Alef Logo
ابداعات
              

في الحرب التي لا تنتهي

ناصر رباح

خاص ألف

2018-09-01

*في الحَربِ التي لا تنتهي

ضَعُوا قلوبَكم تَحتَ الأَسرَّةِ أحذيةً مرهقةً مُهملةً، فلا يَمُرَّ غبارُ الحروبِ عليها، ولا تعرفون. ضَعُوا قلوبَكم على الرفِّ ساعةً قديمةً معطلةً، فلا رعشةُ القصف تعبرُكم، ولا تحزنون. في الحربِ يتّسعُ القلبُ، يصيرُ قارباً للصغارِ، ساعةً للصفاءِ، سماءً للكتابةِ. في الحربِ يختنقُ القلبُ، تَهُجُّ الكلماتُ، تذوبُ على حافتِه العصافيرُ ندىً أحمرَ، يرفرفُ على ساريةٍ شاهقةٍ شاهقةٍ، يسمُّونَها الوطنَ.

في الحربِ تتركُ قلبكَ جانباً وتنقذُ صُرَّةَ الأوراقِ: صورتكَ القديمةَ عند بابِ المدرسةِ، مِلكيّةَ بيتكَ المهدومِ، شهادةَ ميلادٍ لابنكَ، قلبُكَ لا يهمُّ الآن، ستنتظرُ الحبيبةُ انتهاءَ الحربِ كي تسألَ: هل كنتَ تذكرُني؟

في الحربِ لا أحدَ يصدّقُ قلبكَ المحزونَ. يصعدُ المسعفون على ساعديكَ ليُسندوا سقفَ البكاءِ، الطائراتُ تحُطُ حولَكَ ظِلَّها، وتطيرُ روحُكَ مثلَ سربٍ من زجاجٍ. الوقتُ أنتَ ولا يدلُّ شظيةً على الروحِ غيرُكَ، ربّما تشتاقُ أنْ ترمي على الأولادِ قلبكَ طابةً، ربّما تشتاقُ أن تفتحَ الشباكَ دونَ رصاصةِ امرأةٍ طائشةٍ، لا بأسَ هي حربٌ واحدةٌ أخرى وتمضي.

في الحربِ ينتحرُ الوقتُ، يمرُّ اليومُ حينَ تُتاحُ دورةُ المياهِ لكَ، والساعةُ فسحةٌ ما بينَ بنايةٍ عانقَتْها القذيفةُ، وأخرى تفتحُ صدرَها للشهيقِ الأخيرِ في شارعٍ سيغادرُ التاريخَ حالاً، والدقيقةُ؟! لا دقائقَ في الحرب، حيث يقاسُ الوقتُ بالشهداءِ: مئةً، وألفاً. في الحربِ نجلسُ، حيثُ لا سيقانَ تحملُنا لنركضَ.

في الحربِ تتبعُكَ القذيفةُ مثلَ كلبٍ وفيٍّ، وجارٍ مملٍّ يبادلُكَ التحيّةَ والنكتةَ السيئةَ، تحفرُ في الذكرياتِ وشماً على شكلِ بيتٍ، كانَ بيتاً جميلاً قبلَ وصولِ القذيفةِ.

في الحربِ يخجلُ الأبناءُ من نزوَاتِهم، يكبرونَ أمامَنا كأنّا نلتقي بجيرانٍ قُدامى. كيف حالُك يا بنيَّ؟ ما زلتُ أركضُ يا أبي، ما زلتُ أركضُ، واحداً وحيداً في سباقِ الجنونِ.

في الحربِ أنتَ أدخلْتَني التجربةَ، أنتَ من جرَّ غِيلانَ الخرافةِ نحو بابي، أنتَ من نسيَ الشواءَ على الجمرِ عمداً، وأصرخُ: إنّه قلبي، ولمْ تسمعْ، ولمْ تغفرْ، ولم تتركْ من الحبِّ شيئاً فيه، من الكرهِ شيئاً كي أتمَّ القصيدةَ.

في الحربِ أنتَ خدعتَني بالنجاةِ شاحباً كسحابةٍ من دخانٍ.

في الحربِ تغبطُكَ الحياةُ على الحياةِ، بيوتُ الغرغرينا، نوافذُ الهستيريا، وإكزيما الشوارع، كلُّ ما في المشهدِ المذعورِ يغبِطُ أنّكَ تُبصرُ كلَّ هذا، وليس يمكنُكَ البكاءُ. في الحربِ لستَ من لحمٍ ودمٍ، أنتَ آخَرُ في نفْسِ الثيابِ، مُدمّاةً ومتسخاتٍ وكاذبةً، وتشهدُ أنّكَ لمْ تمتْ بعدُ.

*عين الوقت

كان الوقت فيما مضى طويلاً يكاد يلامس رأسه الغيم، يصعد الحفاة إلى ركبتيه فلا يجدون غير غبار الحصاد في الذكريات. وأما الذين يلبسون أحذية فيواصلون التسلق بطموح زائد حتى ساعديه فلا يجدون ما يثير الشغف غير فراشات يحومن على نرجس الماء. الحزانى ومن يحادثون المرايا فقط من وصلوا إلى عين الوقت، حيث وجدوه وكأنه يبكي. كان الوقت فيما مضى واسعاً يكاد يلامس خطى الشمس، يمشي الغزاة إلى مشرق الحكايات فيه فلا يجدون سوى رماح متكسرة وجماجم لجنود تفيض بأناشيد مالحة، وبلاد من زجاج تلهو بشق الأنفس، وإلى مغيب الذكريات يسافر بحارة نزقون في مراكب من ورق إلى بلاد الريح، وأما العشاق فيتركون خلفهم وسائد شاسعة عليها يزهر الملح، يسافرون، يسافرون، والوقت يمد ذراعيه بعيداً كلما ابتعدوا. الشعراء وكاتبوا الحكايات الذين لامسوا أنامله النائية دون أن يخرجوا حتى من ثيابهم أغمضوا عيونهم وشرعوا لقلوبهم النوافذ، أطلقوا عليه من قوس أحلامهم نحل أسئلة وقنافذ شك. فيما مضى كان الوقت وقتاً قبل أن يصيبه ما يصيب الأشياء، فها هو يذبل كالعشب، يتجعد مثل قلب أبي، ومثله يصاب بالسرطان، ويعود مثلما بدأ طفلاً يبول على جدار القصيدة.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow