Alef Logo
الآن هنا
              

الخذلان والجوع: معركة إدلب الأخيرة

فايز سارة

2020-01-04

سيسجل التاريخ، انه وفي النصف الثاني من كانون الأول لعام 2019، قام التحالف الدموي لكل من نظام بشار الأسد في سوريا ونظام المافيا الروسية الذي يتزعمه فلاديمير بوتين، ونظام ملالي طهران بقيادة الولي الفقيه علي خامنئي بالفصل الأخير من الحرب على الشعب السوري في إدلب ومحيطها من أرياف حلب واللاذقية وحماه، وقد بدأ الفصل بهجمات غير مسبوقة طوال السنوات التسعة الماضية، شملت أنحاء مختلفة من مدن وقرى المنطقة، مع تركيز خاص على مدينة معرة النعمان اكبر مناطق محافظة إدلب، وأكثرها أهمية وشهرة، ما جعلها في مقدمة أهداف الهجوم.

وشارك في العمليات الطيران والسفن الروسية في البحر المتوسط وطيران الأسد في هجمات ضد أهداف أغلبها مدنية منها تجمعات سكانية وأسواق ومدارس ومساجد، وتجمعات من اللاجئين، وميز الطيران الروسي هجماته باستهداف المدنيين وسياراتهم على الطرقات وسط تعليمات من قيادته: اقتلوا نازحي معرة النعمان!، فيما ميز طيران الأسد هجماته الجوية باستخدام البراميل المتفجرة التي ألقتها مروحياته طوال ستة أيام متواصلة، وقد شاركت أسلحة تحالف الأسد وإيران الأرضية وميليشياتهما من مدفعية ودبابات وراجمات طوال أسبوع متواصل هجماتها بالصواريخ والمدافع، واستخدمت أسلحة محرمة دوليا، وركزت هجماتها على قوافل المهجرين لإرهابهم، وليس قتلهم وجرحهم فقط.

والأسوأ في هذه الحرب تزامنها مع الانهيار المعيشي لحياة السوريين وفي إدلب ومحيطها بشكل خاص. فإضافة لتردي الوضع الاقتصادي بما فيه من فقر وبطالة وضرائب تفرضها هيئة تحرير الشام وحكومتها، ووقف المساعدات الدولية. فقد فاقم انخفاض سعر صرف الليرة السورية الوضع المعيشي، حيث ارتفعت أسعار المواد والخدمات الأساسية، وزادت تكاليف العيش، ودفعت أغلبية السكان هناك الى ما تحت خط الفقر، وجاءت الحرب لتزيد الحالة سوءًا وترديا، وبخاصة أن ظروف الحرب والتنقل تفرض مصروفات استثنائية.

وسوف يسجل التاريخ أيضا، إن الفصل الحالي في الحرب على إدلب مختلف عن الفصول التي توالت في السنوات الماضية. إذ يسعى التحالف الثلاثي الدموي، ليكون الفصل الأخير وخاتمة حربه على السوريين، وتدميره الشامل لمدينة معرة النعمان، وإخراج سكانها منها، يلخص مسعاه في جعلها الهدف الأول، مراهنا أن ذلك سيعطي حربه زخما، لم يسبق أن حصل عليه في السابق، ما يجعله أمام تحدي استكمال السيطرة على كل المنطقة، ودفع سكانها إلى مناطق السيطرة التركية، وهزيمة ما يسميه "الإرهاب" و"الجماعات الإرهابية"، وبناء على هذا التصور، توالت تصريحات أركان الحلف الثلاثي.

وسط سيناريو الحرب الراهنة في إدلب، سيسجل التاريخ، أن العالم بدوله ومنظماته وبقياداته الحالية خان المبادئ المعلنة حول السلام والعدالة والتضامن الإنساني، وتخاذل إزاء ما يحصل في إدلب ومحيطها وفي سوريا عامة، حيث الحرب تزيد أعداد الضحايا بالمئات موزعين بين قتلى وجرحى ومفقودين وبين الأخيرين ممن ماتوا تحت ركام بيوتهم ومحالهم، وهي تدفع في دروب التهجير نحو ثلاثة ملايين، يصر النظام وحلفاؤه على عدم بقائهم في مدنهم وقراهم، وتمتنع تركيا عن فتح حدودها لعبورهم الى أراضيها، ما يجعل المهجرين مستعدين لقبول أي مكان يلجؤون إليه، وكأنه يتم إجبارهم للتوجه إلى مناطق السيطرة التركية وبخاصة في شرق الفرات، ما سيدفع البعض لفتح معركة مع المهجرين بأنهم استولوا على مناطق وبيوت إخوتهم من الأكراد، بدل أن تتركز معركة الجميع ضد من أجبرهم على مغادرة ممتلكاتهم والهجرة، والتوجه إلى هذه الأماكن حصراً، لأنه لا مكان آخر لهم.

إن معركة حاسمة وأخيرة في إدلب ومحيطها، أمر مطروح، ولا تستدعي تفاهمات تفصيلية بين أطراف حلف الأسد والروس وإيران، كما يقول قادة في التشكيلات المسلحة هناك، وهذا ما حصل فعلاً. إنما تتطلب المعركة تفاهمات لأطراف آستانة وبخاصة الطرفين التركي والروسي اللذين يفاجئان الجميع بقدرتهم اعلى خلق المشتركات رغم كل ما يقال عن اختلافهما في الموقف من القضية السورية، وقد تمخضت اللقاءات التركية الروسية الأخيرة عن توافق عملي، جوهره سكوت تركي عن حرب روسية في إدلب ومحيطها، تمهد لاجتياح الحلف الثلاثي للمنطقة، وتطرد ما تبقى من التشكيلات المسلحة منها، ويتم تدمير القسم الرئيس من هيئة تحرير الشام، وهي نقطة توافق مشترك لكل الأطراف، ولو بدرجات مختلفة.

غير أن الأهم في نتائج هذا الفصل من الحرب، أنه سيدفع القسم الأكبر من سكان المنطقة نحو مناطق السيطرة التركية، وهي المجال الممكن والوحيد. ولعلها النقطة، التي تبرر وتفسر الموقف التركي الصامت حيال الحرب ومجرياتها، فذهاب مليون أو اثنان أو ما بينهما من السوريين إلى مناطق السيطرة التركية في درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، يمثل تغييراً ديموغرافياَ في المنطقة، يحقق مصالح تركيا، ويزيل بصورة نهائية مخاوفها من عودة كرد قوات سوريا الديمقراطية إلى المنطقة، وسيقضي بصورة حاسمة على فكرة الخطر الكردي في الشمال السوري.

لقد ذهب الحلف الإجرامي إلى الحد الأقصى من عملياته العسكرية جواَ وأرضا. وذهبت تركيا وروسيا إلى عمق تشارك الاستفادة من بيئة الحرب ونتائجها المرتقبة، فيما ذهبت القوى المحسوبة على المعارضة بشقيها السياسي والعسكري إلى إعلان موتها، فنتجنب أغلبها إدانة مواقف الأطراف الإقليمية والدولية وصمتها، وفي حالة الإدانة اكتفى بإدانة لفظية، لا تتصل بأي خطوات إجرائية ذات طابع سياسي أو عسكري، بل إن ما تم الإعلان عنه من خطوات مشتركة على الصعيد العسكري للدفاع عن إدلب ومحيطها أمر غير قابل للتنفيذ، فمن غير الممكن القبول بمشاركة تشكيلات مسلحة مع هيئة تحرير الشام ومن يماثلها في معركة أو جهد عسكري بعد كل هجماتها عليهم ومحاولات تصفيتهم، وبعد ما ظهر من دورها في سقوط حلب، إضافة إلى أن التشكيلات المسلحة المشاركة في آستانة، صارت خاضعة لتفاهماتها، وكلها لم يعد يملك قراره في العمل العسكري.

إن المحصلة العامة ولا سيما موقف التشكيلات السياسية والمسلحة، جعلت الموقف الدولي يزداد تردياَ وتدهوراَ، ليس في موضوع الحرب على إدلب ومحيطها فقط، بل في إجمالي الموقف من القضية السورية، وقد بات على السوريين، أن يخرجوا من نسق الندب والبكاء، وإدانة الأطراف المختلفة أو الميل إلى العزلة، والذهاب الى تفكير وسياسات جديدة بعد كل الخسائر التي حملها أهلهم في السنوات التسع الماضية.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

جو بايدن: حكاية سورية جديدة

26-كانون الأول-2020

أسرار تكشفها صور "قيصر"

26-كانون الأول-2020

مسار الموت في سجون ومعتقلات الأسد

19-كانون الأول-2020

جو بايدن: حكاية سورية جديدة

19-كانون الأول-2020

سوريا: الموت في السجون والمعتقلات

26-أيلول-2020

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow