضمِّدُ جراحي وأتابع المسيرَ نحو النَّصر؟ أجلْ يا حبيبتي لقد هُزِمتُ وقرَّرت الرَّحيلَ معكِ إلى مكانٍ بعيدٍ لا أعرفُ عنه شيئاً؛ لكنّي ما زالتُ مؤمناً بأننا سنكحِّلُ عيوننا بالنصر يوماً، وأننا لم نُضحِّ عبثاً من أجلِ تحرير شعبنا من الطغيان وبَعثِ وطننا من جديد...









تعليق



okaymmo

2016-07-11

i can find numerous good answers basically have trouble!okaymmo https://twitter.com/okaymmo

غفار الدرة

2019-04-18

كم أنت رائع يا دكتور علي ، لقد دخلت كلماتك أعماق قلوبنا شكراً لإحساسك الجميل ، أتمنى أن تكون بخير دائماً ، نحن بحاجة لمثل هذه الكلمات دائماً لنستمر ونبقى أحياءً رغم كل القهر والإنكسار والضعف الذي نحن به

أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow