Alef Logo
كشاف الوراقين
              

أحمد الجلبي الرحلة الطويلة من المنفى إلى السلطة - الأخيرة / ريشارد بونين

ألف

خاص ألف

2018-08-25

الحرب على العراق


لم يكن بمقدور الكونغرس تسمية جنرال ميداني لإدارة حرب ضد العراق. وتحويل قرار تحرير العراق إلى قانون لم يكن يهيب بكلينتون لتنظيم جيش عراقي يغير النظام بالقوة. وهذا كان أدنى ما يتوقعه الجلبي وجماعته. وقد نظر الجلبي إلى إرادة الكونغرس على أنها أمر إلهي سيرغم كلينتون على تنفيذه. فقد أعلن زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، وهو ترينت لوت، أن هذا القرار هو نهاية منطقية لحرب الخليج. وفي نفس الوقت أكد ريشارد بيرل وبول ولفيتز، وكان عميدا لكلية الدراسات الدولية في جون هوبكنز، أن المعارضة العراقية جاهزة لشن حربها ضد صدام.

ورأى الجلبي أن قانون تحرير العراق هو معادل حديث وموضوعي لـ ما يسمى "اقرض- وأجر"، وهو برنامج يعود للحرب العالمية الثانية، وبمقتضاه قدمت الولايات المتحدة والحلفاء المواد اللازمة للحرب قبيل المشاركة فيها. وبلغت المساعدات يومذاك 50 مليار دولار. وتعادل بالقوة الشرائية لعام 1998 ما يساوي 700 مليار.

لكن الجنرال أنتوني زيني وجد أن تبعية جنود وضباط أمريكيين لأوامر الجلبي وتوجيهاته مسألة عبثية وخارج النقاش. وكان وجه الاعتراض عنده مبني على أساس (1) ضعف الجيش العراقي، و(2) على انطلاق قوى الشر والظلام إذا تمت تصفية النظام. فلكل شيء وجه سلبي وووجه إيجابي. والتضحية بالنظام يعني التعامل مع المجهول. وأيده مستشار كلينتون حول السياسة العراقية، وهو فرانك ريكرياردون، بقوله: اللسان المعسول لسياسيي الشرق الأوسط يخدعنا غالبا ويخبرنا ما نريد أن نسمعه ويتجنب الحقائق المستورة.

وكان لسان ريكرياردون فصيحا باللغة العربية لأنه أمضى وقتا في بغداد. وقد قال عن الجلبي: إذا وقفت معه دقيقة يجب أن تفحص جيبك لتتأكد أنه لم يسرق محفظة نقودك.

وعلى هذا الأساس تبنى كلينتون سياسة احتواء صدام وعدم التورط بحرب مباشرة معه. لكن في عام 1998 تبدل اتجاه الرياح، وقابل الجلبي ديك تشيني ورامسفيلد ونيويت غينغريش، وأقنعهم أن الحرب وتبديل النظام يضمن للولايات المتحدة سوقا نفطية رابحة. وكان شيني آنذاك رئيس شركة نفطية هي CEU. وبعد دخول بوش الابن إلى البيت الأبيض، وفي ثاني يوم لمباشرة مهامه، وكان ذلك في 2 كانون الثاني 2001، قام ريشارد بيرل بدعوة الجلبي لاجتماع في بيته في ماري لاند، وحضره بمعطف رياضي رمادي اللون مع خطوط زرق. وكان محور الاجتماع: تبديل النظام في العراق. وحضر الاجتماع أيضا: بول ولفيتز، ودوغلاس فيث، وزالماي خليل زادة، وجون هاناه، ولكن كانوا بلا صفة في الإدارة الجديدة. غير أنه من الواضح أنه ستسند لهم مهام جسيمة. وركز بيرل في كلامه على مهاجمة سياسة احتواء صدام وتبيان هشاشتها.

وجاءت أحداث 9-11 لتحول اتجاه البوصلة. فبعد 24 ساعة من الهجوم شرع البنتاغون يهتم بالعراق بالرغم من تقارير السي آي إي التي تؤكد أن المسؤولية تتحملها القاعدة فقط. واقترح رامسفيلد وولفيتس ضرورة أن يشمل الرد على قصف العراق. ففي أفغانستان لا توجد أهداف دسمة، لكن في العراق هناك الكثير منها، كما قال رامسفيلد.


لورنس العرب العراقي


اقتنع الجلبي دائما أنه للدخول إلى العراق لا بد من كسب ميل إيران ورضا أمريكا. ولذلك حاول أن يثبت ولاءه وضرورته للطرفين. وسار على خطوات تي إي لورنس (لورنس العرب) في أن يكون مقبولا من جهتين متحارتين. وكانت استراتيجيته تنظر لما هو أبعد من الحرب المؤكدة القادمة. فالتخلص من صدام ونظامه نصف المعادلة. وكان هدفه النهائي قيادة عراق ما بعد صدام. لكنه لم يعترف بهذا الهدف على الإطلاق. وكانت مشكلته أنه يعلم الحاجز العاطفي بينه وبين الشعب، ولذلك لا بد من اللجوء للقوة.

و أول خطوة عمليه اتخذها هي حكومة في المنفى. ومن خلالها يمكن أن يضمن دور القيادة، ليس بركوب الموجة الشعبية وإرادة الجماهير الثائرة، ولكن بواسطة قرار. ومن دواعي السخرية أن صعود نجمه في طهران قابله أفول بين أروقة وصالونات المخابرات الأمريكية. فطهران كانت ترى فيه العدو اللدود للسي آي إي. و استطاع الجلبي أن يقنع ملالي إيران أن أمريكا مهتمة بطرد صدام أكثر من اهتمامها بمعاداتهم. وبالمقابل أقنع الإدارة الأمريكية بتخفيف العقوبات على إيران ليتمكن من تمويل حزبه على أراضيها، ثم اختراق حدود العراق انطلاقا من إيران. وقد لعب هذا دورا إيجابيا عند الإيرانيين.

الجلبي في العراق

بعد انهيار نظام صدام كان الجلبي أول سياسي يعود من المنفى إلى بغداد. وكان أول عمل يقوم به في عصر ذلك اليوم الأول من عودته، نشر عدد من العملاء في أرجاء بغداد للبحث عن ملفات المخابرات العراقية، كي يستفيد منها في تفكيك جبهة النظام من الداخل، أو الانتهاء من بقاياه.

و هاجم رجاله إدارة المخابرات أولا. ثم مكتب نائب رئيس المخابرات. ثم من هناك انطلقوا باتجاه إدارة المخابرات الخاصة التي كانت مسؤولة عن سلامة شخص صدام. واقتحموا مكاتب حزب البعث، ومراكز الشرطة السرية، و مباني الجيش العراقي. وبالنتيجة جمعوا 25 طنا من الوثائق. ثم شكل الجلبي مركزا لتحليل المعلومات، وكان يهتم بشكل أساسي بالمعلومات عن الأحزاب المنافسة له، و التي راقبها صدام بلا هوادة. إنما كانت المأساة هي في وقوف الأكراد ضده. فقد نقلوا للإدارة الأمريكية مشكلتين عنه:

1- تعاونه مع الإيرانيين في تهريب النفط والغاز والسجائر والسجاد والفستق. وقد استورد من إيران عام 2004 ما يساوي 800 مليون دولار.

2- تمكين إيران من وثائق مخابرات صدام السرية. وبالأخص الوثائق الخاصة بمحاولة صدام لشراء أدوات حساسة تخدم بناء سلاح دمار شامل. ووثائق تتضمن أسماء العملاء الناشطين بين أبناء الطائفة الشيعية.

و ختمت السي آي إي تقريرها للإدارة الأمريكية أن الجلبي أفشى أسرار النظام العراقي لإيران إنما لا يوجد دليل مادي يدينه. وكان هذا كافيا بالنسبة للجلبي ليستكمل دوره في اللعبة. و مع مرور الوقت لم يعد لدى الجلبي ما يقدمه لأمريكا. و بدأت معلوماته تبدو باهتة وكثيرة الأخطاء والمطبات. و في 19 أيار 2004 قرر وولفيتز أن معلومات الجلبي تكتيكية ومصنوعة ولا تحافظ على سلامة الجنود الأمريكيين في الميدان. وهي في الواقع مناورة للتستر على الحقائق.

و في اليوم التالي الموافق لـ 20 أيار أجاز الرئيس الأمريكي والبنتاغون عملية مداهمة بيت الجلبي ومكتبه في غرب بغداد. وتمت مصادرة حواسيبه وما توفر من وثائق وملفات. وبالنتيجة تمت إدانته بالتخابر مع إيران واتهام سبعة من ضباطه بسرقة السيارات. وتم تخفيض مشاركة الجلبي في أول انتخابات ديمقراطية إلى رتبة نائب رئيس ورزاء، و لم يسند له كرسي الرئاسة. و هكذا خاب أمله، و شعر بالإحباط، و غزا المشيب رأسه، و ضعفت بنيته. ومع بابتسامة ساخرة كان يغطي هذه النتيجة بقوله: إنه استكمل رسالته في الإطاحة بصدام، وآن الأوان ليعود إلى الظل الذي نشأ فيه.


ريشارد بونين Richard Bonin : صحافي أمريكي يعمل في أخبار 60 دقيقة، ويعيش في مدينة واشنطن العاصمة. وهذه ترجمة وإعداد لكتابه Arrows of the night الصادر عن دار دابل داي عام 2011.

ترجمة وإعداد: صالح الرزوق

























تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow