Alef Logo
ابداعات
              

في سيرة الرجل الداكن

عبود الجابري

2021-02-06

لست مدينًا للغابة بشيء
ما دام أسلافي لم يورثوني فأسًا
ولي في ذمّتها
حطبٌ تنازلت عنه
عندما كانت قامتي تطاول أشجارها
لي عند أسوارها سهامٌ
ماتت قبل أن تصيب قلوب الضواري
ولي في قلبها غزالة تفرُّ من اسمي
حين تردّده الطيور التي أطعمتُها بيدي
لي عند حرّاسها معاطف كثيرة
منحتُها لأسودٍ صادفتني
وغضَّت البصر عنّي من وهنٍ
كما لو أنها تدلُّ ضحاياها
على طريق النجاة


***

ما تحبّه عيناك ليس بالضرورةِ أن يكون لامعًا، كما لو أنّه ينتظرك في الشمس، فنحن نحبُّ الأشياء الداكنة كذلك، الأشياء التي تنفحنا بالضوء عند حاجتنا إليه، اللّمعان يسرقُنا من التراب ويمضي بنا صوب المعدن، المعدن الذي يتوجّب عليه أن يبالغ في نعومته كي يبدو صقيلًا، أعرف رجلًا كان يحبُّ الفواختَ، ويستريح تحتَ أجنحتها حين تنتابهُ متلازمةُ الهديل، كان يجرّب صوته الأجشَّ في مراودة النوافذ، فتنكسر لأغانيه فناجين القهوة، وينتحبُ زجاج النوافذ، كان صوته قبيحًا، لكنَّه عامرٌ بحنين لا يدركه سوى الفواخت، الفواخت بلونها الرمادي المكحّل بالنيلي، بمناقيرها الخجولة، ما إن تشعر بعجزه عن الغناء حتى تنبري فتسرح له صوف مواويله، وتغزل منه ملاءاتٍ من الشّجن:

"الجسد يا صاح من زود العنا ناحلي
وحتى الحمام المطوّق عالغصن ناح لي
ناعور صرت بزماني".


ويبكي كما لو أنّه يخبّئ فواخت العالم كلّه في إهابه..


***


قد يحدث لك أن ترى الحياة في المرآة الجانبية
أو عبر الزجاج الخلفي،
ربما تكون قد فركت عينيك جيدًا
وحظيتَ بلمحةٍ قبل أن يعاودك العمى،
كلّ شيء يلهو بخطاك
بينما السماء تمطر طينًا أزرق
شبيهًا بدم العناكب
بدا لك أن الغيوم تمارس الخيانة
مع رسّامٍ يكره صفو الماء في اللوحة


***


أعرفُ كذلك رجلًا مفدوحًا، يحبّ التراب، يمرّغُ جسده وروحه في قلبه، ويعانق العشب بأجفانِه، يحبّ تراب الحديقة، تراب البلد الهارب، وتراب المدن التي تدفنُه في حُفرِها، وكأي قصّيص أثَر يحبّ آثار خطوات امرأة بعينها مطبوعةً على التراب، وحين يعثر على ما يلمع في روح التراب يعيدُه إليه كي لا يمسح عنه فضيلةَ لونه الداكن، حتّى أنّه حاول أن يصير ترابًا، فألقى بنفسه تحت عجلات السيارات أكثر من مرة، تنكّر على هيئة تمثال عسى أن يتهشّم حين يسقط من أماكن عالية يرتادها في منامه، لم يفكّر يومًا أن ينفضَ بنطاله من أثر، ولم يتخذ التراب مدفنًا لمن يحب من الموتى، مفدوحًا كانَ، يسيل دمه بغزارة فيزنُه بمقدار وزنه بتراب يسدّ به فمَ شريانه وينتظر أن يتوقف النزف، لكنه ما لبثَ أن مات، أصابتْهُ دمعةٌ من ترابٍ ذليل.


***


النصال لامعة
لكنّها تثرثر كثيرًا في عتمة الدم
فلا تسنّوا حجرًا لتغيروا من عاداته
الحجرُ داكن
غير أنَّ قلبه أبيض
فلا تشبهوا قلوب أحبائكم بالحجر


*شاعر عراقي يقيم في الأردن.






















تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow