يتحدَّث كتاب «جماليات المكان في قصـص سعيد حورانية» للكاتبة الإيرانيــة محبوبــة محمدي محمد آبادي، عن سمات الشخصية وارتباطها بالمكان في قصص سعيد حورانية ( 1929- 1994 ).

في مجموعاته : وفي الناس المسرَّة (1952)- سنتان وتحتـــرق الغابة( 1964)- شتـــاء قاسٍ آخـــر( 1964)، عن أمكنة محدَّدة في قصصه، ويسميها بأسمائها الواقعية التي تحيــــل في العالم الخارجي الى أمكنة حقيقية لدى القــــارئ، وهي:

سجن المزة، حي الميدان، مدينة الحسكة، السويداء. وغيرها من المدن في سوريا. وتشكِّل المجموعات القصصية الثلـــاث لسعيد حورانية، في مجملها، ثنائيات عديدة ومتنوعة مثل:

الثوار/ المستعمـــرون، الفلاحـــون/الإقطاعيون، الظالــــم/المظلوم، المناضلون السياسيون/الحكومة العميلة للاستعمار. كما أنَّنا نجد بعض التقابلات الثنائية:المستعمرون/الحكومة العميلة للاستعمار. وقد أخذت هذه الثنائيات الضدية طابع الصراع بين كل من الثوار والمستعمر الفرنسي، فالثوار رجال شجعان حملوا بنفوس أبية عزيزة مملوءة بحب الوطن وشرف التضحية والذود عنه. فيقدمون أرواحهم رخيصة في سبيله، ويعد مكان الصراع هو الأرض التي تتجسَّد عليها هذه الثنائيات بشرياً وجغرافياً.

ويتبدى الصراع على مستوى خارجي، كالصراع بين حامد ووالده في قصة "سريري الذي لا يئن". وصراع مصطفى محمود الميداني مع أخيه الأكبر وأبيه في قصة "حفرة في الجبين"، ومحاولة القاص وصل الجيل القديم بالجيل المتجدد. والصراع الحاصل بين سالم وأهله اجتماعياً وفكرياً في قصة "الخيط المشدود"، والصراع بين السجناء السياسيين والحكومة في قصة "المهجع الرابع"، والصراع بين الثوار والمستعمرين في قصص:

"من يوميات ثائر"، "أنقذنا هيبة الحكومة"، "حمد ذياب". ويهتم سعيد حورانية بتوظيف المكان فنياً وإدماجه مع سائر العناصر القصصية، حيث يعد جزءاً من وجود الإنسان وكيانه. وقد حرص على تقديم شخصياته وهي تتحرَّك في وسطٍ اجتماعي معين، تبدو فيه خصوصية المكان والزمان. ويبرز وجودها الحدث الـــذي تقوم به أو بجزء منه في مكان وزمان معينين

. ويقـــوم المــؤلف بإنجـــاز المكان الفني بقصد مساهمته الفعالـــة في نمو الحدث سواء أكـــان واقعـــاً أو رمــــزاً، يوزِّع عنده بين عدد من الأمكنة، بعضها يأتي عن طريق الحركة وتطويـــر الحدث.

وبعضهـــا يأتي جزءاً منهما ومن بنيـــة القصة ككل. ودراسة المكـــوِّن المكاني تتـــم هنا بوصفـــه عنصراً أساسياً في البناء الفني للقصة. ولكن نجد انه لم يذكر تفصيلات المكان، فضلاً عن قلة الإشارة إلى عناصره، إلا أنَّ ذكريات الشخوص وخلجاتهـــم وانفعالاتهم تدل على وجود سطوة المكان.

ومن الملاحـــظ أنَّه في غالبية قصصه لا يقدم شخصيات ورقية، إنما يقدم شخصيات حية في أقصى درجاتها مشبعة بالحياة، فيها من القوة والحب والعمل والفرح بقدر مافيها من الضعف والكره والكفاح والحزن. ويمكن القول إنَّ لسعيد حورانية طريقة مميَّزة في خلق شخصياته، فهو يوليها عناية خاصة من خلال العلاقة المميزة التي تربط هذه الشخصيات بالأماكن التي تتحرك فيها.

وتتجلى علاقة الشخصيات الرئيسة بالمكان، من خلال وجودها في تبئير الأحداث، وعلى حين تبدو الشخصيات الهامشية أنَّها لا تمتلك في القصة غير الجملة التي كلفت بقولها. وهذه الشخصيات لا تمتلك هويتها إلا عبر المكان باعتباره أهم العناصر المكونة لهوية الشخصيات.

وهذا ما يمكن أن نتمثله في تقديم شخصية حامد في قصة "سريري الذي لا يئن". وكان مسرح الأحداث في قصص الكاتب، في كثير من الأحيان، يجري على أرض وطنه سوريا، بمدنها وبساتينها وأحيائها وبيوتها. وأحياناً في داخل السجن.

وعلى سبيل المثال في قصة"أخي رفيق"، نجــد أنَّ وصـــف القاص لهـــذا البيت الشعبـــي الذي تخترقـــه الشخصيات، لم يكن مقصوداً لذاته، ولم يكــــن من أجل غايـــة تزيينية أو جمالية، وإنَّما جاء الوصف ليكشف بصورة غير مباشـــرة بعض جوانب شخصية سعيد. يظهر المكان في قصص سعيد حورانية معبِّراً عن نفسية الشخصيات، ومنسجماً مع رؤيتها للكون والحياة، وحاملاً لبعض الأفكار. وعلى سبيل المثال فإنَّ البيئــة البـــاردة تؤثّـــِر على الإنسان ومشاعره وطريقـــة تعبيره عن الحيـــاة.

ويؤسِّس المكان للحكي في أغلب قصص سعيد حورانية، ويشكل بؤرة سردية تبدأ بحافز تقديم أو عتبة سردية مكانية، تتمثّـــَل في وصف المكان الذي ستجري فيه الأحداث وتتحرَّك الشخصيات، وإذا كان المكان يشكّـــِل شرط الوجود، فإنَّ لغـــة المكان انطـــوت على دلالات كبيرة، حيث عمَّقت البنيـــة الدرامية للسرد الحكائي. وهو مكان عند سعيد حورانيـــة يتميَّز بطابعه المجازي التخييلي والتجريدي. على إنَّ قوَّة قدرية تحكـــم علاقــــة الشخصيـــات الحكائية مع المكان، وتحدد بالتالي مضمون تجربتها.