Alef Logo
كشاف الوراقين
              

خالد العظم من الاقتصاد إلى السياسة

ألف

خاص ألف

2019-03-08

عاش خالد العظم طفولته وصباه وشبابه في دمشق وبيروت واستنبول. وحين عاد إلى دمشق أخيرا بعد غياب دام سنتين منذ اندلاع ثورة 1925، قرر أن يبدأ حياته في الحقل الاقتصادي ولكنه فشل في تجنب الحقل العام الذي كان نوعا من الإرث الذي ورثه عن مركز والده الرفيع.


وفي 1927، ارتبط اسمه بحدثين مهمين: الأول كان مساهم في تأسيس النادي السوري-الفرنسي، سوية مع رئيس الجمهورية المقبل محمد علي العابد وأمين العاصمة واثق العظم. أما الحدث الثاني فكان تأسيس غرفة للزراعة. فلقد أدى المسعى الذي قام به العظم الشاب لدى رئيس الحكومة آنذاك الداماد أحمد نامي بك للحصول على موافقته على تأسيس غرفة زراعية، تعنى بشؤون المزارعين. وشغل العظم منصب أمين السر فيها، وكان العمود الرئيسي في أداء أعمالها، وخاصة عقدها مؤتمرا زراعيا هو الأول في تاريخ سورية.


إلى ذلك، وعندما كان عضوا في مجلس بلدية دمشق، كان أحد الساعين وراء بناء مدينة حديثة الطراز، نظيفة ومتألقة. وكان المجلس البلدي هو الذي استدعى المهندس التخطيطي الشهير دانجه ومعه المهندس إيكوشار، اللذين ارتبط اسماهما بجمال مدينة دمشق، قبل الفوضى المعمارية التي اجتاحت المدين بعد الستينات. فهما اللذان وضعا المخطط العام للمدينة، وبفضل مخطط دانجه أصبحت دمشق المدينة الجميلة التي ظلت على جمالها حتى نهاية الستينات، تزهو بأحيائها الحديثة، وبحدائقها العامة، وبحسن تنسيق شوارعها، والأشجار المغروسة على جوانبها. على أن مأثرت في بلدية دمشق هي إصراره على الوقوف في وجه الحاكم الإداري وائق المؤيد الذي كان يريد بالاتفاق مع الإفرنسيين تزوير لانتخابات النيابية عام 1032 ذلك أن الانتخابات كانت تجرى بإشراف المجلس البلدي وقتذاك. وهو يقول في ذلك: "كنت في الواقع أشعربأنني لا اقوم بأي عمل لخدمة بلدي، ولا أشارك المجاهدين والعالمين في سبيله، فأحببت أن أدخل المعترك، ووجدت تلك المناسبة فرصة قيمة." تلك إذن أولى الصدامات بين العظم والسلطات الفرنسية. وهي على أية حال لم تكن كثيرة.


غير أنه لم يترك نشاطه الاقتصادي، إذ أنه كان مساهما كبيرا في شركة لصنع الإسمنت، وكان مديرها العام لفترة من الزمن. وهو لم يستثمر أمواله في مشاريع تدر عليه ربحا سريعا، وإنما ساهمدائما في تأسيس منشئات كانت بمعايير ذاك الزمان تعتبر مؤسسات عملاقة بالنسبة للقطاع الخاص.


واستفاد من إدارته لشركة الإسمنت خبرة في الإدارة ووعيا اقتصاديا استثمره فيما بعد في إدارة الدولة. وزد على ذلك أنه سافر مرارا إلى أوروبا لشراء آلات والبحث في عقود جديدية، مما أكسبه أيضا وعيا في العالم لذي حوله، ولم تكتف حدود ثقافته بحدود الثقافة العثمانية التي تلقاها في طفولته ومطلع صباه. ولقد استهلك العمل الخاص من وقته بضعا من سنوات الثلاثينات التي كانت موارة بالعمل الوطني، ففيها تم انتخاب مجلس نواب 1932، وفيها حل، وفيها وصلت النازية إلى الحكم في ألمانيا ووصلت حكومة اشتراكية إلى الحكم في فرنسا، ووقعت فرنسا معاهدة الاستقلال مع الحكومة السورية ثن نقضتها. وإنه ليكرس جل وقته في توسيع معمل الإسمنت، عندما زاره السيد نجيب الأرمنازي، مدير مكتب رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي، وعرض عليه أن يكون وزيرا في حكومة جديدة سيشكلها السيد نصوح البخاري. فأثنى العظم على اختيار البخاري للمنصب، ولكنه فوجىء بعرض حقيبة وزارية إليه، وقال للأرمنازي إنه منشغل الآن بتوسيع معمل الإسمنت وليس لديه وقت للعمل السياسي. بيد أن الرئيس الأتاسي أصر على استيزاره، وزاره كذلك الرئيس الملف نصوح البخاري، ليقنع بالاشتراك بحكومة وصفها العظم فيما بعد بانزاهة والحزم. وهكذا صار العظم لأول مرة وزيرا بينما كان لا يتجاوز السادسة والثلاثين من العمر. على أن وزارته لم تتجاوز بضعة أسابيع، إذ وصلت حكومة البخاري إلى طريق مسدود مع المفوض السامي الفرنسي الذي كان يريد النكوص عن معاهدة 1936، ورفض البخاري إضافة أي ملحق للمعاهدة يغير من مضمونهاالذي يصفه هو بأنه لم يكن "شيئا يبكى عليه." فاستقالت الحكومة وفشل الأتاسي بتشكيل حكومة جديدية واستحصل المفوض السامي على صلاحيات مطلقة لإدارة سورية، وأعلن فك ارتباط لواء اسكندرونة وجبل الدروز عن الحكومة السورية، فاستقال الأتاسي، وأوقفت الحياة لانيابية وشكلت حكومة مديرين لتسيير أمور البلاد.


في هذه الظروف الحرجة التي كانت تزداد سوءا يوما بعد يوم، عرض على خالد العظم أن يشكل حكومة جديدة. هو موقف لا يحسد عليه. فمن جانب سيكون تشكيل حكومة مدنية إنهاء لحكم الفرنسيين المباشر وحكومة المديرين وانتهاء الحكم غلى أمثال تاج الدين الحسيني أو بهيج الخطيب؛ ومن جانب آخر فإن التاريخ لن ينسى أنه قبل برئاسة الحكومة دون إعادة الحياة الدستورية إلى البلاد. هل تحسم المسألة بزيارة للرئيس المستقيل؟ يركب خالد العظم سيارته ويتجه إلى حمص ويناقشه في الأمر، حتى يحصل على مباركته. بيد أن القوتلي وأعضاء التلة الوطنية في دمشق يعملون لإفشال مشروعه تشكيل حكمة وطنية. ورغم أن العظم لم يكن يحب المواجهة ويرجح المسالمة في كل أمر حتى ولو أدى هذا الأمر إلى خسارته، فإنه ههنا يقرر العزم على المضي في طريقه، ومواجهة الجاعة التي يوقول عنها إنها وقفت في وجه ترشيحه للنيابة سنة 36، وابعدته عن كل شأن عام، خوفا من منافسته لها وتفوقه عليها. وشجعه على موقفه دعم الرئيس الأتاسي والسيد فارس الخوري، فشكل أول حكومة برئاسته، وضمت محسن البرازي وحنين صحناوي ونسيب البري وصفوت قطرأغاسي.


وبذلك انضم خالد إلى القافلة العريقة من حكام سورية من آل العظم . وستكون تلك أول حكومة من خمس حكومات يشكلها طوال حياته السياسية. والغريب أن رياسته للوزراة كانت غالبا ما تنتهي بكارثة أو ثورة أو حرب.ففي 1941 قامت الحرب بين الديغوليين والفيشيين، وانتهت وزارته الثانية بانقلاب حسني الزعيم ودخوله السجن، وآلت وزارته الرابعة إلى استيلاء الشيشكلي على مقاليد الأمور، أما وزارته الأخيرة فانتهت بانقلاب 8 آذار 1963.


خلال وزارته الأولى، استطاع العظم على امتداد 165 يوما أن يحقق الكثير للسوريين، إن لم يكن سياسيا فعلى صعيد الحياة المعيشية والاقتصادية. وكان أهم ما قامت به حكومته هو حق تسيير أمور الإعاشة التي كانت حكرا على الفرنسيين وتخفيض سعر الطحين، باستصدار قرار يجيز للحكومة إدارة مطاحن الحبوب الخاصة. وأطلق سراح جميع المعتقلين السياسيين. بيد أن مأثرته الكبرى كانت في تعامله مع واحد من أصعب الأوضاع التي مرت بها سورية قبل الاستقلال: اجتياح القوات البريطانية والديغولية لسورية. وتبرز هنا حكمة هذا الشاب الذي لم يصل إلى الأربعين بعد في إدارة الأوضاع محاولا أن يجنب دمشق أي خسارة محتملةز واستطاع أن ينتزع من المفوض السامي صلاحيات استثنائية استخدمها في تجنيب دمشق قصفا بريطانيا كان يمكن أن يكون مدمرا. كان يمكن لأي غر في إدارة الحكم، كما كان حال العظم، أن يقع في الوهن والتشوش ويؤثر السلامة أو يرتجل قرارات كارثية مستفيدا من السطةالمطلقة التي منحها في الفترة الأخيرة. ولكنه تجاوز المحن بأقل الخسائر، وتوج نجاحه بجلسة حوار طويلة مع الجنرال المنتصر شارل ديغول، طالبه فيها بإعادة الحياة الدستورية وإعادة الأتاسي إلى الحكم. وبهت ديغول بهذا الشاب الذي يطلب الحكم لغيره ولا يطلب شيئا لنفسه.


وحين أحس بأنه أدى دوره، تنحى عن رئاسة الوزارة. وأراد أيضا أن ينسحب من الشأن العام، لينال قسطا من الراحة، فلم يسجل اسمه لانتخابات 1943، لولا إلحاح السيد صبري العسلي عليه في الساعة الأخيرة قبل إغلاق الباب أمام الترشيح. وانضم غلى قائمة الرئيس شكري القوتلي فقط لتبدأ بين الرجلين علاقة فذة من الاختلاف الدائم والاحترام المتبادل. لم يكن القوتلي يروق للعظم. ورغم أن والده طلب إليه أن يعزز صداقته معه، عندما كان فتى صغيرا، ورغم احترامه الكبير لأبيه، فإنه لم يستطع أن يستلطف الرجل. ولعل العظم كان محقا، فإن شخصية قيادية طاغية مثل القوتلي، جاءت من قلب الميدان، الحي الدمشقي الوطني العريق ولكن الأقرب إلى الهوج والحدة ما كان لتأتلف مع شاب مثقف مرهف الحس، غربي الثقافة، قادم من حي ساروجة، مثل خالد العظم. ومع ذلك فإن القوتلي كان يحترم ذكاء العظم وثقافته، بينما كان العظم يكبر فيه روحه الكفاحية العالية، وينسب إليه بدون تردد فضل تحقيق جلاء القوات الأجنبية وتحقيق الاستقلال الناجز لذي لا تحده معاهدة أو محالفة مع أية دولة أجنبية.


والحق أن العظم كان موضوعيا إزاء خصومه. فلطالما أبدى خلافه مع طريقةالكتلة الوطنية في السياسة وإدارة الحكم. ومع ذلك، فقد كان له رأي إيجابي بفارس الخوري وسعد الله الجابري وجميل مردم وغيره، وإن كان لا يجاملهم في مواطن ضعفهم. فالقوتلي فردي، يستأثر برأيه ويريد فرضه على الجميع؛ والخوري كان رجل دولة خبيرا ولكنه لا يملك جأشه في الأزمات، أما الجابري فشجاع لا يهاب الإقدام على شيئ فيه صلاح البلد. وأما صبري العسلي فقد وصفه لالوطنية والحزم والوفاء وسعةالتفكير.


مسيرة العظم والقوتلي أسفرت دائما عن منصب وزاري كان العظم يشغله في معظم حكومات الرئيس القوتلي. فشغل حقيبة المالية والاقتصاد والعدلية والإعاشة والخارجية والدفاع. وكان في كل واحدة يقدم عملا يقرن باسمه: ففي المالية، قام بسياسة إصلاح النقد وفصل المؤسسات المالية السورية عن الفرنسية؛ وفي وزارةالإعاشة، أصدر قانونا يضرب على يد المتلاعبين بالمواد الغذئية ويرفعون الأسعار وأنشأ مستودعات ضخكة لتخزين الحبوب؛ وفي وزارة العدلية، الغى المحاكم المختلطة التي كانتتعطي للأجانب وضعا خاصا عند ارتكاب جرم على الأراضي السورية.


ولست ادري إذا ما كان من حسن حظه أنه كان وزيرا مفوضا لسوريا في باريس أثناء اندلاع حرب فلسطين، على أنه من حسن حظ السوريين أنه تراس الحكومة بعد الهزيمة، فسار بالبلد بهدوء وروية ليبتعد بها عن الآثار السلبية التي خلفتها هزيمة العرب وخسارة فلسطين.

























تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow