Alef Logo
دراسات
              

الحب… الجسد … الجنس

د. عدنان الظاهر

2006-06-14

(في أشعار ثلاث شواعر معاصرات: الكويتية سعاد الصباح والعراقية بلقيس حميد حسن واليمنية آمنة يوسف)
مقدمة :
ليس غرضي من هذه الدراسة البحث في لغة أو شاعرية هؤلاء الشواعر الثلاث. ولا أن أعقد مقارنات نقدية فيما بينهن. تلكم مسألة أخرى قد يحين يوماً أوان الخوض فيها فإنها لا تخلو من طرافة ومن فائدة بالنسبة للمهتمين بالشعر النسوي على وجه الخصوص. إنما سأركّز جهدي في هذا البحث على :
أولا : تأثير بيئات الشواعر المختلفة في وعلىكيفية وأسلوب ولغة تعاطي موضوعات الحب والجسد والجنس ( البيئة والمحيط).
ثانياً : الإختلاف في طبيعة وشخصيات وظروف هؤلاء الشواعر ( العامل الذاتي ).
أعترف بداية أنَّ في هذا الموضوع صعوبات جمّة. وإنه ربما يتسبب في إثارة شيء من الحساسية لدى البعض من هؤلاء الشواعر الفاضلات. وعليه فسوف لن أخرج عمّا ورد في شعرهن من ذكر ومعالجة لهذه الأطروحات الثلاث موضوعة البحث. ثَمّةَ مسألة
أخرى : حين أنصرف للتفكير في هذا الموضوع أتذكّر الشاعرة الخنساء وأرى شاخصةً أمام نواظري نازك الملائكة وفدوى طوقان وعاتكة وهبي الخزرجي ولميعة عباس عمارة،ثم الشاعرة الإنجليزية إديث ستويل Sitwell من خلال بعض أشعار بدر شاكر السياب، إذ كان لها عليه تأثير خاص ما كان ليُخفيه.
الدكتورة سعاد الصباح
( المصدر : كتاب لآليء الخليج، مختارات شعرية بالعربية والألمانية.ترجمة د. عدنان جواد الطعمة. الطبعة الأولى Marburg 1995 ).
وُلِدتْ هذه السيدة الشاعرة في الكويت عام 1942 . درست الإقتصاد في مصر ثم نالت شهادة الدكتوراه في التنمية والتخطيط من جامعة Surrey البريطانية. ترمّلت في أوج شبابها بعد أن أنجبت أربعة من البنين والبنات.
الشاعرة ونزار : لا تُخفي الشاعرة إعجابها بشعر ومنهج المرحوم الشاعر السوري نزار قباني. تأثير شعره على طروحات الشاعرة وطريقة تناولها لموضوعاتها الشعرية واضح جداً وبصمات أصابعه لا تحتاج إلى دليل.
الحب والجسد والجنس في أشعار سعاد :
دراسة سعاد الصباح في كل من مصر وبريطانيا، ثم ليبرالية الكويت مجتمعاً وسياسةً أفرزت أو أنجبت هذه الشاعرة المتميزة في قوة شخصيتها وإنصرافها للدفاع عن بنات جنسها من جهة وعن الفقراء عموماً من الجهة الأخرى. وهي عضو في المنظمّة العربية لحقوق الإنسان. قالت عن الفقراء في المقطع الثالث من قصيدة ( للأُنثى قصيدتها وللرجل شهوة القتل ) :

أتحداهم بشعري
وبنثري
وصُراخي
وانفجاراتِ دمائي
أتحدى ألفَ فِرعونٍ على الأرضِ
وأنظمُّ لحزبِ الفقراء.
في المقطع الرابع من نفس هذه القصيدة، قالت هذه الشاعرة الجريئة والواثقة من خطواتها ومواضع قدميها :
سيظلون ورائي
بالإشاعاتِ ورائي
والأكاذيبِ ورائي
غيرَ أني
ما تعوّدتُ بأنْ أنظرَ يوماً للوراءْ
فلقد علّمني الشعرُ بأنْ أمشي
ورأسي في السماءْ.
وقالت في المقطع الثاني من قصيدة ( فيتو… على نون النسوة ) :
يقولون :
إنَّ الكلامَ امتيازُ الرجالِ
فلا تنطقي !!
وإنَّ التغزّلَ فنُ الرجالِ
فلا تعشقي !!
وإنَّ الكتابةَ بحرٌ عميقُ المياهِ
فلا تغرقي
وها أنذا قد عشقتُ كثيراً
وها أنذا قد سبحتُ كثيراً
وقاومتُ كلَّ البحارِ ولم أغرقِ.
وعن الحب وعمّن تُحب قالت في الجزء الأول من قصيدة ( تمنيات إستثنائية لرجلٍ إستثنائي ) :
أنا أرفضُ الحبّ المُعبّأَ في بطاقات البريدْ
إني اُحبّكَ في بدايات السنةْ
وأنا أُحبكَ في نهايات السنةْ
فالحبُ أكبرُ من جميع الأزمنةْ
والحبُ أرحبُ من جميع الأمكنةْ
ولذا أُفضّلُ أنْ نقولَ لبعضنا
" حبٌّ سعيد ْ "
حبٌّ يثورُ على الطقوسِ المسرحيةِ في الكلامْ
حبٌّ يثورُ على الأصولِ على الجذورِ على النظامْ
حبٌّ يحاولُ أنْ يُغيّرَ كلَّ شيءٍ في قواميسِ الغرامْ.

الصديق في أشعار سعاد الصباح
وعبّرت عن الصداقة مع الجنس الآخر بصدق وحرارة وعفوية. سأختار أجزاءً مما قالت
عن هذا الموضوع في قصيدة ( كُنْ صديقي ) :

كُنْ صديقي !
كم جميلٌ لو بقينا أصدقاءْ
إنَّ كلَّ امرأةٍ تحتاجُ أحياناً إلى كفِ صديقْ
وكلامٍ طيّبٍ تسمعُهُ

كن صديقي !
إنني أحتاجُ أحياناً لأنْ أمشي على العشبِ معكْ
وأنا أحتاجُ أحياناً لأنْ أقرأَ ديواناً من الشعرِ معكْ
وأنا – كامرأةٍ – يُسعدُني أنْ أسمعكْ.

كُنْ صديقي !
فأنا مُحتاجةٌ جداً لميناءِ سلامْ
وأنا مُتعَبةٌ من قصصِ العشقِ وأخبارِ الغرامْ
وأنا مُتعَبةٌ من ذلك العصرِ الذي يعتبرُ المرأةَ تمثالَ رُخامْ.

وكعضو في المنظمّة العربية لحقوق الإنسان، تطوّعت للدفاع عن حقوق بنات جنسها بصوت قوي صريح. صوًرت ما تعانيه المرأة المكبوتة والمخنوقة الصوت في المجتمعات الذكورية. صرخت في قصيدة ( المجنونة ) :

أنا في حالة حبٍّ… ليس لي منها شفاءْ
وأنا مقهورةٌ في جسدي
كملايينِ النساءْ
وأنا مشدودةُ الأعصابِ لو تنفخُ في أُذْني تطايرتُ دُخاناً في الهواءْ

يا حبيبي :
إنني دائخةٌ عشقاً
فلملمني بحقِ الأنبياءْ
أنتَ في القطبِ الشماليِّ وأشواقي بخطِ الإستواءْ.

إنتمائي هو للحبِّ وما لي لسوى الحبِّ انتماءْ.

دلالة كلمة ( سيدي ) في شعر سُعاد الصباح

أحسبُ أنَّ قصيدة ( إمرأة بلا سواحل ) إمتدادٌ لقصيدة ( مجنونة ) السابقة. نَفسٌ واحد ودفقة شعورية واحدة تعبّر عن غَرض واحد : الحاجة الطبيعية إلى الآخر، الحاجة إلى الرجل. إستخدام لفظة ( سيدي ) في خطابها للرجل إنما هو أسلوب شرقي صرف لا وجود له في الشعر الغربي. إنها آلية شفافّة للإفصاح الخجول عن الرغبة في الآخر. في اللفظة تودد وإتضاع وخضوع. إنها من بقايا عصور الحريم الغابرة. إنها الخطاب الموجّه من الأسفل إلى الأعلى. إنها الجذور القديمة الضاربة في تربة النشأة الأولى للشاعرة على أرض الكويت. فإذا وجدنا في بعض أشعارها نكهة أو لمسة غريبة عما نعرف عن أحوال وظروف المرأة في الكويت فإنما قد جاءتها متأثرةً بتلك الأجواء الجديدة عليها التي عايشتها خلال فترات إقامتها ودراستها في كل من مصر و بريطانيا. ذلكم أمر طبيعي. من عاشر القومَ أربعين يوماً صارَ منهم… كما يُقال.
حين تستخدم الشاعرة لفظة ( سيدي ) يتبادر إلى ذهني على الفور شعر الولاّدة بنت المستكفي حيث خاطبت إبن زيدون مرّةً بالقول :
أغارُ عليكَ من نفسي ومنّي
ومنكَ ومن زمانكَ والمكانِ
وإني لو خَبَأتُكَ في عيوني
على طولِ الزمانِ لما كفاني
هل خاطبت الشاعرةُ الأندلسية إبن زيدون بلفظة ( سيدي ) ؟ ليس لي بذلك علم.
في قصيدة ( إمرأة بلا سواحل ) كررت سعاد ( سيدي ) عدّةَ مرات فما دلالة ذلك ؟
يا سيدي :
مشاعري نحوك بحرٌ ما له سواحلْ
وموقفي في الحبِ لا تقبلهُ القبائلْ
يا سيدي : أنتَ الذي أُريدُ لا ما تريده تغلِبٌ ووائلْ

يا سيدي : سوف أظلُّ دائماً أُقاتلْ
من أجلِ أنْ تنتصرَ الحياةْ
وتورقَ الأشجارُ في الغاباتْ
ويدخلَ الحبُّ إلى منازلِ الأمواتْ
لا شيءَ غيرُ الحبِّ يستطيعُ أنْ يُحرّكَ الأمواتْ…
يا سيدي : لا تخشَ أمواجي ولا عواصفي
ألا تحبُ امرأةً ليسَ لها سواحلْ ؟؟
لو كان السؤال الأخير مُوَجهاً لي لكان جوابي: كلاّ. لا أحب إمرأةً لا سواحل لها !! الأمواج والعواصف إنما هي في البحار. وللبحار كما نعرف شواطيء وسواحل وحدود تسمى مياهاً إقليمية. وللبلدان على الكرة الأرضية حدود وطنية معترف بها وأجواء عالية إقليمية لها سيادتها وإستقلاليتها شبه المُقدّسة في القانون الدولي. فأية إمرأة هذه التي هي بلا حدود معينة وبلا سواحل مُعتَرف بها تجوبها دوريات وزوارق خفر السواحل ؟! أية إمرأةٍ هذه ؟؟
إستخدام لفظة ( سيدي ) يدخل في خانة التوسّل. وفعلا… كتبت الشاعرة عام 1982 قصيدة كاملة بإسم ( توسلات) كررت فيها الفعل ( أتوسّل ) ست مرّاتٍ. فقه اللغة العربية يقرر أنْ لو تشابهت حروف أو معظم حروف كلمتين تشابهت معانيهما. وعليه فإن معنى الفعل ( أتوسّل ) هو نفس ما يعنيه الفعل ( أتسوّل ) !! التوسّل = التسوّل.
القلب والإبدال أسلوبان معروفان في العربية.
هذه السيدة الشاعرة التي درست في مصر وبريطانيا ونشرت الكثير من دواوين الشعر باللغة العربية تدافع فيها عن حرية المرأة في الحب وإختيار من تحب وعن حرية الإنسان وحقه في الكلام وهاجمت الجاهلية والرجعية وأنظمة المباحث ( قصيدة وردة البحر )…
هذه الشاعرة الثائرة لم تستطع التخلص من آثار وبقايا إرث عمره أربعة عشرَ قرناً من الزمان الثقيل. إنه كالماء (النزيز ) تحت أراضي القصب والحلفاء والبردي. إنه مياه جوفية قابعة تحت رمال الصحارى. ما أن يحفر المرءُ قامةً حتى تتفجرَ ينابيعَ وعيوناً. مع الفارق الكبير فيما بين نوعية الماءين.

بلقيس حميد حسن
( المصدر : مخاض مريم، ديوان شعر/ دار الطليعة الجديدة، دمشق. الطبعة الأولى 1998 ).
الآنسة بلقيس حميد شاعرة من جنوب العراق ( محافظة ذي قار، الناصرية أو المنتفك ). تُقيم وتعمل في هولندا منذ أكثر من عقد من الزمان. إلتقيتها في مناسبتين في لندن مطلع شهر أيلول عام 2000 . كانت المناسبة الأول ( مساء السادس من أيلول ) خلال مشاركتنا معاً في أُمسية شعرية نظمّها الدكتور رشيد بندر الخيّون في ديوان الكوفة. ثم إلتقينا ظهر اليوم التالي ( السادس من أيلول ) في ستوديوهات فضائية ( المستقلة ) حيث أجرى معنا الدكتور كاظم الموسوي، كلاًّ على حِدة، مقابلة مسجّلة أُذيعت فيما بعد.
كيف عالجت بلقيس موضوعات الحب والجسد والجنس ؟ كيف أسهمت هولندا في إنضاج وتطوير وتنويع معالجاتها لهذه الموضوعات وما هي مساحة الحرية التي مارستها في التعبير عن هذه الأمور الشائكة بالنسبة لإمرأة عربية عراقية مسلمة ؟؟؟ دُهِشتُ كما سيندهش القاريء من جرأة هذه الشاعرة في تقحّم المصاعب وإختراق الأسلاك الشائكة
وتحدي التابو المفروض على الشعر خاصةً وعلى الأدب الأنثوي بشكل عام. تأثير بيئة هولندا وأجوائها الإجتماعية والسياسية واضح على ما قالت من أشعار منثورةً حيناً وموزونة أحياناً أخرى. بهذا تختلف عن سعاد الصباح التي كتبت أغلب قصائد أشعارها موزونة بوزن واحد وقوافٍ متعددة. ثمّةَ فرق آخر:لم ترد في أشعار سعاد لفظة (حرمان) التي تكررت كثيراً في أشعار بلقيس وأشعار الدكتورة آمنة يوسف، بنت اليمن.
لقد تجاوزت بلقيس الخطوط الحُمْر المعروفة فلامست موضوع الجنس ملامسة مباشرة حيناً، وقاربنته مقارباتٍ مبطّنة رمزاً أو إشارةً أو مجازاً أحياناً أُخَر. كانت أكثر جُرأةً وأكثر جسارةً من سعاد. كانت نموذجاً مقداماً ورائداً في عالم الشعر النسوي.كما أنها خاضت في مواضيع شتى متباينة الأغراض والأهداف عالجتها من زوايا كثيرة التفاوت.
فحين تعرض مأساة المرأة العراقية فإنها لا ترفع في الهواء شعاراتٍ طنانّة من قماش زاهي الألوان أو ورق. ولا تتقدم تظاهرة نسوية في أحد شوارع عواصم العرب حاملة بيدها مكبِّر صوتٍ ( مايكروفون ) تحتجُّ وتصرخ وتفضح وتستغيث صارخة بأعلى صوتها في محاولات يائسة لإيقاظ الموتى. كلاّ، إنها تكشف المساويء والعورات بكل هدوء وموضوعية مع الكثير من الجرأة والإقدام ومعرفة عميقة بعادات وتقاليد المجتمع العرقي. قالت في قصيدة ( تهاوين قبل الآوان ) :
في غرفةٍ للحريمْ
كانَ الحِجابُ سميكاً
وكان التنصّتُ رغمَ الحِجابِ عظيماً
فأدرج كلُّ الرجالِ مجالسهم
في ثقوبِ الجدارِ
بُحّتْ ليالٍ
نادت عيونٌ
تلمّستْ النهدَ غضّاً
فجُنَتْ
وزادتْ ثقوبُ الجدارِ…
في هذه القصيدة الطويلة التي كتبتها عام 1997 في هولندX

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow