Alef Logo
ابداعات
              

قصتان

د.حنان فاروق

2008-07-05

لا تبحث عني كانت تلك هي آخر كلماتها له وهما يقفان على حافة الحلم قبل أن تقذف بنفسها من قمته..لم يحاول أن يمد إليها يده أو يعرقل قرارها المفاجىء..فقط كان يتابعها بنظرة تائهة غير قادرة على تحديد ملامحها..خال أنه أصيب بالصمم وكأنها استولت على كل الأصوات قبل أن تبدأ رحلة اللاعودة..تلفت حوله..حاول أن يقنع نفسه أنه بطل كابوس سرعان مايزول إذا ما فتح عينيه..لم يقتنع..شعر بالهواء يرفضه..يأبى الدخول إلى صدره..حاول إجباره لكنه لم يستطع إلا قليلاً..لم تعد قدماه قادرتين على حمله فجلس..اقتحمت ذاكرته خلوتهما القريبة ..شعر بكفها تلمس كفه..تفتحه ..تقرأ خرائطه..سمع صوتها يحكيه ويرسم تفاصيله..راودته ابتسامته القديمة السابحة بين الدهشة والحب..انساب صوته بحنان:(كيف تفعلين؟؟) لم يأته الرد ..فقط نظرتها التى اخترقته واستقرت فيه ولم تغادره حتى بعد رحيلها..شعر بقلبه يتمزق..يكره الضعف.. يمقته..تحامل على نبضاته وعاود الوقوف..راودته فكرة النزول من قمة الحلم..شعر بالأرض التي يقف عليها تحتضن قدميه ..تتمسك بهما وترفض مغادرتهما..غمره الحب..انحنى عليها..ربت على ظهرها يطمئنها (لن أغادرك)..أطل وجه حبيبته منه ..همس: (ولا أنا)..كارتون احتل ولداي التلفاز...سلباني عمداً مع سبق الإصرار والترصد متعة متابعة ما أحب وقتما أحب..حتى لو أصررت على الاستيلاء على جهاز التحكم واستغللت سلطتي الأسرية فى فرض أحكامي العرفية لاقتناص لحظات مشاهدة قليلة..تذمرا وأعلنا العصيان المدني داخل البيت إما بالصياح والبكاء وإما باصطيادي داخل شبكة أسئلة يعرفان إجاباتها جيداً ليستفزاني ويحكما الحبل حول عنق تركيزي فينتفض ويرفع يديه بالتسليم دون قيد أو شرط..اليوم قررت أن أعقد معهما هدنة أول بنودها أن أعيش اهتماماتهما..جلست بينهما..وبدأ السباق أحدهما يعشق كرة القدم يرتعد جسده كله مع كل ركلة حتى ولو كانت الكرة بعيدة عن شبكة الفريق المنافس بعد المشرقين..يصرخ ..ينفعل..يعترض بمناسبة وبغير مناسبة..والآخر يلبس قناع الملل ثم يستدير إلى مستنجداً لأجبر الآخر على تغيير القناة الرياضية إلى أخرى كارتونية...أحسست أنهما يتقاذفانني أنا وليس جهاز التحكم..أخيراً وصلنا إلى حل..فقد اقتنع صاحب الكرة بمتابعة الكارتون وعليه فقد هدأت المباراة قليلاً..اتخذت نفس وضعيتهما أمام الشاشة..وأسلمت عقلى للكارتون على أعيش مايعيشان..أحسست أنهما تحولا إلى تمثالين أمام الفيلم ..أصبت بالدوار وأنا أرى كرات النار والمخلوقات الغريبة والوحوش القاتلة والفتيات الملونات ..نقاشات عابرة تتناثر من حنجرتيهما تمر عليّ دون أن تتوقف عندي.. أصابني الملل..فكرت فى الفرار لكني أمسكت بي في آخر لحظة وأجلستني رغماً عني لأكمل مابدأته.. دون مقدمات..انشقت الشاشة الزجاجية وخرجت منها كرة نار ألقيت في وجهي المجهد..صرخت من أعماقي ..امتلأ المنزل بالوحوش المجنونة ..تعالت ضحكاتها وصيحاتها الهستيرية..أسلحتها الدموية تطير في الهواء تبحث عن شرايين وأعناق تنتقم منها..أحنيت رقبتي ودفنت رأسي بين يدي...تتسرب نظراتي من بين أصابعي وتطل على ساحات القتال التي تحيط بى وتتلبسني فلا أرى غير شلالات دماء تندفع من كل مكان دون أن أعرف مصدرها...بصعوبة تخلصت من كفيّ الملتصقين بوجهي ...نظرت إلى ولديّ فإذا هما فى مكانهما عيونهما مثبتة على شاشة القتال...انطلقت صيحة غضب من شرايينى ..اختطفت جهاز التحكم منهما..ضغطت أزرار القنوات..قابلتني قناة إخبارية تعرض بضائعها من صور الأطفال المذبوحين تارة ..والفدائيين فى ميادين الحجارة تارة أخرى ....أصابني الجنون........أحسست كل ذرة فيّ تشتعل..تتأجج.....تنفجر..........تحولت إلى كرة نار هائلة.....ألقيت بنفسي داخل الشاشة..د.حنان فاروق http://fisabeelellah.maktoobblog.com د.حنانفاروق







http://fisabeelellah.maktoobblog.com





تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

حقائب

15-آذار-2009

قصة / تلكؤ

27-شباط-2009

قصتان قصيرتان جدا

30-كانون الثاني-2009

فراغات

26-تشرين الثاني-2008

الزنزانة

15-تشرين الثاني-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow