Alef Logo
يوميات
              

رافائيل /

خاص ألف

2008-06-20



1-
في اللحظة التي أغلقت فيها البوابة الخشبية الكبيرة خلف رافائيل ، وفتحت الباب الآخر المطل على الصالة الواسعة ، وقبل أن أغلقه ، كما يحدث عدة مرات ، تقع عيني دوما على آخر مشهد وأنا أفتح الباب ، ثم أغلقه ، مجموعة الحطب المرتبة بأناقة ، قرب الباب . دخلت وأقفلت الباب خلفي ، وكان علي أن أنام تلك الليلة ، كما في كل ليلة .

اخترت الغرفة في الطابق الثاني ، حيث أحب أن أنام في مكان أرى فيه العالم حولي ، ولم أفضل الغرفة التي اقترحتها عليّ رافائيل في الطابق الأسفل ، حيث الغرفة منزوية ، وفي ركن بعيد . بل أن رافائيل استغربت أني أترك الستائر مفتوحة ، ولو أن رافائيل أدركت أني لن أنام الليلة ، مع أني سأستيقظ في السادسة صباحا لنقوم بجولة في المدينة قبل الانطلاق إلى المدينة المجاورة ، حيث نبدأ يومنا ، لاستغربت انهماكي بالمشهد ، مفضلة مخاطبة المكان على الاسترخاء في سرير سحري ، وغرفة سحرية ... ولن أقول مبكرا سبب سحرية المكان ، الأمر الذي يبعد النوم عن جدولي الآني .لا بد أن رافائيل الآن تغط في نوم عميق ، بعد أن أوصلتني إلى منزل أبويها الذي يتسع لعائلة كبيرة ، المنزل الأبوي الذي يجد فيه كل من الأولاد الثلاثة غرفا مستقلة لهم ، ولأولادهم ، وللأصدقاء .كان علي أن أحتله وحدي ، بينما عادت رافائيل لتنضم إلى فراش نيقولا .

كان علي التفرغ قليلا لمخاطبة المكان ، لخلق الألفة بيننا ، فلن أستطيع النوم في مكان : لا أعرفه ، بهذا الاتساع ، وحدي . ولكل جملة من الجمل الثلاث بعد النقطتين وقفة . ولكل وقفة سيرة انفعال ، وذكريات محتشدة بالفوضى والاضطراب ، بل والاختلاق .

2-
استغرب القاضي الدمشقي حين أعلمته أنها زيارتي الأولى لدمشق ، وكنت حينها قد تجاوزت الخامسة والثلاثين ، وشعرت من ابتسامته ، والروح المداعبة التي نقل بها قصتي لزملائه أمامي متندرا " أول مرة تأتي فيها إلى دمشق " أنه سوف يكون عادلا في قضيتي المرفوعة أمامه ، والتي من أجلها حصلت على استثناء في حياتي ، كي أغادر مدينتي الأولى ، حيث محاكم الاستئناف في دمشق ، ومع أننا لسنا هنا ، إلا أني أشير بسرعة أني كسبت القضية في حلب ، وخسرتها في دمشق ، رغم ابتسامة القاضي . وللعدالة في حياتي موقعا آخر ، سيأتي ذكره حين ألتقي بصديقي المبجل كافكا ذات نص .

3-
وصلت محطة " فان " لأبحث عن سيدة خمسينية تنتظرني ،حسبما رسمت صورة رافائيل في رأسي ، فرأيت شابة ثلاثينية تحمل ورقة مكتوبا عليها اسمي بالفرنسية ، دون تفكير مني ، عانقتها وتبادلنا العناق ، كأننا نعرف بعض من قبل ...
اصطحبتني رافائيل بسيارتها حيث علينا أن ننطلق نحو مدينة صغيرة مجاورة لـ فان ، هي كرنك ، وبدا اسمها غريبا علي ، مليئا بإيحاءات تاريخية . اقترحت علي أن نطل على الأولاد في المدرسة ، إنهم يغنون هناك ، فهذا يوم الموسيقا ، وذهبنا ...
لم توافق رافائيل على حذري في اصطحاب حقيبتي " لسنا في باريس ، نحن في بريتانيا " ، تركت الحقيبة في السيارة وأنا مغمورة بأمان نادر ، وتسللنا إلى المدرسة باحثتين عن جاسبار وروبنسون وأوستاش ، ولما قدمتني إلى نيقولا ، لم يكن يكبر أولاده كثيرا ، إلى أني تصورت أنهم عائلة أخوة ...
أخذنا السيارة ، وصعد معنا الولدان وظل أوستاش ، الصبي الأوسط مع والده ، على أن يلحقا بنا سيرا على الأقدام ، فالبيت قريب ، تسللنا إلى المكتبة لروي ظمأ جاسبار النهم إلى القراءة ، اشترى كتابا صغيرا ، ثم صادفنا نيقولا في الطريق ، أوقفنا وقال " لن أتناول معكما العشاء ، اتصل بي صديق ، سأذهب لتناول كأس ، لا تنتظراني ، سأنضم إليكما لاحقا لنثرثر قليلا " . لم يأبه نيقولا أني ضيفتهم ، وتابع برنامجه كما لو لم أكن هناك .

على المائدة ، صحح لي روبنسون البالغ خمس سنوات ، وأنا أقول لرفائيل " إذن تزوجتما منذ خمسة عشر عاما تقريبا " فقال " أبوي غير متزوجين " ، وانزعجت من تراثي التلقائي : لا يعيش رجل وامرأة معا ، وينجبان أولاد ، دون زواج !
كانت صداقتي مع جاسبار مباغتة ، علقت رافائيل في اليوم التالي عن ذهولها بالحوار الذي تم بيننا .
4-
ولم أتمكن من زيارة أي محافظة أخرى في سورية ، سوى حماه ، حين كنت صغيرة ، وذهبت في زيارة عائلية مع أبوي إلى منزل خالتي هناك ، ولم نرى ، نحن النساء ، سوى محطة الباصات ، ومنزل خالتي . إلا أنني أعترف أني ذهبت ، تهريب ، إلى اللاذقية ، إذ نظمنا رحلة سرية ، أثناء الجامعة ، إلى البحر ، وغادرنا صباحا ، على أساس أننا ذاهبون للدراسة في المكتبة ، وانطلقنا إلى البحر وعدنا في اليوم ذاته ، " هذه سفرة " !
كان من أحلام يقظتي أن أسافر إلى القامشلي ، هذه أيضا سفرة ، أما لبنان والأردن مثلا ، فذلك كان أعلى من مستوى أحلامي ، وأكبر مسافة قطعتها كانت بين حلب وعفرين ، حتى أن قريتي قرب كفر جنة ، هي أقرب الجميع .
أنا في فرنسا منذ أكثر من ثلاث سنوات فقط ، ورأيت منها الكثير ، وأسافر في السنة الواحدة ثلاث أو أربع مرات ، خارج باريس ، ولأماكن جديدة ، مع أن تذاكر الطريق هنا أغلى بكثير مما كانت عليه تذاكر بولمانات حلب ـ دمشق .

5-
أن أنام في غرفة ، تطل مباشرة على الأطلنطي ، أمر يمنعني من الاستغراق في النوم ، حتى لو كان علي أن أستيقظ في صبيحة اليوم التالي في السادسة ، هنا تكمن سحرية المكان ، البحر ، بحر بريتانيا .
أن أطل على وجه الله ، لا على وجه بائع الفروج في الحي الذي أسكنه ، ولا أدري كيف يستطيع بائع الفروج ، أن يوازن في نظراته ، فيمسح المكان كاملا ، من الطوابق المقابلة له ، إلى الشارع أمامه .
أن تكون في مكان وحدك ، أمامك العالم مفتوح ، السماء والبحر ، والصمت . لا ضجيج سيارات باريس ، ولا الوجوه المكفهرة التي تستيقظ دوما ولا تزال آثار النعاس تصحبها طيلة النهار، كل هذا لم يرد في أوراق العرافة .
6-
أن تكون شابا ، تحمل حقيبة سفر على ظهرك وتتنقل من مدينة لأخرى ، قرأت هذه الجملة ، أو ما شابهها في كتاب ما ، وأثرت بي ، وكلما ، حملت حقيبة الظهر ، المحشوة بأغراضي الملحة ، التي لا يمكنني الاستغناء عنها ، وكلما غادر بي القطار ، شعرت بكم هائل من الحرية ينفذ إلى وجودي ، ويلهم عالمي .
7-
لو أن عرافة ما ، أو أن أمي قرأت لي في الفنجان قبل سنوات ، أني سأكون وحيدة ، أسافر من مدينة إلى أخرى ، ألتقي بأشخاص لا أعرفهم ، أدخل مقاه جديدة ، أتنقل في قطارات معقدة الحركة ، لاعتبرت كل ذلك خرافة ، إن حرية الغرب هنا ، وعدالته ، بالنسبة لي ، فوق الخرافة .
8-
إلا أن الرجال " الجيف " ، والكثير من النساء " الجيف " يعتقدون أن الحرية هنا ، أن أي واحد ينام مع أي أحد ، ولو أنهم جاءوا ، لعرفوا أن ذلك يحدث فقط في الأماكن المأجورة ، ولا يقترب رجل من امرأة ، أو امرأة من رجل ، ما لم يجمعهما شيء أكبر من الآنية .
9-
كان علي أن أودع غرف المنزل الأبوي البريتاني في كرنك بلاج ، متلمسة ضوء البحر ، مشرقة بحرية جديدة ، تتجدد في كل لحظة وأنا أخرج فيها من الآخر .
طلب مني فيليب ، صديقي البروتوني أن أتلمس حجارة " المينير " التي تعني باللغة البروتونية : الأحجار الواقفة . قال لي ، المسيها وسوف تري ، فهمت من عبارته ، ومن ذخيرتي الميتافيزيقية ، أن تلك اللمسة ستنقل لي سرا ما . أثناء كتابة هذا النص ، وصلني خبر هام . ربما نقلته لي أحجار كرنك !


مها حسن ـ باريس

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow