Alef Logo
ابداعات
              

عصافير الماء

عبد الفتاح بن حمودة

2021-02-27


قبلت ناصيته، وهدهدت وجهه، وتلمست الكدمات تحت عينيه، وعلى رقبته. شاحت ببصرها نحو بطنه؛ فلمحت آثار ضربات وركلات. لملمت جراحها، وقاومت عبراتها، وخرجت متسللة من بين الحشد.
سمعت همسات:
ـ ألم يكن خطيبها؟
تجاهلتها ومضت، فطرقت أخرى أذنيها:
ـ ما كان لها أن تغادر؟
رمقتهم بنظرات هازئة، وابتسامة ساخرة، ثم ضحكت ضحكة أخيرة هاربة؛ فازدادت نقمة بعضهم، وحنق آخرون، وحيرة من تبقى.
ـ كانت هي السبب، هتف أحدهم من بعيد.
هنا التقيا أول مرة، انسلت؛ فوجدته مصرًا، صرخت في وجهه؛ فلمس يدها برفق زال معه التحفظ، مطت شفتيها غاضبة؛ فرماها بابتسامة حالمة، هم بحضنها؛ فانسلت هاربة، أشار لها من بعيد، ووضع لها كتابًا تحت تلك الشجرة، ورحل مبتهجًا.
... لعلي بهذا الكتاب أصبو إلى معالجة أسباب حيرتك، وتساؤلاتك المتواترة، وقلقك الكبير بشأن غاياتي وأحلامي..
تنهدت، ارتبكت، ارتعشت كل جوارحها، سكنت اللوعة والشوق أعماقها، اجتاحت جسدها الممشوق موجة من الألم الحارق، اهتز قلبها كأنه يريد اختراق صدرها. نظرت إلى النهر وتأملت مياهه الدافقة. بلعت ريقها، واسترجعت همس كلماته وهو يئن تحت حفلة العنف تلك:
ـ اهربي.
اختبأت في ركن قصي، وتابعت المشهد حتى خبا وجودهم، حدقت في زيهم الرسمي وعصيهم المتدلية بجانبهم...
... لقد كنت أراقبك من بعيد وأنت تعبرين الطريق إلى الكلية، وحين تمرين بجانب الزقاق، وأنت تشرقين بإطلالتك البهية على الشارع من نافذتك الزهرية، وعندما تداعب تيارات الهواء المسائية شعرك الذهبي؛ فيرتد فوق كتفيك وتتمايلين في حركة رقيقة تهز كينونتي..
امتلأت مقلتاها بالعبرات، وانسكبت أنهارًا، واختلطت بدمائه الجارية فوق الإسفلت، تلمست دقات قلبه المتباطئة بشكل خطير، وتحسست أنامله، وتأوهت آهات تحمل معها عذابات.
... عرفت عنك الكثير؛ طباعك، ما تحبين وما تكرهين، مغامرتك السابقة التي لا تعنيني، حزنك الكبير على أم غيبها المرض، ومعاناتك مع أب مستهتر تقوده نزواته إلى أسوئها. اعلمي أنني محب عاشق، جرفني سيل الهوى إلى مصبك، ولا تهمني أقوال الناس القاسية عنك..
تمايلت وأمسكت جانبها الأيسر لما رأت المسافة المهولة التي تفصل النهر والقنطرة التي تقف عليها، تشجعت وصعدت فوق حاجز الأمان الحديدي، الذي أقيم لحماية المارين من السقوط، وانتصبت ثم أمسكت بأحد الأعمدة.
... من دون شك، تعلمين من أنا، لطالما صدحت في فناء الكلية، وفي المدرجات، بالحرية والعدل، لا بد أن يكون قد وصلك صدى بعض هذه الأحلام التي آمنت بها، وما زلت..
همت بالقفز، فأمسكتها روحه، وأوحت لها: بالحياة نتحدى الموت، ثم قرأت جملته الأخيرة:
... أقدر حزنك الشديد على فقدان أخيك الفاضل، لكنني أعتقد أن تحقيق بعض ما كان يصبو إليه أفضل من الموت بعده غمًا وكمدًا. لعلي بخطبتك من أبيك غدًا، أبتغي حبًا أسطوريًا تمتزج فيه سمفونيتي الموت والحياة.



(المغرب).




تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow