Alef Logo
الآن هنا
              

حمود الموسى : مديرية الثقافة بالرقة دخلت طور الاعتماد على الذات

بشير عاني

2008-06-30


الثقافة الرسمية في سورية تعاني من الروتين وغياب المبادرة

عاماً بعد عام تتحول مديرية الثقافة بالرقة إلى حالة محرجة ومربكة لمديريات الثقافة في المحافظات الأخرى، التي لم تجد ما يبرر كسلها الثقافي سوى الاختباء وراء الذريعة الجاهزة: الميزانيات لا تسمح...!!‏
مما لا شك فيه أن هذا الكلام صحيح في أحد وجوهه، وأن الميزانيات التي تقدمها وزارة الثقافة لمديرياتها في المحافظات محدودة ومتقاربة إلى حد بعيد وقد لا تكفي لإقامة مهرجان واحد، نوعي، كالذي تقيمه الرقة..‏
ولكن هل هذا كل شيء... وهل التجربة الثقافية الرّقية قد تصيَّرت في بقعة خارج حدود هذا الوطن..؟‏
وكيف تحولت الرقة إلى ورشة ثقافية تتوالى فيها المهرجانات النوعية بصنوفها وتنوعها، المسرح والرواية والشعر والفكر والفن التشكيلي والفنون الشعبية وغيرها..؟‏
في جميع هذه المهرجانات ثمة احتشادات هامة لأسماء محلية وعربية وعالمية، تتحمل مديرية الثقافة كامل نفقات ضيافتها وسفرها بما في ذلك بطاقات الطائرة...!!..‏
والإستراتيجية الرقة في هذا المضمار باتت واضحة، فهي تولي اهتماماً بإظهار الإبداعات الرّقية، وزجها في مثل هذه المهرجانات للتعريف بها.. وللاحتكاك واكتساب الخبرات..‏
في المقام الثاني تعطى الأولوية للمبدعين السوريين ثم العرب فالأجانب من أوربيين وغيرهم، ففي النسخة الأخيرة من مهرجان الشعر العربي، على سبيل المثال، شارك خمسة وثلاثون شاعراً سورياً وعربياً وأجنبياً، إضافة إلى ثمانية نقاد سوريين، قبل ذلك، وفي مهرجان الرواية شارك ما يزيد عن هذا العدد، أما في الملتقى الدولي الأول للفن التشكيلي فقد شهدت الرقة ما ينوف عن الخمسين فنانا وناقدا تشكيليا.‏
ويبقى السؤال: من أين تنفق مديرية الثقافة بالرقة على جميع هذه المهرجانات؟..‏
ورغم أن الإجابة قد صارت معروفة، إلا أن ما يجهله البعض هو أن رجلا اسمه حمود الموسى كان وراء كل هذه الانجازات ..
منذ عام 2005 ، أي منذ أن تسلم الموسى إدارة الثقافة، والرقة ورشة عمل ثقافي لا تكل ولا تهدأ ..

حول هذا الموضوع، والكيفية التي استطاعت فيها هذه الإدارة لفت الأنظار إليها والتطلع بإعجاب إلى ما تفعله، قمنا بزيارة الرقة والالتقاء بمدير الثقافة فيها، ومعه .. مع حمود الموسى كان لنا هذا الحوار ..
س: حمود الموسى : أنت موغل في الثقافة رغم أنك خارجها، كفعل كتابة، فمن يحتك بإنجازك لا يخفى عليه ولعك بها وإخلاصك لها .. ما السر ؟
ج:علاقتي بالثقافة هاجس وهمّ قومي ووطني، كمنهج، وإنساني، كإطار، فالثقافة كما يقول غرامشي هي الفضاء المفتوح، وهي ليست محصورة في الإنتاج الثقافي (الكتابة) إنما في الكتاب الأكبر الذي هو الحياة، وكلٌ يكمل بعضه.
إنطلاقاً من هذا تصبح الإدارة ثقافة مكملة للإنتاج الثقافي الإبداعي، وعليه سيكون العمل الثقافي الإداري من صلب العمل الثقافي الإبداعي، لأنه أيضاً خاضع لخطط وبرامج وعناوين لها علاقة مباشرة بالارتقاء بالذوق والحس والفكر الإنساني.
س: كيف تديرون عملكم .. بكلام آخر، كيف نجحتم ؟
ج: قبل كل شيء أنا أحاول الهرب قدر المستطاع من التقليدية الشائعة في العمل الإداري، فاهتمامي منصب على ما يمكن إنتاجه أو انجازه، وهذا هو الرابط الحميمي بين (المثقف) و (الموظف)، فمقاربة الواقع الثقافي تقتضي بالضرورة إدراك قيمته، وهذا لا يدرك بالحس الوظيفي الروتيني بل من خلال الحس الوظيفي الإبداعي.
بالمقابل فإننا نعتمد في إعداد خططنا وبرامجنا الثقافية على لجان علمية مختصة غير مقتصرة على مثقفي الرقة ، إذ نستفتي أيضا كل من نعرف من المثقفين السوريين قبل إطلاق أي مشروع ثقافي.
س : ألستم خائفين من الوقوع، مستقبلا، في النمطية، أي في إعادة تكرار أنفسكم ؟
ج : خشية من هذا الهاجس، وللمحافظة على سوية برامجنا وخططنا الثقافية نعتمد المواكبة الدقيقة للحراك الثقافي المحلي والعربي والعالمي، كذلك نسعى لتجديد أنفسنا وأفكارنا بشكل دائم وذلك عبر العديد من الوسائل منها الأخذ بعين الاعتبار كافة الملاحظات التي تردنا من الضيوف أو الجمهور، ولدينا، كفريق عمل، جلسات نقدية خاصة بنا في نهاية كل إنجاز ثقافي نناقش فيها الملاحظات ووجهات النظر المقدمة لنا، كما أصبح لدينا خطوات عملية بهذا الشأن، منها مثلا إجراء استبيان دوري نأخذ فيه آراء وملاحظات مكتوبة من الضيوف ومثقفي المحافظة، وهذه ساعدتنا كثيرا في تطوير أدائنا وتلافي أخطائنا.
س: ثمة من يرى أنكم أهملتم النشاطات الأدبية الفردية لصالح المهرجانات والأنشطة الكبيرة ؟
ج: لم نغيّب الأنشطة الفردية فهي ما زالت حاضرة في برامجنا ولكن لا بأس من الاعتراف بأن الأنشطة الكبيرة هي الأكثر حضوراً، وهذا توجه لدينا له أسبابه ومبرراته، فالأنشطة الكبيرة هي مشاريع ثقافية ذات أهداف وأبعاد مدروسة، وتختلف في تأثيرها على المتلقي عن الأنشطة الفردية من حيث الحضور والتميز والتأثير وطرح الأفكار والآراء المختلفة.
س: دعني أسألك السؤال الذي ينتظر الكثيرون إجابة عليه، ما هي مصادر تمويلكم، وكيف تنفقون على كل هذه المهرجانات الضخمة ؟
ج: لكل مجتمع خاصية يتميز بها وعلى الإداري إدراك هذه الخواص التي تميز مجتمعه عن غيره واستثمارها بالشكل الإيجابي وهذا ما قمنا به تماما .ً
فنحن، إضافة إلى الدعم الكبير الذي نتلقاه بشكل دائم من وزارة الثقافة والسيد المحافظ والقيادة السياسية والمؤسسات الرسمية والأهلية، حاولنا الاعتماد أيضاً على الذات، أي عبر استثمار نتاجنا الثقافي وذلك من خلال طباعة الكتب التي تلي كل مهرجان أو نشاط ثقافي.
أي مشروع ثقافي ننفذه اليوم نحاول العمل عليه كاستثمار أيضا، حيث نقوم بتحويله إلى كتاب، وذلك بعد موافقة وزارة الثقافة، لنقوم بعد ذلك بتسويقه وضم ريعه إلى ميزانية الثقافة، وبهذا تمكنا من تغطية جزء كبير من نفقات مشاريعنا الثقافية، وقد أنجزنا حتى الآن مجموعة كتب، تم تسويقها، منها أعمال الندوة الفكرية "سورية في عيون المثقفين" ومؤتمري العجيلي الأول والثاني للرواية العربية والملتقى الدولي الأول للفن التشكيلي، الذي انتقينا منه مجموعة لوحات لتسويقها على القطاعين العام والخاص، ونحن الآن بصدد إعداد كتاب عن فعاليات مهرجان الشعر العربي الرابع " قصائد وبحوث ودراسات " وكذلك كتاب عن الندوة الدولية لحوار الحضارات وكتاب عن فعاليات الملتقى الدولي للفن التشكيلي " صور ولوحات وبحوث " وكل هذا قيد الإنجاز وسيرى النور قريباً.
س: ثمة من يعزو نجاحك إلى المصادفة، بمعنى أنك كنت محظوظا وأنت تتسلم إدارة الثقافة في الرقة بالتزامن مع وجود مسؤولين فيها، محبين للثقافة؟
ج: نعم هذا صحيح فقد تزامن وجودنا في الإدارة مع وجود قيادة سياسية محبة ومهتمة بالشأن الثقافي وهذا ما سهل لنا عملنا، وشكّل لنا دفعاً لطرح المبادرات والعمل عليها
أيضاً فقد ساهمت هذه القيادة في تحريض المجتمع والقطاع الخاص والعام على دعمنا مادياً ومعنوياً دون أن ننسى مساهماتها المادية المباشرة..
ولكن دعنا نصوغ السؤال بطريقة أخرى : ماذا لو جاءت إلى الثقافة إدارة كسولة، ولا تريد أن تعمل، هل ستلقى من المسؤولين الدعم نفسه ؟
س: كيف تعاطت وزارة الثقافة مع نشاطكم اللافت، على المستوى المادي تحديدا ؟
ج: كانت الوزارة داعمة وراعية ومتابعة بامتياز لكل ما نقوم به من نشاطات ولم تدخر جهداً لتقديم التسهيلات اللازمة لإنجاح عملنا الثقافي، فإذا ما علمنا بأن المخصصات المرصودة من وزارة الإدارة المحلية لا تكفي لإقامة نشاط واحد من الأنشطة التي نقوم بها، والتي نعتمد عليها فقط في الأنشطة الفردية، سنرى حجم الدعم الذي تقدمه لنا وزارة الثقافة من مخصصاتها، فمثلاً قدمت لنا 400 ألف ليرة في مهرجان العجيلي للرواية العربية، كما تحملت ما يعادل نصف تكاليف مهرجان المسرح، وينسحب ذلك على كل فعالياتنا الأخرى.
س: لماذا ألغيتم ندوة العلمانية، وهي تقليد سنوي ؟
ج: لا.. لم تلغ الندوة، إنما تم تأجيلها بسبب تزامنها مع الملتقى الدولي الأول للفن التشكيلي ومن ثم جاءت فترة الامتحانات، وسنحدد لاحقاً موعداً لإقامتها.
س: أين تجد مشكلة الثقافة الرسمية في سورية ؟
ج: في الروتين وغياب المبادرة وعزل فكر المثقفين عن التأثير في الحراك الاجتماعي والسياسي، إضافة إلى عدم لعب دورها جيداً كوسيط بين المواطن (المتلقي) و المسؤول.
س:ما هي أهم العوائق التي اعترضت عملكم ؟
ج: لم نلحظ أي عائق يمنعنا من إنجاز عملنا الثقافي، فنحن نعمل تحت سقف الوطن، والوطن للجميع.
س:هل يمكن لتجربتكم أن تكون قابلة للتعميم ؟
رغم قناعتي أن لكل مجتمع خصوصيته، إلا أنني متأكد أن هموم السوريين وتطلعاتهم وأمزجتهم متشابهة، وهذا ما يجعلني متيقن أن هذه التجربة قابلة للنجاح في المحافظات الأخرى، وخصوصا الكبيرة، أكثر من الرقة، لأسباب منها وجود رؤوس الأموال التي يمكن إقناعها بدعم الثقافة، إضافة إلى نضج التحولات الاجتماعية والثقافية فيها.
س: كيف يمكن، برأيكم، استعادة الدور الحيوي للثقافة الرسمية في سورية؟
ج : يتم ذلك من خلال تكريس الفعل الثقافي الهادف وذلك بإعطاء دور جديد للمثقف في ضوء المتغيرات، وتوجيه حركة المجتمع بدل عزل المثقف وتهميشه عن الحراك الثقافي العام، وخصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تطرح متغيرات عميقة في بنية المجتمع
بكلام آخر،لا يمكن أن تجري تحولات عميقة في سورية دون الارتكاز على الثقافة.
س : لو تم عزلك أو نقلك .. هل تعتقد أن خلفك سيكون (مجبرا) على السير على منوالكم؟
ج : ما نحن متأكدون منه أننا عملنا بروح مؤسساتية عالية، وأسسنا فريق عمل متكامل وقادر، وقد صار لدينا كوادر مؤهلة لمتابعة ما قمنا به.. و الباقي على الله ..

بطاقة:
- حمود الموسى
- مواليد الرقة 1964.
- خريج كلية الآداب والعلوم الإنسانية ( قسم التاريخ ) .
- عمل مدرساً قبل أن ينتقل إلى العمل الثقافي حيث تسلم إدارة المركز الثقافي في دبسي عفنان ثم إدارة دار الأسد للثقافة في مدينة الثورة حتى عام 2005 ومنها إلى إدارة الثقافة في الرقة حتى تاريخه.

بشير عاني
[email protected]

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

ما هي حظوظ الأصوليات الدينية في سورية..؟

12-آذار-2016

"خضر" والذين معه

21-تموز-2012

دم راشد بما يكفي

05-تموز-2012

آخرُ الأمر..

05-حزيران-2012

وجوه عديدة لـ (صحّاف) واحد

24-آب-2011

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow