يُدْخِلُ "قسطنطين جورجيو" قضية التمييز العنصري مخبره الروائي عبر حكاية تبدأ أحداثها في الولايات المتحدة الأميركية و تنتهي في إحدى قبائل أفريقيا التي افترض الكاتب أنَّ أهلَها آكلو لحوم البشر و أن المدنية لم تلج حتى مخيلتهم ، و أنَّ الشيء الوحيد الذي يتوقون إليه هو أن يصبحوا بيضاً – ليس حباً بلون البشرة الأبيض – بل كي يكونوا على المستوى الإنساني بمصاف البيض و موازاتهم .
يقضي التمييز العنصري على حلم "ماكس" الأسود بالزواج من خطيبته البيضاء على الرغم من ثراء عائلته الذي لم يشفع له قتامة سحنته و لم يردم الهوة بينه و بين أقرباء خطيبته - و المفترض أنها حبيبته - "بلانش كنور" فاستدرجوه قبل ليلة عرسه و قطعوا عضوه الذكري .
يتمدد التمييز العنصري أكثر ليطغى على قلب "بلانش" و على كل أهل المدينة حين ينكرون أمام قاضي محكمة الولاية (مزاعم) "ماكس" في أن أولئك البيض قد اعتدوا عليه و قطعوا عضوه الذكري .
يبقى "ماكس" رهين العزلة و شرب الخمر حتى يعلم أن السوفييت يهتمون بقضيته عبر مكتب مختص بالاهتمام بقضايا السود ، فيقرر السفر إلى الاتحاد السوفياتي .
هناك تنتقل قضية التمييز العنصري إلى بازار التجاذب السياسي بين الاتحاد السوفييتي و الغرب ، عبر إقناع "ماكس" بالسفر إلى أفريقيا و الانتقام من البيض الذين قضوا على مستقبله .
لم يصمد تردد "ماكس" كثيراً سيما و أن العميل الذي هيأه لارتكاب الجريمة أقنعه أن الحدث سينتشر في كل وسائل الإعلام العالمية و يضع قضية السود و التمييز العنصري ضدهم فوق الطاولة و تحت الضوء .
بيد أن القضية التي تورط فيها "ماكس" كانت ترتيب قتل مبشرين بيض أبرياء نفذها بعد أن اقنع بدوره أهالي قرية آكلي لحوم البشر بأنه قادر - إذا لبوا رغبته بقتل المبشرين البيض - على أن يحولهم إلى بيض .
هنا تنتقل قضية التمييز العنصري إلى مرحلة حصد ثمار الجريمة ، حيث تدين وسائل الإعلام أوروبا التي سارعت عبر آلتها العسكرية التي لم تكن قد غادرت بعد مستعمراتها في أفريقيا إلى البطش بالسود في مكان الجريمة انتقاماً لقتل المبشرين مما وسع دائرة السخط من الغرب و تعاطيهم البشع مع الآخر .
طوال أحداث الرواية ، تمعن قوة الدول التي استعمرت السود في قهرهم ، و تتصارع الدول (العظمى) من خلالهم و بهم ، و يهربون هم إلى التعلق بخيوط واهية ظناً منهم أنها تخلصهم فيشحذون المستحيل لأنهم فقدوا الأمل بكل شيء ممكن .
لا ينتظر "ماكس أومبليمنت" حصوله على مقابل تنفيذه الجريمة ( حقه في العيش بكرامة شأنه شأن البيض ) ، بل يُسَلِّمُ نفسه و يطلب تنفيذ حكم الإعدام به ليس لأنه مذنب - كونه سدد عقوبة جريمته مسبقاً حين خصاه الأميركان البيض شأنه شأن سائر السود الذين يُضطهدون و يُقتلون و يُحرمون بدايةً – بل لأن البيض لم يبقَ لديهم ما يفعلونه به سوى الإعدام .

نزار غالب فليحان