Alef Logo
نص الأمس
              

مختارات من : طوق الحمامة في الألفة و الألاف / باب من أحب من نظرة واحدة

ألف

2008-06-27


للإمام الفقيه : ابن حزم الأندلسي ( أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد )
ضبط نصه : الطاهر أحمد مكي
و كثيرا ما يكون لصوق الحب بالقلب من نظرة واحدة و هو ينقسم قسمين ، فالقسم الواحد مخالف للذي قبل هذا ، و هو أن يعشق المرء صورة لا يعلم من هي ، و لا يدري لها اسما و لا مستقرا ، و قد عرض هذا لغير واحد.

· خبر :

حدثني صاحبنا أبو بكر محمد بن أحمد بن إسحاق عن ثقة أخبره ، سقط عني اسمه ، و أظنه القاضي ابن الحذاء ( 1 ) ، أن يوسف بن هارون الشاعر المعروف بالرماديّ ( 2 ) كان مجتازا عند باب العطارين ( 3 ) بقرطبة ، و هذا الموضع كان مجتمع النساء ، فرأى جارية أخذت بمجامع قلبه ، و تخلل حبها جميع أعضائه ، فانصرف عن طريق الجامع و جعل يتبعها و هي ناهضة نحو القنطرة ( 4 ). فجازتها إلى الموضع المعروف بالربض ، فلما صارت بين رياض بني مروان – رحمهم الله – المبنية على قبورهم في مقبرة الربض ، خلف النهر ، نظرت منه منفردا عن الناس ، لا همة له غيرها ، فانصرفت إليه فقالت له : مالك تمشي ورائي ؟ فأخبرها بعظيم بليته بها. فقالت له : دع عنك هذا ، و لا تطلب فضيحتي ، فلا مطمع لك فيّ البتة ، و لا إلى ما ترغبه سبيل . فقال : إني أقنع بالنظر. فقالت : ذلك مباح لك. فقال لها : يا سيدتي : أحرة أم مملوكة ؟ قالت : مملوكة ، فقال لها : ما اسمك ؟ قالت : خلوة . قال : و لمن أنت فقالت له : علمك و الله بما في السماء السابعة أقرب إليك مما سألت عنه ، فدع المحال. فقال لها : يا سيدتي ، و أين أراك بعد هذا ؟ قالت : حيث رأيتني اليوم ، في مثل تلك الساعة من كل جمعة. فقالت له : إما أن تنهض أنت و إما أنهض أنا ؟ فقال لها : انهضي في حفظ الله . فنهضت نحو القنطرة و لم يمكنه اتباعها لأنها كانت تلتفت نحوه لترى أيسايرها أم لا. فلما تجاوزت باب القنطرة أتى يقفوها فلم يقع على مسألة.
قال أبو عمرو ، و هو يوسف بن هارون : فو الله لقد لازمت باب العطارين و الربض من ذلك الوقت إلى الآن ، فما وقعت لها على خبر. و لا أدري أسماء لحستها أم أرض بلعتها ، و إن في قلبي منها لأحر من الجمر. و هي خلوة التي يتغزل بها في أشعاره.
ثم وقع بعد ذلك على خبرها بعد رحيله في سببها إلى سرقسطة ( 5 ) في قصة طويلة ، و مثل ذلك كثير.
و في ذلك أقول قطعة ، منها :
عيني جنت في فؤادي لوعة الفكر فأرسل الدمع مقتصا من البصر
فكيف تبصـر فعل الدمع منتصفا منها بإغراقها فــي دمعها الدرر
لم ألقها قبل إبصــاري فأعرفها و آخر العهد منها ســـاعة النظر
***
و القسم الثاني مخالف للباب الذي يأتي بعد هذا الباب إن شاء الله ، و هو أن يعلق المرء من نظرة واحدة جارية معروفة الاسم و المكان و المنشأ ، و لكن التفاضل يقع في هذا في سرعة الفناء و إبطائه ، فمن أحب من نظرة واحدة ، و أسرع العلاقة من لمحة خاطرة ، فهو دليل على قلة الصبر ، و مخبر بسرعة السلو ، و شاهد الظرافة و الملل . و هكذا في جميع الأشياء أسرعها نموا أسرعها فناء. و أبطؤها حدوثا أبطؤها نفادا.

· خبر :

إني لأعلم فتى من أبناء الكتاب رأته امرأة سرية النشأة ، عالية المنصب ، غليظة الحجاب ، و هو مجتاز ، و رأته في موضع تطلع منه كان في منزلها ، فعلقته و علقها. و تهاديا المراسلة زمانا على أرق من حد السيف ، و لو لا أني لم أقصد في رسالتي هذه كشف الحيل و ذكر المكائد ، لأوردت مما صح عندي أشياء تحير اللبيب ، و تدهش العاقل ، أسبل الله علينا ستره و على جميع المسلمين بمنّة ، و كفانا.


هوامش :

1 – القاضي محمد بن يحيى ، يكنى أبا عبدالله ، و يعرف بابن الحذاء ، فقيه محدث محافظ ، له رحلة إلى المشرق ، توفي عام 416 هـ = 1025 م ، و قد خصه الضبي في كتابه " البغية " بترجمة قصيرة. انظر : الضبي : البغية ، الترجمة رقم 319 . ابن بشكوال : الصلة ، الترجمة 1102 .
2 – يوسف بن هارون الرمادي الكندي ، يكنى أبا عمر ، من كبار شعراء الأندلس على أيام المنصور بن أبي عامر ، و جانب كبير من شعره ضاع و لم يصلنا. و الرمادي ليس نسبة إلى موضع بالمغرب كما وهم الحميدي في كتابه " جذوة المقتبس" ، و إنما الصورة العربية لكنيته باللغة الرومانية على أيامه ، فقد كان يلقب بأبي جنيش ، فنقل إلى الرمادي ، لأن جنيش في رومانثية الأندلس ، و في الأسبانية المعاصرة ، تعني الرماد . توفي سنة 413 هـ = 1022 م. انظر : الحميدي : جذوة المقتبس من بغية الملتمس ، ص 346 و سواه.
3 – أحد أبواب مدينة قرطبة السبعة ، و يقع في الجانب الغربي من المدينة ، و منه يبدأ الطريق المؤدي إلى إشبيلية ، و من هنا كان يعرف أيضا باسم باب إشبيلية. و حوله كانت تقوم تجارة العطور و أدوات الزينة ، فأصبح ملتقى النساء من كل أنحاء المدينة ، و على مقربة منه كان حي الرقاقين ، الذين يصنعون الرقاق ، و مسجد النخيلة. انظر : المقري : نفح الطيب ، جـ 2 ، ص 13 .
4 – القنطرة جسر قديم على الوادي الكبير ، و تقول الرواية إن الامبراطور الروماني أوجست ( 63 ق م – 14 م ) أمر بإنشائه ، و بقي طوال العصر الإسلامي موضع رعاية الدولة و عنايتها ، و كان أول تجديد أصابه على يد الوالي السمح الخولاني ، بأمر من عمر بن عبد العزيز. انظر : المقري : نفح الطيب ، جـ 2 ص 26 ، و غيره.
5 – سرقسطة : في شمال شرقي الأندلس ، مدينة قديمة جدا ، و قد جعل منها الإمبراطور الروماني أوجست مستعمرة حربية أعطاها اسمه الإمبراطور أوغست ( و تعريبها سرقسطة ). و حرف على أيام القوط فأصبح الإمبراطور غوست ، و صار أيام المسلمين : سرقسطة. انظر : الحميري : الروض المعطار ، ص 96 – 98 و سواه.

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

نقد كتاب إشكالية تطور مفهوم التعاون الدولي

31-كانون الأول-2021

نيوتون/جانيت ونترسون ترجمة:

22-أيار-2021

الـمُـغـفّـلــة – أنطون بافلوفتش تشيخوف‎

15-أيار-2021

قراءة نقدية في أشعار محمد الماغوط / صلاح فضل

15-أيار-2021

ماذا يحدثُ لجرّاحٍ حين يفتحُ جسد إنسانٍ وينظرُ لباطنه؟ مارتن ر. دين

01-أيار-2021

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow