Alef Logo
ابداعات
              

سيأتي ميتٌ بَعدي

نزيه بريك

خاص ألف

2020-11-21

لا مفرٌّ،
سأحصل على حقي بالموت بموجب قانون البيولوجيا وبند المساواة...،
ربما أنا الآن، بفعلِ الكيمياء الحيوية، ميتٌ

ربما يأتيكَ الموتُ عارياً، بدون خطاب سئِم المرآة
وربما يظهرُ عليكَ متخفياً بزبدِ الحياة، أو متنكراً في ضباب ذاتِهِ
ربما يأتي على فرسٍ بيضاءٍ، كفارس أحلام فتاة ضاق بها الانتظار، وحطَّت
على كفِّ قارئة الفنجان
وربما يأتيكَ على جناحِ حبٍ حلَّقَ من النظرة الأولى، يفوحُ منه مذاقُ الصُدفةِ
ربما يأتيكَ في هيئة أغنيةٍ شعبيةٍ، تفتح لك
باب الرقص، لتنسى أنكَ على قيدِ الموتِ الطويل
وقد يأتيكَ في هيئةِ صندوقِ الاقتراعِ السحري، مُزوداً بفمٍ صغير وفتحةٍ شرجيةٍ...،
فتُدلي بصوتكَ الحُرّ الأخير، وتتخلص من النفايات، وتقول بفخر:
أخيرا قد جاءنا بطريقة حُرةٍ.
قد يأتيكَ الموتُ كتاجرِ جُملة، يُفاوضكَ على السعر، منتهزاً انهيار بورصة الحياة ومزاج "الكورونا"
المُنفتح على الطوائف
وربما يأتيكَ على هيئةِ حكواتي، يعتمر قبعة، غارساً لسانَهُ
في الفراغ الأبدي، لتسترخي
كضوء شمعة يقترب من لفظ أنفاسه المرهقة من النكران...، وتستسلم
لنبراتِ صوته المسلحة بالدراما التصاعدية، فلا تشعُر
ببداية النهاية
ربما يأتيك كنهرٍ فَقدَ صوته تحت عناد الجليد
أو يأتيك
كصخرة تربخ فوق ماء النهر، فيستدرج الفضولُ
حاسَّة غريزتك بلمس رُكبتيها
ربما يأتيك راقصا كورقة شجرة تحررت من قبضة أمها
واختارت الحركة...
ربما يأتيك كغيمة أسرفت في الشرود، فتراخت أعصابها
وأجهضت
ربما يأتيك على هيئة وردة ابتلعتها العتمة وفقدتْ
هيبتها أمام الشوكِ
ربما يأتيك بثياب المدرسة حاملاً حقيبته المُكبلة بالصمت
أو متخفيا
بثوب الصدى لتبحث في ذاكرتكِ عن صاحبه
ربما يأتيك على شكل وسادة مَسحَتْ ذاكرة دموعها، لتستدرجك
إلى النوم الخالد
ربما يأتيك في هيئة كلمة باردة، لم تحظى يوما
برعشة الجماع
ربما يأتيك في هيئة إبريق في يد امرأة تسقي ورود الحديقة في الشتاء، لأنها
فقدت الإحساس بالفصول...
ربما يأتيكَ على شكلِ ريحٍ تَعِبتْ من أملِ تحريك الجبال،
وقد يأتيكَ في هيئةِ زوبعةِ ضحكٍ، تبتلعُكَ كدوامةِ ماءٍ مُصابةٌ بالدورانِ الصوفي
ربما يأتيك ككلبٍ جائعِ يهزّ بذيله فرحاً لرؤية الأنس بعد طول فراقٍ، فتعطف عليه
وترمي بجسدكِ له
ربما يأتيك كقطة شاردة تبحث عن حضنٍ دافئ يُفقِدُها
ذاكرتها المُلوثة بالتاريخ
وربما يأتيكَ كقطعةِ حلوى تأخرتْ عليها
فرحة الأطفال بمرسوم رئاسي
وقد يأتيكَ منفوخا
كرجل شرقي يُفتّلُ شاربه، بعد أن أنقذ شرف العائلة بمرسوم قَبَلي
ويحُكُّ خِصّيَتَيه بحصانة ذهبية
وربما يأتيكَ الموت مرتدياً
ثيابَ حكيمٍ، في يدهِ مسبحةً قابلةً للتأويل
وفي فمهِ حكمةَ:
الموتُ هو اللاشيئ، مثل كل شيء هنا

أعرفُ أني سأحصلُ على حقي بالموتِ، لكن
ليس هذا
محطَّ قلقي، إنما
ماذا سيكون مصير ذاكرتي!؟
أأضعُها في صندوقِ العرسِ المنسِيُّ، وأغلقُ عليها البابَ لتختنق غرقاً في دموعها!؟
أم أحرِقُها على طريقةِ الهندوس، وألقي برمادها
في النهر الفاصل بين نهد الجولان ونهد فلسطين، ليخرج الماء عن صمته!؟
هل أضعها تحت الشمس، حتى يتخثر الضوء في عينيها وتنسى
صورة وجهي، كما لو كنتُ
ريحا مرّت من هنا بمحض فوضى في حواس المَجرّات السماوية؟
أم أُخلِّلها
وأحفظها في مرطبناتٍ زجاجيةٍ مُحكَمةَ الإغلاق،
أم أكتفِ
بأخذِ عَيّناتٍ من سيرتها الذاتية ليوم الحساب، أو عينات
من حيواناتها المنوية، لأستنسخها فيما لو خطفتها رصاصة الانقراض؟
هل أصنعُ منها كرةَ قماش، ليلعب بها الأطفال كلما ضاقت روحهم
بزنازين الجغرافيا والتاريخ،
أم أوزعها على أصدقائي الموتى، لكن ماذا لو
نَبشَ حماةَ ديار الموتِ القبورَ ثانية!؟
ماذا لو رَفعَها الاحتلالُ بجرافة، ووضعها
في مقبرة رقمية، رافضا
أن يمنحها مساحة بطول جثتي،
مساحة من فلسطين المسروقة، أو من الجولان المضمومة -في صدري-
لقائمة الجريمة المُنظمة.
هل أشتري لها قطعة أرض بور مُعقمة من وباء الاحتلال، وأقرأُ
وصيتها للريح والمطر،
أم أقدِمُها سماداً عضوياً للأرض المُصادرة، كي لا يتلاعبوا بجيناتها، فتنسى شجرةَ عائلتها؟
هل أخلي سبيلها لتذهب مع الريح وتعود مع العاصفة المؤجلة بسبب الاحتباس الحراري؟
هل أغيّرُ اسمها الثلاثي وأقص شعرها الأسود الطويل، وأضافرها
المطلية بالمواعيد،
أم أغطيها بشرشف الليل حتى قيامة الفجر
المُنتَظَر!؟
هل أدَعها تمشي مع النهر، لتدخل
على ظهر غيمة وتعود
بالسقوط الحر
كالمطر!؟

أيها الموت!
المتعجرف، فارداً
ريشك كطاووس ضاجع للتو أنثاه
أيها اللاشيئ!
كل أوراقك محروقة بالعدم
إني في الانتظار، أقف
كإشارة الضوء
فوق رصيفك الطويل،
وفي يدي مصباحاً من الطين
حان الوقت لأُلقي عني هذا الجسد،
وأدقُّ
المسمار في تابوت الفراغ
لست أنا أول الميّتين،
ولستُ
آخر المذبوحين
بسيف الانتماء...
سيأتي ميتٌ بَعدي، حاملاً
في كفّهِ
ذاكرةٌ خضراء،
ونهراً
يمتص دم الجليد

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

للقلق فوائد، فلا تقلقوا...

15-أيار-2021

أبوابٌ

27-آذار-2021

حين تأخذُ حِصَّتك من الشمس

06-شباط-2021

لا أُريدُ التَّدخُلَ

16-كانون الثاني-2021

النافذة...

02-كانون الثاني-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow