يبدو أن الأسد المجرم اقتنع أخيرا أن لا مجال له بالاستمرار بحكم الجمهورية العربية السورية.. فما العمل؟؟؟ طلب النصيحة من مستشاريه والمقربين منه وكان الاجماع أن يكتفي بدويلة دمشق وما حولها وأن يترك ما تبقى من سوريا للرعاع حسب تعبيرهم. ولم يكن أمامه سوى هذا الحل فشن حملته الدموية على الغوطة ليحيط نفسه بحزام أمان يبعد الغوغاء عن دولته كما يظن.

ويبدو واضحا مدى الحقد الذي يكنه على أهالي الغوطة المساكين الذين يدافعون عن أراضيهم وأعراضهم وممتلكاتهم . فيما يراهم هو خارجين عن القانون ، قانونه.. فبدأ حربه المجنونة ضدهم وكأنه يريد أن يقضي على أكبر عدد ممكن من السوريين، ومن الحضارة السورية عقوبة قاسية لأنهم وقفوا ضده.

ما تتناقله وسائل الاعلام في العالم عما يجري في الغوطة ستجعل الأسد في المستقبل وسيلة إيضاح ليتعلم العالم كيف يكون الديكتاتور والقاتل التسلسلي. هو وسيلة ليخبروا العالم بعد انتهاء الحرب كيف يمكن للدكتاتور في ظل مؤامرة كونية يشارك فيها العالم دون استثناء قتل وإبادة شعب بالكامل على مرأى ومسمع من العالم أجمع.

فهو بعد ما صنع وما يصنع من الخراب الذي نراه، وبعد تدميره مدنا بأكملها وبمن بقي فيها ولم يهاجر لتمسكه بأرضه وماله وبيته. تحت مرأى وسمع العالم المتمدن المتحضر الذي يتفرج عليه مستمتعا وهو يشرب الأنخاب بكؤوس الكريستال فيما يراقب ما يجري للسوريين، تماما كما مصاصي الدماء، فالأسد يعلم أن الدم الذي يسفك سيرضي غرور داعمي الصهيونية ودولة إسرائيل .. بل غرور العالم المتحضر مصاص الدماء. ويعلم تماما أن الدم المسال سيروي غليل عطشهم للدم ، ويسيل على ذقونهم أحمر قان ويسقط على الأرض.

وحين يكون من واجبهم الحديث ضد ذلك لأنهم عالم متحضر.. يمسحون آثار الدم السوري عن شفاههم، ويخرجون على الجماهير مباشرة أو بواسطة التلفزيون ويدينون ما يفعله الأسد ويطالبون بمعاقبته وهم مرتاحون فهناك كبيرهم مصاص الدماء الأكبر الروسي المتعجرف، رجل المافيا الأول في العالم سيستخدم الفيتو مطبطبا على ظهر الأسد: "برافو أيها الطفل المدلل.. نريد مزيدا من الدماء. لا تهتم نحن هنا لندعمك وقادرون على استخدام الفيتو لأجلك بقدر ما استخدمته الدول الخمس مجتمعة خلال كل السنين التي مضت على تأسيس الأمم المتوحشة المتحدة."

ليس مستغربا ما يفعله ، فهو مصاص دماء ومصاص الدماء لا يشبع من الدم الحي الأحمر القاني، وهم يدعمونه لأنهم مثله لا يرتون من مص دماء شعوبهم بطرق مختلفة. والأكثر غرابة أن ما يجري في الغوطة وعلى الأرض السورية من قتل ونهب ودمار لم يثر حفيظة العالم الحر بشعوبه الحرة لتقف وتقول كلمتها كفى لهذا الذي يجري. لم يحدث مرة في التاريخ أن تعامى العالم عن مجزرة كونية بحجم المجزة الممارسة على السوريين دون أن يعترض أحد على ذلك. الجميع يجلس في بيته يرى الدمار ويرى الدم المراق ويتابع حياته كما لو أن فئرانا جالبة للطاعون إليه هم الذين يقتلون.

مع أول فيتو استخدمه الروسي المأفون ، كانت توقعات السوريين أن شعوب العالم الحر ستستنفر فما يجري من قتل ودمار كبير جدا، ولكن أحدا لم يستنفر، واستمر القتل واستمر التصفيق للقاتل، وطربا استمر الأسد بالقتل، وصار ينوع في الأساليب، عرف أو أُعلم أنه مسموح له كل شيء فالجارة إسرائيل راضية عنه لأنه سيعطيها المبرر للقتل في المستقبل بطريقته. ولا أحد يستطيع أن يقف مستنكرا فمن لم يستنكر طريقة الأسد لم سيستنكر طريقتها هي.

إسرائيل القادمة من الغيب، من اللاحضارة، من اللاتاريخ تريد أن تصنع تاريخا لها، ولن تستطيع صناعة تاريخ يشبه تاريخ سورية. إذن أمرت : دمروا لي التاريخ السوري هكذا طلبت من العالم، ولأن العالم يسمع لكل ما تقوله هذه الدولة، لأن كتابها المقدس قائم على القتل والتدمير والكراهية تريد أن تقول للعالم أن يهوه ليس خاطئا بحبه للدم، فالبشر منذ الأزل والغون بالدم منذ قابيل. وبالتالي ستترك حولها أرضا خرابا تبني عليه دولتها، إمبراطوريتها الكبرى، دولة إسرائيل العظمى.

ويشعر الأسد فجأة ودون مقدمات، بعد أن كان مأخوذا بلعبة المفرقعات التي يلعبها فوق الأراضي السورية بأدوات حقيقية.. أن مهمته ستنتهي يوما، وإن بقاءه في السلطة لن يدوم، ربما فكرر في التوقف لحظة، فكر استرضاء شعبه وطلب السماح منهم، ولكن هوس اللعبة الدموية، هوس رؤية الدماء تهرق، والرؤوس تتطاير، والأعضاء البشرية تترامى وتتطاير، كان يجره كل مرة للمتابعة أكثر، للفتك أكثر، وكلما واجهته مشكلة، دولة صحا ضمير شعوبها فطالبت بالتحقيق فيما يجري، أو رئيس لدولة صحا ضميره من بشاعة ما يجري، كان في ذلك بمثابة طلقة تطلق على صدر الأسد، وحين كثرت الطعنات، وكثرت الاحتجاجات زاد من وتيرة الضرب فصار يضرب متقصدا المدنيين انتقاما لعدم تأييدهم له، وصار كالطير يرقص رقصته الأخيرة مذبوحا من الألم..

لقد قبل بدمشق وريفها فهو يعلم أن منته، فليرقص إذن رقصته الأخيرة، ليستمتع أكثر من قبل بالدماء تسيل على الجدران .. ليرقص كما الطير المذبوح .. ما دامت النهاية قادمة.. ليكن ولكن لن أموت قبل أن أتجرع آخر كأس من المتعة .

هل حقا النهاية قريبة، ليس من أحد مستعد للجزم فالموضوع خارج سيطرة أي أحد سوى الجارة الصهيونية التي ستقرر متى تريد للحرب أن تنتهي.. حسب ما خططت وما أرادت أن تصل إليه الأمور.