Alef Logo
كشاف الوراقين
              

أحمد الجلبي الرحلة الطويلة من المنفى إلى السلطة ( 2 ) / ريشارد بونين

ألف

2018-08-18


التخطيط للانقلاب

استقر أحمد الجلبي في لندن في منطقة ماي فير، وكانت نوافذ شقته تشرف على غرين بارك المعروفة والقريبة من هايد بارك، وتبعد مسافة خمسة دقائق عن السفارة الأمريكية. وفي عام 1991 اتصل ويتلي برونير بالجلبي وزاره في بيته، وحينها كانت السي آي إي تتخبط بالظلام فيما يتعلق بالمعارضة العراقية. وكانوا بحاجة لعنصر اتصال ينير لهم الطريق. وقد شكلت المخابرات الأمريكية ما يسمى قوة التدخل في العراق وأناطوا المهمة ببرونير. وقد سافر إلى عمان والقاهرة والرياض ولندن وكل مكان يخطر بالذهن للتواصل مع المعارضة العراقية في المنفى. وقاده بحثه إلى أحمد الجلبي. واكتشف برونير أن لدى الجلبي ذاكرة فوتوغرافية وهوناجح اجتماعيا، ويمكن أن يقود من خلف الستار فريق عمل. فهو بالإضافة لمعرفته الواسعة بالغرب لديه حساسية العرب. كما أنه يتحمل أخطاء تزوير مصرفي خطير. وهذه نقطة للضغط عليه برأي نائبة مدير العمليات الأمريكية ليندا فلوهير. فهو غطاء ممتاز رغم سمعته الفاسدة. وكان برونير واضحا معه، وأخبره أنه يريد تنظيم معارضة للإطاحة بالنظام في العراق. ونتيجة هذه المساعي أجاز بوش صرف مبلغ 100 مليون دولار في 5 أيار 1991 لهذه الغاية. وأصبح المبلغ تحت تصرف الجلبي. وكانت الخطة تقتضي بدفع صدام لارتكاب تصرف أحمق يثير حفيظة العالم ضده، مع الاستفادة من حقيقة أن 20 % من السنة يحكمون 80% من الكرد والشيعة.

بعد انقلاب موسكو عام 1991 بشهرين دعا السيناتور ستيفن سولاريز، وهو عن نيويورك، الجلبي إلى كابتول هيل ليقدم رأيه بالمستجدات أمام لجنة استخبارات. وعقد الاجتماع في غرفة يحرسها عسكري ولها باب مغلق من الفولاذ. وكانت الجدران من الحديد الصلب. وهناك وضع خطة لتحرير العراق كما يلي: تشكيل حكومة في المنفى، وتأمين إقامة لها في كردستان. وإنشاء منطقة حظر جوي في الشمال. وتأثر بالخطة أحد صقور الديمقراطيين وهو دايف مكوردي. ورافق الجلبي بقطار الأنفاق إلى رايبورن هاوس لمقابلة ممثل الديمقراطيين القوي جاك مورثا. وبعد اجتماع ضاحك وودي حصل منه على 700 مليون دولار للتخلص من صدام. وأخبره أن تأسيس معارضة أفغانية لطرد السوفييت من أفغانستان انطلقت أيضا من هذا المكان. وبدوره فتح مورثا له أبواب ريشارد هاس، وهو مساعد خاص لبوش، ومدير الدائرة الوطنية للأمن الخاصة بالشرق الأدنى وجنوب آسيا. ولكن هاس لم يرحب به وأكد له أنه وافق على مقابلته بسبب ضغوط من بعض أعضاء الكونغرس. ولكن بعد ساعة ونصف من النقاش اقتنع هاس بكفاءته وذكائه.

الجلبي في كردستان

في نهاية عام 1992 انتقل الجلبي من لندن إلى بيت حجري في صلاح الدين في كردستان. وانفصل فيزيائيا عن زوجته وأولاده الأربع. وقد جهز أثاثه نجار محلي مستلهما تصماميم فرانك لويد رايت. وألحق بالبيت مولدة كهرباء بينما كل ما حوله محروم من الخدمات. وحاول الجلبي أن يستفيد من سيرة ديغول، وحاكاه في مسألتين:

- الاستعانة بالأمريكيين والبريطانيين للتخلص من الحكومة الفرنسية العميلة.

- وتوحيد فصائل المقاومة في جبهة موحدة يقودها.

وكان أول اتصال له مع الإيراني آغا محمدي الذي كلفته الحكومة الإيرانية بمساعدة المعارضة في العراق.

في عام 1995 بدأ البيت الأبيض يلعب لعبته لإضرام ثورة في العراق. وقابل الجلبي في هذه الفترة الشخصية الإيرانية التي تعادل ريشارد بيرل، وهو محمد جعفري، والذي سيصبح نائب رئيس المجلس القومي في إيران، وزعيم لواء القدس. وهكذا ضمن الجلبي كتائب بدر لتكون ذراعه في الجنوب الشيعي. لكن تبذير الجلبي للميزانية والإنفاق على نشاطات وهمية، مثل اختلاق محطة إذاعة للمعارضة وصحيفة معارضة وليس لهما وجود، أثارت الأمريكيين ضده وأعادت للذهن سمعته غير النظيفة منذ أيام بنك البتراء في عمان. ومع ذلك وقف أعضاء كابيتول هيل بصفه ورفضوا تخفيض الميزانية.

وعندما انفجر النزاع المسلح في آب 1996 بين الوطني والديمقراطي في كردستان، وجد صدام الفرصة مناسبة ليدخل من هذا الفراغ ويهاجم أربيل، مقر حزب الجلبي. وقد كان هو شخصيا في تلك الأثناء في قبو السفارة الأمريكية في لندن يجتمع مع ممثلي السي آي إي. ووصلت له الأنباء باقتحام العراقيين لموقعه وقتل 200 عسكريا من الميليشيا الموالية له.

ولكن المأساة كانت تتلخص في مصادرة صدام لكومبيوتر الجلبي والتعرف على المعلومات المدونة فيه. ومنها أسماء العملاء في المخابرات والجيش وخطة الانقلاب الذي أنفقت المخابرات الأمريكية سنوات في سبيله ناهيك عن هدر الملايين.

العودة إلى إنكلترا

وجد الجلبي نفسه مجددا في لندن بعد أن طرده صدام من شمال العراق، وقاطعته السي آي إي في أمريكا. وخلال 1996-1997 بدأ في شقته في ماي فير بوضع خطة للانتقام من المخابرات الأمريكية. وكان رأيه أن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم. وذلك لا ينجح إلا بعد تحديد نقاط الضعف في الخصوم. ورأى أن المخابرات الأمريكية تعاني من الكونغرس والإعلام. وإذا كانت قوتهم غير متناهية خارج الولايات المتحدة فهم أضعف البشر داخلها. ولذلك يجب أن تكون أرض المعركة على أراضي أمريكا نفسها.

في عام 1997 عقد وليام كلارك غداء عمل في مكتب ابنه، وحضره كلاريدج والجلبي وفلوهر وممثل شركة نفطية من تكساس. وكان لديه هدفان:

- توفير مبلغ لاعادة حزب الجلبي للنشاط في شمال العراق.

- والضغط على إدارة كلينتون لدعم ثورة الجلبي ضد صدام.

وأقنع الجلبي الحاضرين بانخفاض الروح المعنوية في الجيش العراقي وإمكانية اجتياز ميليشيا حزبه لحدود كردستان وإسقاط نظام صدام قرية بعد قرية وبلدة بعد بلدة. وكل ما يحتاج له ضمان منطقة حظر جوي وحظر مركبات في الشمال والجنوب لإبعاد الهيلوكوبتر من الأجواء والدبابات من الأرض. ولم يكن عند الحاضرين سوى تحفظ واحد: أنه بلا ارتباط ملموس مع الجيش العراقي. إضافة لمشكلته مع السي آي إي وتهمة التزوير أيام مصرف البتراء.

وأصبح أمام الجلبي الآن مهمتان.

- في العراق شراء ولاء بعض ضباط الجيش وإقناعهم أن التعامل معه لا يعني الإعدام.

- وفي أمريكا الترويج لفكرة أن خبير الرياضيات الماهر لديه خطة ذكية لتدبير انقلاب. وهذا يعني أن يقنع البيت الأبيض والكونغرس ووزارة الدفاع. وأتوماتيكيا الحكومة الأمريكية. وبدأ ينفخ أفكاره في رؤوس مؤيديه المعروفين والذين يسميهم "الشباب" وهم: ريشارد بيرل، وبول ولفوفيتز، وستيفن سولارز.

وكان لكلارك دور مالي مؤثر واقترح الاستعانة بتايوان، فقد كان مدير مجلس التعاون الأمريكي التايواني في تايبي. وأعلن أنه بمقدوره تدبر 150 ألف دولار شهريا للخطة. وجهز كلارك اجتماعا مع سفير تايوان في واشنطن، وهو ستيفن س ف جين، ولكن لم يحضر شخصيا وأناب عنه ممثله دافيد لوكس، وهو محلل سابق في السي آي إي. ونجحت الجهود المبذولة في غضون يومين. وبقيت أمامهم خطوة أخيرة، وهي حشد الجمهوريين وراءهم ليبلع كلينتون والديمقراطيون من ورائه الطعم. وتأكد لهم أن هذا أسهل مما يتصورون. لكن الصعوبات التي اعترضت طريق الجلبي في واشنطن لم تكن قليلة.

أولا كان يشكل عبءا ماليا. ومحاولة ديوي كلاريدج، العميل السابق في السي آي إي لتوفير النقود من إسرائيل، كانت قد تعرضت للفشل. وكان رهان إدارة كلينتون على بيل كلارك وتايوان. غير أن توماس بيكرنغ ثالث شخصية في الحكومة نصح تايوان أن تبتعد عن صبيانيات ومشاغبات الجلبي وفريقه. ولم يجد الجلبي أمامه في النهاية غير حل واحد وهو التخطيط لاغتيال صدام بطريقة فالكيري التي استهدفت هتلر. وشاركه في التخطيط الكردي آراز حبيب كريم. وكشف هذه الخطة لكلاريدج فقط. وقد اسشترى الجلبي وكريم رئيس الأمن المكلف بحراسة بناية في بغداد يعقد صدام أحيانا فيها اجتماعاته. وقد قدم لهم الرجل صورة تخطيطية لمكان الاجتماع. وكان في غرفة فيها طاولة قرب مكيف وسلسلة من النوافذ. واقترح الجلبي تهريب قنبلة إلى الغرفة وإخفائها في المكيف. وطالب بمبلغ قدره 250 ألف دولار لشراء المتفجرات واستئجار بيت قريب ومأمون وتأمين هروب عائلة المتآمر معهم. غير أن كلاريدج تشاءم من النوافذ. فإذا كان وضع القنبلة غير دقيق قد تمتص النوافذ تأثير الانفجار وتقلل من تأثيره. واستشار كلاريدج خبيرا فحدد له أفضل مكان لزراعة القنبلة ليكون تأثيرها أعتى ما يمكن. وسافر كلاريدج إلى جنيف لاقتراض المال، لكن لم يتمكن إلا من توفير 50 ألف دولار. وهكذا سقط هذا الحلم وانتهت الخطة.

وكان للسي آي إي دائما وجهة نظر تتلخص في تدبير انقلاب قصر. وهو ما لم يكن الجلبي يقبل به. وكان يعتقد أنه لا بديل عن معركة تحرير. وتابع جهوده بهذا الاتجاه مع المحافظين الجدد. وكان موقفه ضد المخابرات مبنيا على عدة أسباب.

- أن اختيار قيادة عراقية ليس شأنا أمريكيا.

- وعلى الشعب العراقي أن يبحث عن قياداته بنفسه.

- والعمل السياسي لا ينجح إلا بعد خبرة نضالية من الداخل. وكان يعتقد أن حزبه المؤتمر الوطني العراقي هو المرشح لهذه الغاية النبيلة.

- ولم يتخل عن فكرة أن جيش احتلال أمريكي لا يفيد العراقيين. وهم بحاجة لجيش تحرير وطني.

وكل ما كان يطلبه هو غطاء جوي أمريكي خلال الأعمال القتالية. وبعد بداية العمليات سيهجر الشعب السياسيين وسينضم إليهم ضباط الجيش، وضمنا الحرس الجمهوري. ووافق على هذه الفكرة السيناتور سام برتاونباك وهو جمهوري من تكساس. وفي عام 1998 نما لعلم الجلبي عن طريق سكوت ريتر رئيس فريق التفتيش الأممي في بغداد أن إدارة كلينتون غير متحمسة للتفتيش. مع أنه لديه وثيقة تثبت أن صدام يستعمل غاز الأعصاب VX ويضعه في رأس صواريخ سكود المسماة الحسين. وقد فعل ذلك قبيل حرب الخليج. وهذا يخالف الشائع أن العراقيين لا يمكنهم صناعة صواريخ بالستية تستعمل مادة الأعصاب. وفورا حمل الجلبي ريتر إلى واشنطن وقاده إلى جورج تاون، وأخبر قائد الجمهوريين بالنبأ. وبالنتيجة اقترح مبلغ 97 مليون دولار لتمويل عمل يهدف لتغيير النظام بالقوة. لكن إدارة كلينتون لم توافق. ومع ذلك صوّت مجلس الشيوخ على دعم الفكرة، وذلك في 7 تشرين الأول 1998. وكان الاقتراع بواقع: 360 صوتا نعم ضد 38 لا. ووقع كلينتون على الاقتراح التشريعي وهكذا تحول إلى قانون. وتبنت الإدارة الأمريكية فكرة الإطاحة بنظام صدام بأدوات أمريكية مباشرة. وهكذا عاد الجلبي من حالة الموت السريري لمسرح النشاط والعمل. ولم يفت من عضده أن قرار المفتشين الدوليين كان متسرعا ومخطئا. وقد اعترف بذلك بعد عام 2003 شارلز أ دولفير وهو الشخص الثاني في لجنة التفتيش.

يتبع......

ترجمة وإعداد صالح الرزوق






























تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow