اول درس عربي تلقيته في الابتدائي عن الجملة المفيدة التي تتألف من فعل وفاعل ومفعول به . والمثال كان : ضرب زيدٌ عمرواً . ويومها تساءلت عمن يكون زيدٌ هذا ؟ لعله شرطي او معلم الصف او احد الأولاد الأشقياء . فهؤلاء يمارسون الضرب ، طبعا بالإضافة إلى الأب . ومع الزمن عرفت آخرين سلطتهم أقوى وضربهم أعنف واقسى ، وأشد مرارة على القلب والروح والجسد .

مر زمن طويل والمثال يتكرر ، وأنا أتساءل لماذا يضرب زيدٌ عمرواً ؟ ولم احصل على جواب . غير أن بعض الملامح أخذت تتشكل في ذهني عن الموضوع . إذ بدا لي أن مصطلح الضرب هو الأكثر شيوعا على ألسنتنا ، والضرب هو المفردة الأكثر استعمالاً في احاديثنا اليومية . فحين نريد توضيح فكرة نقول سأضرب لك مثلاً . وفي الاستهجان نقول ضربٌ من الخيال . وعن المتمرد نقول انه يضرب بالتقاليد عرض الحائط . وفي المدرسة يتعلم التلاميذ جدول الضرب . والبعض يتعلم الضرب على الآلة الكاتبة . وكان صوت المذيع أحمد سعيد ينبق من راديو صوت العرب من القاهرة وهو يصرخ .. اضرب يا أخي اضرب .. اضرب . فتتمايل رؤوسنا طربا . وهناك المثل الشعبي الشائع ضربني وبكى وسبقني واشتكى . ولا ننسى الاغنية الشهيرة ياضاربين الودع هو الودع قال إيه ؟ خصام حبيبي دلع والا خصامه ليه ؟ . وفي الأخبار يخبرنا المذيع بأن الزلزال قد ضرب منطقة كذا . وللتحبب عن الصبية نقول المضروبة شو مهضومه . واذا سألت واحد طالع خلقه عن فعلة قام بها يجيبك : من ضراب السخن . وشتيمة تضرب مااغلظك . هي شتيمة للاستعمال اليومي . والضريبة التي تجمع على ضرائب وتقوم المالية بجبايتها وتكسر ظهر ذوي الدخل المحدود ، لعلها مأخوذة من جذر ضَرَبَ . والحظ أيضا لانستثنيه فنقول ضربة حظ . ونذكر المثل الشائع . ضرْب الحبيبْ زبيبْ . ويقال إن ابو فلا ضربها جوازي على مرتو . وفي بعض الدوائر الرسمية يجتمع الموظفون على ضرب مته . وعن المكشر نقول ضارب بوزو . والبضاعة الفاسدة نقول بضاعة مضروبة . وفي مباريات كرة القدم مصطلح ضربة جزاء . والعمل الباهر يوصف بأنه ضربة معلم . وحين نعاتب أحدا يقول . هل لك عندي ضربة لازب ؟ واذا دغدغت عواطف أحدهم يصفك انك تضرب على الوتر الحساس . ويقال فلان أُصيب بضربة شمس . ويقال إن الطلاب انضربوا بمادة الرياضيات . والمشوش يضرب اخماساً بأسداس . والادنى يحترم الأعلى ويضرب له سلام . وفي القصص نادى الملك على السياف وأمره يضرب عنق الرجل .

ترى لماذا إلى هذا الحد نحن العرب مولعون بالضرب ؟