Alef Logo
ابداعات
              

بائعة التوت

محمد نصار

2008-01-30

الليل عباءة خلفها عري ونشوة .. آلام وآهات .. ضحكات تخترق الصمت وأنفاس محمومة لعيون شبقة ، تأتي من ذلك البيت القابع في الركن من الشارع.
ثلثه الأخير يتهاوى تحت وطأة الفجر الزاحف وسيجارتي لم تنطفئ بعد .. صياح ديك يأتي من مكان بعيد ، يخترق الصمت ، فيوقظ ديوك جارتنا وبعض العصافير على الأشجار المحيطة بالبيت ، سمفونية انطلقت تعزف من حولي ، تصاحبها الأنفاس المرصوصة في الغرفة بجواري .
جعلتني أبتسم رغما عني عندما خرجت عن الجوقة التي تعزف وأخذت تلوك فمها محدثة إيقاعات مغايرة ، رغم جفنيها المغمضين وخصلات شعرها الشقراء المتهدلة فوق جبينها الناصع ، ناهيك عن قطعة خبز لازالت تطبق عليها بحرص شديد .
إنها أصغرهم جميعا وأحبهم إلي ، ربيعان لم يكتملا بعد ، لكنها لا تقر بذلك وتحديدا معي .
مرة أخرى ارتبكت الجوقة وراح كل يشدو على هواه ، خصوصا حين انشق الذي يكبرها بعامين عن البقية و بدأ يكيل الشتائم لأبن الجيران ، هوش بيده في كل اتجاه ، فحطت صفعة على وجه الذي يكبره ، فأطلق الأخير لبوقه العنان ، مهددا بإيقاظ من في الغرفة لولا تداركي للأمر في اللحظة الأخيرة .
حركة في الشارع أثارتني ، فنظرت عبر النافذة وإذ بحمار يفتش عن رزقه في الحاويات المتناثرة على جانبي الطريق ، وكلاب الجيران تمنعه من ذلك .
تململت في فراشها ، فحاولت أن اندس في فراشي قبل أن تضبطني متلبسا بالأرق ، لكنها فاجأـني بالسؤال : أما زلت يقظا ؟. ,فآثرت الصمت .
نظرت إلى ساعتها وألقت الغطاء جانبا قاصدة المطبخ ، حيث تبدأ محطتها الأولى من هناك .
خلية نحل انتشرت، هذا يبحث عن حذائه وذاك يفتش عن حقيبته وتلك تطالب بتسريح شعرها والأم تستحثهم على الإسراع ، بينما الشقراء تدور بعينيها في الغرفة ، فتجد ابتسامتي في انتظارها ، تنسل من فراشها وتندس بجواري ، يتبعها الذي يكبرها بتردد ، تصده عني ، فيوشك أن يحتدم الصراع بينهما ، لولا تدخلي الذي أثمر هدنة قصيرة .
يصل إلى الأذان صوت بائعة التوت من طرف الشارع ، يحمله نسيم الصبح ، فتشير الصغيرة بإصبعها نحو الشارع وكأنها تنبهني لما هو آت ، تغاضيت عنها بتعمد، فقالت بصريح العبارة : أبا توت .
خرجت لملاقاة العجوز وبيدي طبق وبعض النقود ، إلا أني صدمت حين رفضت النقود وطالبت بالخبز – طبق برغيف – ، لم أصدق ما أسمع لكنها أعادت قولها مرة أخرى –طبق برغيف - .
وضعت الطبق أمام الطفلين ، فاستقبلاه بفرح باد وصعدت السلالم إلى السطح أطارد نسيم الصبح لعله ينعشني ، فهالني ما رأيت ، فركت عيني ، لكن الأمر لم يختلف ، ذهبت البيوت الجميلة وحلت محلها بيوت طينية موزعة على مسافات متباعدة , على أسطحها أكوام الحطب و تتقافز فوقها الطيور، بينما تعج ساحاتها بالماعز والحمير التي يحجبها الدخان المنبعث من أفران
الطابون ،حاملا معه رائحة الخبز الزكية ومن بعيد شيخ يمسك بمحراث يجره بغل .
دوار لفني .. عرق أجهدني وقشعريرة غزت أطرافي ، فقررت العودة إلى حيث كنت ، قابلتني على السلالم بقهوة الصباح وابتسامة مرسومة على محياها الجميل ، إلا أنها اختفت حين لاحظت ما اعتراني ، فسألتني عن السبب ، آثرت عدم الرد لكي ترى بنفسها ما رأيت ، غير أنها عاتبتني بلطفها المعهود وقالت : أنت بحاجة إلى النوم .

تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي
المزيد من هذا الكاتب

لسع النار والمطر

12-أيار-2009

الحاج عمران

23-كانون الأول-2008

رسائل حب / الرسالة السابعة

09-تموز-2008

رسائل رجل محترم جدا/ الرسالة الخامسة

15-حزيران-2008

رسائل رجل محترم جدا / 4

07-حزيران-2008

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow