Alef Logo
يوميات
              

أفعى في بنطلون

مرح البقاعي

2008-07-06


ظلمة غرفتي عادةٌ سرّية لا يخرق رتابتها سوى ضوء مصباح خجول ينير غلاف كتابين أحفظهما قريبا من وسائد تزدحم على سريري الياباني الذي يقارب أرض الغرفة، أحدهما المجموعة الكاملة لأعمال غسان كنفاني، والثاني مجموعة مختارة من الشعر الرِوسي، مترجمة إلى العربية.

من أسرار السرير الياباني، وهو إطار خشبي يلامس الأرض وفي داخله فراش، من أسراره أنه يُداني من الأرض التي منها وإليها المستقر. حالة مثلى أن يكون السرير أقرب إلى قبرمكشوف، فالنوم هو حالة موت مؤقت كما ينسب إليه!. متعة هو الموت القليل، يحملك إلى عالم من ملح وزبد، عالم في المفترق بين الوعي والهذيان، حيث المكان مساحة مفتوحة من عشب صناعي مشذَّب بأناقة ذقن قديس، تحاوط قبرا بلا غطاء، تقوم على حراسته خمس نساء حبالى من طائفة المورمن!.

النوم غيمة من خمر ومَلل، وملاءات مشدودة إلى أقصيي القطيعة: قطيعة النور وقطيعة التشبّث. النوم انفلات من مُخمل التحكّم وتسليم لأظافر الشياطين تحكّ بنعومةٍ قاع الروح. النوم فرصة الذاهب في تعبه للوصول إلى حافة الارتخاء، وطي للمسافة في بقجة الراجع إلى تكوّر الرحم، النوم أيقونة المعابد المهجورة وطواف هاذٍ حول كعبة من ريش وتمر.

النوم انقلاب والصحوعادة.

في النوم تداهمني قصيدة "غيمة في بنطلون" تطوّفني في تلافيف دماغ فلاديمير ماياكوفسكي، ألاحق مسار الرصاصة التي اخترقت حاجز الدم والفاكهة من شعره. هل لشاعر مسكون "بالرضوض والعذابات" أن ينهي حياته بطلقة مسدس لو تسنّى له النوم في قبر مكشوف، كسريري الياباني؟

فلاديمير في نيويورك يكتب الناطحات في تعويذة كنسية، وأنا في واشنطن أخبّ بقدمي العاريتين في طميّ اللغة. وكلانا يختصر التجربة الأميركية في جرعة أخيرة يستقيل بها من لزوجة الممرات المعتمة.

ـ وحين انفجر غسان كنفاني على الإسفلت البيروتي، طارت العصافير من نخر في جمجمتي المسكونة بالعناكب ودبق الهالويين.

علّمني سريري الياباني أن أزج الضوء في قارورة وأرميها إلى ماء العدم. وما أن يداهمني النهار الأميركي حتى أنتصب أفعى في بنطلون. هو صباح يدورعلى شوارع المدينة اللاهثة بتسارع مواعيدها الرتيبة ولقاءاتها المبرمجة وشخوصها الباهتة، كلٌّ في فلك يسبحون. وأنا أنتصب كأفعى في بنطلوني الضيق، وأناورالمسافة في مضيق من المياه المالحة والطحالب. في مدينة الجمادات يختفي حفيف الأصحاب وواصلو الرحم ليرتفع أزيز العجلات المسرعة على الإسفلت الواشنطني السميك.

ـ حين هبطت أشلاؤه على حديد الشرفات، وظلال المارّة، وشجرات الدفلى، خرج غسان من خيمة عزلته واتكأ إلى الشمس، ليشهد فصول موته العسير.

أن تكون ـ مختاراـ وحيدا وأعزلا في مدينة كواشنطن، يعني أن تواصل الانجرار من عتمة نفق، إلى نفق، إلى نفق، حتى تتكسر أظافرك، ويتساقط شعرك، وينسد صمّام قلبك من نقص في دفق عسل الوصل!.

هي امرأة خبرت بعضا من رجالٍ، وذيّلتهم ببهلوان!. كانت تدوّره كقط مربوط من رقبته إلى حافة سريرها الياباني الشاسع، تتلهى بتفاصيل طاعته المستترة، وتتمدد على جسده كما الصوفي على سجادة من زجاج مهشّم. علّمَته أن يتهجى اسما أرادته له، وعلّمها أن تتقيء معاشرته!.

- لماذا لم تنفجرعلى ناصية سريري الياباني لأنقّط جلدكَ بمائي الذي لكَ من ورد وسكر.
ـ لماذا ترتفع الى أقصى قبة الزُرقة، وتخلّفني على إسفلت واشنطن السميك، ألدغ نفسي، وكل حيّ، كل صباح، ثم أختفي في بنطلون؟

الوقت ينزّ صدأً، وغيابكَ يضحد الحجر.
أزورك في هيبة الثلج، وتزورني في اندلاع شارات المرور.
أهرع إليك حتى لا أبتعد، فأصطدم بأعمدة الكهرباء.
أضواء المدينة تزيدني إبهاما، المارّون يسرعون إلى جهاتهم، وأنا أتلّوى في زواريب الكآبة.
كالأحصنة أصهل عن بعد:
إنه زلزالك، ولحمي دَوْس لحمك!
أم هو هذيان؟!.

واشنطن، ليل 1/7/2008

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

علويّو أميركا!

12-كانون الأول-2012

خشخاش

18-تشرين الأول-2009

الحريّات ـ الشباب ـ التنمية

06-تشرين الأول-2009

عالم الدِيَكة

09-آذار-2009

شعب الله المنفرط

20-شباط-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow