Alef Logo
ابداعات
              

نقد / الكتابة بشروط الجسد علي حسن الفواز

آمال موسى

2006-09-22

ليس ثمة كتابة اكثر اغواء من مغامرة الكتابة التي تهجس بروح الانوثة وطقوسها ،ليس باعتبارها هاجسا ايروسيا ،بل باعتبارها مغامرة في استجلاء هيولى الجسد والوجود وفطرة اللغة وسرانيتها، وباعتبارها ايضا كتابة في نص الخصب و الارتواء ... ولاشك ان هذه الكتابة قابلة للسيولة اكثر من غيرها لانها الاقرب الى ناسوت الجسد والى اسطورة خطيئته القديمة وحلوله في البحث عن طهرانية مضادة ، والتي عادة تستحضر الوجه المرئي للكائن وهو يصطنع لحظات وجوده الانسي ،، وفي الافصاح عنها ، وكأنها نص حريته الغائبة والمحمولة على بطانة شعورية دافقة ،، اذ يتلمس الجسد فيها فعل الخصب المتعالي ويقترب من لحظة حلوله وخطاب حضوره ،،، مثلما يقترب هذا الجسد من الفعل الميدوزي للانوثة وقوة فعلها في السيطرة الافراغ والارتواء...
ان نص الانوثة هذا يفرش تفاصيله كخطاب ورؤيا ولغة، بنوع من البذخ الاستعراضي عند لحظة التماس الكينوني والجسداني ، ليس لكي يصير نسقا مكشوفا يستعيد به وهجه التعويضي ،قدر ما هو محاولة لاستعادة قوة الوجود لتكون خطابا يتجدد في المحبة والقوة والمخيال واللذة ،،باعتبار هذه الانوثة نزوعا عميقا نحو انسنة العالم الذي يحيل الذات الانثوية الى ذات فاعلة ،خالقة ، توليدية في المعنى والاشباع ،اذ هي تتكشف عن جوهرها العميق الحاوي على كينونة الخلق مثلما تتكشف ايضا عن كينونة اللذة السرية الكامنة في الاصل الجينالوجي للجسد عبرتماهيه مع سلسلة من المستويات المتمظهرة في الاقنعة والاسرار والعلاقات ،،وكرؤيا تتلمسها قوة الخصب تلك ،، عبر تمثل الكثير من المرجعيات المثيولوجية للالوهة والنظم العبادية القديمة المفعمة بروح الانثى و شغفها في الوصال والسيطرة والرغبة والمزاج ،،وكأنها تنشر عبر هذه الروح الكونية شهادتها عن الغواية الاولى التي تطلقها كدلالة فاعلة في صياغة اصل الوجود وعلاقاته الخالقة وسيولة رموزه وتماهياته ،،
هذا الخطاب المكشوف على روح الانثى وسيرتها، والحامل لشفراتها الضاجة بالنداء والسؤال والقلق والبوح ، هو ما تحاول ان تكشف عنه الشاعرة التونسية امال موسى في كتاباتها الشعرية كهاجس وجودي تشيء عبره بقوة الروح الخالقة والحالمة والحسية ، هذا الهاجس تمنحه غواية الكشف والافصاح من خلال لغة توظف شفرات الجسد كقوة فاعلة وشاهدة لها نزوع يشبه المراودة نحو الاخر الذي يبادلها صناعة اللذة ،، مثلما يبادلها الحضور في الامكنة والوصايا والاصوات ،،، هذه اللغة تتحول عبر هاجسها السراني الى لغة باثة/ شفراتية تتسارع نحو رمزيتها ، وكأنها صوت عميق للانوثة المحمول على ماهو جسدي ، طقوسي ، له نداءات وأ شباعات عالقة، طالما تستحضرها الرغبة وكأنها جزء من صوت (ليليت) القديمة التي يستعيد فعل اللذة وقوة الحضور دائما ،، تلك اللذة التي لاحدود لها لانها مقابل يملك سيولة المثيولوجيا في اصطناع تهويمات الخلق والوجود،، وهي المفتاح والبرزخ الذي يقود الى اكتشاف الاسرار والكنوز الباطنة في الجسد الكينوني اللذوي !!
ان صناعة انوثة مضادة ليس شأنا شعريا ، قدر ما هو صناعة في سايكولوجيا فاجعة ،،تحوز تفاصيلها عبر شهود واسرار وتهويمات ،،تضعها الشاعرة( امال موسى ) ازاء نص الاستعادة الذي ينبجس من استحضار تقابلات ( النفس بكل اخطائها ، امام البيت / السرير / الثوب / الرجل ) وهذا الاستحضار هو مقابل دلالي لافتراض اللذة الذي يغيب احيانا ،لكنها تواصل لعبته بامتياز ، لانه نصها الخاص ، ولانه يضع هذه الانوثة ازاء طقوس استلابية ،بغيابه تفقد الذات صوتها الانثوي الداخلي وتلك الشفرة السرية في البوح واستحضار المحبوب والحلول في لحظته الخالقة ، اذ يكون هذا الاستحضار هو(صناعة اللذة) وهو احتكام المعايرة الذي تلجأ اليه ، لكي تتمثل اشباعات طقسها وندائها ورؤيتها ...
من هنا نجد ان الشاعرة امال موسى قد انحازت كثيرا الى مزاجها الانثوي الشخصاني ، باعتباره مزاجا له سيولة دائبة ، تغوص من خلاله في هشاشة العالم الذي حولها، وربما يضعها في مواجهة اشراقات ترتبط بكل ما تستحضره الذات الانثوية من تخالق تعبيري لشعرية خالصة ،، تنحاز فيها الانوثة الى روح ليليت القديمة الرافضة والاحتجاجية والتي تدافع عن سرية جسدها/ نفسها من الذوبان في سيولة الاخر ، والذي تستحضرة دلاليا عبر نوع من التماهي الذي تتعالق فيه دالات (فتشية) السرير ، الثوب الشفاف ،، مع صور مخادعة للمكان / الفضاء وتشبيهات تبادلية ( النفس /// المرأة )) وهذا ما يجعل الشاعرة مأخوذة الى نصها المرآوي الذي يضج بالانثيالات بحثا عن سيولة اللذة وروائحها ...

يا ايتها النفس
بيتي انت / وسريري
وثوب نومي الشفاف/ فيك يرقد السوء/
وقيك اعد باصابع كل الخلق/ خطايا السابقين
كأنك امرأة
وكلنا رجال نسكنك فرادى
نلقاك وسعا
وسكنا عبقا بالعنبر
وبدخان معطر ببخور القدامى


ان هذا الوعي الانوي الخا لص والاعترافي هو المحرّض والمثير على الكشف عن التفاصيل التي تحوط نصها الانثوي به وتتمظهر عبر طقوسه في اجتراح نص لغوي مواز له سحره وادهاشه ورموزه وايهامه بفعل الرحيل و المكرر في كيمياء الوصال والحلول والتجلي ،، مثلما يتمثل الى انجذابات متوالية ومتوترة وكأنها تجد نفسها في نزعة تشابه ما يحمله مزاج الانثى الفاعلة والانثى (ميدوزا ) ، في محاولة لاستغوار جوهر الانثى الشاعرة ، التي تتمرد على ضعفها وبوحها وحضورها ازاء الزمن المحكوم بعقدة الذنب والاستلاب ، وربما تجد هذا النص التعويضي هو نص الجوهر (الليليتي) الذي تتمرد به على الرجل المباح والفحل والاسطوري والمهيمن ، لتصنع فحلها ورجلها الخاص الذي يدرك اللعبة جيدا ، يصنع لها الجسور والبرازخ واللغات والشفرات والتفاصيل الضاجة بالسحر ،،،
ومن هنا نجد ان ما تحاول ان تقدمه الشاعرة من مكاشفة وتعرية لنموذجها الباحث عن شرط اللذة ، عن غوايتها المصنوعة ومراودتها الفالتة دون احساس بانها الفريسة او المقبوض عليها لشرط تكرار النوع ، يأتي في سياق شعرية انثيالية ، هي اشبه بلغة البوح التي ينكسر فيها الوهم وتستعيد بها روحها العارية توهجها ،،، وهذا ما يجعل هذه الشعرية أمام لعبة الانشداد الى سيولة تعبيرية تقابل تدفقات لانهائية لاستحضار اللذة التي يقول عنها رولان بارت بانها سرنا الوجودي أذ اننا نتكتب ونتأنق ونرش العطور على جلودنا في ايهام باننا نحقق رغبة الاخر في صنع اللذة !!! ولاشك ان اما ل موسى قد عملت على صناعة جملتها الشعرية باناقة عالية مقابل صناعة (سستم ) لذتها عبر ايحاءات ورؤى تراكبت فيها الحسية الطاعنة مع اشتراط ما تحوزه هذه الحسية لغة جسدانية ندائية هذيانية تقودنا الى نوبات عاتية من التوليد الصوري الذي لاحدود له

جسدي يكبرك كثيرا / وقامتي نهر معتد بعذوبته
/ سأغزل للعراء الممتد مابين الفخذين الى القدمين/
ما يكفي من حجب //


ان التمثل الكينوني الذي تستغوره الذات الانثوية يجد له في المخيال السحري نزوعا نحو استحضار الشعري كدلالات ورموز واغواءات عبر استخدام حيوية الجملة الشعرية فعلية كانت ام اسمية ،باعتبار ان هذه الجملة هي شعور يقيني واحساس دافق ينبع من الاعماق ونحسه بصورة حدسية ،، يعكس وعيا بضرورة ان تكون هذه الجملة بمستوى الايحاء والتعويض وتمثل العناصر التعبيرية والحسية التي تتجاوز عوامل الضغط الاجتماعي الدافعة للتخلي عن الذاتية والاندماج بالاخرين ،اي الاندماج بالمهيمن كما يقول اصحاب النظريات النفسية ، ان هذه الجملة اللغوية/ النفسية هي جملة تعويضية تكمن قوتها في محمولها المخيالي ،وربما يعدّ البعض من العلماء في مجال علم النفس ان هذه اللغة هي مايميز خاصية المرأة المتمردة والنافرة في الحضورالكينوني ،باعتبارها ذاتا متعالية قادرة على انتاج نصوصها الخفية التي تماثل فوضى الصراع الداخلي في هذه الذات الانثوية ،، اذ تنزاح الكثير من السمات التعبيرية للخطاب الانثوي عبرها ،، من شحناته وعلاماته ان تماهى مع اللغة العامة ذات الخصائص المشتركة ،، والتي سيفقدها ايقاعها ونظام صرفها ،مقابل صياغة لغة خاصة وسرية ،هي ذاتها الصانعة لنص المزاج الفاعل الذي تكتب به طقوسها الخفية .....
ان اللغة الشعرية الانثوية هنا هي لغة منشطرة عن عموميتها ، عن شطرها العام و الذكوري ، ليس نزوعا للمخالفة او نزوعا للتضاد او الانحياز للنوع وشروطه ،، قدر ما هو انحياز لذا ت خالصة، ذات متعالية ، نستعيد عبرها قوة غائبة وحضورا يحتاج الى الضجيج والتصريح ليعلن عن وجوده وشراكته في اعادة توليد التركيب السحري للعبة الجسدية ، تلك اللعبة التي تشبه صناعة الحياة والانبعاث والوجود .. لذا تضع الشاعرة عبرقصيدتها ( هيأة الماء) هذه المكونات / مكونات الخلق الاولى كما في الاساطير امام لعبة خلق واختيار ، وكأنها تستعيد عبر مزيج هذه المكونات جوهر لذتها وجوهر وجود ذاتها القديمة قدم اسطورة الخلق الاولى...

صبية/ وجهها وردة مكسوة قطر الندى/ عيناها تعجب
وسؤال//حاصرها رجلان يرتجفان / الاول طلب روحها
ليملأ الكون شجرا / والثاني اشتهى جسدها / كثير
التراب/ غزير الماء / كثيف الهواء/ وناره شهوة متأججة

ان انحياز الشاعرة الى ذاتها الانثوية وتمثل روحها السرية والنصوصية ، هو انحياز الى كل التفاصيل التي تتكشف عنها وتتمظهر بها ، وتكسو نفسها بزينتها،، ولا شك ان الامتلاء بهذه التفاصيل لايتم دون الاشتغال على مجموعة من العناصر والاحاسيس الشخصية التي تشىء بقدر عال من الايحاءات الايروسية ليس بفعلها الشهواني الاستلابي وانما بسياق ما تحمله كينونة الانثى من ذات خالقة، لها مراياها ومزاجها وجوهرها وقوتها ولذتها ،، والتي تضع فتنة اللذة بمستوى النص الخالق الذي يؤنث الواقع والنداء والجسد ،، وهذا الصوت الانثوي / الانوي يجد عبر نصه التبادلي التعويضي انشدادا نحو استعادة ما يحمله من هاجس هو بمثابة التوق الى نوع من الحلول دونما جحب في اللذة عبر الذات ( لا اروم غيري متسعا ) حيث تتكثف ثنائي الخلق/ اللذة / الخصب في لذة خالصة هي المعنى والصلاة والفكرة

اقسم اني لن اروم غيري متسعا
وعد نفس وعت بلادها الشاسعة
وفصولها الللامتناهية
ولذة يشبه عنبها ثديا مرمريا
سقط في نشوة الانثى
اعود اليّ متيمة
الوذ بالمعنى في ليل ساطع اليقين
ضفائره تشبه المدى
انتشي بعناق البعض لبعضه
وصلاة كلي لكوكبي
واحفرني بئرا عميقة
الارتواء منها ، كعينين من زمرد
ان منطقة اشتغال الشاعرة آمال موسى لاتتعدى الجسد / المعنى والجسد/ الرغبة ، اذ تعمل عبر هذه التوليفة على استحضار بنية طقوسية مجبولة على استحضار الذات الملتذة( الملتصقة بالجسداني) كاستعارة مقصودة لاستحضار الاخر عبر نداء الاشباع / التعويض الذي تعنى بتفاصيله الدقيقة وكانها في نوبة من هذيان اللذة ،، واحسب ان هذ ا التوالي الانثيالي الحسي يكشف عن انزياحات ليس في المعطى الكتابي الذي تجاوزت به الشاعرة نمطا من كتابة البوح والمسكوت عنه الى نوع كتابة التصريح / المكاشفة / التماهي مع تهويمات مايقوله الصوفيين في كتابة ما بعد الحلول والتمرآى بالنص الثالث وكذلك كتابة الشطحات التي تحيل الى ماوراء النص المرآوي حيث عري الجسد وعي الروح واندياح اللغة وسيولتها ،
قل لي كلاما
يفتتني فصوصا ويرتب لي هيئة انبقة
من مجاز ورمز وحكم
وماء غزير يثير اطرافي
ويرمي باقواسي
الدالة على اخضراري

ولعل هذا التكوينات الشعرية / المرآوية التي ارادتها الشاعرة ان تكون لصق كائنها الصانع للذتها عبر الحضور أو عبر المرآة .. تمثل خاصية شعرية تدرك الشاعرة اسرارها وكينونتها،وتسعى لان تمنحها ايقاعا داخليا لانهائيا يجد في البنية النثرية فضاء متسعا تتشكل فيه تفاصيلها الدقيقة والخفية وتمنحها عبر لغة موحية توهجا يشد قارءها الى مابعد القراءة ، وكان النص يتحول هنا لعبة في التبادل والتوالي والانكفاء الى اللانهائي الذي لاحدود لوصوله ووصاله ، ولا قبض على لحظته ، انها كتابة في الحضور الباهي للجسد غير الناضب ، وكتابة في المرآة السحرية التي تمنح الجسد فيزياء متعالية لايمكن السيطرة على وقائعها ، وملامسة ظاهرها الايقوني ،، ان الشاعرة التونسية آمل موسى تعيد انسة الجسد ضمن شروطه ومزاجه ، تكشف عن نوباته وتوحشه ، تعلن جموحه ومرئياته وكينوته امام الاخر الذي يأتي ، لكن بشروط الجسد .....

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow