Alef Logo
ابداعات
              

قصتان قصيرتان

عمر حمّش

2007-11-03

خيط القمر

بيتنا في المخيم تحت القمر, والقمر تفاحة محروقة معلّقة , خيط رفيع يربطنا به , نهتزّ نهتزّ, القمر جميل , لكن لو انقطع بنا الخيط سنهوى في الفراغ السحيق.
جاورتني على الفراش , مشدودة معي إلى القمر , أراها يغادرها الشحوب , تغدو وردية , تفاحة يغزوها الاحتراق , أراها بنتا للقمر , عروسا جاءتني من عالم الفضاء , محرابا يغريني أن أعبره.
مشحون أنا في تلك الليلة , تتقدمني روحي نحو المحراب , اقترب , أرى القمر يبتهج , يربطه وتر رفيع يجذبنا , وأنا رحى تدور, الدوران فن ياقمر , يوحدني مع المحراب يجعلنا نصول ونجول , فارس أنا يحرث بحصانه الصحراء , عازف يعامل آلته مثل ساحر , وخيط القمر يزداد توترا , يصبح وترا يشدو , نعزف عليه دوراننا , دوراننا نشيد , نشيد يا قمر.

الليلة غافلناهم ودرنا , كأننا لسنا هنا , كأن المخيم بستان , وهم؟ , زالوا أوماتوا , نحن في بستان , ويكفى , ندور مع القمر , أنا والمحراب ندور , نذوب ونمتزج , ننصهر ونختلط , نصدح بلحن البستان , أنا العابر صحن المحراب , فيه أذوب , أنا الصادح بنشيد البستان المفقود.
في لحظة انشد الخيط بعنف , وصرنا كمن يهوى , داست أقدام على السماء , والأرض والجدران , والهواء , والماء , واليابسة , والسائلة , أقدام انتشرت فوق رأسي وصدري وقدميّ , قبضت على نشيدي وصوتي ولهاثي وأنفاسي , عضّت على شهيقي وزفيري ونبضي وضغط دمى .
الدنيا صارت أقدام .
أقدام تدق باب البيت بجنون , كانت تهوى على الخيط المشدود ,أقدام تهرس تحتها القرميد وفى معدتي تجوس .
صرت مشدودا من عنق رأسي , معلّقا , عاريا كنت كما علمني الله .
حملقوا عجبين في عريي , فأنا كنت أفعل ما يفعله الرجال .. أنا اكتشاف .
ضبطونا في أوج اللّحن , قبل أن يكتمل اللحن , ويصل ذروته , آه , لم يصل اللحن لذروته .
ساقوني , وتركوا محرابي يبكى داخل اللحاف الملفوف , صفدوا قبضتيّ , وعقلي , وقلبي , ورئتيّ , دفعوني إلى العربة , وقبل أن يقفلو نصفىّ العلويّ بكيس الخيش سرقت نظرة إلى السماء , كان القمر يهوي مذبوحا , والخيط خلفه يجري.

سيف عنترة
اليوم أطبق علىّ الاختناق , فهّربتني ساقاي , ترنحت حتى السوق , غامت العينان في جمهرة محتشدة حول طاولة عملاقة يعلوها سوقي تلوح يداه في الفراغ , كان يفجر فوق الرؤوس , شاقل , شاقل , قميص ينفع لعامل طوبار , قميص ينفع لعامل طوبار, قميص بشاقل , شاقل , شاقل ونصف ,شاقلان ترتفع ذراع من بعيد , يزداد السعر بطيئا, يزداد الاختناق.يحذف القميص فوق الجمهرة ,تتلقفه يد وتقلبه ,قميص آخر ,بنطال يصعد العالي ,شاقل ,شاقل, تعوم العينان ,هذا الانقباض داء شخصي يخصني ,يتلقفني منذ الليل إلي الليل , ويتلذذ داخلي ,يقبضني حتى تهتز الساقان , حتي تخذل الذراعان , وتنطفئ العينان, الوجوه تعوم وتمتزج الألوان , كل شيء أبيض أو كل لون أسود , أبيض يهتزّ , أو أسود داكن في كلّ شيء , السوق لا يفرّج الكرب , الاختناق يحتلني في وسط المزاد , شاقل , شاقل , هذا الدلال همجي يجأ ر, الناس أصنام عمياء تحملق ,ْ تتعلق في خرق بالية ,قادمة من إسرائيل , ملبوسات ممسوحة , أو أحذية مثقوبة , الهمجي يصيح بإتقان تعوده ,ذراعاه تعومان , يقلب بضاعته بإغراء , أحيانا يلبسها ويدور كعارض أزياء,فتهيج الأصنام , ويهيج السعر , أترنح أنا فأحمل رأسي وأجلس تحت السيقان .آه يا رأسي , يا عينيّ المطفأ تين, ظهري يسنده حائط , روحي تغوص بعيدا , وعينايّ بئر بلا قرار , أذهب داخل بئري, أغوص , أغوص , فتلاحقني الجمهرة , تطبق داخل صدري, الحشد يزيد , القمصان تتناثر لتلطم الرؤوس , معاطف وسراويل تطير , أحذية تلطم الخدود , ناس تغادر , وناس تأتي , أحلّق أنا عصفورا أسود لأرقب الهمجي وأدقق فيه , ويا عجبي في لحظة رأيته ترتخي أسفل خدّيه ذؤابتان , رأسه يزدان برقعة مستديرة سوداء , رفع من بين ساقيه سيفا طويلا رغم الصدأ لمع حدّاه , حمله ثقيلا ولاح به , هويت أنا ألي قاع البئر , واختناقي ازداد , ضرب الهواء , فسمعت صليلا أحسب أني أعرفه , صاح الهمجيّ .سيف عنترة , وصاح الناس : سيف عنترة!! هللوا ولا أعرف ماذا قصدوا , عاد يضرب الهواء وينادي : سيف عنترة , جاء من لم يأت , احتشد السوق وحسبت الدنيا احتشدت . شاقل , شاقل , سيف عنترة , وأنا عصفور أسود أتراقص فوق الحدّ , تشممته , تذوقته لحظة ثم طرت , شاقل, شاقل ,تزايد التهليل وارتفع صوت , شاقلان , رأيت مرحا في العيون , فبكيت إلى أن دميت عيناي , ضاعت عينايّ , شاقلان , شاقلان , ويا عجبي في أقصى الحشد رأيته . كان عبدا ذاويا ينحني على خجل بين السيقان , رنت عيناه الواسعتان إلى السيف , فسكبت دمائي . كدت أحادثه فلم أقو . كدت ألثم شعره المجعد فلم أقو , شاقلان , ارتفعت يد وصوت : ثلاثة . ضرب الهمجيّ بالسيف , وأرسل صليلا , ثلاثة , ثلاثة , وأنا مذبوح . يا ربى ماذا يحدث ؟ العبد الأسود يذوى, وأنا أذوى , ولا عينان تشبه عينيّ . بل مرح يعلو , هذا سيف عنترة يا ناس ,أربعة , أربعة شواقل , الذؤابتان تتراقصان , القبعة تتطاير معلقة بدبوس يشجنى , في عنق العبد الأسود حبل وعلى خجل يرنو , أين أنت يا عزرائيل , القبر أمنية الأماني , رغبة الرغبات , طريق النجاة لعصفور ممزق , يا موت الصالحين اقترب , خمسة , خمسة شواقل , الهمجيّ يعربد , يتراقص , يطير ثقيلا , ويهوى فوق الرؤوس , أفسحوا المكان , يدبّ على الأرض ويمزق بسيفه الصفوف , يصل العبد فيجرّه , يهتف وعنترة معه . السيف وعنترة , يصفق الناس , يحمل عنترة السيف ثقيلا ويدور به , يقصفه الهمجيّ بعصا ويقهقه , ستة , سبعة , عنترة يعوى , وأنا مذبوح , ثمانية شواقل , وعزرائيل لم يأت , يا مريح التائهين , يا مغيث , يتخلى عنى عزرائيل في أوج العوز .
أغوص في بئري , تلاحقني عيون عنترة , السعر يزيد بطيئا, قهقه المجنون , أغوص أغوص . أصل شاطئ بحرنا , أدخله على عجل , تدفعني الأمواج , فأعود عنيدا , أقذف روحي داخلها , أضرب رأسي في صخرة فلا تنفجر , أبحث عن جوف حوت فلا أجد , تسحبني القهقهة , القبعة المتطايرة , الذؤابتان , اللكنة غير العربيّة , عينا عنترة الخجلة , يتردد صدى صراخي ... يا عزرائيل... فتدوسني أقدام في الحشد لتوقظني , تسحبني من بئري . أحدهم يتلمس وجهى ... يا أخ , فألملم نفسي عن الحائط , وأقوم ,لأجر جسدي مبتعدا.





تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

قصص قصيرة جدا

28-آذار-2013

2 ق ق جدا : صَباحٌ مشمس / المتصابي

14-تموز-2009

قصة قصيرة جدا

14-حزيران-2009

هَمسُ الضُّحى

01-أيار-2009

بَحرُ اللّيلِ

06-نيسان-2009

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow