Alef Logo
ابداعات
              

قصة / هلال يحضن نجمة

غريب عسقلاني

2007-11-05

- 1 -
ما بالنا قد تركنا البيت الذي بنيناه ورجعنا إلى الأرض نلوك الحياة كما الناس, تأخذنا الحكايات نقتفي خطى الخارجين من الحياة/ العابرين في نفق الأفول/ يعتقدون وهما, أن ما يتنفسون هو الحياة.
ما بالنا قد تركنا الشرفة تنتظر!؟
فاصعدي يا سيدة الحلم ,إنه الخبز هناك, إنه الشبع هناك.
وهناك لا عطش, فالروح تشرب من نبع الوليف حتى الامتلاء..والامتلاء فيض لا يجف..فاصعدي قبل أن يصير الدمع في مقلتيك يسكن البؤبؤ, وتصبح الرؤية غبش.
فالأثير يا سيدتي حالة لا يدركها غير العاشقين, الذين يعيشون نبضين لروح واحدة, فالعشق لديهم في الحلول, والحلول أن يسكن ألواحد في الآخر فهل مارستِ الحلول؟ وهناك لا غبش فالبياض هو من حال الأثير.
فهل جربتِ الطيران وأنا ظلكِ؟ فأنا من جرب الطيران وأنت ظلي, إنه أشبه ما يكون مثل الأصل
والصورة في المرآة, هل وقفتِ أمام المرآة فخرجتُ أنا في صورتكِ؟ فأنا رأيتكِ في المرآة صورتي, وتهتُ فالأصل والصورة في المرآة أنتِ..
هل عرفتِ يا سيدتي سر الروح ؟
وهل أدركتِ سر الأصل والصورة ,عندما يفيض الوجد بنا ونبوح؟ وهل يدرك الناس كيف نقيم طقوسنا في البيت هناك, وكيف نطل من شرفة سكنت خد الأثير؟
إنهم قطعا لا يدركون..فالحياة على الأرض يسرقها ضجيج الشهوات, تأخذ الناس إلي الجنون..
لكننا يا سيدتي عندما ندخل مقام البوح..ندخل أحلى حالات الجنون.
فالجنون كما أخبرتك يوما في الهروب, والهروب عندي أن أهرب منكِ..إليكِ..
أن أطيّركِ عصفورة شوق تسبقني إليكِ..والهروب أن تهربي مني.. أن أقبض عليكِ آخذكِ إلى خاصرتي, تصبحين قنديلا يضيء عتمتي..
فهل رأيتِ رجلا يمشي وفي داخله قنديل مضيء..لا يعرف من يراه أنه يحمل امرأة مستحيلة عليه على الأرض طائعة متاحة في الأثير..فهل أدرك قنديلي أن المقام على الأرض عبث..
إنني الآن أسمع دبيب اللهاث في شرايين روحكِ, وأراك ِوقد صحوت ِمن غفوة خادعة..فانهضي واتركي خلفكِ جنون الناس, واخلعي عنكِ ثياب الأقنعة, وصيري كالحقيقة عارية, وامتطي ظهر جنوني واسبقيني إلى هناك, واجلسي في الشرفة مثل نجمة, فأنا الآن أعبر الوقت إليكِ, تصهل فيّ الرغبة في الحلول, أسبق الوقت قبل وصول القمر إلى وجه السماء, فيراني وقد صرتُ هلالا يحضن نجمة هي أنتِ.
هل يهزأ القمر بنا ؟ أم تراه يباركنا في الحلول وفي الجنون.

- 2 -
أنت ِمحرضتي على البوح
تجرحينَّ فيَّ النبض حتى النزف, ترضعين من وجدي إلى ما قبل الثمالة, وتفيضين مع النشوة تقطعين الذروة, مثل غزالة واجفة تهربين..
لستُ صيادا أنا!!
كيف لي أن أُطارد فيكِِِِِِِِِِِِِِِ حالي..لكنك فعلا تهربين وأظل مع انكساراتي أشهق حسرتي.
فأنا إن ضيعتكُ ضعتْ .
وإن وجدتكِ تهتْ
فأنا المعذب في الحالتين, ليس غير قلبي أمتطيه..أفرد من نبضي جناحين وأطير مثل طائر الرخ أنشد وجه الله في وجه القمر, فأرى امرأة تغفو على وسادتها وتحلم..أهبط عند شرفة عينيها, أطوي جناحىّ..أشعلُ قنديل روحي..أغرق مع تراتيل عشق تتردد في الفضاء..عندما تصحو الأميرة, تراني قد تشكلتُ هلالا..أغمض عينيّ َلحظة تصبح المرأة نجمة في حضن الهلال.
هل عرفتِ يا أميرة, كيف أدخل طقس العبور إليكِ ؟
كيف أتهيأ للحضور مع بحة تتأرجح عابثة في مسمعي.
- آلو..كيف حالك يا صاحبي ؟
- أتهيأ للعذاب مع الفرح ..
- لا تراوغ .كيف تمضي النهارات هناك ؟
- النهار هنا طقس هروب
- الهروب إلى الحلم ؟
في الهروب أسمع القمر يُحدث نجيمات السماء عن كائنات تسكن الأرض وتمارس لعبة العشق, نجمة عذراء يأخذها الوجد على استحياء تسأل :
- هل يشبه العشق في الأرض عشق سكان الفضاء ؟
ينظر القمر إلى وجه الله, يأخذ النجمة إلى صدره, يفتح عينيها على ضوء الحقائق:
- الروح لا تدرك العشق إذا حوصرت في الجسد..والكائنات على الأرض أسيرة للشهوات.
نجمة تعرف في أصول العشق تسأل:
- ما رأي سيدنا القمر في هلال يحضن نجمة في ألأثير ؟
- الأثير يأوي أرواح العاشقين
- إذن هما من سكان السماء هبطا إلى هناك !؟
- لا تخطئي يا نجمة, سكان السماء لا يهبطون, إنما هما روحان من الأرض انفلتا من أسر الجسد, هربا من جحيم الشهوات .
فجأة انقطع حبل الهواء..ماتت ساعة الوقت أخذتني للذهول عاد الهواء..عاد صوتكِ راجف يسأل:
- أدركنا الوقت ولم نبدأ..ماذا تفعل يا صاحبي ؟
- أكتب فصلا من سيرة نجمة تسكن في حضن هلال
تضحكين وأنتِ الراغبة / تكابرين على رجفة عبرت صوتكِ/ تراوغين فأنتِ امرأة مشاغبة وتلاوعين:
- يا سلام..تعلقني على حبل الهواء وتذهب في الهيام ..
نبض الحبل الذي بيننا..يموت..وأنا أغرق في الصمت, أقلّب في أمر امرأة هاربة ِمّني ومشاغبه..
- 3 -
قال الراوي :
في الحكاية شاغبت المرأة صاحبها بالسؤال :
- كيف يكون الحال عندما النجمة تتربع في حضن هلال ؟
علق الهلال النجمة قرطا في أذنه قال :
- تصبح النجمة عصفورة شوق تتمنى .
- علمني كيف يكون الوقت يا صاحبي.
- افردي كفيكِ في الأثير وابتهلي
فجأة حط علي الكفين سرب عصافير في مناقيرها حنطة بيضاء..أخذت ترقص حول أمير..نثرت الحنطة..صارت الحنطة خبزا..فجأة هطل المطر سار جدول..صار نهرا أينعت على ضفتيه بساتين الورود.
صمت الراوي, يستريح بين فواصل الكلمات..يرشف القهوة.. يقرأ الدهشة في وجوه المستمعين.
هتفت المرأة وتأوهت:
- أين أنتَ؟ هل رجعت إلي الأرض, وتركتَني على حبل الهواء ؟
- كل ما في الأمر أن الراوي خلد إلى النوم , ينشد بعض راحة.
- لا تشاغبني فأنا امرأة الحكاية!؟
إنها الرحلة يا صاحبتي, تنتهي قبل أن تبدأ, هبت النوّة فأغلقي كل النوافذ, واسكني جسدكِ المرضوض..لا توقظي روحكِ, لا تطلقيها في الدروب يأخذها الصقيع, يخمشها العذاب, يدميها العابثون..والمدينة سوق للرقيق وافتراش العاشقات الراغبات, فتجارتهم تؤمن بالربح الوفير من مقايضة المال بأرداف النساء, لا يؤمنون أن للروح فضاء غير ما يسكنون, لا يدخلون مساحات النفوس المعبأة باللهاث وشوق الانتظار..إنهم يأتون للدنيا ويذهبون دون انتصار..فاحذري يا صاحبتي واخلدي للراحة عند هبوب نوّات الانهيار, واحتفظي ما استطعت من رجفة الوجد, وتزودي مثل رهبان المعابد كسرة من خبز حنطة بيضاء جادت بها سنبلة عاشقه..ظلي على عطش اللقاء..فتشي في الحلم وصيري امرأة/ مدينة..
هتفت صاحبتي:
- إنني امرأة/ مدينة, كيف تراني ودروبي ومساحاتي في مقلتيك؟
خرج الراوي عن صمته وتهيأ, مسح القوس على وتر الربابة.. أخذ يغني :
"في الحكاية صارت النجمة امرأة"
صارت مدينه
صار الهلال أمير العاشقين.. يذرع الوقت يعرض قلبه في الطرقات والنساء في الشرفات على انتظار راغبات راجفات.. فالأمير يحمل بين عينيه وشم امرأة,لا تشبه نساء الشرفات "
هتفت صاحبتي:
- إنها امرأة فريدة من تسكن في وشم الأمير.
مسح الراوي القوس على وتر الربابة, عذبه الغناء:
"إنها امرأة الحكاية, بيتها أرض يلعب فيها نهر يقف على ضفتيه عاشقان يجدلان الوقت حبلا من أثير"
وضع الربابة والقوس في الجراب..غادر الوقت حزينا يبحث عن عاشقين لم يكونا بين المستمعين
هتفت صاحبتي :
- فلتخبر الراوي أنني عشت الحكاية..
- لا تجزعي سيعود حتما في ليل..
- 4 –
الليلة يا سيدتي تعريت من لحمي وعظمي ,تجردت من أعضائي,أودعتها في القبو مع بقايا أثاث قديم, الليلة جلستُ وحدي مع ما تبقى منّي, أقلامي وأجنداتي وورقة بيضاء تنتظر الرقص عليها, كيف يكون الرقص على آخر ورقة في دفاتري.؟ هكذا حدثتُ نفسي..وأخذتُ أبحثُ عن نبض لهاثي..كان لهاثي محبوسا داخل قارورة ترقد في آخر الوقت عند بدابة النهايات.
من سحب روحي إلى هناك !
وهناك امرأة تفرد جدائلها تحضن القارورة, تحكم الإغلاق علىّ..رحتُ أراودها أن تطلقني..قالت يعذبها الفراق:
- ولماذا تأخذ روحي إلى قارورة صدرك؟
- صدري لم يكن يوما سجنا للنساء أنتِ من عبر إليه أخرجي منه إن استطعتِ.
- ليس قبل أن ترقص على مساحات الورق..وتغني
- كيف يأتيني الغناء دون نبضي !
- هو شأنكَ..أنت حر..
أخذت أقلامي كتبتُ
"أنتِ عصفورة شوق"
أطلقت المرأة جدائلها للريح,صارت عيناها نوافذ يعبرها الضياء.
كتبتُ على رأس الصفحة.
"أنتِ برعمة الندى"
صارت المرأة طفلة, تتعرف على بدايات الكلام .
فكتبـت ُفي ذيل الصفحة.
"أنتِ عنواني مهما ابتعدتِ أو نأيتِ"
صهلت..قفزت مثل مهرة يغسلها العرق..في فضاء الصفحة ارتسمت خريطة صارت وطن..وأخذتُ أبحثُ في تضاريسها, فعبرتُ صحراء الفراق وسبحتُ في بحر الندم, ومشيت في الأدغال, وارتقيتُ هامات الجبال ثم هبطُتُ إلى السهول.. تاهت بي الوديان قذفتني مع ماء الجداول التي تصب في بحر امرأة.
يا إلهي باتت الصفحة امرأة تنبض بالحياة..قلت :
- حرريني من قارورة الوقت يا سيدة الحضور على الورق. دست القارورة في صدرها..أطلقت نبضي ومارسنا اللهاث وتذوقتُ حلاوة الحرية في سجن امرأة/ وطن,وسكنا في الأجندات نجمة يحضنها هلال..
وصحوت ..
كنتُ وحدي في السرير ليس معي غير بقايا امرأتي التي نالها القصف أخذ منها وعاء الذاكرة تمارس, بقايا من لهاث يصلني كالشخير..فالذي تسقط منه أوراق الذاكرة, يسقط حيا في الموات.
-5 -
وقفا في الشرفة يرهفان السمع..بعض أصوات تمتطي قوس قزح, وقزح يتمطى تحت أردية الأثير..فجأة طير أسود, يهوي باتجاه الأرض مثل سهم..قالت المرأة:
- هل رأيت!؟
- إنه شؤم النذير..
فجأة صعدت حمامة خضراء، وقفت عند حافة الشرفة لحظة ثم واصلت صعدا للسماء..شهقت الحمامة قلبها..زفرت دمها..نزفت دمعا, فيما كان الغراب على الأرض يحجل برقصة البوم حول جسد فارقته الروح..دخلت صاحبتي لحمها المنهك,صرخت من بئر عميق
- إنها أمي
وأنا طيرت روحي راية بيضاء أبحث عن بياض في الورق. قلبي مع لفح جرحكِ يحترق, والذين في حالنا لا يليق بهم العزاء..إنه الهم يدخل طقسه..لا أملك غير بطاقة سوداء فمعذرة أنا لا أجيد العزاء فالحياة عزاء متصل, والذاكرة تأتي بالراحلين إلى مائدتي كل يوم..لكنني اليوم بكيتُ..أغرقني دمعكِ كالمطر الذي يهطل من ريش غراب نعق بأخبار الرحيل
لمن العزاء وجرحكِ جرحي.
لمن العزاء ونزفكِ نزفي.
الموت/ غدر..الموت/ خطف.. الموت/ قدر.
هي لعبة الوجود فيها من وجوه العدم..لعبة فيها النهاية على الأرض بداية أخرى في السماء فالبقاء في الحضور...
رحلت أمكِ يا صاحبتي عنكِ وعنّي.
اذرفي دمعكِ يطفئ شيئا من نار الفراق.
فعزائي لكِ وأنتِ الصابرة فأنتِ من تضيء بالألم, مثل صبارة الصحراء التي شربت ما تيسر من مطر الجفاف..عودي إلى الأرض, فالطقس وداع للجسد والروح تصعد تسكن في الذاكرةِ..تصبح فصلا في الحكاية.
أغلقت صاحبتي شرفتها وغادرت بيت الأثير.
وأنا ما زلت أنتظر..
هل تعود ولو بعد حين..

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

إطار لصورة رمادية

14-نيسان-2018

إطار لصورة رمادية

30-تموز-2015

مدونات دعبول السلام

13-تشرين الأول-2012

قصة قصيرة / غيمة الدموع

16-أيلول-2012

بلورة المرجان

18-نيسان-2012

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow