Alef Logo
الفاتحة
              

عن اللجوء واللاجئين

سحبان السواح

2020-04-04

أفكر اليوم وبعد لجوء طال سنين، أن المكان هو الزمان فلا مكان عاطفيا ينفصل عن الزمان. وهو ليس شيئا ثابتا بل هو متغير فالمكان لا يمكن تحديده بعيدا عن الزمن الذي حدث ففي الزمن كنت تمشي فيه المرحلة الابتدائية في طفولتك، ثم في مراهقتك وصولا إلى الكهولة هو الذي يشكل صيغة المكان والعلاقة العاطفية معه. وبهذا المعنى فالمكان هو تداخل العاطفة المتشكلة زمنيا مع برودة المكان القابع مكانه دون تغيرات تذكر.
ولنسم دلك؛ حالة ارتباط المكان بالزمان وبالذاكرة الباطنية "زمكان" وهو اختصار لذاكرة الأنسان، مطلق إنسان، ولعلاقته بالمكان. وفي هذه الحالة لا يتقصد أي كاتب أن يكتب عنه بل هو موجود في مخزونه الباطني يفاجئ الكاتب حتى لو كان يكتب مقالا صحفيا في أي زمان ومكان.

شخصيا بقيت فترة طويلة من الزمن حين نقلوا لي عما جرى لشارع مدرستي الإعدادية الذي كنت أسير عليه كل يوم خلف فتاة جميلة لأشاهدها تلتفت إلي التفاتة سريعة أوقعتني في مرحلتها الأولى في الغرام. قلت حكوا لي عن الدمار الذي لحقه والحفر التي أحدثتها القنابل فيه بقيت إثرها لأسابيع طالت بمزاج سيء ومتعكر فقد دمروا جزءا من تاريخي الشخصي.

من هذا المنطلق فالمكان الطارئ أو مكان اللجوء لن يعطي دفئا كما المكان الذي عاش فيه المرء فترة طويلة من حياته. ويختلف الأمر من بلد لجوء إلى آخر فأنا الذي بدأت لجوئي إلى مصر والقاهرة تحديدا، ورغم القذارة التي تمكنت من شوارعها وبيوتها ومحلاتها، إلا أن ناسها بطيبتهم وحنانهم وسهولة التعامل معهم جعلت لي هناك بعض ذكريات قد تجد منفذا لها أثناء كتابتي دون إصرار مني على فعل ذلك.

كنت وخلال فترة إقامتي في القاهرة أفكر ببيروت ونظافة شوارعها وببارتها ومقاهيها وأبنيتها فهي المدينة الثانية بعد دمشق التي لها في ذاكرتي الشيء الكثير. ولكن هذا الشيء دمر فحين انتقلت لاجئا لا سائحا اكتشفت حجم البرود الذي يسكن في حجرها في بيوتها وناسها. وناس بيروت اليوم ليسوا من اللبنانيين فقط بل أصبح السوريون ينافسون سكانها الأصليين في تواجدهم الكثيف في شوارعها أعترف بأنني لن أتذكرها إذا طال بي العمر سوى كمدينة باردة عشت فيها قسوة لم أعشها طوال سني حياتي الطويلة ومقارنة بأسفاري الكثيرة.

حرض هذا السؤال ذاكرتي ورحت أتذكر تأثير المكان على كتاباتي عموما، فمثلا حين أردت الكتابة عن لقائي مع الله لأحدثه عن مكنونات صدري وهموم عشقي، وهموم سورية تحت نير الاستعمار الأسدي لها لم أجد مكانا مناسبا لهذه اللقاءات سوى جبل قاسيون. وحين كتبت عن عشقي كانت حمص ماثلة أمامي.وبعد انتقالي للعيش في دمشق التي ماعدت قادرا عن الانفصال عنها والعودة الي حمص شعرت أنني خائن ولمت نفسي طويلا على هجري لمرابع طفولتي ومراهقتي وخيانتي لها.

اكتشفت بعدها أنني أعشق دمشق أيضا كما عشقت حمص ولهما في داخلي المكانة نفسها وهذا ما أراحني نوعا ما.

أعود لأؤكد في موضوع تأثير المكان عند الكاتب أنه مالم تصبح علاقتك بالمكان تاريخا طويلا فيه تعشق وتكتب وتمشي وتفقد أحبابا وتحزن وتفرح وترقص لا يمكن بشكل من الأشكال أن يكون مكان هو طريق للعبور إلى مرحلة جديدة من الحياة.

وها أنا في بوردو ـ فرنسا اليوم، وبالأمس في إسطنبول وقبل الأمس في غازي عنتاب، وقبله في بيروت ومن يدري أين سأكون في الغد البعيد أو القريب. ولكنني أظل أنتظر فرصة للعودة إلى دمشق ولن أنتظر ثانية واحدة فيها حين يصبح بالإمكان العودة إليها حين تتغير الظروف. باختصار أنا أنتظر في بوردو ولم تصبح مكان إقامة ولن أعتبر القاهرة مكان لجوئي الأول ولا بيروت مكان لجوئي الثاني ولا تركيا ولا غيرها بديلا عن حمص وبعدها دمشق

تعليق



شو ف عبيد

2020-04-05

من زار دمشق وحمص لا يستطيع أن ينسى البهاء الذي فيهما وهو بهاء الشام عموما فأتمنى يا صديقنا أن تتجاوز سوريا الحبيبة المحن المتوالية وتعود إليها وفبّا مشتاقا ونعود إليها نحن الذين أحببناها واحببنا ناسها اللطفاء الطيبين.......خالص الودّ

أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

عن أسماء الأعاضاء التناسلية

17-نيسان-2021

عن اسماء الأعضاء التناسلية

03-نيسان-2021

بدكن حريييييييييييييييييييييييييي

27-آذار-2021

لو أمدَّ اللهُ في عمرِ محمَّدٍ،

27-شباط-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow