أنا المُتهمُ بأني لم أكتفِ بصرخةِ الولادةِ، وأني أتعاطى القلقَ والسهَرَ منذ بلوغ الحَرف سِنَّ العبارةِ وبأني طرقتُ البابَ برأسي، ودخلتُ بَيتَ الكلامِ برجلي اليُسرى
أنا المُتهمُ بأني في المدرسةِ دأبتُ على شتّمِ جدولَ الضربِ، وتحريضِ الزاويةَ المنفرجة على الزاويةِ الحادةِ وأني تمردّتُ كثيراً على الأرقامِ الفَرديَّة، وخَططتُ لثَقبِ نُقطة المركزِ في الدائرةِ المغلقة بالسهمِ الذي تركَهُ المعلمُ على اللوحِ وبأني سحبتُ البساطَ من تحتِ الخط العمودي في الزاويةِ القائمةِ ورَكلتهُ في بطنِه، لأنه يكسِرُ قلبَ الرؤيةِ، ويُذكرني بالجدارِ المحيط ببيتِ ابنة الجيرانِ وأني عبثتُ بالهرمِ ورسَمتَه في دفاتري بالمقلوبِ وبأني من أنصارِ "نظرية الاستقراء".
أنا المُتهمُ بأني كنتُ أتهربُ كثيراً من دروسِ القواعدِ، وحين أحضرُ أفتعلُ الشجارَ مع الفاعلِ، أبصقُ في وجههِ وأُوَبّخُ بشدّةٍ نائبَ الفاعلِ، وبأني دائما أقفُ مع المفعولِ به المقطوع مِن يدِ العدالة، وأني طالبتُ بلجنةِ تحقيق مُستقِلة حولَ حالةِ النصبِ، وأصرّيتُ على الكشفِ عن المبني للمجهولِ، وبأني كنتُ ألاحقُ الضميرَ المستتر لفضحِ مكانهِ ومن يقفُ وراء غيابِه وأني اتهمّتُ "لكن" بالتلاعبِ، لِنفيِها ما قَبْلها، وبأني قمتُ بحملةِ انتقاداتٍ لاذعةٍ على إداءِ "إذا" الشرطية وأني وضعتُ في كأسِ "ياء النداء" حبوباً منشطة، وربَطّتُ خيولَ القطارِ في أُذنِ واو الجماعة
أنا المُتهمُ بأني خرجتُ عن قواعدِ الأدبِ، حين أطلقتُ مراراً سراحَ إعجابي بالشامةِ على خدِّ نونِ النسوة، وتغزلتُ على الملء بعيون تاءِ التأنيث، وبأنه تجمعني علاقةٌ رومانسية مع "لا" الرافضة، وأني التقيتُ مراراً في المقاهي الخائفة قادةَ الممنوعينَ من الصرفِ
أنا المُتهمُ بأني حاولتُ حرقَ شاربَ التاريخِ، وأني حَرَّضتُ المسمارَ على المطرقةِ، وصفعتُ الصخرةَ على وجهها، لتستفيقَ من سُباتِها، وبأني رميتُ رسائلاً بالحبرِ الأسودِ إلى النهرِ، وتسَبَبتُ له بالإسهالِ الدائمِ، وأني أرسلتُ على "تويتر" تهديداتاً للبحر، إن لم يرفع يَدهُ عن القواربِ
أنا المُتهمُ بالقفزِ فوقَ ظلّي، وبأني رفعتُ البطاقةَ الحمراءِ في وجهِ الحَكمِ، وشاركتُ في فضحِ سرِقاتَ عصابةِ "الفيفا" وأني دُسْتُ على قافلةِ النملِ في طريقِ عودتها إلى بيتِ الطاعةِ، وماتتْ في قسمِ العنايةِ المشددة، وبأن يداي ملطخة بخرابِ بيت العنكبوت...، وأني طعنتُ الأرضَ بصدرِها، حين امتطيتُ قدماي، وسلكتُ طريقاً غير مُسجلٍ في خرائطِ وزارة السيّرِ الحزبيةِ
أنا المُتهمُ بأني قذفتُ التلفازَ بحذائي، وسحبتُ المذيعَ بعنفٍ من لسانهِ، وأبرحتُ الكذبةَ ضرباً على عينها، حين تطاولتْ على رأسي، وحاولتْ الدخولَ من شُباكِ أُذني، وبأني أمتلكُ فانوساً غير مُرخصٍ من وزارةِ الرؤية، وأني أنشأتُ نفقاً لتهريبِ الحقيقة إلى جبهةِ الضوءِ الأمامية
أنا المُتهمُ
بأني تبوّلتُ في وضحِ النهارِ على جدارِ السلطةِ، ورفعتُ إصبعي الوسطى للصنمِ الذي يقفُ وسط الدوارِ، وبأني اعتديتُ على البيئةِ، يوم قطعتُ شجرةَ القبيلةِ، وحفرتُ حفرةً عميقة لأخواتها
أنا المُتهمُ بأني تَسَلّلتُ سراً إلى محطةِ الأرصادِ الجوي، واجتمعتُ مع الريحِ والغيومِ، وأصدرنا بياناً حولَ عمليةِ الاستسقاءِ ومَربط المطرِ، وبأني لوَّحتُ للشمسِ بكِلتا يداي، وزرعتُ لها فوق التلالِ مرايا تُرشِدها إلى مزارعِ الجليدِ، وأني وضعتُ أجهزةَ تَنصُّتٍ في سريرِ الهزيمةِ، وقمّتُ بالتواصلِ مع أهالي الجندي المجهول وسَلَّمتهُم رسالتِه الأخيرة...
أنا المُتهمُ
بإخراجِ رأسي من تحتِ الغطاءِ، وكَسرِ أضلاعَ قانونِ الطوارئ، وأني مزّقتُ السِتارَ عن لوحةِ المقابرِ وبأني أنزلتُ الكتابَ عن الرّفِ، وصُرتُ من عبَدةِ المعرفة وعضواً نشيطاً في منظمة الأدب المقارن وأني أُجالسُ الشكَّ...، وأُقيمُ طقوسَ الفرحِ للجوابِ، وأرسلُ بطاقاتَ معايدة للشمعةِ وأعوادِ الثقابِ وبأني أستَوردُ خبزي من "مُدُنِ الملحِ"
أنا المُتهمُ بإسمي، وبأني قَتلتُ جثتي مع سبقِ الإصرارِ، وأخفيتها في دفترِ الرسمِ
أنا المُتهمُ، مُواطنٌ من الدرجة تحت الصفر، وفي المحكمةِ اعترفتُ بأني تعاونتُ سراً مع أجهزةِ الحياةِ
أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
