Alef Logo
يوميات
              

هناك الشعر, هنا التلقي /

باسم سليمان

خاص ألف

2008-06-29


والقصد, متى كان الشعر والتلقي توءمين أم إن هذا السؤال يوتوبيا لم توجد يوما؟!. والساعي وراءها كما القابض على العطر في ريح هوجاء, فإن تحققت تلاشى العطر وفسدت الأنفاس. وعليه ألا يقوم الشعر دون هذه المفارقة أم إن هذه المفارقة هي التي تصنع الشعرية في الكلام؟!.
سقراط أمام الإبداع الشعري وقف حائرا!!, فلم يجد بدا إلا من نسبه لقوى ماورائية يبرر بها هذه المسافة التي يحوزها الشعر على التلقي فيكون الشعر الفاعل والمتلقي المنفعل والعرب أيضا وجدت في وادي عبقر أس المسافة.
وهكذا فالماورائيات ومن ضمنها الجان تملك ميزة تخطي الزمن والمكان وبالتالي هي تملك المستقبل الذي يؤثر في الحاضر ويصنع الماضي وعبر الزمن الشعري المؤرخ لُحظت هذه المسافة وأكثر من ذلك كان الشعر نوعا من العرافين القادرين على التنبؤ باتجاه المستقبل وأيضا الماضي عبر ما تكشف من دراسته حتى دُعي لدى العرب بديوانهم, فهذه المسافة كانت بنظر المتلقي محمودة وجوهرية للشعرية ولكن تبدل الحال واختلفت النظرة وأصبحت سيئة.
مع الاعتراف بوجود هذه المسافة-الإشكال- بين الشعر وتلقيه وبقائه ضمن دائرة المجتمعات الصغيرة من قبيلة ومدينة وبطء الحركة فيها التي كانت سببا كافيا في زمن ما لكبح اتساع هذه الفجوة رغم ما تعطيه من شعرية, لم تظهر مشكلة المسافة ولنسميها افتراضا مشكلة التلقي بهذه الحدة التي نعانيها حاليا فالشاعر الجاهلي أو هوميروس وشعراء صدر الإسلام لم تظهر عندهم بهذا الوضوح ولكن مع اتساع رقعة الحراك المجتمعي بدأت تظهر بجلاء ولم تعد تنفع مقولة الشاعر" ما أنا إلا من غزية" فنجد أبو تمام يقول " مالك لا تفهم ما يقال" ,ماالذي حدث؟ مادامت اللغة هي اللغة, أولم يقل "عنترة هل ترك الشعراء من متردم "؟ وبما أنه قد قيل كل ما يقال وهو معروف للمتلقي فما الذي أفقد المتلقي قدرته على الانفعال وغدا في أحس الأحوال سلبيا إن لم يكن كتلة مصمتة تجاه الإنتاج الشعري؟!.
اللغة فكر مجتمع ما ومدام هذا المجتمع في صدفته فهو أمن على لؤلؤته فالقبيلة العربية كانت بشكل أو آخر نسخة عن أخواتها القبائل ولكن لاتشبه الدولة المتشكلة حديثا والتي ترامت أطرافها سريعا لتصبح خليطا متحدا ولكن غير متجانس فبدأ الجدل الذي قاد اللغة كفكر لتبنى معان جديدة ورؤى مبتكرة نتيجة التثاقف بين هذه المجتمعات والصراع بحديه الايجابي والسلبي أدى هذا لتغير القاموس السائد وبدأت دلالات جديدة بالظهور تلبية للحاجة المعرفية وكون الشاعر كائن نفوذي سريع التأثر والتأثير وخاصة مع نمو شخصية جديدة للكائن البشري تؤكد على فردانيته وأنه ليس من غزية وله الحق بالسؤال المختلف عن المجتمع وله رؤيته الخاصة التي يجب أن تحترم من قبل سلطة أو سلطات مركزية تختلف صيغة أمرها عن أمر القبيلة أو المدينة بل هي أشد بطشا وإرهابا وزاد في الأمر تدفق سيل المعارف الجديد فوجد الشاعر نفسه في دور يختلف عن دوره السابق كمؤرخ للقبيلة أو شاعر البلاط فتغيرت أغراض الشعر وأصبح أكثر ذاتية وهذا ما نراه في القرون الثلاثة الأخيرة وإن كان خطابه بالضرورة يوجه للآخر أي المتلقي فهذا الآخر ركن للأمر الواقع و دخل في آلة كبيرة مطلبها الأول ذاتها وهو ليس إلا هامشا فغاب عن المتن وصار المتلقي يبتعد شيئا فشيئا حتى خرج عن المعادلة الإبداعية
أمام هذه السلطة المركزية التي تأنفها روح الشاعر بدأ التمرد والبحث عن لغة جديدة تؤسس له في الأرض بعدما تم اقتلاعه ورفضا لتحوله لتابع هامشي للسلطة كثف استخدامه لما يملكه من ميزة المسافة التي هي رغبة الحرية فيه فاجترح واقعا جديدا لا تصادر فرديته ويحافظ فيه على إنسانيته ككائن حر مستقل ألم يقل المتنبي الذي سأم من سلطات عصره؟:
أي مكان أرتقي / أي عظيم أتقي
وكل ما قد خلق / الله وما لم يخلق
حقير في همتي/ كشعرة في مفرقي
هنا الشاعر غذّ المسير في حين بقى المتلقي أسير السائد وما اعتاده حتى من عبودية تتآكل إنسانيته.
هل هذا ما يبدو؟! وإن المسافة مازالت تتسع حتى كادت تنبئ بكارثة؟!.
لا, لن نقول ذلك, فهذه المسافة هي الضمان على بقاء الألفة بعملها المثبط والغربة بعملها المنشط فالمجتمع الذي لا تتجاذبه عوامل الألفة والغربة يركد ماؤه ويفسد.
لربما بعد هذا نستطيع القول :إن هذه الهناك جوهرية للشعر مادام هو ما يستقبل من الزمان والمكان والضامن على مشروعية الحلم والتغير إلى عالم يفيض بإنسانيته رغم ما تحمله في ظاهرها من قطع, فهي على صعيد الباطن تتجمع لتشكل المحيط الذي يرسل غيمه ليسقي يابسة الإنسان.
* أكتافيو باث
باسم سليمان
[email protected]


تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

في بحثكَ عن ظلّ؛ تفوتك ألف شمسٍ

29-كانون الأول-2018

الصارية

02-حزيران-2018

باح يا باح يا ورق التفاح

17-آذار-2018

باح يا باح يا ورق التفاح

23-كانون الأول-2014

الخط الأحمر في طور المراهقة الحوارية*

04-آذار-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow