Alef Logo
مقالات ألف
              

العماد بالدم

خيري الذهبي

خاص ألف

2019-10-26

هل فوجئ السوريون أعني الدكنجية, والموظفين الصغار, وبائعي اوراق اليانصيب الوطني المضروب, وصانعي الموبيليا الشعبية في داريا وسقبا , والذين لم يستطيعوا الصمود أمام طغيان المستوردين المتحكمين بالسوق, فهم الأسياد المنافسون على كل ما يمكن أن يأتي ببعض رزق للعاملين في هذه المهنة إلى أن هجمت الصناعات الصينية والتركية الأفضل صناعة, والأرخص ثمنا في انتظار الاستيلاء على السوق, هل فوجئ السوريون بثورتهم التي فاجأت المثقفين السوريين, والمسيّسين السوريين, والمراقبين العالميين والعرب, ولكنها أبدا لم تفاجئ النظام وأهله, فبدوا مستعدين لها كامل الاستعداد, فالخطط مرتبة منذ عقود , والسياسات مدبرة منذ حماة, والتحالفات والمصالح موثوقة, والخصوم؟ لا, لم يكن لهم من خصوم إلا من قرروا أن يضحوا بهم ليضمنوا البقاء للثلاثين سنة قادمة, وهم الشعب, الرعية, الخصوم الاقتصاديون, والذين سيغلفون سرقتهم لهم بصفة "على الموضة "أكثر, فلن يقولوا إنهم خصومهم المجوّعين والذين إن شبعوا فسيكون شبعهم من نقص دخل المقربين, ولن يقولوا إنهم خصومهم المسروقي الحقوق السياسية, ولن يقولوا إنهم أهالي الشبان الذين أخطأوا مرة, وطالبوا بالحقوق العادية التي يتمتع بها كل جيرانهم ما عداهم, فاختفوا !, بل.... سيقولون: إنهم خصومهم التكفيريون الذين حاربوهم, وقتلوهم في بدايات الثمانينات, وجعلوا من قتلهم وتدمير مدينة حماة رعبا للشعب السوري, مواليا كان أم خصما, والذين من أجلهم تغيرت الشعارات التي يفتتح بها اليوم الدراسي ليصبح قَسَما على محاربة الإخوان المسلمين حتى آخر واحد منهم, وكانت نتيجة الحرب على حماة, ثم اغتنام رعب الشعب السوري من التنكيل الفظيع بحماة أن لم يبق في سورية كلها عائلة سورية واحدة لم تصب في واحد, أو واحدة من أبنائها, قتيلا مهدور الدم, فقاتله هو السلطان الذي ليس من يجرؤ على مطالبته بدم, أو سجينا لسنوات طويلة ربما تجاوزت العشرين عاما دون محاكمة, أو مراجعة, أو مطاردا ومطرودا من عمله مصدر رزقه, وحتى لو حوكم, فستكون المحاكمة أسوأمن عدمها, فالمحاكم منذ الثورة المباركة هي محاكم ثورية!! والمحاكم الثورية هي المحاكم التي تقدم مصلحة الثورة المباركة على العدل, وعلى كل المصالح حتى مصلحة العدل الاجتماعي, والحقوقي, والانساني, والاستقرار الاجتماعي.

هناك مايشير بقوة أقرب إلى اليقين أن الأسد الأب قد أسرّ إلى ابنه الطبيب خبرته بالسياسة وبا لنصائح التي أنقذت النظام في بداية الثمانينات, ومن أهمها التعميد بالدم, فلا شيء يقوي قلب الحاكم على شعبه مثل الغرق بدمه, هذا الغرق الذي يقربه من الأرباب القدامى الذين لايشتهون شيئا شهوتهم للدم, والأضاحي, وروائح اللحم المحروق على مذايح سلطتهم, وعليه "الابن"أن يجرب الطريق المجرب, فلقد جربه الأب, ودمّر مدينة, وأرعب شعبا, فنجح في حكم بلد عصت على الكثيرين من قبله, وقال لابنه : علمتنا الحياة في الريف أنك إن جاورت ضبعا لاتأمن غدره, فلا تترك المبادرة له, فيهاجمك متى شاء, وقد يفلح في الغدر بك وأكلك, بل حرشه كما حرشت أنا حماة التي لم ترضخ للفرنسيين, أوللبعث بقادته السابقين واللاحقين, وهيجّ ضبعك حتى يخرج عن تماوته وصمته , فإذا خرج من وكره بعد التحريش وعلى غير استعداد, فاضربه ضربة تقصم ظهره, فلا يعاودها إلى الجيل التالي, الجيل الذي ربما شفي من جراحه, ونسي ماجرى للجيل السابق, فتحدى السلطان الذي اختاره له الله, أما أنت فانقل هذه الرسالة إن طال بقاؤك حتى الجيل التالي أي إلى ابنك, وابن ابنك .

كان في النصائح الكثير مما يرعب الناس في سورية وخارج سورية والذين ظنوا الرجل بعثيا, أو قوميا, أو وطنيا, أوحتى جمهوريا, فالرجل كان ببساطة موتورا... طالب ملك, ولو على أبراج من جثث, وتابع قوله لابنه : غربل ذاكرة السوريين لتعرف من هوالملك الذي خلدته ذواكرهم أكثر من كل الملوك الذين مروا عليهم, فهم ينامون ويفيقون, ولا يكفون عن تذكره, وصمت قليلا ينتظر جوابا, ولكن الابن لم تسعفه الذاكرة باسم يستحق أن يكون نموذجا يتمثله, فمعاوية المكروه سارق الملك من الإمام علي لايستحق التمثل به, وأما نورالدين التقي المحاربٍ, فالقلة يذكرونه, فلقد حجب نوره البطل العسكري المكروه حتى المرارة, مزيل دولة الفاطميين من مصر, صلاح الدين, وإذن؟ ونظر إلى أبيه في استسلام ينتظر أن يذكر الاسم الذي ينام السوريون ويفيقون على تذكره, فرفع رأسه المطرق إلى أبيه, وفحّ: من؟

نظر الأب في أسف طويلا إلى الوجه الذي لايوحي بدهاء, ولايوحي بالدموية التي كان الابن البكر المربى ليكون الدموي القاتل الذي سيذكره السوريون طويلا, والذي سيكون المؤسس الحقيقي للسلالة الأسدية, والذي ستصدق عليه التسمية التي أطلقتها الحاشية يوما على استحياء حين سمّت سورية" سورية الأسد" , فاحتجّ البعض في خوف, وتذمر البعض على تردد, فدرس حماة وتدمرالدمويين ما يزال طعمهما في, وعلى أفواههم, ثم كان تكرارالتذكيربها مع صمتهم المرعوب الذي ثبتها, وتنهد الأب في حزن حاول ألا يستسلم له" ذلك الابن الغالي, الابن الذي يستحق عن جدارة اسم الوارث", وقالها بينه وبين نفسه في مرارة: باسل, وتمتم فاحّا لنفسه : باسيل ـــ الملك, كما في اليونانية, ولكن أنت تريد.... وأنا أريد و...القدر يفعل ما يريد, و ....تنهد:اختطف في سيارته على طريق المطار . من اختطفه, ولماذا, وتوقف قليلا : لو أن من اختطفه استشارني, لو استشارني فقط لقلت له: أبق لي ياسيل وخذ من تشاء , ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه؟

كرر الابن السؤال : من؟ وتنحنح يريد تذكير الأب الذي صار الشرود وإضاعة بقية الفكرة عادة له ليتم ما بدأه, فرفع الأب رأسه إليه يستفهمه لماذا استعاده من ذكرياته, ولكن الابن همس :من؟ ولم يفهم الأب عمن يتحدث الابن, فقال :من, ماذاتعني؟

وقال الابن: من هو الملك الذي ينام السوريون, ويفيقون على تذكره؟ وضحك الأب في مرارة: ليس المهم أن يتذكروه فقط, بل الأهم أن يذكرهم الآخرون به, وكرّر الابن في نفاد صبر :من؟

أدرك الأب أن ابنه قد وصل إلى منتهى صبره, فقال بصوت يشبه الترتيل: الملك العظيم, فاتح الشرق, المنتقم من قتلة الحسين, الولي القادم من أقصى الشرق ليعيد العدل إلى أهله, الرجل الذي جعل السوريين, والعراقيين, والإيرانيين, والأتراك, والبخاريين, والتركستانييين, والهنود يذكرونه إلى ابد الدهر .

تمتم الابن في رعب :سيدي تيمور لنك!!

قال الأب :من علمك أن تسميه "سيدي"؟

قال الابن وهو مغض: كتاب اختلسته من مكتبتك حين كنت فتى.

حشرج الأب: كتاب الزعيم محمد الطويل؟

هز الابن رأسه في ايجاب.

ثمثم الأب : الرجل الوحيد الذي تقشعر أبدان السوريين عند ذكره, الرجل الوحيد الذي تمنيت أن أكونه لولم أكن من أنا.

وهتف الابن في احتجاج :لكنه دمر حلب وبنى فيها يرجا من رؤو س ضحاياه, ودمر حماة, وبغداد, والموصل, وماردين, وأصفهان, وتبريز, والري أعني طهران.

وقاطعه الأب متلمظا: ودمشق,... لقد بنى فيها أبراجا من الرؤوس, وسمح لقاضيه بالخطبة في الجامع الأموي قبل إحراقه, ودمر القلعة, قلعة صلاح الدين, كم تمنيت في أحلامي لو التقى الرجلان, أكان لصلاح الدين أن يصمد أمامه, وهو من سحق الملوك والسلاطين, وحتى الشامخ المتعجرف بايزيد العثماني سحقه, وأسره, وسبى محبوبته المفضلة "ديسبينا "ووهبها لجنوده يطأونها أمام عيون القوي الشامخ بايزيد ليطق قلبه قهرا ويموت, وتنهد وكأنه استعاد حيويته, وو ضع أمراضه وراء ظهره ....وتابع: كان محظوظا, عاش في زمن ليس فيه مجلس أمن, ولا أمم متحدة, ولا صحافة فضولية تلاحق الزعيم إن استطاعت حتى غرفة نومه.

ضحك الابن : لقد لاحقت من كان يمكن أن يكون شريكك في السلام حتى ضبطوه مع اليهودية الحسناءالمدفوعة لفضحه.

تنهد الأب : كلينتون كلينتون, أتعرف أنه أسرّ إلي مرة أنه يحسدني, فنقزت مرعوبا: تحسدني؟ وعلام؟ وأنت سيد العالم, تحسدني؟ و أنت حاكم أقوى وأثرى دولة في العالم, تحسدني؟ وأنت من بإشارة منك تحرك جيوشا لاعداد لها, وبإشارة من مصرفك الوطني ترفع بلادا وتخفض أخرى.

وتابع الأب :وأخيراقال محزونا منكسرا: ولكن ليس في بلادك نائب عام يلاحق اسرارك حتى الفضيحة, وليس في بلادك صحفيون فضوليون ممن عاشروا الكلاب البوليسية التي لاتتوقف بعد شمها الرائحة قبل الوصول إلى الفاعل! ضحك العجوز بصوت حشرجه الإعياء :يحسدني؟ كلينتون يحسدني؟ ضحك الابن مسايرا, فهو لم يجد فيما قاله ما يضحك, وقال: ولكنك لم تنه وصاياك .

هز الأب رأسه في تعب :أتعرف كيف انتصر سيدي تيمور على العالم؟ وهز الابن رأسه في نفي يستزيد الأب ليكمل حديثه, وتابع الأب : مضى إلى شيخه مرة, فسجد بين يديه وقال يشكو إليه فساد العالم : مولاي . لم لا تأمرون ملوككم بالعدل ؟ فأجابه الشيخ الجواب الذي ظل يردده حتى لاقى وجه ربه : قد أمرناهم, فعصوا, فسلطناك عليهم و.... لم يكن ينتظر تحريضا وإلهاما أكثر من هذه الجملة التي كانت رسالته وشعاره حتى هدم العالم الفاسد في انتظار بناء العالم الصالح ليكون مهيئا عند قدوم قائم الزمان.

قال الابن :إذن يجب أن تكون لدي الرسالة. قال الأب : نعم . وتنهد كان أجدادنا من المتصوفة الجنبلانيين يؤمنون بفضيلة الفقر, فهو ما يبعد الإنسان عن الدنيويات, ويقربه من الله!, فقال الابن : والآن؟ قال: المال قوة, والمال عزة, والمال طريق الملك.......وتابع : المال هو الصديق الذي يأتي بالأصدقاء, الذين ربما يكونون مخادعين, ولكن الكلب الذي يعوي معك خير من الكلب الذي يعوي عليك.

صمتا طويلا , واحد يحاول هضم ماسمع, والآخر متعب من حديث كان يفضل أن يحتفظ به لنفسه, ولكن الابن لم يستطع الحفاظ على الصمت فقال: وماذا عن العماد بالدم؟

كانت هذه أهم ما يريد الأب تركه لابنه من نصائح, فقال: لو أن النبي محمد لم ينتصر على المكيين في معركة بدر؟ أفكان له أن يكمل المسيرة, وأن يقنع البداة من الأوس والخزرج, ويهود المدينة, بل وقريش نفسها بأنه النبي, وأنه المنصور, وأن رسالته ستعم العالم , صمت متعبا ثم أكمل: لوأن علي بن أبي طالب لم يقتل اليهودي مرحب ويفتح حصن اليهود ؟ أكان له أن يصبح ذلك المنصور, والإمام, وولي الله؟ وتابع: النصر يقوي القلب, ويأتي بالنصر, والهزيمة تستولد الهزيمة.

وهتف الابن في ضيق لاعهد للأب به: ولكن ما علاقة هذا كله بالعماد بالدم؟

وتابع الأب : وكذلك سيدي تيمور لولم ينتصر على كش وسمرقند وبخارى , هل كان له أن يصبح سيد العالم وأن يهتف : نصرت بالرعب مسيرة أربعين يوما؟

فتمتم الابن في ارتباك : مامعنى هذا؟ فقال الأب: لولم أذل حماة العاصية, لو لم أكسر أنف جسر الشغورالسعيدة بنأيها عن العاصمة, أكان لي أن أحكم بلدا عاصيا لم يحكم منذ أيام معاوية؟

وتمتم الابن في حيرة : و المطلوب؟

قال الأب : اعثر على مدينتك, اعثر على حماة الأخرى التي ستربي بها السوريين.

منذ تلك الليلة اجتمع الخبراء السوريون والأجانب يحضرون المدينة الضحية التي ستكون العماد بالدم و النارللرئيس الجديد, وكانت السويداء في البدء, ولكن أهلها, وتلافيهم للمصيبة أنقذها , ثم شاء الحظ العاثرأن تكون درعا, و.......كانت الخطط مهيأة بالتفصيل حتى سطر التكفيريين والإرهابيين, و....أخيرا انفجرت الثورة, فتفجرت كل المخططات, فالشعب أكبر من كل الخطط.

[email protected]











تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

الشخصية الروائية كما أراها

06-شباط-2021

ورنتون وايلدر همنغواي وجهان أصيلان لأميركا

28-تشرين الثاني-2020

مقتطفات فيس بوكية

22-آب-2020

شكوتك إلى الله

15-آب-2020

ثورنتون وايلدر همنغواي وجهان أصيلان لأميركا

09-أيار-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow