Alef Logo
أدب عالمي وعربي
              

«الرب موجود» للمقدونية لتيونا متفيسكا…

ألف

2019-02-19

امرأة شابة تجابه تقاليد المجتمع الذكوري، وتتحدى ممارسات الكنيسة وتَجَبُّر الشرطة. هذا ما تقدمه المخرجة المقدونية تيونا شتروغر متفيسكا في فيلمها «الرب موجود.. اسمها بترونيا»، المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين في دورته التاسعة والستين. ولكن على الرغم من بداية قوية وزخم كبير وأداء متميز من شخصيته الرئيسية، تأتي خاتمة الفيلم متعجلة تفتقر إلى القوة الحاسمة التي كنا نرجوها، ولعلّ ما يجعلنا نقبل هذه الخاتمة على مضض هو أن الحياة في كثير من الأحيان لا تقيم ميزان العدل هكذا سريعا، وأن خطوة صغيرة قد تكون بداية الطريق.


لا يقدم الفيلم قصة فردية فقط، بل تعليقاً على مقدونيا المعاصرة، التي لا تزال تقبع تحت سيطرة عادات وممارسات مستمرة منذ قرون، وما زال النساء فيها يتعرضن لشتى صور الضغط والقمع من مجتمع ذكوري ضاغط. كما أن قصة بترونيا هي قصة جميع النساء اللاتي يتصدين للجور ويسعين للحصول على حقوقهن. بترونيا (زوريكا نوشيفا) امرأة في الثانية والثلاثين، جميلة ولكنها بدينة وغير متزوجة، ولا تفوت أمها الفرصة لتعيرها بسنها ووزنها وعدم زواجها. تقيم في منزل أبويها، ولا تجد عملا يتطلب شهادتها الجامعية في مجال التاريخ، فتضطر للعمل نادلة. تعيش بترونيا حياة خانقة في مدينة ستيب المقدونية، ويبدأ الفيلم وهي في فراشها لا ترغب في الاستيقاظ لمواجهة يوم جديد من الإحباط والسأم والضغوط من أمها. تحت وطأة إلحاح أمها، تذهب لمقابلة للعمل في مصنع ثياب، يتفحصها مديره، كما لو كانت سلعة لا يرغب فيها أحد، ولا تجد منه سوى التحرش والتهكم.
وهي في الطريق إلى المنزل بعد هذه المقابلة المهينة تمر في طريق مسيرة دينية سنوية، يؤدي فيها قس طقسا يتجمهر الرجال لمشاهدته والمشاركة فيه، حيث يلقي صليبا خشبيا في خضم ماء النهر، ويسبح الرجال خلفه ومن يجده ويمسكه، يكون الفائز، ويعتقد وفقا لما يشاع في البلدة أنه سيكون الأوفر حظا طوال العام. تقرر بترونيا، هكذا في حماس اللحظة، أن تقفز في الماء بثوبها، وتكون أول من يصل إلى الصليب وتلتقطه، وتغادر رغم صيحات الاستهجان من الرجال، أنها امرأة ولا يحق لها المشاركة في الاحتفال الكنسي أو الاحتفاظ بالصليب.
ينتشر تسجيل بالفيديو للحدث على شبكات التواصل الاجتماعي وعلى يوتيوب، وتلتقطه تقارير التلفزيون عن تلك المرأة غير معروفة الهوية التي «سطت» على الصليب، وتتعرض بترونيا لشتى أنواع التشهير والسباب والضغوط لإعادة الصليب، وتتعرض للصفع والتنكيل من قبل أمها لأنها تحدت التقاليد الراسخة، وتجرأت على الكنيسة.
فجأة تجد بترونيا نفسها وقد تحولت من شخص يكاد يكون منسيا تماما إلى محط اللعنات والتشهير. لكن الضغوط والاضطهاد والترهيب لا تزيدها إلا من عزما على الاحتفاظ بالصليب والدفاع عن حقها في أن يبقى في حوزتها، وتتزايد قوتها وثقتها بالذات وتشحذ كل قدرتها على رد الحجة بالحجة وعلى التحدي، رغم تجمهر جموع من الرجال الغاضبين الذين ينعتونها بالـ»عاهرة» لأنها تجرأت على تحدي تقليد كنسي.
تجد الصحافية سلافينا يانيفا (لابينا متفيسكا) فرصة سانحة لجلب الأضواء لذاتها ولبرنامجها في قضية يهتم بها الرأي العام، وتشهد استقطابا في الآراء. وبعد أن تُقتاد بترونيا إلى مقر الشرطة لترد الصليب، الذي أصبحت تتهم بسرقته، على الرغم من فوزها به، لا تجد العون إلا من شرطي برتبة صغيرة، ربما لأنه شاب مثلها ولأنه ليس على قناعة بتقاليد المجتمع.

تبقى بترونيا على تحديها وثبات حجتها، ولكن ما لا نفهمه حقا، موقف الجموع الغاضبة من الرجال خارج مركز الشرطة واختفاءهم وتبددهم المفاجئ.

تبقى بترونيا على تحديها وثبات حجتها، ولكن ما لا نفهمه حقا، موقف الجموع الغاضبة من الرجال خارج مركز الشرطة واختفاءهم وتبددهم المفاجئ. تبين متفيسكا غضب الرجال الحانقين جيدا، الذين يتعالى صياحهم بكل ما هو مهين للمرأة، ولكن هؤلاء الرجال الغاضبين يختفون هكذا بدون تفسير منطقي، ولكن رغم عدم قدرة المخرجة على إقناعنا بتبدد غضب الرجال بدون مبرر، تبقى بترونيا قوية شجاعة صامدة أمام القس كوستا، الذي جاء ليحاول إقناعها برد الصليب. في خاتمة الأمر ترد بترونيا الصليب، الذي هو حقها المشروع، لا لضعف منها ولا لانهزام، ولكن لأنها تجد أنها ليست في حاجة إلى الصليب، ولا إلى البركة المستمدة منه، وليست في حاجة إلى المؤسسة الدينية بأكملها. تركها للصليب لم يكن لرضوخها لضغط المؤسسات والعادات والتقاليد، ولكن لأنها وجدت في نفسها القوة لتسمو وتترفع عن كل ذلك.
الكثير من ثقل الفيلم تحمله زوريكا نوشيفا في أداء محكم ومتميز لشخصية بترونيا وقوة عزمها وتحديها وغضبها ومحاججتها الرأي بالرأي والكلمة بالكلمة. وهي أيضا خير تجسيد لبترونيا في لحظات ضعفها، حين تبكي، وحين تقبع تحت أغطية فراشها لشدة إحباطها. بترونيا، كما تجسدها نوشيفا، هي كل النساء اللاتي يواجهن ضغوطا من تقاليدالمجتمع، والدين والسلطة، فيقفن ويتحدين، رغم هشاشتهن أحيانا.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow