Alef Logo
نص الأمس
              

فن الهوى 2

الشاعر أوفيد

2006-05-16

ولتسرفْ في وعود، فطالما خدعت الوعود النساء،
واختر أي إلهٍ شئت تشهده على قسمك.
فجوبيتر في عليائه يضحك ملءَ شدقيه، على قسم العشاق الكاذب
ثم ما يلبثُ أن يأمر رياح أيولوس بأن تذروه أدراجها.
ولكم أقسم لجونو بنهر ستيكس زيفاً،
فما أحراه الآن أن يناصر من هم على شاكلته.
حقاً إنه من الخير أن تكون ثمة آلهة.

فلنؤمن إذن بوجودهم[1]،
ولنحرق لهم البخور،
ولنسكب النبيذ على المذابح العريقة،
فما كان الآلهة في سمائهم غافلين كالنيام لا يبالون.
640 وحذار أي تسيء إلى غيرك، لأنهم يرقبون أفعالك عن كثب.
رد الوديعة إلى صاحبها، والتزام بما وعدت دون احتيال،
ولا تلوث يديك آثماً بسفك دم
وإن كنت حكيماً فلا تخدع سوى النساء، كي تخلص من المتاعب.
واحفظ عهد إلا فيما تقطعه لهنّ،
فلا بأس عليك أن تخدع الخادعات:
ففي أغلبهن الشر، فلندعهن يقعن فيما ينصبنه من فخاخ.
يحكى أن مصر قد نضب من سمائها المطر،
وعاشت أرضها ظمأى تسع سنوات عجاف،
فاقترب ثراسيوس من بوزيريس،
يعرض استرضاء رب الأرباب بسفح دم غريب.
فرد بوزيريس قائلاً: «لأنت الغريب،
ولتكونن اول ضحية لرب الأرباب، وبك تمنح مصر الماء».
وقضى فالاريس بأن يحشر بيريلوس في جوف الثور، ليكتوى بما صنعت يداه[2]
فكان صانع الشؤم أول من اختبر صنيع يديه.
بوزيريس وفالاريس، كلاهما عادل،
فليس أكثر عدالة من قانون يقضي بموت من أملت عبقريته عليه صنع الموت.
وليس أكثر عدالة من أن تجزى الخيانة بخيانة مثلها،
ومن أن تذوق المرأة ألم الخيانة الذي أذاقته غيرها من قبل.
الدمع سلاح يفل الحديد.
فهيئ لفتنتك ما وسعك الجهد أن تشهد وجنتيك منداتين.
660 وإن أخفقت في استدراك دمك
[فقد لا يستجيب إليك طيعاً حين تريد]،
بلل عينيك بقطرة ماء.
أي حكيم لا يمزج بين القبلات والملاطفة؟
إن تمنعا عنك القبلة، حاول أن تجنيها قسراً،
قد تلقى منها مقااومة وتسبك قائلة «يا وغد»،
بينا هي في الحق تتوق لأن تستسلم بين يديك.
ولكن إياك أن تغلظ في القبلة المخطوفة، كي لا تدمى شفتيها الرهيفتين،
وتتيح لها أن تندد بغلظتك.
القبلة وحدها ليست غاية،
فمن لا يظفر بها يتبعها، غير جدير بأن ينعم حتى بما منح.
فيم انتظارك بعد القبلة؟
إن لم تصل السعي لبلوغ المأرب، فلا تتعلل بالحشمة، فالسر ما ينتابك من خور،
ولا ضير إن جنحت للعنف أحياناً، فكم تستطيبه النساء،
يفضلن أن يهبن مكرهات ما هن راغبات في منحه.
وما أسعدها تلك التي تأخذها على غرة،
فهي تفسر جرأتك على أنها خير تحية لها.
أما تلك التي تمضي دون أن تمسها، وكان في وسعك أن تعنف بها لتخضعها
فصدقني، أنها شقية وإن بدت سعيدة.
680 لقد ذاقت فويبي وشقيقتها هيلايرا مع السبى عنف التوأمين كاستور وبوللكس،
ومع هذا ظفرتا بأعذب متعة في كنف الأسر.
فكل مغتصبة تحس متعة مع مغتصبها
ومع أن قصة العذراء دايداميا الإسكيرية وعشيقها أخيل الهايموني ذائعة الشهرة
إلا أن ذكراها جديرة بالإلماح.
وما إن أهدت فينوس لباريس حب هيلينا،
نظير حكمه لها بجائزة الجمال تفوقاً عى جونو ومنيرفا،
ووفدت هيلينا الإغريقية إلى قصر بريام الطروادي،
حتى أقسم أمراء الإغريق جميعاً يمين الولاء لمنيلاوس زوج هيلينا جريح الفؤاد،
ومضوا معه للأثر من طرواده، فغدا عذاب فرد قضية أمة.
وعلى نحو مخز أذعن أخيل لضراعات أمه ثيتيس،
واستخفى في زي امرأة، حتى يفلت من مصير مشئوم في حرب طروادة.
أي أخيل،
ما كان غزل الصوف حرفتك،
بل شهرتك فنّ آخر... ترعاه «باللاس»،
ما لك وصناعة السلات، فما أخلق ذراعك بحمل الترس؟
وما لكفك التي ستصرع بها هيكتور «وشلات» الصوف؟
طوح بالمغزل ولفافاته المضنية بعيداً،
فقبضتك جديرة بأن تسدد رمحاً من خشب أشجار جبل بيليون.
وكانت الأميرة دايداميا في قاعة تضم أخيل متخفياً في زي أنثى،
ولم تكتشف أمره إلا بعد أن نالها غصبا.
وما كان من الممكن أن ترضخ لو لم يخمد بالعنف مقاومتها.
700 ولكن ما أسرع ما نسيت عنفه وتاقت أن يعاود الكرة،
بل لقد ناشدته أن يمكث حين اعتزم الرحيل عنها.
لكن أخيل نحى المغزل،
خلع ثياب الأنثى، وامتشق سلاح الأبطال.
ما خطبك يا دايداميا، أتستبقين هاتك عرضك قسراً بنداءات مغويوة؟
قد تخجل المرأة أحياناً من أن تبدأ،
ولكن ما اشرع أن تغمرها النشوة ساعة يأخذ الرجل بزمام المبادرة.
العاشق المغرور وحده يرقب أن تبدأ محبوبته بمغازلته.
اخط الخطوة الأولى واضرع إليها،
فكم يطيب للمرأة ما تنطوي عليه الضراعة من إطراء.
دبر لها ضريعة تحفظ لها حياءها، إذن تمنحك ما تصبو إليه.
وقديماً مضى جوبيتر نفسه ضارعاً إلى بطلات الزمن الغابر،
فلم نسمع عن إحداهن بدأت بمغازلة رب الأرباب.
ولتتراجع خطوة إذا اكتشفت أن ضراعاتك تزيدها عنتاً.
ومن النساء من يتشبثن بمن يبادر بهجرهن،
وينفرن ممن يرتمي لاصقاً بأعتابهن.
فرافقهن هوناً حتى لا يسأمنك
ولا تكشف في ضراعاتك عن رغبة في تملكهن.
وليشق الحب طريقه مقنعاً بخمار الصداقة.
فقد صادفت امرأة متمنعة ذات مرة، خدعتها الوسيلة عينها،
720 فاستحال الإعجاب عشقاً مدلهاًَ.
*****
عار أن تبقى بشرة الملاح بيضاء صافية.
الملاح الحق من يلوح بشرته وهج الشمس وملح البحر،
والفلاح الكادح وسط عراء الحقل لا تبقى بشرته بيضاء صافية
بينما يفلح الأرض بمحراثه المحدب ومسحاته الثقيلة.
والرياضي الطامح في أن يتوج هامته إكليل غار الربة بالاس،
يحرص على ألا يبدو جسده أبيض صافياً.
أما العشق فيغشى بشرة العشاق بشحوب الوجه،
وما أحمق من يتصور أن شحوب البشرة يزري بالعاشقين!
أو لم ينعم أوريون الشاحب الوجه بفتيات غابات ديركي[3]؟
وهل رفضت دافنيس[4] الشاحب غير حورية واحدة [بعدما خانها]؟
وليكن الهزال أيضاً دليل معاناتك،
ولا تستح أن تحجب خصلات شعرك اللامع تحت قلنسوة.
وليالي السهاد كفيلة بيت السقم في أجساد العشاق،
كما يبث فيها الجوى المشبوب القلق والشجن.
ولكي تبلغ تصبو إليه، تظاهر بما يبعث على الإشفاق عليك،
حتى يدرك من يصادفك أنك عاشق معنى.
أتراني أشكو أم أحذر من امتزاج الخطأ والصواب حين أقول:
740 ما أكثر ما تكون الصداقة اسماً والوفاء خرافة.
لذا، ليس من الفطنة النسيب بمحبوبتك أمام صديقك.
فما إن يقف على أوصافها، حتى يتسلل ليغتصب مكانك.
حقاً لم يدنس باتروكلوس بن أكترو[5] فراش صديقه أخيل،
والتزمت فيدرا بالعفة في علاقتها ببيريثوس[6].
وكذلك أحب بيلاديس هيرميونيه الحب الطاهر[7]،
الحب نفسه الذي حمله فويبوس لشقيقته باللاس،
والتوأمان كاستور وبوللكس لشقيقتهما هيلينا.
ولكني أنذرك:
إذا كان هناك من يتعلق بهذا الأمل،
فدعه يأمل أن تثمر شجرة الطرفاء تفاحاً،
ودعه يبحث عن الشهد في مجرى النهر.
فالمرء لا يعبأ بغير متعته،
وأروع متعة هي أكثرها مجلبة للعار،
تحلو إن نبعت من آلام الغير،
مهما أورثتنا من لوم أو تأنيب،
فما أغنى العاشق عن أن يكون له غريم.
أهجر حتى من تثق في وفائهم تأمن.
واحذر قريبك وأخاك ونديمك،
إنهم واخجلاها مكمن الخطر!
كنت أهم بأن أختم حديثي، لولا أن النساء قلب،
ولا مهرب من أن نتزود بألف وسيلة
كي نقوى على مواجهة أنماطهن المختلفة.
فالحقول لا تتماثل عطاء،
هذا ينتج كرماً وذاك يغل زيتوناً، والآخر يغمرنا حنطة.
وكذلك تتباين أنماط القلوب تباين ما في العالم من أشكال.
760 الحكيم هو من يكيف نفسه لوفق شتى المواقف،
وله أسوة في بروتيوس الذي يتشكل كيف شاء،
تارة موجاً أو أسداً، وتارة شجرة أو خنزيراً برياً فظاً.
ونحن نصيد السمك هنا بالرمح، وهنا بالشص،
وهناك بالحبال المشدودة في الشباك البعيدة الغور.
ونفس الحيلة لا تنجح مع كل فريسة،
فالوعل اليافع يلمح الفخ من بعد بعيد.
ناشدتك ألا تتحذلق أمام ساذجة أو تتماجن مع محصنة،
وإلا زعزعت ثقتهما بنفسيهما.
فما لتبث الأنثى التي تتهيب عاشقاً مهذباًَ
أن تؤثر الانحدار إلى أحضان وغد داعر.
*****
والآن وقد فرغت من نشيدي الأول،
فلنلق بالمرساة هنا هنيهة،
كي يخلد قاربنا للراحة قبل أن نصل الرحلة.
*****

[1] كثيراً ما استند النقاد على هذه الأبيات للقول بأن أوفيد كان لا أدريا في معتقداته. ولكن تمعن النص يبين أنه يقر عبادة الآلهة بل يحبذها على ألا يظن الناس (كما كان الفلاسفة الأبقوريون يظنون) أن الآلهة في سمواتهم لا يهتمون بما يحدث في الدنيا. فيعتقد أوفيد أن الآلهة يتدخلون في أمور البشر من وقت لآخر ومن حيث لا يشعرون، لذلك تحسن عبادتهم عبادة خاشعة على أمل أنهم سيثيبون الأبرار ومن لا يوقع الضرر بالآخرين. وواضح أن أوفيد يخشى ألا يستطيع الإنسان أن يعيش حياة صالحة إذا لم يستشعر قوة عليا تراقبه وتحاسبه. ولم تكن الديانة التي يعنيها تلك الديانة البدائية الغليظة المرتبطة بالعبادات اللاتينية المحلية الشعائرية، بل الديانة الإغريقية العامرة بالأساطير اللماحة الرامزة لأحوال النفس لأحوال النفس وظواهر الطبيعة. وليس من مكان للديانة المحلية سوى ربة الحظ «فورتونا» التي لا ترقى إلى مستوى الآلهة وإن كانت تعد منفذة لإرادتهم في أمور الدنيا. وكان هذا الميل نحو الديانة الإغريقية القديمة متجلياً أيضاً في اتجاه الامبراطور أوغسطس نحو تمجيد فكرة النظام والاستقرار رغم تقلبات الطبيعة والدهر. وكانت الديانة الرسمية في الامبراطورية الرومانية تعد الامبراطور بمثابة ممثل شخصي لرب الأرباب جوبيتر على الأرض، بل وتدعوه «الإله الحاضر بيننا»، ومن ثم غدت الديانة الرسمية وسيلة لربط الأمة بولاء ديني موحد ومشترك لا يهتم بتعاليم دون أخرى، وإنما يفتح المجال للديانة الموحدة الإغريقية القديمة التي لا ترتبط بآلهة قبائلية محلية متفرقة، كما كانت الحال في إيطاليا قبل تأسيس الامبراطورية الرومانية، فأصبح الآلهة حلفاء الدولة والدولة حليفة الآلهة.
أما أوفيد، فكان يحاول مسايرة العقيدة الرسمية السائدة لأسباب بديهية، وإن كان لا يهتم كثيراً بأمور السياسة والملك على حد قول الأستاذ هرمان فرنكل في كتابه «أوفيد... شاعر بين عالمين»: «لم يؤمن أوفيد إلا باثنين: الفن والإنسان». واهتمامه بالأساطير هو من مظاهر إيمانه بالفن والآداب وليس دليلاً على معتقدات دينية معينة.

[2] فالاريس طاعية أجريجنتوم، كان قد طلب بيريلوس الفنان الأثيني أن يصنع له ثوراً نحاسياً يحشر في باطنه المجرمين ويحرقهم أحياء فتصدر صيحاتهم تحاكي خوار الثور.

[3] كان أورويون قناصاً شهيراً يصيد الحيوانات المفترسة في غابات ديركي بجوار طيبة، حيث عذّبت ديركي بأن شدّ إلى ذيل ثور متوحش جرها على الصخور عقاباً لها على أسرها لأنتيوبي مطلقة زوجها ليكوس ملك طيبة، وحولها الآلهة بعد ذلك إلى نافورة رحمة بها.

[4] دافنيس هو ابن هرميس [مركوريوس] وإحدى الحوريات، اشتهر بأنه مبدع الشعر الرعوي. ولد في أجمة من شجر الغار حيث تركته أمه ليموت، إلا أن حوريات الغابة رعينه وربينه كما علمه الإله بأن عزف الناي فبرع وامتاز. وكان جميلاً وسيماً أحبته بعض نساء البشر وبعض الحوريات، بيد أنه خان إحدى الناياديس التي كانت تعشقه فانتقمت منه وأعمته. فرفعه هرميس إلى السموات وفجر ينبوعاً من مكان صعوده أخذ الرعاة يختلفون إليه كل عام لتقديم القربان إلى روحه.

[5] باتروكلوس كان صديق أخيل الحميم اشترك معه في معارك الحرب الطروادية حتى صرعه هكتور، فحزن أخيل على موت صديقه حزناً شديداً. والمقصود أن تلك الصداقة الكبرى بين الاثنين تحرّم باتروكلوس أن يخون صديقه بأن يغازل شريكة فراشه وهي أسيرته بريزييس.

[6] كان بيريثووس ملك اللاييث صديقاً حميماً لثيسيوس فرعي حرمة زواج هذا الأخير من فيدرا.

[7] كانت هرميونيه زوجة لأريستيس، أما ببلاديس فكان أعز أصدقائه.
تعليق



أشهد أن لا حواء إلا أنت

08-أيار-2021

سحبان السواح

أشهد أن لا حواء إلا أنت، وإنني رسول الحب إليك.. الحمد لك رسولة للحب، وملهمة للعطاء، وأشهد أن لا أمرأة إلا أنت.. وأنك مالكة ليوم العشق، وأنني معك أشهق، وبك أهيم.إهديني...
رئيس التحرير: سحبان السواح
مدير التحرير: أحمد بغدادي

حديث الذكريات- حمص.

22-أيار-2021

سؤال وجواب

15-أيار-2021

السمكة

08-أيار-2021

انتصار مجتمع الاستهلاك

24-نيسان-2021

عن المرأة ذلك الكائن الجميل

17-نيسان-2021

الأكثر قراءة
Down Arrow