Alef Logo
المرصد الصحفي
              

خدعونا أم خدعنا أنفسنا؟

محمد ديبو

2018-07-21

أمام المآل الأسود والحزين الذي تقف في مواجهته مدينة درعا وأهلها الطيبون اليوم؛ خرج سيلٌ من ردات الفعل الغاضبة، عبّرت عن نفسها بعبارات من نوع: “باعونا.. خدعونا.. يريدون تصفية الثورة.. أمن إسرائيل أهمّ منا.. الأميركان خونة.. من يعتمد على أميركا هذه نهايته…”، وغيرها من العبارات التي تُعبّر عن الخذلان واليأس في مستوى أول، وعن الشعور المرير بالهزيمة في مستوى ثان. والحال أن كلامًا كهذا قيل كثيرًا في مرات سابقة عند سقوط كل مدينة، على الرغم من أن قوله اليوم يتخذ زخمًا أكثر جرحًا للذات، وأكثر إيلامًا للروح، نظرًا إلى ما تمثله محافظة درعا في ذاكرة السوريين أجمع، باعتبارها شهدت انطلاقة الثورة السورية، وكانت فاتحة السوريين نحو سعيهم في درب الحرية الطويل والصعب.

هذه المرارة المتبدية في تعبيرات السوريين، وردة فعلهم على ما جرى، تدفعنا إلى تمحصها معرفيًا، والتفكير فيها عبر أسئلة عديدة: هل حقًا خُدِعنا؟ ومن الذي خدَعنا؟ وكيف تمكّن من خداعنا أصلًا؟

إن التأمل في مآلات الثورة وسقوط المدن، واحدة تلو الأخرى، يبيّن لنا عددًا من الأمور التي كانت واضحة بحيث لا تحتاج إلى باحثين أو محللين ليروها، ومنها:

1 – حين كانت تحاصَر كل مدينة من المدن وتقصف، كان ثمّة صمت عسكري في المناطق الأخرى، إذ سقطت حمص عسكريًا دون أن تساندها المناطق الأخرى، وسقطت داريّا ومناطق عديدة من ريف دمشق بالطريقة نفسها، ثم تبعها ريف حلب فالغوطة الشرقية وأخيرًا درعا، لنكون أمام أسئلة جديدة: لماذا لَم تساند تلك المدن والمناطق بعضها البعض؟ لماذا انتظرت حتى تُؤكل كما أكل الثور الأبيض؟ وإذا كانت خدعت في المرة الأولى فلِمَ خدعت في المرة الثانية؟ ولِمَ لم تبادر إلى نجدة المدن الأخرى كي لا تلقى ذات المصير؟ هذه الأسئلة، توجه إلى جبهة درعا وقياداتها العسكرية أكثر من غيرها، إذ لماذا لم تتحرك تلك القيادات وتفتح الجبهات ضد النظام وأعوانه، حين كان ذلك متاحًا لها، وحين كان النظام مشغولًا بجبهات أخرى؟ ولمَ كان الصمت العسكري يخيّم على جبهات درعا منذ زمن طويل؟

2 – قد يكون جزء من الإجابة، عمّا سبق، يكمن في الأمر الثاني الذي كشفته الملاحظة الدقيقة لأحوال المناطق الثورية بعد هيمنة العسكرة عليها، ألا وهي أنه مع تقدم العسكرة؛ زاد الارتهان للخارج بعيدًا من أي مرجعية سياسية أو عسكرية جامعة، حيث باتت العلاقة بين المسلحين والداعم مباشرة، فخضعت هذه الفصائل لأجندة الداعم. ومع تعدد الداعمين وتعدد أجندتهم، بتنا أمام أجندة مختلفة لكل منطقة عن الأخرى، ناهيك عن تحول المقاتلين في تلك المناطق، من أصحاب قضية إلى مجرد “موظفين ومرتزقة”، لارتباط قرارهم بقرار الداعم دون قدرتهم على تجاوزه، وهذا ما جعل تلك الفصائل تتفرج على سقوط المناطق الأخرى، واحدة تلو الأخرى، بانتظار وضع السكين على عنقها، وهذا ما يضعنا أمام سؤال آخر: لِمَ لم تتمكن الفصائل من تجاوز قرار الداعم، حين يتعارض مع مصلحتها؟!

3 – بعد انتهاء المرحلة السلمية وهزيمة “الجيش الحر” لصالح الفصائل الجهادية والإسلامية، سيزيد التبعثر السوري حتى داخل هذه الفصائل، إذ على الرغم من انتمائها إلى تيار الإسلام السياسي أو الجهادي، فإنها تختلف فيما بينها فقهيًا وعقائديًا من جهة، وهي مخترقة أمنيًا بشكل كبير من جهة أخرى، وهي ذات بنًى أحادية يغيب عنها النقد والتفكير الحر، ويؤمن أتباعها بالطاعة والارتهان للقائد؛ ما جعل منها مشاريع دكتاتوريات صغيرة، تفكر في مصالحها ومصالح زعمائها أكثر مما تفكر في الصالح العام؛ الأمر الذي سمح للنظام والخارج بالتلاعب بها، ناهيك عن دخول هذه الفصائل في مواجهة (أحيانًا كانت علنية وأحيانًا صامتة) مع الحاضن الشعبي للثورة، الأمر الذي زاد من نفور الأخير منها، بالترافق مع رؤية تحقيرية للعمل المدني والسلمي، وخاصة لعمل النساء من جهة، ومع رؤية إقليمية دولية باتت تتجه نحو وأد الإسلام السياسي من جهة أخرى؛ الأمر الذي وضعنا في نهاية المطاف أمام انحراف كبير عن درب الثورة، إذ لا شعارَ جامعًا موحدًا، ولا قيادة عسكرية أو سياسية ولا أيديولوجية موحدة، بعد أن أعلن قسم كبير من هذه الفصائل علنًا، عدم إيمانه بالديمقراطية والانتخابات وحقوق الإنسان والعلمانية، فبتنا أمام فصائل مفرغة من كل بعد ثوري، ولم يعد أحد يدعمها إلا لسبب وحيد، وهو الرغبة اليائسة للسوريين في التخلص من نظام الاستبداد. ولكن هذا وحده لا يكفي، كما بينت التجربة الحية التي دفع السوريون ثمنها من دمائهم وحيواتهم.

في حقيقة الأمر، لم يخدعنا أحد، على الأقل منذ سقوط مدينة داريّا؛ وقد بات واضحًا -منذ سنتين على الأقل- أن الدرس نفسه يتكرر أمام أعيينا، لنكرر الكلام نفسه؛ ما يعني أننا خدَعنا أنفسنا، ولم نتعلم من التجارب السابقة، إذ مع كل سقوط نكبو من جديد نحو سقوط آخر.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

في الحديث عن "هزيمة" الثورة السورية

27-آذار-2021

عن اليأس والأعشاب

13-شباط-2021

قبر هو الكون والأرض مجرّد تابوت

17-تشرين الأول-2020

صانع الحرية: باولو السوري

23-تشرين الثاني-2019

ضحكتها

14-أيلول-2019

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow