Alef Logo
ضفـاف
              

غرافيتي الثورة السوريّة... خلف هذه الجدران كانت هناك حياة

ألف

2019-06-15


12 يونيو 2019
هنا مدينة بنش. هذه المدينة التي تعد من رموز الثورة السورية، اشتهرت بجدرانها المليئة برسوم الغرافيتي، التي نقلت تفاصيل انتفاضة السوريين ضد نظام بشار الأسد.
عند التجوّل في شوارع بنش، أول ما يلفت النظر، مدرسةٌ، بلا معالم تقريباً، بعدما دمرها قصف الطيران الحربي. لكن رغم ذلك يظهر فوق جدرانها رسم، لـ"كأس العالم" مرفقاً بعبارة "روسيا مجرمة". إلى جانبه رسم آخر، عمره يومان لـ"حارس الثورة" عبد الباسط الساروت الذي ودّعته الثورة السورية بعد سقوطه في معارك حماه، ثمّ رسومات أخرى قديمة عن مجازر الكيميائي التي ارتكبها نظام بشار الأسد، وغيرها من الجرائم.

فمن يقف خلف كل هذه الرسومات؟ إنه عزيز الأسمر، رسام سوري بلغ السادسة والأربعين من عمره، ولم يحمل السلاح. لكنه اختار أن يحارب على طريقته، من خلال الفن والرسم في الشارع وعلى جدران مدينته التي دمّرها طيران الأسد والطيران الروسي، في إصرار واضح على إعادة الحياة إلى الأمكنة وإلى الحجر، في انتظار عودة من غادر من أبناء المدينة.


في حديث مع "العربي الجديد" يؤكد الأسمر أن ما يقوم به "هواية"، ولا يخص الثورة السورية فقط، إنما يعبر من خلاله عن أفكار "ليست ثورية فقط بل تتجاوز سورية إلى الدول العربية والعالم". ويضيف: "أي قضية نشعر بأنها تلامس وجعنا، قضية مصيرية، نرسم عنها، لكي نثبت للعالم ونوجه له رسالة بأننا لسنا سوداويين ولسنا إرهابيين، نحن أصحاب حق، خرجنا في ثورة لنطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية وحقوقنا، وإن حملنا السلاح فذلك ليس ذنباً، لأن العالم وقف متفرجاً ولم يقم بلجم النظام ووقف إجرامه".

كل رسمة لها قصة، بحسب الأسمر: "هذه الجدران التي أرسم عليها تخفي وراءها قصصاً كثيرة، هناك عائلات قضت خلفها بفعل قصف النظام، هذه الجدران بنيت بشقاء عمر كامل أضاعه النظام بإجرامه، عائلة أمضت عمرها في تأسيس منزل ليأتي النظام المجرم ويهدمه، العالم لا يرى حجم الظلم، وهذه الرسوم قد توصل جزءاً من رسالتنا".


عند التنقل مع الأسمر في شوارع بنش، يتذكّر سكان مدينته، يتذكر من كان يسكن خلف هذه البيوت المدمرة. وجوه ولدت وكبرت تزوجت خلف هذا الجدار أو ذاك، وصورٌ لجثث قضت أيضاً خلفها، رآها الأسمر، وودّعها: "كلما نقوم بالرسم نتذكر ونتخيل الناس التي كانت تعيش خلف هذا الحائط أو ذاك، هناك عائلات بأكملها قضت خلف هذه الجدران، ونحن نعرف هذه العائلات، ونعرف حجم المأساة، نرسم وفي قلوبنا غصة وحرقة، لكن ثوريتنا تفرض علينا إيصال المأساة والمظلومية وقضيتنا العادلة".

منذ بداية الثورة وانخراطه فيها، قرّر الأسمر الاستفادة مما يجيده أي الرسم. كان موقناً أن الطريق لإسقاط نظام الأسد طويل جداً، وأن الثمن سيكون غاليًا، "لكن التخلص من حكم عائلة مستبدّة تعتبر سورية مزرعة لها، يستحق التضحية والاستمرار".

ولا تقتصر رسومات عزيز الأسمر على التعبير عن المعاناة والمأساة اللتين لحقتا بالشعب السوري جراء جرائم النظام، بل يعكس فيها التفاؤل بالثورة و"النصر المحتم" الذي ينتظره السوريون، "وذلك نابع من التصميم والإيمان بأن صاحب الحق متفائل دائماً بالنصر مهما كان الثمن". لكن هذا التفاؤل لا يمنعه من توجيه اللوم إلى المجتمع الدولي "لو أن العالم قام بواجبه، لسقط النظام منذ زمن، إلا أن تقاعس المجتمع الدولي سمح بارتكاب كل هذه الجرائم... لكن رغم ذلك نعلم أن النصر سيأتي، لا بدّ أن تكون هناك في النهاية، ولو بعد سنوات عدالة دولية".

رسومات الأسمر وصلت إلى العالمية بعدما نقلتها أغلبية وكالات الأنباء، فانتشرت أعماله التي تحكي قصص القصف والنزوح والتشريد والبطولة، ومنها أيضاً لوحات تتهكم على النظام والمجتمع الدولي وبعض الأنظمة العربية.
آخر لوحة رسمها عزيز الأسمر كانت لـ"منشد الثورة السورية وحارسها" عبد الباسط الساروت، وذلك عقب مقتل الأخير إثر إصابة بليغة أصيب بها خلال معارك ضد النظام في ريف حماة وكانت تحت عنوان "حارس الثورة شهيدا". ويقول الأسمر إن هذه الرسمة تعبر عن "امتناننا لتضحيات عبد الباسط وتعبر عن محبتنا له".

لوحات كثيرة رسمها الأسمر بألوان مختلفة وكل لون يوافق الموضوع الذي تتحدث عنه اللوحة ويستغرق رسمها قرابة ثلاث ساعات أحياناً. كما أن طبيعة الجدار الذي تتم عليه عملية الرسم تفرض نوعية الأدوات المستخدمة مثل الريشة أو الفرشاة أو الإسفنج.

ومن القصص التي رَوَتها رسوم الأسمر سابقاً حادثة الطفل عبد الباسط طعّان الذي أدّى قصف من طيران النظام السوري إلى خسارته لقدميه، وكانت عبارة "يا بابا شيلني" من العبارات التي رسخت في أذهان السوريين بعد انتشار مقطع مصوّر للطفل وهو يدعو والده المرتبك إلى حمله وإسعافه.


كذلك مجزرة الكيميائي التي ارتكبها النظام السوري في الغوطة الشرقية في ريف دمشق عام 2013 وراح ضحيتها مئات الأطفال والنساء والشيوخ، كان لها نصيب من الرسومات التي خطها عزيز على جدران المنازل والمدارس المدمرة.
كما عبر الأسمر عن مواضيع كثيرة بحرية منحها للريشة التي تخط الألوان على الجدران، فانتقد حلفاء الثورة، وفضح أعداءها، ورفض الانصياع لمن يريد تحريف مسارها.
ويرفض الأسمر رسم أي شيء يسيء للثورة، ويصر دائماً على أن تكون رسوماته نابعة من الحاضنة الشعبية للحراك السوري، وتحاكي الواقع الحقيقي، والشوق للحرية وصمود السوريين في وجه آلة القتل والإجرام، ويؤكد أن "الريشة سلاح بجانب البندقية".
مواد الملف

جلال بكور، عامر السيد علي
12 يونيو 2019
هنا مدينة بنش. هذه المدينة التي تعد من رموز الثورة السورية، اشتهرت بجدرانها المليئة برسوم الغرافيتي، التي نقلت تفاصيل انتفاضة السوريين ضد نظام بشار الأسد.
عند التجوّل في شوارع بنش، أول ما يلفت النظر، مدرسةٌ، بلا معالم تقريباً، بعدما دمرها قصف الطيران الحربي. لكن رغم ذلك يظهر فوق جدرانها رسم، لـ"كأس العالم" مرفقاً بعبارة "روسيا مجرمة". إلى جانبه رسم آخر، عمره يومان لـ"حارس الثورة" عبد الباسط الساروت الذي ودّعته الثورة السورية بعد سقوطه في معارك حماه، ثمّ رسومات أخرى قديمة عن مجازر الكيميائي التي ارتكبها نظام بشار الأسد، وغيرها من الجرائم.

فمن يقف خلف كل هذه الرسومات؟ إنه عزيز الأسمر، رسام سوري بلغ السادسة والأربعين من عمره، ولم يحمل السلاح. لكنه اختار أن يحارب على طريقته، من خلال الفن والرسم في الشارع وعلى جدران مدينته التي دمّرها طيران الأسد والطيران الروسي، في إصرار واضح على إعادة الحياة إلى الأمكنة وإلى الحجر، في انتظار عودة من غادر من أبناء المدينة.


في حديث مع "العربي الجديد" يؤكد الأسمر أن ما يقوم به "هواية"، ولا يخص الثورة السورية فقط، إنما يعبر من خلاله عن أفكار "ليست ثورية فقط بل تتجاوز سورية إلى الدول العربية والعالم". ويضيف: "أي قضية نشعر بأنها تلامس وجعنا، قضية مصيرية، نرسم عنها، لكي نثبت للعالم ونوجه له رسالة بأننا لسنا سوداويين ولسنا إرهابيين، نحن أصحاب حق، خرجنا في ثورة لنطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية وحقوقنا، وإن حملنا السلاح فذلك ليس ذنباً، لأن العالم وقف متفرجاً ولم يقم بلجم النظام ووقف إجرامه".

كل رسمة لها قصة، بحسب الأسمر: "هذه الجدران التي أرسم عليها تخفي وراءها قصصاً كثيرة، هناك عائلات قضت خلفها بفعل قصف النظام، هذه الجدران بنيت بشقاء عمر كامل أضاعه النظام بإجرامه، عائلة أمضت عمرها في تأسيس منزل ليأتي النظام المجرم ويهدمه، العالم لا يرى حجم الظلم، وهذه الرسوم قد توصل جزءاً من رسالتنا".


عند التنقل مع الأسمر في شوارع بنش، يتذكّر سكان مدينته، يتذكر من كان يسكن خلف هذه البيوت المدمرة. وجوه ولدت وكبرت تزوجت خلف هذا الجدار أو ذاك، وصورٌ لجثث قضت أيضاً خلفها، رآها الأسمر، وودّعها: "كلما نقوم بالرسم نتذكر ونتخيل الناس التي كانت تعيش خلف هذا الحائط أو ذاك، هناك عائلات بأكملها قضت خلف هذه الجدران، ونحن نعرف هذه العائلات، ونعرف حجم المأساة، نرسم وفي قلوبنا غصة وحرقة، لكن ثوريتنا تفرض علينا إيصال المأساة والمظلومية وقضيتنا العادلة".

منذ بداية الثورة وانخراطه فيها، قرّر الأسمر الاستفادة مما يجيده أي الرسم. كان موقناً أن الطريق لإسقاط نظام الأسد طويل جداً، وأن الثمن سيكون غاليًا، "لكن التخلص من حكم عائلة مستبدّة تعتبر سورية مزرعة لها، يستحق التضحية والاستمرار".

ولا تقتصر رسومات عزيز الأسمر على التعبير عن المعاناة والمأساة اللتين لحقتا بالشعب السوري جراء جرائم النظام، بل يعكس فيها التفاؤل بالثورة و"النصر المحتم" الذي ينتظره السوريون، "وذلك نابع من التصميم والإيمان بأن صاحب الحق متفائل دائماً بالنصر مهما كان الثمن". لكن هذا التفاؤل لا يمنعه من توجيه اللوم إلى المجتمع الدولي "لو أن العالم قام بواجبه، لسقط النظام منذ زمن، إلا أن تقاعس المجتمع الدولي سمح بارتكاب كل هذه الجرائم... لكن رغم ذلك نعلم أن النصر سيأتي، لا بدّ أن تكون هناك في النهاية، ولو بعد سنوات عدالة دولية".

رسومات الأسمر وصلت إلى العالمية بعدما نقلتها أغلبية وكالات الأنباء، فانتشرت أعماله التي تحكي قصص القصف والنزوح والتشريد والبطولة، ومنها أيضاً لوحات تتهكم على النظام والمجتمع الدولي وبعض الأنظمة العربية.
آخر لوحة رسمها عزيز الأسمر كانت لـ"منشد الثورة السورية وحارسها" عبد الباسط الساروت، وذلك عقب مقتل الأخير إثر إصابة بليغة أصيب بها خلال معارك ضد النظام في ريف حماة وكانت تحت عنوان "حارس الثورة شهيدا". ويقول الأسمر إن هذه الرسمة تعبر عن "امتناننا لتضحيات عبد الباسط وتعبر عن محبتنا له".

لوحات كثيرة رسمها الأسمر بألوان مختلفة وكل لون يوافق الموضوع الذي تتحدث عنه اللوحة ويستغرق رسمها قرابة ثلاث ساعات أحياناً. كما أن طبيعة الجدار الذي تتم عليه عملية الرسم تفرض نوعية الأدوات المستخدمة مثل الريشة أو الفرشاة أو الإسفنج.

ومن القصص التي رَوَتها رسوم الأسمر سابقاً حادثة الطفل عبد الباسط طعّان الذي أدّى قصف من طيران النظام السوري إلى خسارته لقدميه، وكانت عبارة "يا بابا شيلني" من العبارات التي رسخت في أذهان السوريين بعد انتشار مقطع مصوّر للطفل وهو يدعو والده المرتبك إلى حمله وإسعافه.


كذلك مجزرة الكيميائي التي ارتكبها النظام السوري في الغوطة الشرقية في ريف دمشق عام 2013 وراح ضحيتها مئات الأطفال والنساء والشيوخ، كان لها نصيب من الرسومات التي خطها عزيز على جدران المنازل والمدارس المدمرة.
كما عبر الأسمر عن مواضيع كثيرة بحرية منحها للريشة التي تخط الألوان على الجدران، فانتقد حلفاء الثورة، وفضح أعداءها، ورفض الانصياع لمن يريد تحريف مسارها.
ويرفض الأسمر رسم أي شيء يسيء للثورة، ويصر دائماً على أن تكون رسوماته نابعة من الحاضنة الشعبية للحراك السوري، وتحاكي الواقع الحقيقي، والشوق للحرية وصمود السوريين في وجه آلة القتل والإجرام، ويؤكد أن "الريشة سلاح بجانب البندقية".
مواد الملف
جلال بكور، عامر السيد علي

هنا مدينة بنش. هذه المدينة التي تعد من رموز الثورة السورية، اشتهرت بجدرانها المليئة برسوم الغرافيتي، التي نقلت تفاصيل انتفاضة السوريين ضد نظام بشار الأسد.
عند التجوّل في شوارع بنش، أول ما يلفت النظر، مدرسةٌ، بلا معالم تقريباً، بعدما دمرها قصف الطيران الحربي. لكن رغم ذلك يظهر فوق جدرانها رسم، لـ"كأس العالم" مرفقاً بعبارة "روسيا مجرمة". إلى جانبه رسم آخر، عمره يومان لـ"حارس الثورة" عبد الباسط الساروت الذي ودّعته الثورة السورية بعد سقوطه في معارك حماه، ثمّ رسومات أخرى قديمة عن مجازر الكيميائي التي ارتكبها نظام بشار الأسد، وغيرها من الجرائم.

فمن يقف خلف كل هذه الرسومات؟ إنه عزيز الأسمر، رسام سوري بلغ السادسة والأربعين من عمره، ولم يحمل السلاح. لكنه اختار أن يحارب على طريقته، من خلال الفن والرسم في الشارع وعلى جدران مدينته التي دمّرها طيران الأسد والطيران الروسي، في إصرار واضح على إعادة الحياة إلى الأمكنة وإلى الحجر، في انتظار عودة من غادر من أبناء المدينة.


في حديث مع "العربي الجديد" يؤكد الأسمر أن ما يقوم به "هواية"، ولا يخص الثورة السورية فقط، إنما يعبر من خلاله عن أفكار "ليست ثورية فقط بل تتجاوز سورية إلى الدول العربية والعالم". ويضيف: "أي قضية نشعر بأنها تلامس وجعنا، قضية مصيرية، نرسم عنها، لكي نثبت للعالم ونوجه له رسالة بأننا لسنا سوداويين ولسنا إرهابيين، نحن أصحاب حق، خرجنا في ثورة لنطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية وحقوقنا، وإن حملنا السلاح فذلك ليس ذنباً، لأن العالم وقف متفرجاً ولم يقم بلجم النظام ووقف إجرامه".

كل رسمة لها قصة، بحسب الأسمر: "هذه الجدران التي أرسم عليها تخفي وراءها قصصاً كثيرة، هناك عائلات قضت خلفها بفعل قصف النظام، هذه الجدران بنيت بشقاء عمر كامل أضاعه النظام بإجرامه، عائلة أمضت عمرها في تأسيس منزل ليأتي النظام المجرم ويهدمه، العالم لا يرى حجم الظلم، وهذه الرسوم قد توصل جزءاً من رسالتنا".


عند التنقل مع الأسمر في شوارع بنش، يتذكّر سكان مدينته، يتذكر من كان يسكن خلف هذه البيوت المدمرة. وجوه ولدت وكبرت تزوجت خلف هذا الجدار أو ذاك، وصورٌ لجثث قضت أيضاً خلفها، رآها الأسمر، وودّعها: "كلما نقوم بالرسم نتذكر ونتخيل الناس التي كانت تعيش خلف هذا الحائط أو ذاك، هناك عائلات بأكملها قضت خلف هذه الجدران، ونحن نعرف هذه العائلات، ونعرف حجم المأساة، نرسم وفي قلوبنا غصة وحرقة، لكن ثوريتنا تفرض علينا إيصال المأساة والمظلومية وقضيتنا العادلة".

منذ بداية الثورة وانخراطه فيها، قرّر الأسمر الاستفادة مما يجيده أي الرسم. كان موقناً أن الطريق لإسقاط نظام الأسد طويل جداً، وأن الثمن سيكون غاليًا، "لكن التخلص من حكم عائلة مستبدّة تعتبر سورية مزرعة لها، يستحق التضحية والاستمرار".

ولا تقتصر رسومات عزيز الأسمر على التعبير عن المعاناة والمأساة اللتين لحقتا بالشعب السوري جراء جرائم النظام، بل يعكس فيها التفاؤل بالثورة و"النصر المحتم" الذي ينتظره السوريون، "وذلك نابع من التصميم والإيمان بأن صاحب الحق متفائل دائماً بالنصر مهما كان الثمن". لكن هذا التفاؤل لا يمنعه من توجيه اللوم إلى المجتمع الدولي "لو أن العالم قام بواجبه، لسقط النظام منذ زمن، إلا أن تقاعس المجتمع الدولي سمح بارتكاب كل هذه الجرائم... لكن رغم ذلك نعلم أن النصر سيأتي، لا بدّ أن تكون هناك في النهاية، ولو بعد سنوات عدالة دولية".

رسومات الأسمر وصلت إلى العالمية بعدما نقلتها أغلبية وكالات الأنباء، فانتشرت أعماله التي تحكي قصص القصف والنزوح والتشريد والبطولة، ومنها أيضاً لوحات تتهكم على النظام والمجتمع الدولي وبعض الأنظمة العربية.
آخر لوحة رسمها عزيز الأسمر كانت لـ"منشد الثورة السورية وحارسها" عبد الباسط الساروت، وذلك عقب مقتل الأخير إثر إصابة بليغة أصيب بها خلال معارك ضد النظام في ريف حماة وكانت تحت عنوان "حارس الثورة شهيدا". ويقول الأسمر إن هذه الرسمة تعبر عن "امتناننا لتضحيات عبد الباسط وتعبر عن محبتنا له".

لوحات كثيرة رسمها الأسمر بألوان مختلفة وكل لون يوافق الموضوع الذي تتحدث عنه اللوحة ويستغرق رسمها قرابة ثلاث ساعات أحياناً. كما أن طبيعة الجدار الذي تتم عليه عملية الرسم تفرض نوعية الأدوات المستخدمة مثل الريشة أو الفرشاة أو الإسفنج.

ومن القصص التي رَوَتها رسوم الأسمر سابقاً حادثة الطفل عبد الباسط طعّان الذي أدّى قصف من طيران النظام السوري إلى خسارته لقدميه، وكانت عبارة "يا بابا شيلني" من العبارات التي رسخت في أذهان السوريين بعد انتشار مقطع مصوّر للطفل وهو يدعو والده المرتبك إلى حمله وإسعافه.


كذلك مجزرة الكيميائي التي ارتكبها النظام السوري في الغوطة الشرقية في ريف دمشق عام 2013 وراح ضحيتها مئات الأطفال والنساء والشيوخ، كان لها نصيب من الرسومات التي خطها عزيز على جدران المنازل والمدارس المدمرة.
كما عبر الأسمر عن مواضيع كثيرة بحرية منحها للريشة التي تخط الألوان على الجدران، فانتقد حلفاء الثورة، وفضح أعداءها، ورفض الانصياع لمن يريد تحريف مسارها.
ويرفض الأسمر رسم أي شيء يسيء للثورة، ويصر دائماً على أن تكون رسوماته نابعة من الحاضنة الشعبية للحراك السوري، وتحاكي الواقع الحقيقي، والشوق للحرية وصمود السوريين في وجه آلة القتل والإجرام، ويؤكد أن "الريشة سلاح بجانب البندقية".

جلال بكور، عامر السيد علي


12 يونيو 2019
هنا مدينة بنش. هذه المدينة التي تعد من رموز الثورة السورية، اشتهرت بجدرانها المليئة برسوم الغرافيتي، التي نقلت تفاصيل انتفاضة السوريين ضد نظام بشار الأسد.
عند التجوّل في شوارع بنش، أول ما يلفت النظر، مدرسةٌ، بلا معالم تقريباً، بعدما دمرها قصف الطيران الحربي. لكن رغم ذلك يظهر فوق جدرانها رسم، لـ"كأس العالم" مرفقاً بعبارة "روسيا مجرمة". إلى جانبه رسم آخر، عمره يومان لـ"حارس الثورة" عبد الباسط الساروت الذي ودّعته الثورة السورية بعد سقوطه في معارك حماه، ثمّ رسومات أخرى قديمة عن مجازر الكيميائي التي ارتكبها نظام بشار الأسد، وغيرها من الجرائم.

فمن يقف خلف كل هذه الرسومات؟ إنه عزيز الأسمر، رسام سوري بلغ السادسة والأربعين من عمره، ولم يحمل السلاح. لكنه اختار أن يحارب على طريقته، من خلال الفن والرسم في الشارع وعلى جدران مدينته التي دمّرها طيران الأسد والطيران الروسي، في إصرار واضح على إعادة الحياة إلى الأمكنة وإلى الحجر، في انتظار عودة من غادر من أبناء المدينة.


في حديث مع "العربي الجديد" يؤكد الأسمر أن ما يقوم به "هواية"، ولا يخص الثورة السورية فقط، إنما يعبر من خلاله عن أفكار "ليست ثورية فقط بل تتجاوز سورية إلى الدول العربية والعالم". ويضيف: "أي قضية نشعر بأنها تلامس وجعنا، قضية مصيرية، نرسم عنها، لكي نثبت للعالم ونوجه له رسالة بأننا لسنا سوداويين ولسنا إرهابيين، نحن أصحاب حق، خرجنا في ثورة لنطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية وحقوقنا، وإن حملنا السلاح فذلك ليس ذنباً، لأن العالم وقف متفرجاً ولم يقم بلجم النظام ووقف إجرامه".

كل رسمة لها قصة، بحسب الأسمر: "هذه الجدران التي أرسم عليها تخفي وراءها قصصاً كثيرة، هناك عائلات قضت خلفها بفعل قصف النظام، هذه الجدران بنيت بشقاء عمر كامل أضاعه النظام بإجرامه، عائلة أمضت عمرها في تأسيس منزل ليأتي النظام المجرم ويهدمه، العالم لا يرى حجم الظلم، وهذه الرسوم قد توصل جزءاً من رسالتنا".


عند التنقل مع الأسمر في شوارع بنش، يتذكّر سكان مدينته، يتذكر من كان يسكن خلف هذه البيوت المدمرة. وجوه ولدت وكبرت تزوجت خلف هذا الجدار أو ذاك، وصورٌ لجثث قضت أيضاً خلفها، رآها الأسمر، وودّعها: "كلما نقوم بالرسم نتذكر ونتخيل الناس التي كانت تعيش خلف هذا الحائط أو ذاك، هناك عائلات بأكملها قضت خلف هذه الجدران، ونحن نعرف هذه العائلات، ونعرف حجم المأساة، نرسم وفي قلوبنا غصة وحرقة، لكن ثوريتنا تفرض علينا إيصال المأساة والمظلومية وقضيتنا العادلة".

منذ بداية الثورة وانخراطه فيها، قرّر الأسمر الاستفادة مما يجيده أي الرسم. كان موقناً أن الطريق لإسقاط نظام الأسد طويل جداً، وأن الثمن سيكون غاليًا، "لكن التخلص من حكم عائلة مستبدّة تعتبر سورية مزرعة لها، يستحق التضحية والاستمرار".

ولا تقتصر رسومات عزيز الأسمر على التعبير عن المعاناة والمأساة اللتين لحقتا بالشعب السوري جراء جرائم النظام، بل يعكس فيها التفاؤل بالثورة و"النصر المحتم" الذي ينتظره السوريون، "وذلك نابع من التصميم والإيمان بأن صاحب الحق متفائل دائماً بالنصر مهما كان الثمن". لكن هذا التفاؤل لا يمنعه من توجيه اللوم إلى المجتمع الدولي "لو أن العالم قام بواجبه، لسقط النظام منذ زمن، إلا أن تقاعس المجتمع الدولي سمح بارتكاب كل هذه الجرائم... لكن رغم ذلك نعلم أن النصر سيأتي، لا بدّ أن تكون هناك في النهاية، ولو بعد سنوات عدالة دولية".

رسومات الأسمر وصلت إلى العالمية بعدما نقلتها أغلبية وكالات الأنباء، فانتشرت أعماله التي تحكي قصص القصف والنزوح والتشريد والبطولة، ومنها أيضاً لوحات تتهكم على النظام والمجتمع الدولي وبعض الأنظمة العربية.
آخر لوحة رسمها عزيز الأسمر كانت لـ"منشد الثورة السورية وحارسها" عبد الباسط الساروت، وذلك عقب مقتل الأخير إثر إصابة بليغة أصيب بها خلال معارك ضد النظام في ريف حماة وكانت تحت عنوان "حارس الثورة شهيدا". ويقول الأسمر إن هذه الرسمة تعبر عن "امتناننا لتضحيات عبد الباسط وتعبر عن محبتنا له".

لوحات كثيرة رسمها الأسمر بألوان مختلفة وكل لون يوافق الموضوع الذي تتحدث عنه اللوحة ويستغرق رسمها قرابة ثلاث ساعات أحياناً. كما أن طبيعة الجدار الذي تتم عليه عملية الرسم تفرض نوعية الأدوات المستخدمة مثل الريشة أو الفرشاة أو الإسفنج.

ومن القصص التي رَوَتها رسوم الأسمر سابقاً حادثة الطفل عبد الباسط طعّان الذي أدّى قصف من طيران النظام السوري إلى خسارته لقدميه، وكانت عبارة "يا بابا شيلني" من العبارات التي رسخت في أذهان السوريين بعد انتشار مقطع مصوّر للطفل وهو يدعو والده المرتبك إلى حمله وإسعافه.


كذلك مجزرة الكيميائي التي ارتكبها النظام السوري في الغوطة الشرقية في ريف دمشق عام 2013 وراح ضحيتها مئات الأطفال والنساء والشيوخ، كان لها نصيب من الرسومات التي خطها عزيز على جدران المنازل والمدارس المدمرة.
كما عبر الأسمر عن مواضيع كثيرة بحرية منحها للريشة التي تخط الألوان على الجدران، فانتقد حلفاء الثورة، وفضح أعداءها، ورفض الانصياع لمن يريد تحريف مسارها.
ويرفض الأسمر رسم أي شيء يسيء للثورة، ويصر دائماً على أن تكون رسوماته نابعة من الحاضنة الشعبية للحراك السوري، وتحاكي الواقع الحقيقي، والشوق للحرية وصمود السوريين في وجه آلة القتل والإجرام، ويؤكد أن "الريشة سلاح بجانب البندقية".
مواد الملف

جلال بكور، عامر السيد علي
12 يونيو 2019
هنا مدينة بنش. هذه المدينة التي تعد من رموز الثورة السورية، اشتهرت بجدرانها المليئة برسوم الغرافيتي، التي نقلت تفاصيل انتفاضة السوريين ضد نظام بشار الأسد.
عند التجوّل في شوارع بنش، أول ما يلفت النظر، مدرسةٌ، بلا معالم تقريباً، بعدما دمرها قصف الطيران الحربي. لكن رغم ذلك يظهر فوق جدرانها رسم، لـ"كأس العالم" مرفقاً بعبارة "روسيا مجرمة". إلى جانبه رسم آخر، عمره يومان لـ"حارس الثورة" عبد الباسط الساروت الذي ودّعته الثورة السورية بعد سقوطه في معارك حماه، ثمّ رسومات أخرى قديمة عن مجازر الكيميائي التي ارتكبها نظام بشار الأسد، وغيرها من الجرائم.

فمن يقف خلف كل هذه الرسومات؟ إنه عزيز الأسمر، رسام سوري بلغ السادسة والأربعين من عمره، ولم يحمل السلاح. لكنه اختار أن يحارب على طريقته، من خلال الفن والرسم في الشارع وعلى جدران مدينته التي دمّرها طيران الأسد والطيران الروسي، في إصرار واضح على إعادة الحياة إلى الأمكنة وإلى الحجر، في انتظار عودة من غادر من أبناء المدينة.


في حديث مع "العربي الجديد" يؤكد الأسمر أن ما يقوم به "هواية"، ولا يخص الثورة السورية فقط، إنما يعبر من خلاله عن أفكار "ليست ثورية فقط بل تتجاوز سورية إلى الدول العربية والعالم". ويضيف: "أي قضية نشعر بأنها تلامس وجعنا، قضية مصيرية، نرسم عنها، لكي نثبت للعالم ونوجه له رسالة بأننا لسنا سوداويين ولسنا إرهابيين، نحن أصحاب حق، خرجنا في ثورة لنطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية وحقوقنا، وإن حملنا السلاح فذلك ليس ذنباً، لأن العالم وقف متفرجاً ولم يقم بلجم النظام ووقف إجرامه".

كل رسمة لها قصة، بحسب الأسمر: "هذه الجدران التي أرسم عليها تخفي وراءها قصصاً كثيرة، هناك عائلات قضت خلفها بفعل قصف النظام، هذه الجدران بنيت بشقاء عمر كامل أضاعه النظام بإجرامه، عائلة أمضت عمرها في تأسيس منزل ليأتي النظام المجرم ويهدمه، العالم لا يرى حجم الظلم، وهذه الرسوم قد توصل جزءاً من رسالتنا".


عند التنقل مع الأسمر في شوارع بنش، يتذكّر سكان مدينته، يتذكر من كان يسكن خلف هذه البيوت المدمرة. وجوه ولدت وكبرت تزوجت خلف هذا الجدار أو ذاك، وصورٌ لجثث قضت أيضاً خلفها، رآها الأسمر، وودّعها: "كلما نقوم بالرسم نتذكر ونتخيل الناس التي كانت تعيش خلف هذا الحائط أو ذاك، هناك عائلات بأكملها قضت خلف هذه الجدران، ونحن نعرف هذه العائلات، ونعرف حجم المأساة، نرسم وفي قلوبنا غصة وحرقة، لكن ثوريتنا تفرض علينا إيصال المأساة والمظلومية وقضيتنا العادلة".

منذ بداية الثورة وانخراطه فيها، قرّر الأسمر الاستفادة مما يجيده أي الرسم. كان موقناً أن الطريق لإسقاط نظام الأسد طويل جداً، وأن الثمن سيكون غاليًا، "لكن التخلص من حكم عائلة مستبدّة تعتبر سورية مزرعة لها، يستحق التضحية والاستمرار".

ولا تقتصر رسومات عزيز الأسمر على التعبير عن المعاناة والمأساة اللتين لحقتا بالشعب السوري جراء جرائم النظام، بل يعكس فيها التفاؤل بالثورة و"النصر المحتم" الذي ينتظره السوريون، "وذلك نابع من التصميم والإيمان بأن صاحب الحق متفائل دائماً بالنصر مهما كان الثمن". لكن هذا التفاؤل لا يمنعه من توجيه اللوم إلى المجتمع الدولي "لو أن العالم قام بواجبه، لسقط النظام منذ زمن، إلا أن تقاعس المجتمع الدولي سمح بارتكاب كل هذه الجرائم... لكن رغم ذلك نعلم أن النصر سيأتي، لا بدّ أن تكون هناك في النهاية، ولو بعد سنوات عدالة دولية".

رسومات الأسمر وصلت إلى العالمية بعدما نقلتها أغلبية وكالات الأنباء، فانتشرت أعماله التي تحكي قصص القصف والنزوح والتشريد والبطولة، ومنها أيضاً لوحات تتهكم على النظام والمجتمع الدولي وبعض الأنظمة العربية.
آخر لوحة رسمها عزيز الأسمر كانت لـ"منشد الثورة السورية وحارسها" عبد الباسط الساروت، وذلك عقب مقتل الأخير إثر إصابة بليغة أصيب بها خلال معارك ضد النظام في ريف حماة وكانت تحت عنوان "حارس الثورة شهيدا". ويقول الأسمر إن هذه الرسمة تعبر عن "امتناننا لتضحيات عبد الباسط وتعبر عن محبتنا له".

لوحات كثيرة رسمها الأسمر بألوان مختلفة وكل لون يوافق الموضوع الذي تتحدث عنه اللوحة ويستغرق رسمها قرابة ثلاث ساعات أحياناً. كما أن طبيعة الجدار الذي تتم عليه عملية الرسم تفرض نوعية الأدوات المستخدمة مثل الريشة أو الفرشاة أو الإسفنج.

ومن القصص التي رَوَتها رسوم الأسمر سابقاً حادثة الطفل عبد الباسط طعّان الذي أدّى قصف من طيران النظام السوري إلى خسارته لقدميه، وكانت عبارة "يا بابا شيلني" من العبارات التي رسخت في أذهان السوريين بعد انتشار مقطع مصوّر للطفل وهو يدعو والده المرتبك إلى حمله وإسعافه.


كذلك مجزرة الكيميائي التي ارتكبها النظام السوري في الغوطة الشرقية في ريف دمشق عام 2013 وراح ضحيتها مئات الأطفال والنساء والشيوخ، كان لها نصيب من الرسومات التي خطها عزيز على جدران المنازل والمدارس المدمرة.
كما عبر الأسمر عن مواضيع كثيرة بحرية منحها للريشة التي تخط الألوان على الجدران، فانتقد حلفاء الثورة، وفضح أعداءها، ورفض الانصياع لمن يريد تحريف مسارها.
ويرفض الأسمر رسم أي شيء يسيء للثورة، ويصر دائماً على أن تكون رسوماته نابعة من الحاضنة الشعبية للحراك السوري، وتحاكي الواقع الحقيقي، والشوق للحرية وصمود السوريين في وجه آلة القتل والإجرام، ويؤكد أن "الريشة سلاح بجانب البندقية".
مواد الملف

جلال بكور، عامر السيد علي

هنا مدينة بنش. هذه المدينة التي تعد من رموز الثورة السورية، اشتهرت بجدرانها المليئة برسوم الغرافيتي، التي نقلت تفاصيل انتفاضة السوريين ضد نظام بشار الأسد.
عند التجوّل في شوارع بنش، أول ما يلفت النظر، مدرسةٌ، بلا معالم تقريباً، بعدما دمرها قصف الطيران الحربي. لكن رغم ذلك يظهر فوق جدرانها رسم، لـ"كأس العالم" مرفقاً بعبارة "روسيا مجرمة". إلى جانبه رسم آخر، عمره يومان لـ"حارس الثورة" عبد الباسط الساروت الذي ودّعته الثورة السورية بعد سقوطه في معارك حماه، ثمّ رسومات أخرى قديمة عن مجازر الكيميائي التي ارتكبها نظام بشار الأسد، وغيرها من الجرائم.

فمن يقف خلف كل هذه الرسومات؟ إنه عزيز الأسمر، رسام سوري بلغ السادسة والأربعين من عمره، ولم يحمل السلاح. لكنه اختار أن يحارب على طريقته، من خلال الفن والرسم في الشارع وعلى جدران مدينته التي دمّرها طيران الأسد والطيران الروسي، في إصرار واضح على إعادة الحياة إلى الأمكنة وإلى الحجر، في انتظار عودة من غادر من أبناء المدينة.


في حديث مع "العربي الجديد" يؤكد الأسمر أن ما يقوم به "هواية"، ولا يخص الثورة السورية فقط، إنما يعبر من خلاله عن أفكار "ليست ثورية فقط بل تتجاوز سورية إلى الدول العربية والعالم". ويضيف: "أي قضية نشعر بأنها تلامس وجعنا، قضية مصيرية، نرسم عنها، لكي نثبت للعالم ونوجه له رسالة بأننا لسنا سوداويين ولسنا إرهابيين، نحن أصحاب حق، خرجنا في ثورة لنطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية وحقوقنا، وإن حملنا السلاح فذلك ليس ذنباً، لأن العالم وقف متفرجاً ولم يقم بلجم النظام ووقف إجرامه".

كل رسمة لها قصة، بحسب الأسمر: "هذه الجدران التي أرسم عليها تخفي وراءها قصصاً كثيرة، هناك عائلات قضت خلفها بفعل قصف النظام، هذه الجدران بنيت بشقاء عمر كامل أضاعه النظام بإجرامه، عائلة أمضت عمرها في تأسيس منزل ليأتي النظام المجرم ويهدمه، العالم لا يرى حجم الظلم، وهذه الرسوم قد توصل جزءاً من رسالتنا".


عند التنقل مع الأسمر في شوارع بنش، يتذكّر سكان مدينته، يتذكر من كان يسكن خلف هذه البيوت المدمرة. وجوه ولدت وكبرت تزوجت خلف هذا الجدار أو ذاك، وصورٌ لجثث قضت أيضاً خلفها، رآها الأسمر، وودّعها: "كلما نقوم بالرسم نتذكر ونتخيل الناس التي كانت تعيش خلف هذا الحائط أو ذاك، هناك عائلات بأكملها قضت خلف هذه الجدران، ونحن نعرف هذه العائلات، ونعرف حجم المأساة، نرسم وفي قلوبنا غصة وحرقة، لكن ثوريتنا تفرض علينا إيصال المأساة والمظلومية وقضيتنا العادلة".

منذ بداية الثورة وانخراطه فيها، قرّر الأسمر الاستفادة مما يجيده أي الرسم. كان موقناً أن الطريق لإسقاط نظام الأسد طويل جداً، وأن الثمن سيكون غاليًا، "لكن التخلص من حكم عائلة مستبدّة تعتبر سورية مزرعة لها، يستحق التضحية والاستمرار".

ولا تقتصر رسومات عزيز الأسمر على التعبير عن المعاناة والمأساة اللتين لحقتا بالشعب السوري جراء جرائم النظام، بل يعكس فيها التفاؤل بالثورة و"النصر المحتم" الذي ينتظره السوريون، "وذلك نابع من التصميم والإيمان بأن صاحب الحق متفائل دائماً بالنصر مهما كان الثمن". لكن هذا التفاؤل لا يمنعه من توجيه اللوم إلى المجتمع الدولي "لو أن العالم قام بواجبه، لسقط النظام منذ زمن، إلا أن تقاعس المجتمع الدولي سمح بارتكاب كل هذه الجرائم... لكن رغم ذلك نعلم أن النصر سيأتي، لا بدّ أن تكون هناك في النهاية، ولو بعد سنوات عدالة دولية".

رسومات الأسمر وصلت إلى العالمية بعدما نقلتها أغلبية وكالات الأنباء، فانتشرت أعماله التي تحكي قصص القصف والنزوح والتشريد والبطولة، ومنها أيضاً لوحات تتهكم على النظام والمجتمع الدولي وبعض الأنظمة العربية.
آخر لوحة رسمها عزيز الأسمر كانت لـ"منشد الثورة السورية وحارسها" عبد الباسط الساروت، وذلك عقب مقتل الأخير إثر إصابة بليغة أصيب بها خلال معارك ضد النظام في ريف حماة وكانت تحت عنوان "حارس الثورة شهيدا". ويقول الأسمر إن هذه الرسمة تعبر عن "امتناننا لتضحيات عبد الباسط وتعبر عن محبتنا له".

لوحات كثيرة رسمها الأسمر بألوان مختلفة وكل لون يوافق الموضوع الذي تتحدث عنه اللوحة ويستغرق رسمها قرابة ثلاث ساعات أحياناً. كما أن طبيعة الجدار الذي تتم عليه عملية الرسم تفرض نوعية الأدوات المستخدمة مثل الريشة أو الفرشاة أو الإسفنج.

ومن القصص التي رَوَتها رسوم الأسمر سابقاً حادثة الطفل عبد الباسط طعّان الذي أدّى قصف من طيران النظام السوري إلى خسارته لقدميه، وكانت عبارة "يا بابا شيلني" من العبارات التي رسخت في أذهان السوريين بعد انتشار مقطع مصوّر للطفل وهو يدعو والده المرتبك إلى حمله وإسعافه.


كذلك مجزرة الكيميائي التي ارتكبها النظام السوري في الغوطة الشرقية في ريف دمشق عام 2013 وراح ضحيتها مئات الأطفال والنساء والشيوخ، كان لها نصيب من الرسومات التي خطها عزيز على جدران المنازل والمدارس المدمرة.
كما عبر الأسمر عن مواضيع كثيرة بحرية منحها للريشة التي تخط الألوان على الجدران، فانتقد حلفاء الثورة، وفضح أعداءها، ورفض الانصياع لمن يريد تحريف مسارها.
ويرفض الأسمر رسم أي شيء يسيء للثورة، ويصر دائماً على أن تكون رسوماته نابعة من الحاضنة الشعبية للحراك السوري، وتحاكي الواقع الحقيقي، والشوق للحرية وصمود السوريين في وجه آلة القتل والإجرام، ويؤكد أن "الريشة سلاح بجانب البندقية".

جلال بكور، عامر السيد علي
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow