Alef Logo
ضفـاف
              

في خدمة إسرائيل

ميخائيل سعد

2018-11-03

نعم، نحن -العرب والمسلمين- في خدمة “إسرائيل” منذ لحظة تأسيسها، وربما قبل ذلك. لا أقول ذلك بهدف الاستفزاز، وإنما للتفكير بصوت عال لما جرى ويجري “تحت الطاولة” منذ عقود، وليست زيارة نتنياهو إلى عُمان هي الأولى، ولن تكون الأخيرة. فقد كانت أغلب أفعالنا عبارة عن تمهيد الطريق وتعبيده أمام أهداف “إسرائيل” المعلنة التي لم تكن تغيب عن بال قادتها لحظة واحدة، وإذا حدث وغابت، كان هناك من يُحاسبها، ليس بقوة السلاح وإنما بقوة “الصوت” الانتخابي، وبقوة الصحافة الحرة، وبقوة السياسة، الأمر الذي تجاهلناه نحن طويلًا، بذريعة أن الديمقراطية “دخيلة على تراثنا”، وأنها “كحصان طراودة” تريد اختراق مجمتعاتنا لتدميرها من الداخل!

قبل عقود، عندما اطّلعت على الكتاب – الوثيقة “خنجر إسرائيل”، كنت مثل الغالبية من أبناء جيلي، أعتقد أن ما ورد في ذلك الكتاب فيه كثير من المبالغة، التي تستنهض مشاعري القومية، التي، ربما، كان صاحب الكتاب يبحث عبرها عن الشهرة في العالمين العربي والإسلامي، لذلك تم ركنه جانبًا من قبل الأنظمة العربية وشعوبها، إلى وقت الحاجة إلى “شاهد” عن النزعة الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية، وليس للاستفادة مما جاء فيه من معلومات، للعمل على بناء مجتمعاتنا وتحصينها داخليًا أولًا، وخارجيًا ثانيًا، بل إن ما حدث هو العكس تمامًا. فقد توافقت سياسات السلطات العربية مع المشاريع الإسرائيلية، وفي بعض الأحيان كانت سباقة في تنفيذ ما كانت تحلم به “إسرائيل”.

تضمّن كتاب “خنجر إسرائيل” للصحفي الهندي كارنجيا، المنشور باللغة العربية (1957) “وثائق لم يلتفت إليها المعنيون، منها وجود خطة إسرائيلية لتقسيم العراق إلى 3 دويلات: كردية في الشمال، ينضم إليها الأكراد من الدول المحيطة، وعربية ذات أغلبية سنية في الوسط، وشيعية تلحق بإيران دينيًا وسياسيًا في الجنوب.

لم يكتف المخطط الصهيوني بذلك، بل زاد بالتأكيد على تقسيم سورية إلى 3 دول أيضًا: درزية وعلوية وسنية، وتحويل لبنان إلى دويلتين شيعية في الجنوب ومارونية في الشمال. وعندما سأل الصحافي الهندي الوزيرَ الإسرائيلي موشى ديان عن كشفه لمثل هذه الخطط، كان رده: لا تخف فالعرب لا يقرؤون”.

ليس الهدف من عرض الأمثلة التالية هو الإحباط، فقد أوصلتنا الأنظمة العربية إلى القاع، وأصبحت “إسرائيل” هي المثل الأعلى، للشعوب العربية، في أسلوب تعاملها مع مواطنيها، وهي الملجأ الذي تهرع إليه الأنظمة العربية المنهارة لتحتمي به عند تململ شعوبها، أو عند خوفها من أحد الجيران، سواء أكان عربيًا أم أعجميًا.

كان على الأنظمة العربية المتعاقبة القضاء على منظومة القيم القديمة، ليس لأن هذه الأنظمة “تقدمية” أو “إصلاحية”، أو “متمسكة بالدين الحنيف” أو غير ذلك من الحجج والأعذار، وإنما لأن القضاء على تلك القيم يسهّل عليها البقاء في السلطة واستعباد الشعب، وبالتالي نهب الوطن من دون حسيب أو رقيب. لذلك تم العمل على تغيير قيم “الصدق، والشرف، والأمانة، والإخلاص، والتضحية، والأثرة، والتضامن، والغيرية، والوطنية”، وغيرها من القيم عبر إفراغها من مضامينها كخطوة أولى، ثم إشاعة عكسها في المجتمع، كالكذب، والأنانية، والوشاية، والسرقة، والرشوة، والطائفية، وكل ما يساهم في تحلل المجتمع، وتحويله إلى مجموعة من الأفراد الانتهازيين الذين يبحثون عن خلاصهم الفردي فقط، من خلال قبولهم أن يكونوا عبيدًا ملحقين بمزرعة الحاكم، وتخليهم عن كل الروابط التي تجمعهم مع أبناء شعبهم. والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُحصى في حياتنا اليومية، يكفي أن ننظر إلى أحياء المدينة الواحدة، ونرى كيف يتصرف الميسورون قليلًا أو كثيرًا، عندما يلتقون بأحد أبناء الأحياء الطرفية الفقيرة، بطريقة تصل أحيانًا إلى حد الاستمتاع بعذابات الفقير.

لم تكن “إسرائيل” تحلم، مجرد حلم، بأن الأنظمة العربية ستفتح “أوتوسترادات” بالاتجاهين بينها وبين تلك الأنظمة، ولم تكن تتوقع يومًا أن الشعوب العربية ستسير في المخطط الذي وضعته، أحيانًا بلا إرادة، وفي بعض الحالات برغبتها، على أمل أن ذلك سيخلصها من أنظمتها الاستبدادية.

في عام 1986، زارني في مكتبتي بحمص مُدرّس للأدب الإنكليزي، حاملًا بيده مجلة أميركية، فيها مقال عن سعي “إسرائيل” لتغيير أخلاق المجتمع السوري. كان المقال يتحدث عن لعبة إسرائيلية تم بموجبها نقل أكثر من ثلاثين ألف جهاز فيديو إلى منطقة الحدود اللبنانية – السورية، وبيعها بسعر رخيص جدًا مقارنة مع الأسعار الأصلية، وكانت “إسرائيل” تعرف أن أغلبية هذه الأجهزة ستدخل تهريبًا إلى سورية. وقد تمّ فعلًا دخولها إلى سورية، حسب الجريدة.

كان حافظ الأسد قد نجح في تحطيم المجتمع السوري، وإخراج السياسة منه، في ذلك الوقت، بذريعة القضاء علي “الإرهاب الإخواني”، وأصبح السوريون يخافون مغادرة بيوتهم، ولما يكن أمامهم من تسلية لتمضية لياليهم إلا تلفزيون يُمجّد الرئيس الأبدي الذي قتل شبابهم واستعبدهم “بعطاياه”، أو الفيديو الذي كان حديث التواجد بينهم. ولكي تكتمل “خدمة الجماهير” سمحت الأجهزة الأمنية، التي لم يكن يفوتها مراقبة طيور السماء وفئران المنازل، بافتتاح مئات محالّ الفيديو بشكل غير شرعي، وأمّنت لهذه المحال أسوأ الأفلام، وفي مقدمتها أفلام الجنس، ومن المعروف تأثير هذه الأفلام في أخلاق شباب وصبايا مجتمع محافظ، كمجتمعنا، هذا من دون الحديث عن الرشوة والفساد وبيع الذمم.

هذا مثال وحيد عن السباق الذي دار بين “إسرائيل” والنظام السوري، بهدف تفتيت هذ الشعب، وصولًا إلى الخطة التي تحدث عنها كتاب “خنجر إسرائيل” بتفتيت البلدان العربية المحيطة كلبنان وسورية والعراق.

وأخيرًا، لا بدّ من الإشارة إلى مسؤولية السوريين النسبية في تحملهم بعض نتائج الخراب، وخاصة في السنوات الخمس الأخيرة من حياة الثورة، فقد وصل “أمراء الحرب” وبعض “أمراء المعارضة” إلى المكان الذي رسمه لهم نظام الأسد و”إسرائيل”، والأنظمة العربية التي كانت مرعوبة من أعلام الديمقراطية والمواطنة والعدالة، المرفوعة في تظاهرات السوريين.

نعم. بعد كل هذا الخراب ومن قلبِه، علينا العمل على إعادة بناء قيمنا الاجتماعية، التي يُقال فيها للصّ إنه لص، وللشريف إنه شريف، وهي التي ستجعل من ثورتنا ثورةً لا تخدم “إسرائيل” وبيت الأسد، وتبقى في الوقت ذاته ثورة مستمرة.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

قبلة في مصعد

13-آذار-2021

البطل الشعبي

15-حزيران-2019

وأنا أيضًا كنت طائفيًا!

02-شباط-2019

قبل السبعين

19-كانون الثاني-2019

طاولة مستديرة لتحضير الفتّة!

12-كانون الثاني-2019

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow