Alef Logo
دراسات
              

أبه لينده شاعر الغزل العذري السويدي صوت إدانة للفاشية يتدفق بالنقاء

عبد الستار نورعلي

خاص ألف

2018-09-22

أبه لينده Ebbe Linde (1991-1897) ــ أحد أبرز رواد التجديد في الشعر السويدي أوائل القرن العشرين ، فهو من جيل شعراء الشباب ما بين الحربين العالميتين الحامل لواء التجديد والعصرنة . كانت ريادته مع مجموعته (فجوة) الصادرة عام 1924 ، مع أنها ليست الأولى فقد سبقتها مجموعة (جوفنيليا) في صدر شبابه ، لكنه لم يطبعها في حينها إذ يقول عنها بأن أصالتها وقيمتها الفنية الخاصة لم تكن بالكبيرة والملفتة للنظر لكنها تلقي ضوءاً على مجموعته اللاحقة (فجوة) من حيث العنوان والمضمون و هي المجموعة التي أسست لشاعريته ، لذا أضافها إلى مجموعته الشعرية الكاملة التي صدرت عام 1967 تحت عنوان (قصائد lll - 0 ) فرمز إلى المجموعة بالرقم صفر والمجاميع الثلاثة اللاحقة بالأرقام واحد إلى ثلاثة .


يعتبر الشاعر لينده مجموعته (فجوة) بدايته الشعرية الحقيقية . أولى لينده في تجديده أهمية خاصة لعناصر : الشعرية والتاريخية والذاتية والعصرنة، في مزيج من البساطة في الأسلوب باستخدام اللغة اليومية المعبرة والإيقاع المقفى ليحدث الأثر في المتلقي . همه الأول هو التوجه بشعره الى التأثير في مجموع المتلقين عامة لا تأطيره وحصره في النخبة الخاصة والمحدودة من المثقفين دون ايصاله الى عموم القراء. لقد وظف الشعرية والبساطة والمضمون في توليفة تترسم المشاعر والأحاسيس والاقتراب من التقاليد الاجتماعية السامية الجميلة لترسيخ قدسيتها في النفوس. فمثلاً في قصائده الغزلية التي امتاز بها وخاصة في مجموعة (قصائد 0 lll -) التي تحوي قصائده بين عامي 1936 - 1932 نلمس هذه الجمالية والرقة في عاطفة الحب التي تنتهي عادة بالزواج ، ليقربها مما نطلق عليه في أدبياتنا العربية (الحب العذري) . ولا غرابة إذا عرفنا تاريخ صدور القصائد وهو أواسط ثلاثينات القرن العشرين ، وهي فترة كانت فيها لاتزال آثار التقاليد الاجتماعية المنبثقة عن الدين تخط حياة الناس حتى في أوروبا . لنقرأ قصيدته الموسومة (رقصة الحب) :


أحبك و تحبينني

إن أردت معرفة المزيد عن الحب ، فقولي .

هل تريدين أن تعرفي لماذا ، سأخبرك

الحقيقة وكل شيء :

أنا أحبك لأنك مغرمة بي

أنت تحبينني لأني مغرم بك ......

أشعلي فتحة صغيرة ...... لا حاجة للمزيد ......

كل شيء يتدفق في الخارج

الحبُّ محطَّم ، الحبُّ هشٌّ

الحبُّ دوَّار ، من الحبِّ يولد الأطفال ،

أن يُرزق الإنسان أطفالاً هو أن يكون أباً لطاحونة ،

حساء من كل شيء ،

حبيبتي ، لا تقنطي الآن

في حالة الضرورة ، ستصبحين زوجتي

أحبك ، وتحبينني .


هذه البساطة في استخدام اللغة اليومية العادية والأحاسيس العفوية الصادقة في التعبير بالشعر سمة امتاز بها الشاعر في تجديده بين وسط شعري من الجزالة والبحث عن الصور المصنوعة والمحبوكة بعناية امتداداً للموروث الشعري المتواصل . لكنه رغم ذلك يرتقي في قصائد أخرى مستوى رفيعاً من الأداء الشعري ، ليقدم لنا لوحات فنية مرسومة بالكلمات بدقة كي نشاهد ونرى باللغة والتخيل والمعايشة الحسية ، كما نشاهد في قصيدته (مربع الشمس .. مزاح الفضة .. يصبح الخلود) :


الحبُّ يطرق الأبواب سريعاً ، لكن في هذه اللحظة

حيث انحدرتِ بمايوهك الأخضر باتجاه الماء

واليدان طليقتان نحو السطح مثل غصن كسول .

هذه اللحظة ستتلألأ إلى الأبد فوق مدينة ساحلية خالدة

تصاغ إلى زمردة مجلوة من شعرك الذهبي المتموج .

أشعة الشمس الفضية والرمال تتراقص حول أصابع قدميك .


هكذا أحياناً تُرفع نظرة خارج الضياء من ضوء على اليمين .

وتسقط مثل ذهب مستخرج من حوض مليء بالحصى ،

إشارة من عربة ترام ، كلمة ضاحكة ، كلمة حزينة ، وعدم استعداد ......

نحتتها روح السوَّاح العابر . لمَ حدث هذا ؟

محارة بشرية تفتحت ، على الأقل عرف الإنسان الأقرب اليها

واللؤلؤة ، لهيب حيٌّ ، ارتقى دافئاً باتجاه محيط الأبدية .


لقد تميزت قصائد أبه لينده إضافة إلى الغزل بالهجاء اللاذع الساخر لظواهر مرفوضة خارجة عن الطبيعة البشرية السامية التي ألهمته شعره ولونته بإيحاءاتها والتماعاتها ورسمت خطوطها في ثناياه ، فقد كان مؤمناً إلى حد الراديكالية بالقيم الانسانية الخالدة التي صبغت شعره بروحها داعياً لها من خلال إبرازها ونقد ما يمس القيم و الجمال داخل الروح البشرية وفي مسيرتها، وخير مثال قصيدته (القائد العام ) التي نقرأ فيها إدانة صريحة للعسكرتاريا التي سادت أوروبا في الثلاثينات من القرن الماضي في إلمانيا وإيطاليا وأسبانيا وما قادت إليه من كوارث على البشرية جمعاء :


وثب الجنرال من غفوته القلقة .

تذكر الأخت التي أصيبت بالجنون .

تذكر الأبن الذي وضع حداً لحياته ،

مع ذلك على المرء أن ينجز واجبه "حتى آخر قطرة" .....

توجه الجنرال إلى مهامه اليومية .

وقع عدداً من الأوامر منها ارسال اثنين وثلاثين ألف رجل إلى الموت سدىً .

سمح بالتقاط صورة فوتوغرافية له وهو في وضع بطولي بعد الفطور .

منح أوسمة لثلاثة آلاف أرملة وطبع قبلات

على كل خد من خدودهن وعلى الرقاب حتى تفجرت الشفاه .

وبعدها اضطجع وحدَّق بدون شهية في الطعام ، وبدون رغبة في التفكير .

انفجرت قذيفة في الغرفة المحصنة .

لقد تخلص من اطلاق رصاصة على نفسه في الجبين .


بذل الشاعر لينده جهده في أن يستبطن الذات الانسانية وأن يستثير دواخلها في إطار من استخدام ضمير المتكلم (أنا) والمخاطب (أنت) ، فمن أهم ملامح شعره استخدامه للضميرين هذين في ثنائية متواشجة تتلاحم لإيصال الفكرة والأحاسيس والهواجس الانسانية المتناقضة والمتضادة في جمالها وقبحها ، في شفافيتها ورقتها كما في غزلياته ، ووحشيتها وشراستها كما في قصيدته أعلاه (القائد العام) . هذه المتضادات يبثها الشاعر الى المتلقي بعفوية واسلوب سهل ممتنع مباشر خال من التعقيد والجزالة اللفظية التي امتاز بها العديد من مجايليه من أمثال الشاعر الكبير هاري مارتينسون الحائز على جائزة نوبل عام 1974 .


اعتمد أبه لينده كثيراً في أسلوبه على الانطباعية والفكرة في اطار استخدام الفعل والاسم اللذين يعتبران اسلوب العامة من الناس في التعبير لكنه مع ذلك حاول أن يبتعد عن الطبيعية المباشرة، وهو ما أشار إليه بنفسه في مقدمة مجموعته الكاملة . و في رأينا لأن ذلك يقود إلى ضعف الشعرية في النص وتقريبه من النثر . استند لينده في معظم قصائده على الحوار بين الأنا والأنت والتداعي الحر الذاتي لتجربة وهواجس الأنا متأثراً في ذلك بالكتابة الاغريقية واللاتينية القديمة في حواريات الفلسفة وغيرها . وكمثال قصيدته (عند الشاطيء) Vid stranden :


الماء الذي يتموج .

الفراشات التي تحوم .

شمس فوق قمم الشاطئ .

قبضات الدم في بوكيهات ورد باهرة براقة ،

أعشاب منحنية .

بين الشجيرات المطقطقة يقفز الدرب .

ريش أزرق ..... زوارق بخارية .......

كل الأرض منحدرات زاهية .


مرَّ زمن آمنتُ فيه بعالم أجمل

ـ كيف كان ذلك محتملاً ؟

ليس بعالم مليء بحقول الشهوة والقمار

ــ هذا مالم أفضله مطلقاً !

بل بعالم من التأمل والأفكار

ــ هذا ما اجده أجمل وأرق .

خاطبت نفسي :

إنه بالتأكيد ثقيل أن تسوح في أنحائه .

الوجه سيجده الانسان مليئاً بحشرات وسخة

عندما يتوق الانسان إلى الفضاء وضياء النجوم .

هنا يتصارع البشر ويتضورون جوعاً .

هنا ينتصب الموت السري في النظام اليومي ،

الناس يساقون ويُجبرون ،

هكذا فكرتُ أنا .


كان عنصر الحوار الدرامي إلى جانب توظيف السرد المتأثر بالحبكة الملحمية القديمة ، كما في قصيدته (هرقل الجديد) ، أحد أهم تلاوين شعره الذي خط طريقه في بنية صياغته الشعرية مما دفعه إلى ولوج عالم التأليف المسرحي ليصبح واحداً من أبرزكتاب المسرح التجريبي في السويد، وخاصة في مسرحيتيه (حبة الخردل) 1934 ومسرحية (ضوء الجليد) 1938، وقبلهما مسرحية (دعارة عروس). ثم عمله المتميز وهي معالجته التقويمية وتهيئته لملحمة جلجامش عام 1946 ، حيث استلهم الملحمة في مسرحية موسيقية اسماها (جلجامش)* حافظ فيها على الخطوط الرئيسة لأحداثها لكن بفهمه الخاص والفكرة التي أراد أن يضمنها عمله بحوار مبتكر جديد مبني على الأفكار المعاصرة ومواقف يدخل فيها الموسيقى والرقص والكورس المصاحب . كما أنه مارس النقد المسرحي كمهنة احترفها في عدد من الصحف السويدية اليومية ، ومنها صحيفة (داغنس نيهيتر) الواسعة الانتشار بين عامي 1964 - 1947 ، و قد جمع هذه المقالات وأصدرها في كتابين هما (الجريمة والعقاب) 1930 و (شرقي غربي) 1967 . اصدر الشاعر بيوغرافيا ذاتية في جزأين : (عمر الذكريات) 1969 ، والجزء الثاني (ذكريات داخلية) 1976 . وللشاعر أبه لينده تراجم كثيرة من الشعر الأغريقي واللاتيني ، إضافة إلى ترجمته لأعمال موليير وهولدبرغ وبريخت .


قصائد مختارة لأبه لينده



* نقاؤنا


زمناً بعد آخر يجب أن تُنظف النفس

تماماً مثل دُرج المكتب .

وإلا فإنها تتعفن ، تُنبت ثانية ، فتتحجَّر تماماً .

هل تحمل في داخلك الحرارة

والخطط المنطلقة الفظة المسننة ؟

هل لديك طبقات ورفوف

بآلاف الحاجات ، مثل المواعظ المنمقة تتطاير ؟

أشطبْها كلها !

طيور البحيرة تحوم فوق الماء ،

الأشجار عارية والجبال أبدية .

دعْ أياديها الساكنة تبحر فوق وجهك .

............ هكذا

أنت خال ، تماماً خال

لكي تمتلئ من جديد

بربيع طري وسعادة غامرة نقية في العمق .




* شاعر يتحدث


أفتح أنا طاقتي ، أجد هذا :

أن تتمنى أمر استثنائي

لذلك أشير إلى نفسي في القصائد .

لذلك أملأ هذا الشعر باستثناءات استثنائية .

لأضللك أيها القارئ !

لكن أنت ـ عليك أن لا تدع نفسك تُضلل .

عليك أن تفهم بأن هذا الاستثناء ليس هو ذاك الذي يستحق أن تكتشفه عندي .

هذا الاستثناء ـ عليك أن لا تمسحه عنك ،

يجب أن تكتشف خباياه ،

اسبرْ أغواره حتى تعثر على ما ليس باستثنائي ، ، إنما أكثر من ذلك ،

ليس بغريب غير عادي ، بل رائع مدهش .


* الغروب خلف برلين ـ1935


الشمس تغرب خلف برلين .

بيت بمحاذاة بيت ، بيت بمحاذاة بيت

القراميد المربعة الفانية تحت أدخنة حمراء

إيقاع للدار اللانهائية في الكون المطلق

لصحراء البشر اللامحدودة :

البرج النشيط ، برج بابل واسطوانة المذياع

يبرقان عالياً في فراغ مكتوم

مثل علامة فارقة تقذف إعلاناً .

برج بابل الثقيل

يشدُّ مجاميع مظلمة صوب سحابة وضيعة شفافة .

خطوط ضياء قناديل حديقة النمور المنكمشة . دوتشي .

أضيئت المصابيح . الأخضر يسوَّد ..... تدفق الفعل رايشتاخ .

الشمس تتورم مطرودة ،

شظية أخيرة من البيضة الهائلة الحمراء بلون دم طائر الرخ .

موسيقى الجاز تلهث بعيداً في الأسفل مثل نمر صغير ،

البديل الأسوأ لضياء المدينة يحصل على حياة خاصة مضطربة .

وفوق فوق فوق

.... تدور في هدوء الفضاء واحدة من مكائن غورنغ الهائلة

(القنابل ذات الزعانف)

إلى الأعلى فوق ذرات البشر .

إلى الأعلى فوق لا نهائية دار القيامة

حتى تبرز عالياً فوق تلك الشمس الحمراء المطرودة .


* غورنغ ـ هو هرمان غورنغ 1946-1893 أحد أبرز الجنرالات النازيين كان وزير دولة عام 1933 ، ثم قائداً لسلاح الجو 1935 . عين نائباً لهتلر 1939 ، اعتقله هتلر في عام 1945 ، وحكم عليه بالموت في محاكمات نورمبرغ إلا أنه انتحر .

* قام كاتب الدراسة بترجمة مسرحية الشاعر أبه لينده الموسيقية (جلجامش) الى العربية وطبعت ونشرت في السويد على نفقة مركز الكومبيوتر
















































































































































تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow