Alef Logo
دراسات
              

علم الأسلوب المثالية الألمانية والتقاط الحدس

مجيد محمد

خاص ألف

2017-03-18

نشر الفيلسوف الإيطالي "كروتشيه" كتاباً بعنوان "علم الجمال كعلم للتعبير واللغة العامة" وفيه يسند إلى الفلسفة مهمة القرار المعرفي المتصل بتحديد فروع العلم التي ينتمي إليها كل واحد من هذه العلوم الخاصة، ويلفت انتباه علماء اللغة إلى أنه كلما قمنا بتحليل قطاع من التعبير وجدنا أنفسنا أمام ظاهرة جمالية؛ فاللغة نفسها في جميع مظاهرها إنما هي تعبير خالص، ومن ثم فهي علم جمالي، وهي أصوات منظمة مهيأة من أجل التعبير. وهذا التصور للغة إنما هو تصور أسلوبي، إذ أن الشكل العادي للتعبير عند "كروتشيه" دائماً خيالي موسيقي شعري بقدر ما هو تعبيري. ولا يتمثل هذا أبداً في الكلمة كوحدة لغوية، ولا في المقطع كجزء من هذه الوحدة؛ فهو يرى "أن الحدود الفاصلة بين المقاطع والكلمات متعسفة تماماً، فهي تتميز بشكل أو بآخر خلال الاستعمال التجريبي، لكن كلام الإنسان الفطري أو غير المثقف إنما هو عملية متواصلة، دون أي وعي بتقسيم التعبيرات إلى كلمات ومقاطع، هي – في ظنه – وحدات خيالية من صنع المدارس فحسب، ولا يمكن إقامة قانون لغوي على أساس هذه الوحدات، أليست قواعد الكلام في نهاية الأمر هي نفس قواعد الأسلوب".
ولا شك أن علماء اللغة اليوم يتفقون على أن "كروتشيه" كان مخطئاً عندما تصور بحماس أن تحديد الوحدات اللغوية أمر تحكمي وهمي خارج عن نطاق اللغة ذاتها، وإن كانوا من ناحية أخرى يرون أن طرح التساؤل الأخير بهذا الشكل لم يكن يخلو من صواب؛ إذ أن التعبير عنده يتمثل في الجملة أو شبهها مثل أسلوب التعجب والاستفهام، وبالتالي فهو أساساً قول شعري؛ أي أن اللغة من ناحية المبدأ فن يصل إلى ذروته من العمل الأدبي، حيث لا ينفصل المحتوى الداخلي والشكل الخارجي، بل يكونان وحدة حميمة لا تنفصم عراها، فالعزل الخارجي للعناصر البلاغية عن الجانب النفسي الذي يكمن ورائها لا يؤدي إلا إلى تحريف قيهما الأسلوبية.
فاللغة تمثل عند "كروتشيه" مقولة تعتمد على نظام الخلق الشخصي، أي أنها طاقة وليست مخزناً لأسلحة مصنّعة ولا مجرد معجم؛ أو على حد تعبيره: "ليست اللغة مقبرة لأجسادٍ ثاوية محنطة"، والوحدة اللغوية الحقيقية هي الشكل الداخلي لبعض أجزاء القول، وعلى الباحث اللغوي الجمالي الناقد أن يواجه هذا الشكل الداخلي لتوضيح مداه في بنيته ومعناه.
ولقد كان لنظرية "كروتشيه" الجمالية تأثير طاغٍ على علماء اللغة الإيطاليين، إلى جانب تأثيرها المستفز على المدرسة المثالية الألمانية التي تزعمها "كارل فوسلير" إذا شرع يدرس في كتاباته الأولى "أصول الوضعية والمثالية في علم اللغة" في بحثهن المنشور بهذا العنوان عام 1904، والمُهدى أساساً لـ "كروتشيه". يحرص فيه على تعريف الوضعية والمثالية باعتبارهما منهجين، لا مذهبين فلسفيين مختلفين؛ وإن كان يميّز بين الوضعية الميتافيزيقية وغير الميتافيزيقية. أمّا وجهة النظر المثالية فهي تحاول – كما يقول – أن تطبق قوانا الحدسية على مجال البحث التاريخي الموضوعي بشكل صحيح، وعلم اللغة لديه من فروع المواد التاريخية التي ينبغي أن تعتمد على موهبة الحدس. فإذا كانت المدرسة الوضعية تنحو إلى الوصف الدقيق للمشاكل المحددة، وتحاول بشكل خاص معرفة المادة المنظور إليها كقيمة في حد ذاتها، ووصف أسباب العمليات المتصلة بالظواهر، أو ترفض التعرض لها إن لم تهتد إلى أسبابها، فإن اتخاذ المنظور المثالي يؤدي إلى تغير جذري في هذه الموقف.
فالوضعيون قد قاموا بتصنيف المادة اللغوية بشكل تشريحي تصاعدي ينتقل من الصوتيات إلى الصرف والنحو والدلالة، ورأوا أن علم الأسلوب – وهو الذي يتناول الاختيارات المحددة بالبواعث الجمالية – ينبغي أن يوضع في منطقة دراسة تاريخ الأدب ونقده، لا في مجال البحث اللغوي.
أما "فوسلير" المثالي فهو يتخذ موقفاً مضاداً لذلك؛ حيث يولي علم الأسلوب أهمية كبرى باعتباره العلم الوحيد الجدير بأن يقدم شروحاً حقيقية للظواهر التي يصفها علم اللغة، وهو – كمثالي – يرضى بالتصنيف الجمالي العام عندما يجعل اللغة معادلة للتعبير الروحي، "فتاريخ التطور اللغوي يمكن أن يكون تاريخ الأشكال الروحية للتعبير؛ أي تاريخ الفن بأوسع معاني الكلمة".
ويعتمد منهج "فوسلير" على "إعادة التكوين الواعي للعملية الداخلية التي جعلت من الممكن تخلق العمل الفني، وأعطت تماسكاً خاصاً للوقائع الفوضوية المتجمعة"، على أن إعادة هذا التكوين تتم في لحظتين أو مرحلتين مختلفتين، تحدث خلالهما جميع الظواهر اللغوية:
1- لحظة التقدم المطلق: أي مرحلة الإبداع الفردي الحر.
2- لحظة التقدم النسبي: أي مرحلة التنمية المضبوطة للإبداع الجمالي، باعتبارها عملية شرطية حيوية.
فاتجاه هذا المنهج إذن يأخذ طابعاً تاريخياً متطوراً بعكس الاتجاه الثابت الوصفي لدى المدرسة الفرنسية، وينبغي الاعتداد هنا بالوسائل الأدبية الفردية، سواء كانت قصيدة أو قصة، ومعالجتها على نفس مستوى النظم اللغوية الكاملة، وإن كان التدرج الطبيعي يقتضي الانتقال من العمل الفني الفردي حتى نصل إلى المستوى الأعلى للغة كعملية ثقافية شاملة.
وقد كتب "فوسلير" لصديقه "كروتشيه" يعده "بتقديم تحليل جمالي خالص، يبحث عن العلاقة بين الإيقاع والقافية والأسلوب"، فأجابه بأن: "الإيقاع والقافية هما أيضاً من الأسلوب"، وكان بوسع "فوسلير" أن يعثر على نفس هذه الفكرة بالتفصيل في كتاب "كروتشيه" عن علم الجمال، بالإضافة إلى أفكار موحية أخرى مثل قوله: "... من ذا يستطيع على الإطلاق أن يميز – بالرغم من كل الجهود – بين اللغة والأسلوب؟ إن اللغة في أصلها كانت إبداعاً روحياً ... والتعبير ما هو إلا الواقعة الجمالية ذاتها ... ولعل من نافلة القول الآن البرهنة على أن اللغة إنما هي تعبير"، ومن هنا نبتت عند "فوسلير" فكرة أخرى جوهرية وهي أن علم الأسلوب يمثل المجال اللغوي كإبداع؛ بينما يمثل علم اللغة المجال اللغوي كتطور وتاريخ، وكان هذا هو مدخل "فوسلير" لتقديم إضافته الرئيسية إلى علم الأسلوب، على أساس تصور الأسلوب كمصب لجميع الوسائل التعبيرية والجمالية معاً.
ويقدم "فوسلير" هذا التصور في مشهد متميز بقوله: "إن من يستخدم المقولات النفسية في دراسته اللغوية كمن يمشى على حرف جبل فاصل بين ماءين: فنظره يقع من ناحية على الوديان والمصادر المتعلقة بالإشارات النفسية للمتحدثين الفرديين، ويملح من ناحية أخرى الأنهار الجارية ونظم تطور اللغة، وينحدر السفح الأول إلى السهول الفردية والشخصية للغة؛ إلى مجالات علم الأسلوب وتاريخ الأدب، أما السفح الثاني فإلى مناطق الجماعات والقرابات اللغوية؛ إلى ميادين النحو التاريخي المقارن".
وهو يرى أن اللغة باعتبارها مجموعة من الصيغ تتخالف بالضرورة مع الصيغ الأخرى، أمّا باعتبارها متراكبات دلالية فإن المضمون الأكبر يشمل الأصغر؛ أي أنّها تتداخل حينئذٍ، والعمل اللغوي الحقيقي يبرهن لنا من وجهة النظر الشكلية على الجانب الفردي الخاص المتميز، ومن جهة نظر المضمون على الطابع المتشابك الموسع العالمي؛ فبهذا تتحد الفردية المتخالفة مع العالمية المتوافقة، هذا هو النموذج المثالي للفكر اللغوي، وهو في نفس الوقت النموذج المثالي للشاعر والرسام والموسيقي وأي فنان آخر، فالفكر اللغوي في جوهره فكر شعري، والحقيقة اللغوية إنّما هي حقيقة فنيّة؛ فهي جمال مفهم بالدلالة، وكل منا عندما يبدع صيغاً لغوية فهو شاعر أو فنان على قدره، حتى وإن كان معظمنا لا يتجاوزون الحدود الدنيا لصغار الفنانين المحرومين من الأصالة؛ مما يجعل اختبار مدى ما يتوفر لدى كل منا من شعر أو فن أمراً يستحق العناء.
أما مبادئ اللغة فهي في خدمة النحو العملي؛ كما أنا لا بد أن تكون في خدمة الفن و "تكنيك" الجمال اللغوي، وينبغي أن تستمد سلطتها – لا من المشكلات المتعلقة بالاستخدام الصحيح للغة فحسب – بل من الكفاءة الفنية والذوق اللغوي وتطوره لدى أصحاب الأساليب. وقد يفهم من الذوق ما يتصل بهذه الكفاءة الفنية عندما تتوجه إلى التقليد والاختيار وإعادة الصياغة، لا إلى الإبداع والخلق الحر؛ فالذوق قابل ومحتاج للتربية، أما العبقرية المبدعة فهي لا تقبل التربية عند "فوسلير" بقدر ما تنتج أعمالاً أصيلة فذّة، وعلى هذا فإن الذوق والعبقرية لدى الشخص الحي ذي الكفاءة الفنية المنتجة متشابكان ومتلازمان، والتقليد والأصالة؛ والعمل المتواضع والفريد قد يختلطان، وعلى النقد تقع مهمة الفصل والتمييز. فالأعمال الشامخة في الفن اللغوي، وهي التي تشغل تاريخ الأدب، إنّما هي أعمال خلاقة، ولا يمكن شرح ما فيها من أصالة وقيم جمالية على ضوء ذوق عصرها، بل لا بدّ من تفسيرها انطلاقاً من العبقرية المبدعة ذاتها.
ويحلل "فوسلير" حالات التخالف والتوافق بين التفكير والتعبير في بحثه عن القيم الجمالية للأسلوب؛ على أساس أنّ ما يحدد النوعية الجمالية المكونة للغة، وما يمثل العناصر الجذريّة للقول الأدبي أنما هي بواعث فردية، "فنحن نقبل علم اللغة كما نوده؛ إذ يتكون من مبادئ مثالية وجمالية، ولنتذكر أن كل تعبير منطوق ينبغي أن يشرح على أنّه إبداع فردي حر للشخص الذي ينطق به". وترتكز الحالات النمطية للتخالف بين المقولات النفسية للفكر، والمقولات اللغوية للتعبير، على أساس متشائم يتمثل في العجز عن التنفيذ، ويرجع هذا العجز بدوره إلى أحد الأسباب التالية:
1- جهل الفرد بقواعد اللغة ونحوها.
2- عدم إدراكه الواضح الدقيق لروحه.
3- عدم نضج اللغة المشتركة ذاتها، واستحصاد وسائلها، مما يؤدي إلى عجزها عن تحمل عبء التفكير الفردي.
4- قصور اللغة نفسها، في وحدتها الشكلية وصلاحيتها التعبيرية، قصوراً مزمناً لا براء منه ولا أمل في نضجه.
فالعجز يكمن دائماً في إحدى ناحيتين: إما في الفرد وقدراته على السيطرة النحوية واللغوية، واستيضاح رغباته بذاته، وإما في اللغة وإمكاناتها، مما يؤدي أحياناً إلى العدوان عليها وانتهاك حدودها. فالتخالف بين ما يعقله الكاتب أو المتحدث نفسياً وما يعبر عنه لغوياً ينجم عن العجز، إلا أنّه كثيراً ما يتميز بجاذبية خاصة؛ فقد يؤثر على المستمع أو القارئ بطرافته وسذاجته فيبتسم ملتذاً به، وقد يثير غيظه وألمه في حالات أخرى، ومهما كان تأثيره إلا أنّه غير مقصود على أيّة حال، ولو استخدم بنجاح عند الطفل أو الممثل الهزلي لكان هذا بمحض الصدفة.
بيد أن هناك حالات أخرى يؤدي فيها التخالف إلى إنتاج قيم فنيّة؛ طالما كان ملمحاً أصيلاً؛ لأن الفن يتسع لإبداعات كل روح خلاق، بينما لا يستقر في النحو سوى ما تتقبله الجماعة، وكيف لا تستفيد المؤشرات الفنية من هذه التجارب على تحرقها وتمرسها في الوصول المقصود إلى ذلك النجاح؛ ففي أعقاب التأثيرات العفوية الساذجة لا يلبث أن تأتي على الفور التأثيرات الفنية المحسوبة. ويتم عندئذ اختبار جميع أنواع اضطرابات التركيب العادي المألوف؛ من حذف وإضمار وقلب وإبهام وغيرها؛ على ضوء البلاغة وما توصي به كتب فن الكتابة والشعر، وهي تنحو في جملتها إلى اكتشاف القيم الفنية الكامنة في بعض ألوان التخالف بين التفكير والتعبير في مستواها المألوف، فيتحول ما كان يبدو في ظاهره خطأ أو عجزاً إلى قيمة أصح ووسيلة فنيّة أبقى.
نستخلص من كل هذا أن كي نظفر بالسيطرة الغنية على اللغة، والأستاذية في الأسلوب، فإننا نحتاج – طبقاً لمبادئ "فوسلير" – إلى تطابق وثيق بين المقولات النحوية والنفسية؛ أي إلى أن يكون الاستعمال العام للغة واضحاً وثابتاً ومحدداً، حتى تتضح لدى مل متكلم ملامحه التعبيرية الشخصية في أشكال مفهومة. وفي العصور الوسطى كانت اللغات الشخصية – لدى الأوربيين – لا تكاد تسمح بالأساليب الشخصية؛ إذ لم تكن لها قواعد ذات صلاحية عامة بعد؛ أمّا في عصر الكلاسيكية الجديدة مثلاً فقد كان نضج القواعد النحوية ووضوحها هو الذي يتيح الفرصة لكبار الكتّاب لتكوين أساليبهم الروحية المصقولة الجيدة؛ فلا يمكن لغوياً تحديد الأسلوب من وجهة النظر الفنيّة والنفسيّة والوصول إلى طبيعته وقيمته الخاصة ما لم نعرف مقدماً ما يستخدم بصفة عامة وما هو شائع لدى كل المتحدثين، وما هي العناصر التي لا غنى عنها في التعبير. ولعل هذا المبدأ هو أصل فكرة الاعتداد بالأسلوب كانحراف عن قاعدة عامة ينبغي تحديدها أولاً التي لاقت رواجاً هائلاً في الدراسات الأسلوبية فيما بعد.
أمّا التوافق بين الفكر والعبارة فإن "فوسلير" يعزوه دائماً إلى أحد نموذجين: الرياضي أو الفني، ويرى أن التطابق بين اللغة والعقل إنّما هو القانون الطبيعي؛ ما دمنا نستطيع شرح حالات التخالف باعتبارها خطأ أو عجزاً أو عرضاً مرضياً. لكن هذا التوافق ليس مثالياً ولا نموذجياً بقدر ما يحتاج الفن اللغوي المرهف لبعض التخالف أو التوتر بين المقولات النفسية والنحوية، كي يعثر على الشروط اللازمة لفعاليته وتقدمه عن صيغ التعبير العادية.
فالتوافق التام إذن – دون أيّة مخالفات – يمكن اعتباره مثلاً بعيد المنال، يتجاوز أطرا اللغات التاريخية المعروفة؛ إذ ليس هناك نحو مطلق، ولا فن لغوي مطلق، جديرين بأن يبلغا هذا الهدف. والحل النهائي الذي يؤدي إلى التعبير العام الحقيقي غير المشروط لا يمكن أن يتحقق سوى في الرياضة؛ إذ نستطيع هنا فحسب تمثيل القيمة العددية الوحيدة بصيغ رقمية متساوية لا حصر لها، فالمائة هي: 50 + 50 و 4*25 و 700-600 وغير ذلك، وكل عبارة من هذه العبارات تطابق حتماً فكرة عقلية دقيقة لا تقبل الخلط عن المائة. فالتعبير الرياضي يتفوق هكذا على التعبير اللغوي ويمكن أن يتحرر من جميع الكلمات ويكتفي بمجرد الرموز والمعادلات. وقد كان "ديكارت" أول من رأى في الرياضة فكراً ناجماً عن اللغة ومتفوقاً عليها في نفس الوقت.
كما أن الحل النهائي الآخر؛ لصالح الإشارة العقلية النفسية، الفريد في نوعه، والذي يستخلص تعبيره من ذاته، ولا يتحقق إلا بأبعد من اللغة، فهو الذي يتصل بالخيال. فالفنان ذو الخيال الخصب المكثف هو الوحيد الذي تتوفر له الكفاءة لخلق التعبير الذي يترجم أصالة الإشارة النفسية دون أن يزيفها؛ لهذا فهو يخرج عند الضرورة على جماعته اللغوية، ويمر من تحت أو من فوق الكلمات، ويستطيع عبر الظلال والإيقاعات والألوان والخطوط والصور، والإيحاءات والرقصات، أن يعبّر عما لا يمكن التعبير عنه باللغة العادية، فعن طريق هذا التفكير الخيالي غير الرياضي، تتحقق الطاقة الإبداعية للغة، ويتم القضاء عليها وتجاوزها.
ويلاحظ الدارسون أن "فوسلير" قد حاول في كتاباته الأخيرة توسيع مفهوم المستويات اللغوية والنماذج التوليدية، وسيطرت عليه فكرة ملحة عن مقتضيات العملية الداخلية التي تتحكم في التعبير بجميع درجاته، خاصة ما يتصل بالمستوى القومي، مما أدى إلى تبلور نظريته في إخضاع الإمكانات التعبيرية لأيّة لغة بالروح القومي المسيطر على المتحدثين بها؛ مما يجعل دراسة هذه الإمكانات – بالنظر إلى استعمالها، لا بشكل تجريدي – هي دراسة الأسلوب القومي.
وهكذا فإن كل لغة لها قوتها وموهبتها ومزاجها وإرادتها الخلاقة، المماثلة للإدارة الخلاقة للشاعر. ومن هنا عنى "فوسلير" بأن يدرس بطريقة منظمة مجموعة خواص اللغة كانعكاس لعقلية الجماعة وتاريخها، فبحث كيفية انعكاس الحضارة الفرنسية وعبقرية الشعب الفرنسي في لغته، وبينما ترى اللغويون الوضعيون مثلاً أن نظام الجملة الثابت من فعل وفاعل وموضوع إنّما هو نتيجة لاختفاء حالات الإعراب في الفرنسية، يرى "فوسلير" أن أصل ذلك يكمن في عبقرية اللغة وعشق الفرنسيين للمنطق والنظام؛ إذ أن كل واقعة لغوية تعكس موقفاً خاصاً للشعب بالنظر إلى لغته، ويتم شرحها بأحداث التاريخ والمؤسسات والعادات وتطورها، "وكانت الخاصية المميزة للعبقرية الفرنسية في العصر البدائي هي التوافق الوثيق بين الطابع القومي والشعور الديني"، وقد جاء هذا التوافق تعبيراً رائعاً عنه في "أناشيد رولدان"، كما أنّ هناك توافقاً تاماً بين نبر الكلمة ونبر الجملة، بين النحو والصوتيات، بين بنية الإيقاع وجملة الأفكار، هذه الوحدة الأساسية هي التي تجعلنا نعثر على سر التغيرات التي عانتها اللغة في تلك الفترة".
مراجع:
فضل، صلاح: علم الأسلوب (مبادئه وإجراءاته)، ط3، النادي الثقافي الأدبي، الرياض.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نماذج جنسية في القصة العربية

09-كانون الثاني-2021

السنن النفسية للأمم أصل العروق

15-آب-2020

بلاغة الخطاب وعلم النص

16-أيار-2020

يوميات حميماتي / حظر طيران

26-تشرين الأول-2019

علم الأسلوب المثالية الألمانية والتقاط الحدس

15-أيلول-2019

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow